رؤية حول الانتخابات القادمة لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق

 

شبكة النبأ: ربما مصادفة لا أكثر أن تعقب الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا في العراق، انتخابات مؤسسة ثقافية هامة هي اتحاد الادباء والكتاب، وربما يكون من المناسب أن نلقي نظرة على هذا النشاط الانتخابي الذي استمر لعقود بدءً  من رئاسة شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري لهذه المؤسسة قبل اكثر من نصف قرن.

بداية سنتفق على أن الثقافة تقف في الصف الاول مع غيرها من حيث نشر الوعي بين عموم الناس، وبهذا يُفترَض أن يكون النشاط الانتخابي لاتحاد الادباء والكتاب صورة ناصعة مصغّرة لغيره من المؤسسات والمنظمات والمجالات التي تُدار وفق آلية الانتخاب في تفعيل انشطتها واداء دورها الفلي في المجتمع.

وحين نتحدث عن الدورات الانتخابية السابقة لهذا الاتحاد فإننا سنجزم بأن السياسة لم تترك المثقفين يسيرون على نحو مستقل في تقرير أمورهم واختيار قادتهم والقيام بأنشطتهم الثقافية المتنوعة، بل غالبا ما كان القادة السياسيين او الاحزاب تتدخل في شؤونهم وتجبرهم على تجيير أنشطتهم بما يتوافق مع التوجه الحكومي، وهي ظاهرة تكاد لا تنحصر في الساحة العراقية بل في عموم البلدان القائمة على الاستبداد.

لهذا من المهم جدا أن يتنبّه المعنيون ممن ينتسب الى الادباء والمثقفين لخطر العودة الى التجيير لصالح هذا الحاكم او ذاك او هذا الحزب او ذاك، لأنهم بذلك يعودون الى المربع الاول كما يُقال، وأنهم سوف يعيدون الكرة عندما كان نظام الحزب الواحد يتحكم بالادباء والمثقفين ومؤسساتهم ويجير أنشطها كافة لصالح التوجه الحكومي ويحارب كل ما عدا ذلك.

إضافة الى أن المطلوب من المثقفين أن يكونوا المرآة الصافية التي تقدم للآخرين من عموم شرائح الشعب دروسا صافية ايضا وواضحة في ممارسة الانتخاب كمظهر حضاري قائم على حق الاختيار، وبالتالي إشاعة المظاهر المتحررة ليس بين المثقفين حصرا بل ينبغي أن يمتد ذلك الى الفئات الاخرى ليشمل المجتمع كله.

على أن الامر المهم جدا بهذا المجال أن ننتقل من الممارسة الانتخابية الشكلية لندخل في الجوهر، وأن يبتعد الادباء والمثقفون عن الاخطاء التي رافقت الدورات السابقة والتركيز على الايجابيات واضافة ما يستجد منها على المشهد المتحرك للثقافة العراقية، وأن يضع المعنيون في حساباتهم أنهم تحت مجهر العيون الاخرى لعموم الشعب سواء من السياسيين او الاقتصادين او غيرهم وهنا تكمن أهمية هذا النشاط الانتخابي من حيث الجوهر بالدرجة الاولى.

وقد تسرَب من الاخبار المتدوالة بين الادباء وغيرهم تكوين التحالفات والقوائم المتجانسة والمتقاربة من حيث الافكار والتوجهات، حتى انها ربما تقترب مما حدث في الانتخابات السياسية الأخيرة، ومع أن التحالفات المتجانسة أمر غير مستغرب ولا مرفوض إلا أننا يجب أن نتنبّه بجدية الى عدم استنساخ أخطاء السياسيين وتحويلها الى الثقافة مع الفارق الكبير بين طبيعة المؤسستين الثقافية والسياسية واهدافها وآليات عملها وقدراتها وما شابه ذلك.

ولعلنا بحاجة الى الاعلان عن بعض الخطوات لكي نسهم بعدم استنساخ التجربة الانتخابية السياسية وما رافقها من تصريحات وحملات خرج بعضها على الضوابط القانونية وحتى الاخلاقية أحيانا، وأشد ما كان واضحا منها هي عمليات التسقيط المتبادل بحجة الترويج الانتخابي.

بكلمة واضحة، لايجوز قطعا للمثقف أن يشهّر بغيره من المثقفين المتنافسين لخوض الانتخابات تحت أية حجة كانت، لأن هذا الاسلوب ليس معتمدا في التجارب الانتخابية الحقيقية، نعم من حق المرشح أن يرصد اخطاء غيره المهنية حصرا وليست الشخصية ومن حقه ان يشير إليها بإسلوب لا ينم عن التسقيط القائم على الحجج الواهية، كما من حق المرشح الثقافي أن يعلن برنامجه علنا وبوضوح وأن يبيّن مؤهلاته وسيرته وقدراته بإسلوب متحضّر.

ومن الأفضل بل من الواجب أن يتفق المثقفون والادباء على خطوات عملية ملزمة أخلاقيا تحدد الاطار العام لهذه الفعالية الانتخابية وتضع الضوابط التي تسهم بترسيخها كفعالية متمدنة تصب في صالح الثقافة وتتحول الى نموذج انتخابي ناجح للشرائح والمسميات الاخرى في المجتمع.

كما اننا يجب أن نستفيد من مراقبتنا لطبيعة اعمال الدورة السابقة وما قدمته عبر نشاطها الثقافي السابق، ومن المهم أن نتمسك بالجيد منه، ولا بأس من أن نشير الى غير الجيد ولكن بالطريقة الموضوعية وبالاسلوب الذي يستند الى الحقائق وعدم اللجوء تحت أي سبب كان الى ظاهرة التسقيط، بل يجب نبذ هذه الظاهرة كليا ومحاصرتها من لدن جميع المعنيين.

وكلنا نعرف بأن الهدف الأهم هو أن يقدم المثقفون والادباء صورة انتخابية مشرّفة للآخرين تكون دليلا لهم في أنشطتهم المماثلة التي نأمل أن تنتشر في عموم المجالات كالمؤسسات التعليمية والمنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ومنظمات المجتمع المدني وما شابه.

إذن هي فرصة المثقفين والادباء لكي يكونوا مثالا لغيرهم في هذا المجال الحيوي الذي يسهم بشكل كبير في رسم المشهد المتحضّر لعراق اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آذار/2010 - 30/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م