المسؤولية الإنسانية والدينية في تربية الأطفال

طفل في الربيع الخامس من العمر يتعرض للضرب بوحشية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: غريزة الأمومة والأبوة لها دور كبير في دفع الأبوين للحفاظ على حياة المواليد الجدد والحرص عليهما من الاخطار كافة أيا كان مصدرها، ولا تنحصر هذه الغريزة بالانسان وحده بل تشمل الحيوانات ومعظم الكائنات الاخرى، وقد أسهمت هذه الغريزة بالحفاظ على النسل البشري وغيره.

لكن الامر الذي نتفق عليه وهو من البداهة بحيث لا يختلف عليه احد، أن سبل الحفاظ على الوافدين الجدد الى الحياة هي التي جعلت من الانسان سيدا وقائدا لجميع الكائنات من خلال الاهتمام الكبير الذي بذله في مجال تربية النشء الجديد، ولا تنحصر هذه التربية في مجال الدين او الاخلاق او العلم او تطوير القدرات الذاتية للفرد، بل تعدتها الى عموم المجالات.

من هنا تضاعف الدور التربوي على الابوين وأصبحا من أهم المسؤولين على تربية النسل الجديد وتطويره، بل يتصدر الدور الابوي والامومي جميع الوسائل والسبل التربوية للمواليد الجدد لأن هذا الدور الهام هو الذي يضع الركائز والأسس التربوية الاولى لتربية الوليد، كونه ينشأ في المحيط العائلي أولا فيستقي منه منابع السلوك والفكر وعلى ضوء ذلك تتشكل شخصية الانسان سلبا وإيجابا.

فكلما كانت الوسائل التربوية ناجحة ومستمدة من الارث الفكري السليم كلما صحّت التربية ونجح الآباء والامهات في مسعاهم، كما أن التوجيه الديني يلزم الابوين بالوسائل والافكار السليمة التي ينبغي أن تُعتمد في تربية الطفل.

وتنطوي التربية على جوانب هامة ومتعددة ومن بينها وربما أهمية كيف نربي أطفالنا، وهنا سنتحدث عن العنف الذي يستخدمه الآباء والامهات مع اطفالهم ظنا منهم بأن هذه الطريقة هي الأسلم والأقوم في تحقيق نتائج تربوية جيدة.

بيد أن جميع الوقائع تشير الى العكس تماما، بمعنى كلما اشتد العنف ضد الطفل من قبل الابوين كلما سارت الامور في الاتجاه المضاد لنصل في نهاية الامر الى صنع شخصية مأزمة متشنجة قاسية وضعيفة وتنطوي على الكثير من النقائض مما يجعلها تعيش بين الوسط الاجتماعي بطريقة صعبة وغربية في معظم الاحيان.

ولعل المشكلة التي لا يتنبّه لها الآباء والامهات تكمن في تقديرهم للعنف وتصورهم بأنهم يأتي بالنتائج التربوية السريعة والسليمة، وكثير منهم لايتوقع بل ولا يعرف بأن العنف يمسخ شخصية الطفل فيوغل بعضهم بضربه بقسوة شديدة، كما حدث مثلا مع احد الاطفال حين ضربته عائلته بطريقة عنيفة أدمت جسده وشوهته على الرغم من أنه لم يتجاوز الربيع الخامس من عمره بعد، كما نرى ذلك في الصور المرفقة مع الموضوع.

إن من يتطلع للصور ويرى ما حدث للطفل وما تعرض له من قسوة وعنف شديد جدا، سيشعر بالغرابة قطعا، وربما يتساءل هل يمكن لانسان ما ان يضرب طفلا صغيرا بهذه القسوة، ثم هل يعتقد انه يقوم بالعمل الصحيح والتربية السليمة اذا تعامل مع طفله بهذه الطريقة الأكثر من قاسية ؟ وهنا يتساءل كثيرون من أباح للعائلة بالتعامل مع الاطفال بهذه الطريقة المتوحشة ؟ وأين القيم الانسانية التي تشجب مثل هذه الاعمال وتتبرأ منها وتعتبرها تعديا على كرامة الانسان وحقوق الطفل المعتدى عليه.

ثم أين موقع التوجيهات الدينية للعوائل وللناس جميعا حيال التعامل مع الاطفال ؟ هل نسيت الام او الاب واو الاخ الكبير او الاخت ما يفرضه الدين من تعامل سليم ومناسب مع الاطفال؟ وهل يعرفون بأن الدين حرّم ضرب الطفل بهذه الطريقة العنيفة وهل يعرفون بأن الطفل المظلوم الذي لا يستطيع أن يدافع عن نفسه كونه ضعيفا ؟ سيأخذ حقه ممن يعتدي عليه بقوة الله تعالى وبعقابه الشديد الذي لا يستثني أحدا من الظالمين ؟.

ثم ألا يفكر المربون ومنهم وأهمهم الآباء والامهات في حالة تعاملهم مع اطفالهم بهذه القسوة والعنف، كيف سينمو اطفالهم وكيف ينشؤوا وكيف ستتشكل شخصياتهم وكيف سيتعاملون مع المجتمع عندما يصلون الى مراحل عمرية تجبرهم على الانخراط في اوساط عديدة ومتباينة من المجتمع ؟.

إن مسؤولية الابوين كبيرة جدا في مجال تربية الاطفال، كونها تضع اللبنات الاولى في بناء الشخصية، ولذا جاء تركيز الدين والمعنيين من مفكرين ومختصين في هذا المجال على ضرورة التعامل الحسن واللطيف والمناسب مع الطفل، وهو يتمثل بالتوجيه القائم على التعليم والاقناع، وليس التجهيل والارغام والقسر.

وهكذا ينبغي على المربين جميعا وأهمهم الأبوين أن يقدروا حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم في المجال التربوي الذي تتحد فيه ملامح المجتمع الناجح وبالعكس، فكلما كانت التربية سليمة للنشء كلما وصلنا الى مجتمع متطور ومتوازن في تشكيلة نسيجه الاجتماعي، ولعل السبب في التركيز الكبير للتعليمات الدينية على  اهمية التربية السليمة، جاءت لتدرأ خطر التعامل العنيف من قبل الكبار مع الاطفال حتى لو كانوا تحت رعايتهم.

فالمهم في هذا المجال ليس انتماء الطفل لهذه العائلة او تلك، بل المهم كيف ترعى العائلة أطفالها بعيدا عن كل اشكال العنف والإيذاء.

قصة طفل تعرض للتعذيب

ماهر .. طفل في الربيع الخامس , توفي والده قبل سنتين , لينتقل للعيش مع أختيه في كنف "سته" الفقيرة, والدته تزوجت بعد وفاة والده وتركت أطفالها, لكنها عادت قبل شهرين لتخطف الأطفال وتأخذه للعيش معها.

ماهر, نفسه, أدخل إلى المشفى الوطني بالقصير, وقد ملأت جسده الرضوض, ونضح جسده البريء بكل لون قاس, حتى أظافره التي لم يكتمل نموها بعد, لم تنج من محاولة اقتلاع.

نعم, هو زوج والدته, استخدم أدوات متنوعة في ضربه, حتى أدمى جسده "المتعب", وحين لم يبق في جسده الصغير مكان لم يتلون, تركه, ليسعفوه إلى المشفى.

وقالت جدة الطفل: "قبل حوالي الشهرين تم خطف الأطفال الثلاثة من قبل والدتهم ولم نعرف عنهم شيء, وفي هذا اليوم اتصل بنا قسم الإسعاف بمشفى القصير وأعلمونا عن حالة ماهر ولا نعرف مصير الطفلتين".

وقال الطبيب الشرعي سميح عودة: "تبين لدى فحص الطفل ماهر وجود كدمات رضية بإشكال مختلفة بعضها رضي وبعضها عميق على مختلف أنحاء الجسم وبألوان مختلفة".

وأضاف "عودة" : "إن الطفل تعرض للتعذيب والضرب بأدوات مختلفة وخاصة بأظافر يده وان ما تعرض له الطفل بدافع التعذيب وليس التهذيب وان هذه الظاهرة تعرف بظاهرة (الطفل المضطهد)".

والجدير ذكره أن طفلاً في السابعة من عمره توفي قبل نحو شهرين في حمص إثر تعرضه للضرب والتعذيب من قبل والده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/آذار/2010 - 1/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م