تمام الكلمة والكلام في العربية

لطيف القصاب/مركز المستقبل للدراسات والبحوث

هذا بحث مقتضب في تمام الكلمة وتمام الكلام قسمته على مطلبين بحسب شطري عنوان البحث فدار الاول حول المراد من تمام الكلمة أما الثاني فقد تعلق بالخوض في مقاصد تمام الكلام وفيما وجدت فيضا من الاحاديث اوردها علماء اللغة قديمهم وحديثهم بخصوص الكلام من حيث التمام والنقص لم اتوفر الا على نصوص شحيحة تتناول الكلمة التامة من هذه الحيثية.

 وقد اجتهدت في تتبع الكتب التي تراءى لي ان الغاية في مضانها فكان نصيبي من ذلك العثور على ما لم يكن له من الصواب نصيب الى ان ارشدتني الصدفة الى كتابي منهج التقويم النحوي عند سيبويه لمؤلفه الدكتور محمد كاظم البكاء وكتاب احياء النحو لمؤلفه الاستاذ ابراهيم مصطفى فعثرت على المراد من تمام الكلمة في دائرة تضيق بعد اتساع حتى تصل في نهاية البحث الى الاسم المظهر دون قسيمه المضمر والمظهر التام دون سميه الناقص بينما انتهى الشوط في دراسة الكلام التام الى ذلك المفيد المسند المنظوم نظما سالما على غرار ما جاء في كتب المتقدمين، ومايعنيني من الكلمة في هذا البحث هو اللفظة المفردة بذاتها دون الخروج عن هذا القيد الى المجاز كوصفهم الجملة والكلام الطويل ونحو ذلك بالكلمة.

كما ان المقصود بالكلمة هو دلالتها المعجمية من دون التعرض الى المستوى الصوتي والصرفي. وما اعنيه بتمام الكلام هو ذلك الكلام الذي يشتمل على مستويات الافادة والاسناد والصواب والجودة وسياتي تفصيله.

 اولا:- الكلمة عند المتقدمين

 عرف سيبويه الكلمة فقال:- "هذا باب علم ما الكلم من العربية فالكلم اسم وفعل وحرف ". وفي شرح كتاب المفصل يقول ابن يعيش: - حد الزمخشري الكلمة بكونها اللفظة الدالة على معنى مفرد بالوضع وهو جنس تحته ثلاثة انواع: الاسم والفعل والحرف، فاللفظة جنس للكلمة وذلك انها تشتمل المهمل والمستعمل فالمهمل ما يمكن ائتلافه من الحروف ولم يضعه الواضع بازاء معنى نحو صص وكق ونحوهما، فكل كلمة لفظة وليس كل لفظة كلمة. أما الكلمة المهملة فتقسم بدورها الى كلمة غير مؤتلفة الحروف وذلك مثل الجيم يجتمع مع الكاف تقديما واتاخيرا اوالعين تجتمع مع الغين او الخاء تجتمع مع الهاء، والى كلمة مؤتلفة الحروف وذلك كأن يقول القائل "عضخ " فهذا مما يجوز تألفه وليس بالنافر الا ان العرب لم تقله. ولم ينحرف عن قسمة الكلمة الى انواعها من المتقدمين سوى ابي جعفر بن جابر حينما زاد اسم الفعل على التقسيم المذكور آنفا فصارت القسمة لديه:-الاسم والفعل والحرف ثم الخالفة وهي اسم الفعل.

 ثانيا:- الكلمة عند المحدثين

 لم يخرج المحدثون عن قسمة سيبويه للكلمة الا ان الدكتور تمام حسان في كتابه اللغة العربية معناها ومبناها اوصلها الى سبعة هي:- الاسم، الصفة، الفعل، الضمير، الخالفة، الظرف، الاداة. بيد ان الدكتور محمد كاظم البكاء ينص في كتابه منهج سيبويه في التقويم النحوي على ان اول من اجترح القسمة السباعية للكلمة هو الدكتور مصطفى جواد معيبا في ذات الوقت على هذا الفريق من اللغويين انهم خلطوا في استحداثهم للتقسيمات الجديدة بين ذات الكلمة ووظيفتها وبمعنى اكثر دقة بين القسم وقسيمه ويخلص البكاء الى ان قسمة الكلم الى اسم وفعل وحرف هي قسمة باعتبار ذاته وحقيقته فهو جنس وهذه الانواع اقسامه، أما اقسام الكلام الاخرى نحو الضمير والظرف فهي قسمة باعتبار الوظيفة اي وظيفة الكلمة في التاليف، فالاسم مثلا يكون ظرفا اذا كان من الاماكن والاوقات وقد بني على المبتدأ نحو القتال اليوم، ولكن الظرف وهو في المثال المتقدم (اليوم ) يعود الى اصله اسما في مثل قولهم:- الدهر يومان يوم لنا ويوم علينا.

 ثالثا:- تمام الكلمة بين القدامى والمحدثين

يقول ابن عقيل في مستهل شرحه الالفية:- "الكلام المصطلح عليه عند النحاة: عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها....وفائدة يحسن السكوت عليها اخرجت الكلمة ". نفهم من النص المتقدم ان الكلمة خارجة عن موضوع الفائدة وبالتالي عن التمام وسناتي على بيان معنى التمام بالتفصيل عند الحديث حول تمام الكلام في المطلب الثاني. لكنني وقفت على اشارة لابن يعيش في شرحه للمفصل قد يكون قصد فيها الى تمام الكلمة بالمعنى الذي نطلبه وذلك حينما حكم بتمام الجزء من الكلام وهو الكلمة التي تقبل التنوين بانواعه كتنوين التنكير والمقابلة والعوض والترنم..، حيث يقول:- " ان التنوين ليس مثبتا في الكلمة انما هو تابع للحركات التابعة بعد تمام الجزء جيء به لمعنى وليس كالنون الاصلية التي من نفس الكلمة ". اما لدى المحدثين فقضية التمام تبدو اكثر وضوحا مع بقائها في دائرة النفي والاثبات ايضا اذ يقول صاحب النحو الوافي:- " لذلك لايقال عن الكلمة الواحدة انها تامة الفائدة، برغم ان لها معنى جزئيا لاتسمى كلمة بدونه، لان الفائدة التامة لاتكون بمعنى جزئي واحد ".غير ان الدكتور محمد كاظم البكاء في كتابه منهج سيبويه في التقويم النحوي يصرح بان الكلمة التامة هي الاسم المظهر دون المضمر وهي الاسم المظهر التام دون الاسم المظهر الناقص ومثال الاسم المظهر التام هو الذي يقوم بنفسه في البيان عن معناه نحو:- رجل، فرس، زيد، عمرو. ومثال الاسم المظهر الناقص هو الذي لايقوم بنفسه في البيان نحو:- الذي، من، ما.

ويقول الدكتور ابراهيم مصطفى " لك في كل علم ان لا تنونه، ولاينون العلم حتى يكون له حظ من التنكير "، وفي هذا المعنى الاخير معنى في الكلمة قد يكون هو التمام بعينه وقد يكون فهما لما اورده ابن يعيش آنفا.

 رابعا:- تمام الكلام بين القدامى والمحدثين

 1- مستوى الافادة:- يقول ابن عقيل:- الكلام المصطلح عند النحاة عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها "

وفي بيان هذا المعنى يقول الدكتور حسن عبد الغني الاسدي مانصه:- "ان سيبويه استعمل حسن السكوت للاشارة الى تمام الفائدة من الكلام بوصفه اصغر بنية نحوية تمتلك معنى تاما".

2-مستوى الاسناد:- يقول الرضي نقلا عن ابن الحاجب " الكلام ما تضمن كلمتين بالاسناد ولايتاتى ذلك الا في اسمين، او فعل واسم ".

ويقول ابن يعيش نقلا عن الزمخشري:- " الكلام هو المركب من كلمتين اسندت احداهما الى الاخرى ".

ومما تقدم فان الافادة والاسناد في الجملة التامة كانت من قبيل المسلمات عند قدماء اللغويين وهي هكذا عند المتأخرين ايضا، اذ يذكر الدكتور مهدي المخزومي بان الجملة التامة هي التي تعبر عن ابسط الصور الذهنية التامة التي يصح السكوت عليها، وتتالف من ثلاثة عناصر رئيسية هي:-

اولا: المسند اليه، او المتحدث عنه، او المبني عليه.

ثانيا: المسند الذي يبنى على المسند اليه، ويتحدث به عنه.

ثالثا:- الاسناد او ارتباط المسند بالمسند اليه.

اما الدكتور فاضل صالح السامرائي فيورد ما نصه:- " الجملة العربية كما يرى النحاة تتالف من ركنين اساسيين هما المسند والمسند اليه. فالمسند اليه هو المتحدث عنه ولايكون الا اسما، والمسند هو المتحدث به ويكون فعلا او اسما، وهذان الركنان هما عمدة الكلام وما عداهما فضلة او قيد ".

3- مستوى الصواب: يعرف الدكتور محمد كاظم البكاء هذا المستوى بالقول:- " هو ما كان موافقا للقياس على الكثير او جاريا على وجه من سنن العرب في كلامها. وعليه فان الكلام الذي يشتمل على خلل في التركيب بحيث يخرج عن السياقات المنطقية المتعارف عليها بين المتحدثين يكون خارجا بدوره عن هذا المستوى وان اشتمل على معنى الافادة والاسناد فقولنا:- الشمس تشرق في الليل هو كلام يفتقر الى الصواب وان كان مفيدا مسندا.

4- مستوى الجودة:- وقد عرفه الدكتور محمد كاظم البكاء بالقول:- " وهو المستوى الذي يعبر عن تفاضل وجوه التاليف التي استقامت صحيحة متوخيا به جودة التعبير.

 وهذا المستوى الاخير وما قبله وان لم يردا بهذين الاصطلاحيين في لغة المتقدمين الا انهما كلاهما لايتعديان نظرية النظم التي استوت ناضجة على يد عبد القاهر الجرجاني، ونظرية النظم تعني بحسب ما افهمه اتساق التاليف في الكلمة الواحدة وبين كل كلمة واختها في سياق التركيب الواحد او كما حددها الدكتور احمد مطلوب بتوفرها على اربعة اوصاف مجتمعة هي:-

اولا:- ان تكون الالفاظ واضحة بينة ليست بغريبة الاستعمال.

ثانيا:- ان تكون كل لفظة من الالفاظ ملائمة لاختها التي تليها غير نافرة عنها ولامباينة لها

ثالثا:- ان تكون الالفاظ حلوة في الفم سهلة على النطق غير مستثقلة ولا مستكرهة.

رابعا:- ان لايكون في الالفاظ تقديم وتاخير يستغلق به المعنى فيجيء نظم الكلام مضطربا

خلاصة البحث

اولا: الكلمة بمعنى كونها اسما مفردا تاما يقابل الاسم المفرد الناقص لم يكن اصطلاحا واضحا عند المتقدمين ان لم يكن مجهولا اصلا.

 ثانيا: تمام الكلام من حيث توفره على شروط الافادة والاسناد والصوابية والجودة كان معنى واضحا ومبثوثا في كتب المتقدمين وقد تابعهم على ذلك المتأخرون مع شيء من التشذيب والتهذيب ليس الا.

* مركز المستقبل للدراسات والبحوث

http://mcsr.net

..............................................

المصادر

1- احياء النحو لابراهيم مصطفى

2- الجملة العربية معناها ومبناها / د. تمام حسان

3- شرح مفصل الزمخشري لابن يعيش

4- كتاب الكتاب لسيبويه

5- شرح ابن عقيل على الفية ابن مالك

6- منهج التقويم النحوي لدى سيبويه / د. محمد كاظم البكاء

7- النحو الوافي / عباس حسن

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آذار/2010 - 5/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م