السياسيون المخلصون والقدرة على الانجاز

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تتطلب المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق قادة سياسيين من نوع خاص، ونقصد بذلك أهمية أن يتحلى السياسي بسمة الاخلاص قولا وفعلا، ومع أننا نتفق أن جميع الاعمال لا يمكن أن تُنجز بالصورة الصحيحة والتامة ما لم تكن مقرونة بالاخلاص، إلا أننا نشدد على أهمية توافر الاخلاص في شخصية القيادي السياسي أكثر من غيره من المنتجين في هذا المجال او ذاك.

بكلمة أخرى أن دور السياسي من الاهمية والتأثير بحيث لابد أن يكون مخلصا في اداء عمله لأن تأثيره غالبا ما يكون جماعيا، بخلاف المنتج الفردي الذي لا يتأثر الآخرون بضعفه او افتقاده للاخلاص بصورة مباشرة كما هو الحال مع القائد السياسي، وهذا ما يؤكد بأن عملية صنع القرار تتطلب مراعاة للمحيط المستهدَف بهذا القرار، حيث يطول جماعات كبيرة ولا ينحصر بشخص محدد.

من هنا تكون القرارات الخارجة عن السياسي ذات أهمية كبيرة كونها ستنعكس على حياة مجموعة كبيرة من الناس وليس فردا فحسب، لهذا لابد أن يتميز القائد السياسي بالاخلاص لكي نضمن صلاحية أعماله وافعاله واقواله ونواياه أيضا، وهذا ما يتطلب شخصية تتميز عن غيرها من حيث الاحتكام الى العقل والحكمة والتأني ومعالجة الامور بروية وهدوء، فالاخلاص غالبا ما يتواجد في الشخصيات المتوازنة الراسخة في إيمانها.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) حول هذا الموضوع في كتابه الثمين الموسوم بـ (العلم النافع):

(هناك في الحياة أمور واقعيّة أعمّ من أن تكون مادّية أو معنوية. فمن الأمور الواقعية في الحياة ـ مثلاً ـ أنّ الإنسان الذي يستطيع أن يسيطر على أعصابه ويملك نفسه تجاه السفهاء من الناس لا يفقد صحته ولا دينه ولا كرامته في المجتمع، خلافاً لمَن يثور بسرعة فيفقد السيطرة على أعصابه).

إن حكمة القائد السياسي وتوازنه وبعد النظر الذي لابد أن يتمع به يجعله من الشخصيات المخلصة في ادائها لعملها القائم على خدمة الناس بالدرجة الاولى، لذلك من الخطأ الكبير أن تتبوأ الشخصيات العصابية المهزوزة مناصب هامة وكبيرة تتعلق بإدارة شؤون الشعب على نحو عام، لأنها بسبب تسرعها وضيق الافق الفكري لها وعدم قدرتها على التوازن في معالجة الامور العامة التي تتعلق بحاضر ومستقبل الشعب، يجعلها ذلك غير قادرة على خدمة الشعب على الوجه المطلوب.

وطالما أن الانسان ميّال الى الصحيح في القول والعمل، فإن الخلل الذي يبدر من هذا السياسي او ذاك سيكون أكثر انتشارا من غيره، كونه كما ذكرنا سابقا ليس عملا ذا طابع فردي بل تأثيره يطول عددا كبيرا من الناس، لذلك هناك من يتبجح من السياسين بالمعرفة والكمال من دون الحصول عليهما فعلا، ويقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الصدد:

إن (الإنسان مفطور على حب الكمال، فحتى الذي ليس عنده علم يحبّ أن يقال عنه عالِم، ويفرح بذلك. كما أنّ الجاهل لا يرضى أن يقال عنه جاهل وإن كان كذلك حقيقة. وهذا إنّما يدلّ على أنّ العلم له واقعية والجهل كذلك).

لذا من الخطأ أن يتصدر قيادة الناس الاشخاص الجهلة ومحدودي النظر، أو اولئك الذين يدّعون العلم بخلاف واقعهم الذي ينم عن شخصيات مهزوزة وغير قادرة على العمل السليم بسبب عدم توفر الاخلاص المسبق في نواياها واعمالها ايضا.

ومن المؤسف حقا أن يدعي بعض السياسيين العلم في مجال السياسة وامورها واسرارها، في حين انه لا يتحصّل على أدنى المواصفات التي تؤهله لممارسة هذا المضمار المهم الذي يتعلق بعموم الناس، وقد لا يعرف بعضهم بالنتائج السيئة التي تتمخض عن الادعاء المزيّف بالاخلاص والعلم والقدرة على مداولة امور الناس، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع:

(وهكذا يكون لمن تظاهر من أهل العلم بالإخلاص تأثيراً سيّئاً على المخلصين الحقيقيين من العلماء؛ إذاً من الأسس التي يجب على الإنسان أن يسأل الله التوفيق فيها والاستمرار عليها هي أن تكون أعماله لله حقيقة).

لهذا فإن العمل مهما كان نوعه او مضماره فإنه ينبغي أن يستند الى قاعدة الرضى الإلهي اولا، وهذا يعني بأن السياسي يجب أن يضع قبالته مخافة الله تعالى ورضاه عن أعماله، وفي حالة توافر سمة الاخلاص في شخصيته فإن التحصيل المؤكد لنتائج الأعمال سيكون صالحا ويصب في خدمة الناس عموما.

من هنا ينبغي أن يتميز سياسيو المرحلة الراهنة بالاخلاص في اتخاذ القرارات التي تهم الناس وتصب في خدمتهم لاسيما أن العراقيين تعرضوا الى أقسى انواع الحرمان والاقصاء والتهميش من قبل الحكومات السابقة التي كان معظم قادتها يفتقدون الى الاخلاص في العمل وضعف الايمان وتدني درجاته في نفوسهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آذار/2010 - 3/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م