الذروة النفطية والسباق نحو البدائل

مستويات النمو العالمي تساهم في زيادة الطلب وارتفاع أسعار النفط

شبكة النبأ: ربما يحقق العالم في المستقبل القريب أمنية طالما حلمت بها الحكومات وواضعو السياسات وهو نمو اقتصادي أعلى باستهلاك أقل للنفط.

فقد أدت زيادة الكفاءة في الاستخدام وترشيد الاستهلاك واستخدام البدائل إلى نقصان مطّرد في كمية النفط المطلوبة لزيادة إنتاج السلع والخدمات حول العالم.

في البلدان الغنية الصناعية بالغرب بدا بالفعل أن الطلب على النفط بلغ ذروته فيما تتجه الاقتصادات النامية نحو استغلال أقل زيادة ممكنة في النفط المستهكلك لكل وحدة إضافية في النمو الاقتصادي.

وانخفض الاحتياج العالمي للنفط والذى يمثل النمو في الطلب مقسوما على النمو الاقتصادي بنسبة اثنين في المئة سنويا على مدار السنوات العشر الماضية بل وتتسارع وتيرة الانخفاض حاليا مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والتحرك نحو مصادر بديلة للطاقة واجراءات الحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

بيد أن ذلك لايعني أن الاستهلاك المطلق للنفط في تراجع وذلك لان النمو السكاني وتزايد الثروة في بعض من مناطق العالم الفقيرة ستدفع نحو صعود استهلاك النفط لبعض الوقت.

ولكنها تعني أن اعتماد العالم على النفط سيصل الى الذروة تدريجيا ثم يبدأ في التراجع ومن ثم فان الوصول الى "نمو بنفط أقل" قد لا يكون أمرا بعيد المنال. بحسب رويترز.

ويقول ادواردو لوبيز المحلل في مجال الطلب على النفط بوكالة الطاقة الدولية في باريس الذى يقدم استشارات للبلدان الصناعية "ان معدل التراجع في الاحتياج للنفط سيتسارع."وأضاف "هناك تغير هيكلي--يصعب قياسه حقيقة لكنه واضح-- مفاده ان الطلب على وقود الاحتراق لم يعد كما كان."

ويقول ديفيد فايفي رئيس وحدة صناعة وأسواق النفط في الوكالة ان اجراءات ضبط الاسعار والدعم وكذا حزم الحوافز في الصين وغيرها ستسهم في ارتفاع الطلب على النفط في المدى القصير بيد أنه على الامد البعيد فان الاتجاه سيكون نزوليا.

وقال فايفي "بالتعميم على العالم فان الاحتياج للنفط تراجع بنسبة 2 في المئة سنويا على مدار العقد المنصرم."

وأضاف "افتراضنا العملي هو أنه مع تبني معايير للاقتصاد في استهلاك الطاقة وتنويع المصادر واللجوء الى طاقات بديلة.. فان الاحتياج للنفط يتراجع بنسبة دون 2.5 في المئة على مدى السنوات الخمس او الست القادمة."

ربما يكون الباعث وراء هذا التسارع جزئيا هو ارتفاع أسعار النفط لاسيما وان سعر برميل الخام سجل رقما قياسيا قوامه 150 دولارا في عام 2008 ويقف الان عند مستوى 80 دولارا وهو سعر مرتفع نسبيا مقارنه بالماضي.

وتتباين التقديرات حول موعد توقف مؤشر استهلاك النفط عن الصعود عالميا بيد أن غالبية المحللين يتوقعونه خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.

وقال الرئيس التنفيذي لبريتش بتروليوم توني هيوارد الشهر الماضي ان الطلب العالمي على الطاقة سيبلغ الذروة في وقت ما بعد عام 2020 ليستقر عند ما بين 95 و 110 ملايين برميل يوميا مقارنة مع مستوى الطلب الحالي البالغ 85 مليون برميل يوميا.

دول النفط تطالب الشركات بأرباح أكثر

وعمدت دولتان منتجتان للنفط مؤخراً إلى "تصعيب" الأمور على شركات النفط أثناء تنفيذها أعمالها على أراضيهما. فقد قدمت البرازيل ونيجيريا شروطاً تعاقدية جيدة نسبياً لشركتي النفط العملاقتين "إكسون موبيل" الأمريكية و"رويال دوتش شل" الهولندية العاملتين في أراضيهما، غير أن الدولتين تأملان بالحصول على حصة أوفر من أرباح الشركتين الناتجة عن إنتاج النفط من أراضيهما.

يقول المستشار المستقل في شؤون الطاقة لدى مؤسسة "دلويت آند توشيه"، جوزيف ستانيسلو: "الحكومات المستضيفة لشركات النفط تحاول إيجاد السبل لزيادة حصصها.. والبنود الجديدة في العقود أخذت تصبح أكثر صعوبة مما كان عليه الأمر سابقاً."

وإذا نجحت الحكومتان في تحقيق شروط أفضل من شركات النفط، فإن هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في تطوير بعض حقول النفط الرئيسية الجديدة. بحسب سي ان ان.

فالبرازيل التي تنتج 2.5 مليون برميل يومياً حالياً، تطالب شركات النفط العاملة على أراضيها حالياً بنسبة 50 في المائة من الأرباح على شكل ضرائب شركات أو حقوق امتياز، وهو أمر ينسجم مع الدول ذات الضرائب المنخفضة كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

غير أن الاكتشافات النفطية الجديدة في مياه البرازيل الإقليمية، والمقدرة بنحو 50 مليار برميل من النفط والغاز الطبيعي، يمكن أن تغير كل الأمور، حيث بدأ المشرعون البرازيليون يدرسون إصدار قانون بحيث يطال الشركات العاملة في المياه الإقليمية وليس على البر وحده، أسوة بدول كالعراق أو النرويج.

إضافة إلى طلبها بمشاركة شركة النفط البرازيلية بالمشاريع النفطية للشركات العالمية العاملة في أراضيها.

الأمر نفسه تدرسه نيجيريا، حيث تطالب الشركات العاملة على أراضيها بحصص أكبر من الأرباح وبدور أكبر في المشاريع النفطية.

غير أن نيجيريا، بخلاف البرازيل، تفتقر إلى وجود شركة نفط محلية متطورة تكنولوجياً، كما تفتقر لقاعدة صناعية رئيسية يمكنها تصنيع المعدات ذات العلاقة بالمشاريع النفطية.

متوسط سعر النفط 77,50 دولار للبرميل في 2010

من جانب آخر أظهر استطلاع آراء أجرته رويترز أن من المتوقع ارتفاع متوسط سعر النفط الخام الامريكي الى 77.50 دولار للبرميل في 2010 لكن المحللين قالوا ان ارتفاع المخزونات سيبقي على الاسعار داخل نطاق محدود الى أن يتحسن الطلب في الربع الثالث من العام.

وأوضح المسح الذي شمل 29 محللا ارتفاعا في متوسط السعر المتوقع للشهر التاسع على التوالي. كان متوسط التوقعات لعام 2010 في ابريل نيسان الماضي 65.95 دولار للبرميل.

وقال هاري شيلينجوريان كبير محللي السلع الاولية في بي.ان.بي باريبا "في الاجل القصير لايزال هناك قدر كبير من عدم التيقن بشأن المستوى الذي قد يستقر عنده السعر."

وأضاف "من المرجح تداول النفط داخل نطاق واسع على مدى الاشهر الثلاثة الى الستة القادمة ربما في حدود 65 الى 85 دولارا للبرميل يحده من أعلى ضعف العوامل الاساسية لكنه يظل مدعوما فوق مستوى نظري أساسي بفضل استمرار أوضاع وفرة السيولة."

ومن المتوقع أن يبلغ متوسط سعر الخام الامريكي 75.20 دولار في الربع الاول من 2010 ارتفاعا من 73.70 دولار في الاستطلاع السابق الذي توقع أيضا 74.90 دولار في المتوسط للربع الاخير من 2009.

وارتفعت أسعار الخام الامريكي الى 83.95 دولار في يناير كانون الثاني مدعومة بفترة طويلة من درجات حرارة دون معدلاتها في نصف الكرة الارضية الشمالي ونمو اقتصادي قوي في الصين ثاني أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم.

وفي معاملات عاودت الاسعار تراجعها لما دون 75 دولارا للبرميل مع تحول المستثمرين صوب الاصول التي تعتبر آمنة اثر تحركات من جانب الرئيس الامريكي باراك أوباما الاسبوع الماضي لكبح المعاملات عالية المخاطر بين البنوك.

وقال فرانك تشالنجر من لاندسبنك "في الاجل القصير قد يعني تحسن الدولار واستمرار الارتفاع الشديد في مستوى مخزونات الخام أن التصحيح الحالي سيفضي بنا مجددا الى 70 دولارا.

"في الاجل الطويل من شأن استمرار طلب قوي جدا على النفط (الاسواق الصينية ارتفعت 14 في المئة العام الماضي) من الاسواق الناشئة أن يدفع الاسعار للارتفاع مجددا."

ويتوقع أحدث استطلاع أن يبلغ متوسط سعر الخام الامريكي 77.50 دولار للبرميل في 2010 بأكمله مقارنة مع توقعات لمتوسط يبلغ 76.40 دولار في مسح ديسمبر كانون الاول.

تحرُّك الأسعار بين 75 و 85 دولار أمر طبيعي 

وأكد خبراء نفطيون ان تحرك اسعار النفط العالمية حاليا ما بين 75 و 85 دولارا للبرميل الواحد امر طبيعي نتيجة التغيرات التي تطرأ يوميا على المخزون العالمي للنفط الخام والمنتجات البترولية والتي بدورها تعكس تحرك الطلب على النفط مقابل العرض في الاسواق العالمية.

وقالوا في لقاءات متفرقة لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان هذا المستوى من الاسعار " جيد" ويعكس الاستقرار في سوق النفط العالمية في ظل الظروف الاقتصادية الحالية وحالة التفاؤل الحذرة التي تسود الاوساط بقرب الانتهاء من الازمة الاقتصادية التي المت بالاقتصاد العالمي وعرضت اسواقه ومؤسساته المالية لاكبر ازمة يشهدها العالم.

وكانت اسعار النفط تجاوزت مستوى ال 70 دولار لاول مرة في اكتوبر الماضي منذ بداية العام الحالي وتحديدا منذ بدا الاقتصاد العالمي في الدخول الى مرحلة التعافى والخروج من دائرة الكساد والركود .

وبين الخبراء ان مستويات اسعارالنفط العالمية التي وصلت في منتصف عام 2008 الى نحو 147 دولارا للبرميل الواحد كان واقعها الاساسي المضاربة القائمة على هواجس جغرافية سياسية لا سيما في منطقة الشرق الاوسط.

واضافوا ان النمو الاقتصادي في الصين والهند وغيرها من الاسواق الناشئة لعب دورا هاما في ارتفاع اسعار النفط العالمية الى المستويات المذكورة متوقعين ان يلعب هذا النمو ايضا دورا في زيادة الطلب العالمي على النفط في ظل تزايد الاحتياجات للنفط ومشتقاته وزيادة الاعتماد عليه في الدول الاسيوية النامية.

وتوقعوا ان يتقدم الطلب العالمي على النفط على المدى المنظور مع تعافي الاقتصاد العالمي بينما يتأثر العرض بمدى تنفيذ المشروعات في تطوير الطاقات بجميع مراحل الصناعة النفطية من انتاج ونقل وتكرير وتسويق.

وكان البنك الكويت الوطني في تقريره حول اسواق النفط العالمية ونشر اخيرا اشار الى مجموعة من العوامل المشجعة والداعمة لانتعاش قوي في الطلب على النفط ومن بينها مؤشر الانتاج الصناعي الذي ارتفع خلال سبتمبر في الصين والهند وارباح الشركات التي فاقت التوقعات في الربع الثالث من العام الحالي لاسيما في الولايات المتحدة.

واضاف انه مع تنامي الثقة بالنشاط الاقتصادي في المدى القصير فانه تم رفع معدلات النمو المتوقع للطلب العالمي على النفط ومن ذلك وكالة الطاقة الدولية التى رفعت من تقديراتها لمعدل النمو المتوقع للطلب العالمي على النفط لعام 2010 ب 150 الف برميل يوميا الى 4ر1 مليون برميل يوميا ليصبح معدل النمو السنوي المتوقع 7ر1 في المئة .

الخليج يبقي الإنفاق مرتفعا في 2010

وفي الخليج من المرجح أن تبقي الدول العربية على برامج الانفاق الضخم في العام القادم رغم قيام اقتصادات رئيسية بسحب اجراءات التحفيز اذ يمنح ارتفاع أسعار النفط أكبر منطقة مصدرة للخام في العالم مجالا لدعم تعاف هش.

وقلصت الازمة المالية العالمية دخل أكبر اقتصادين عربيين - السعودية والامارات العربية المتحدة - مما اضطرهما الى استخدام الاحتياطيات بينما تباشران خطط انفاق هائلة للمساعدة على تجاوز التباطؤ الذي شهده هذا العام. بحسب رويترز.

لكن مع ارتفاع أسعار النفط الى أكثر من مثليها من مستوياتها المتدنية التي لامستها في ديسمبر كانون الاول الماضي عند حوالي 32 دولارا للبرميل تتوقع معظم الحكومات الخليجية تحقيق فوائض في الميزانيات والمعاملات الجارية هذا العام وهي تبدي تفاؤلا أكبر بشأن 2010.

وقال سايمون وليامز كبير الاقتصاديين لدى اتش.اس.بي.سي في دبي "الحكومات في أرجاء العالم طبقت سياسات توسعية على مدى العام المنصرم لكن في معظم أنحاء العالم يعني ارتفاع مستويات العجز والمديونية أن المجال يضيق. بيد أن الوضع ليس كذلك في معظم دول الخليج.

"التحفيز المالي الخليجي ربما جاء متأخرا عن مناطق أخرى من العالم لكن من المرجح أن يستمر فترة أطول لان الاوضاع المالية هنا أقوى بكثير من الدول المتقدمة أو في الاسواق الناشئة."

ويتصدر جدول أعمال صناع السياسات على مستوى العالم نقاش بشأن سحب اجراءات التحفيز المالي والنقدي الضخمة.

وقررت الصين الاسبوع الماضي كبح بعض اجراءات التنشيط في حين تعتزم بنوك مركزية عالمية سحب دعم بتريليونات الدولارات في العام القادم مع تحسن الاقتصادات.

ورغم بوادر التحسن لايزال من المتوقع انكماش اقتصادي السعودية والامارات نحو واحد بالمئة هذا العام مع استمرار تدني الاقراض لكن تدفقات جديدة من عائدات النفط ستساعدهما على النمو نحو ثلاثة بالمئة في 2010.

وقال جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي الفرنسي-كريدي أجريكول في الرياض "التحفيز المالي سيستمر بما ينسجم مع جهود المحافظة على نمو الاقتصاد بالنظر الى ما مرت به المنطقة في 2009."

ومن المتوقع أن يستمر الانفاق مرتفعا بصفة خاصة السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم والذي يباشر برنامجا لاستثمار 400 مليار دولار على مدى خمس سنوات وفي قطر التي تتوسع في منشآتها للغاز الطبيعي باستثمارات قيمتها مليارات الدولارات.

وفي ضوء توقع استمرار أسعار النفط حول 75 دولارا للبرميل العام القادم فان معظم الدول الخليجية ستحقق فوائض مريحة رغم الانفاق المرتفع اذ من المنتظر أن تضع ميزانياتها على أساس تقديرات متحفظة لمتوسط سعر النفط عند 50 دولارا للبرميل.

وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين لدى المجموعة المالية-هيرميس في دبي "في 2010 نتوقع تحسن الوضع المالي مع ارتفاع دخل النفط.

"من ثم نتوقع زيادة في صافي مراكز الاصول الاجنبية لدول مجلس التعاون الخليجي. لا نتوقع عجزا في 2010 سوى في البحرين."

السعوديون: لا تقلقوا بشأن الذروة النفطية

وقال الرئيس التنفيذي لشركة ارامكو السعودية المملوكة للدولة انه ما زال هناك الكثير من النفط في باطن الأرض وانه ينبغي للعالم ان ينبذ جانبا مخاوفه بشأن "الذروة النفطية".

وأضاف خالد الفالح في جلسة حول إمدادات الطاقة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس "لقد وضعنا خلفنا المخاوف بشأن الذروة النفطية."

واكتسبت نظرية الذروة النفطية التي تقول ان المعروض من النفط وصل الي ذروته او يقترب منها رواجا عندما تضخمت الاسعار الى مستوى قياسي قريب من 150 دولارا للبرميل في 2008. وتظل هذه المسألة مصدر قلق للكثيرين في صناعة النفط.

وقال تيري ديماريه الرئيس التنفيذي لشركة توتال ان العالم سيجد صعوبة لتخطي مستوى مستوى 95 مليون برميل يوميا في المستقبل وهو ما يزيد عشرة بالمئة عن المستويات الحالية. وأضاف ديماريه في نفس الجلسة "مشكلة الذروة النفطية باقية."

واختلف الفالح مع حجة ديماريه قائلا "من الاربعة تريليونات (برميل) التي يحويها الكوكب جرى انتاج تريليون برميل فقط."

واضاف قائلا "مع التسليم بأن معظم الباقي من النفط من الصعب (استغلاله) ... الا انه لا شك أننا نستطيع انتاج أكثر بكثير من الخمسة وتسعين الي المئة (مليون برميل) المتوقعة في العقود القليلة المقبلة."وقال الفالح ان السعودية تملك قائمة طويلة من المشروعات في محفظتها والتي ستعوض بل وستزيد عن الانخفاضات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آذار/2010 - 5/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م