قراءة سسيوثقافية في فقه الثورة والدولة

مراجعة شمولية لفكر وإستراتيجية العمل الوطني الفلسطيني

د. إبراهيم أبراش

مقدمة

عندما جاء العبرانيون إلى فلسطين وجدوا الفلسطينيين هناك، هذا ما تُقر به نصوص التوراة وكتب التاريخ، واليوم وبعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة وبالرغم من تعاقب الديانات والإمبراطوريات مازالت فلسطين والشعب الفلسطيني حقيقة لا ينكرها احد. هذا معناه أن مصير الشعوب وتاريخها لا يرتهنا بتقلب الأزمان ولا بتغير موازين قوى إقليمية أو دولية، والأهم من ذلك لا يرتهنا بمصير ومآل الأحزاب والنخب السياسية التي تفرزها كل مرحلة. فإذا كان صعود وسقوط دول وإمبراطوريات لم يلغ وجود الشعب الفلسطيني فإن هزائم وفشل أحزاب ونخب لن يلغي وجود الشعب والقضية. الأحزاب والنخب لا تصنع الشعب ولكن الشعب هو الذي يصنع الأحزاب والنخب.

 من يتابع مواقف مختلف القوى السياسية الفلسطينية، خصوصا حركة فتح وحركة حماس، سيلاحظ حالة من التخبط والتيه السياسي ينتاب هذه القوى، تيه مرجعه وصول خياراتهما المعلنة لطريق مسدود سواء كان خيار المفاوضات والتسوية السلمية لدى منظمة التحرير وحركة فتح أو خيار المقاومة لدى حركة حماس ومن يشايعها من الفصائل، تيه يغذيه تيه مواز عند الحلفاء العرب والمسلمين، فالخلافات العربية والمحاور الإقليمية ليست بعيدة عن مأزق الحالة الفلسطينية الداخلية. هذا التيه السياسي الذي يذكرنا بتيه ما بعد النكبة مباشرة، ولكن بشكل أكثر مأساوية وإحباطا حيث تيه تلك المرحلة كان نتيجة صدمة النكبة وقبل أن يختبر الشعب الفلسطيني خياراته وممكناته، أما التيه الحالي فهو أكثر خطورة لأنه يأتي بعد تجارب سياسية وعسكرية مريرة توزعت على مجمل الأيديولوجيات: الوطنية والقومية واليسارية والإسلاموية.

 هذا التيه السياسي الراهن يستدعي مراجعة إستراتيجية شمولية لمجمل الحالة السياسية الفلسطينية بتكويناتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، مراجعة مبعثها الخوف على المشروع الوطني التحرري والرغبة بأن يستدرك المثقفون والسياسيون الفلسطينيون الأمر قبل أن تصبح عملية المراجعة والعلاج مستحيلة.

ندرك صعوبة أن تعترف القوى السياسية الفلسطينية بفشلها فلكل منها ذخيرة من الحجج التي تدافع بها عن وجاهة خياراتها ونهجها السياسي، وبالتالي فنحن لا نقول بالمراجعة بمعنى التجاوز والمحاسبة بل بمعنى تصحيح المسار، وفي هذا السياق يأتي دور المثقفين وكل أصحاب الفكر من فلسطينيين وعرب ومسلمين، فما دام الكل يقول بان القضية قضيته: وطنية أو قومية أو إسلامية، والكل يزعم انه ناضل أو جاهد في سبيلها فعلى الجميع المساهمة في إصلاح الخراب الفكري والسياسي الذي أصاب القضية الفلسطينية، وكفى المثقفين والمفكرين التهرب من المسؤولية باسم الطهرية السياسية والأخلاقية أو بسبب الإحباط واليأس، وعليهم الخروج من موقع الناقد المتعالي عن الواقع. آن الأوان ليمارس المفكرون والمثقفون دورهم الطليعي ويأخذوا زمام المبادرة لاجتراح حلول غير أيديولوجية للقضية الفلسطينية بأبعادها الوطنية والقومية والإسلامية والدولية.

المحور الأول: التيه السياسي كنتاج لفشل (النظام السياسي). [1]

عندما أصبحت مظاهر التيه السياسي معممة: من المواطن العادي حتى المسئول والقيادي، من السلطة وفصائل منظمة التحرير إلى حركة حماس، وأصبحت البوصلة السياسية بلا اتجاه عند الجميع ولم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقية، وخصوصا بعد أن تراجعت واشنطن عن وعودها تجاه الاستيطان وأعلنت تل أبيب نهاية مسار التسوية بالمعايير المنصوص عليها بالاتفاقات الموقعة، وبعد أن أصبحت حركة حماس تستجدي لقاء أو حوارا مع هذا المسئول الأوروبي أو ذاك الأمريكي بعد أن التزمت بتهدئة كانت تتمناها إسرائيل منذ سنوات، حينئذ انهالت التصريحات الفلسطينية المرتبكة والمربِكة.، ثمية يعلن صائب عريقات وآخرون بأن نهاية خيار حل الدولتين يعني الذهاب لخيار الدولة الواحدة قبل أن يتراجع ويعلن عن خيار إعلان تجسيد الدولة، وآخرون ومنهم عباس زكي في مقابلة مع الجزيرة يقول بأن كل الخيارات واردة بما في ذلك خيار المقاومة المسلحة، حتى محمد دحلان تحدث أيضا عن العودة لخيار المقاومة المسلحة![2]، ثم يعلن الرئيس أبو مازن عن عدم ترشحه للانتخابات القادمة قبل أن يعلن عن تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى!، أما حزب الشعب فيتقدم للمجلس المركزي لمنظمة التحرير منتصف نوفمبر مشروع تشكيل مجلس انتقالي تأسيسي للدولة الفلسطينية، و الجبهة الشعبية وعلى لسان النائب في التشريعي خالدة جرار تطالب بوضع إستراتيجية فلسطينية جديدة دون أن تحدد معالم وتفاصيل هذه الإستراتيجية[3]، ثم تعلن السلطة وعلى لسان فياض ثم الرئيس عن الاستعداد لإعلان تجسيد قيام الدولة في الضفة وغزة، وبعد ردود فعل سلبية من واشنطن وأوروبا وتهديدات إسرائيلية يتم التراجع ويوضح الرئيس بأن السلطة ستطلب من مجلس الأمن بحث هذا الخيار ثم يتم التحدث عن أن القرار قرار عربي وسيقدم لمجلس الأمن عن طريق العرب، فيما لم نلمس أي موقف عربي موحد تجاه هذا الموضوع حيث التيه العربي أكبر من التيه الفلسطيني، و أخيرا وفي إطار نفس المنظومة يطل علينا مروان ألبرغوثي من سجنه لينتقد الرئيس أبو مازن ونهجه ويطالب بوضع إستراتيجية جديدة!.

أما حركة حماس فبالإضافة إلى رفضها المبدئي لكل ما يصدر عن السلطة والمنظمة والرئاسة سواء كان صحيحا أو غير صحيح، فالتيه السياسي الذي يسود مواقفها أكبر من تيه السلطة، فتارة تتحدث عن تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر وتارة تتحدث عن استعداد للاعتراف بدولة في الضفة وغزة، تارة ترفض المفاوضات وأي اتصالات مع واشنطن وتل أبيب، وتارة تتسلل عبر الكواليس والوسطاء لتستجدي جلسة حوار أو مقابلة مع أي مسئول أمريكي أو أوروبي وأخيرا سمعنا عن اتصالات سرية مع إسرائيليين، تارة تتحدث عن المقاومة فيما هي متوقفة عن المقاومة منذ فترة بل وتتصدى لمن يريد المقاومة انطلاقا من قطاع غزة، وانشغالها بالسلطة وعلى السلطة أكثر من انشغالها بالمقاومة، تارة تقول بأنها تريد المصالحة وتارة تعمل كل ما من شانه إعاقة المصالحة، تعلن أنها اتفقت مع حركات المقاومة على وقف الصواريخ من غزة فترد الفصائل بالقول إنه لم يحدث هكذا اتفاق، واخيرا تعلن عن مبادرة جديدة أو استراتيجية فلسطينية جديدة. . .، غياب الرؤية عند حركة حماس تيه أكبر وأخطر من تيه السلطة لأنه تيه مَن كان الناس يراهنوا عليه أن يكون المنقذ.

التيه السياسي الراهن الذي يعاني منه النظام السياسي الفلسطيني ليس خللا ظرفيا وعابرا، بل خلل بنيوي قبل أن يكون وظيفيا، سواء تعلق الأمر بكل حزب وحركة على حدة أو من خلال ما تم تسميته بالمشروع الوطني القائل بدولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وحل عادل لقضية ألاجئين. خلل الفصائل يكمن في كونها فصائل منفردة لا يجمعها إطار وطني واحد ولو ضمن ائتلاف كما كان الحال مع منظمة التحرير في سنوات السبعينيات، أو جبهة تحرير فيتنام أو جبهة تحرير الجزائر الخ، والخلل أيضا في غياب استقلالية قرارها وتبعيتها لأجندة دول وأطراف خارجية لأسباب أيديولوجية وغالبا ما تؤدي التبعية الأيديولوجية لتبعية مالية والمال الخارجي له ثمن سياسي لا يتوافق غالبا من المصلحة الوطنية، هذا بالإضافة إلى أن تبعية حزب أو حركة لمرجعية خارجية يؤشر على ضعف الانتماء للوطن: ثقافة وهوية وانتماء، وهي تبعية تعيق الشراكة السياسية الوطنية بما فيها التوصل لإستراتيجية عمل وطني، أن يكون لكل حزب إستراتيجية سياسية وعسكرية خاصة به، وميليشيات مسلحة بل ومستشفيات وجامعات ومعسكرات تدريب. .

هذا لا يعني وجود إستراتيجية عمل وطني، ولا يندرج في إطار التعددية السياسية والحزبية التي تعرفها المجتمعات الديمقراطية، حال الأحزاب والحركات السياسية في فلسطين فئوية مدمرة للمشروع الوطني وكانت أهم أسباب فشله. أما خلل (المشروع الوطني) الذي تقوده حركة فتح ومنظمة التحرير فيكمن، بالإضافة أنه لا يعبر عن توافق وطني حيث لا تقر به حركة حماس والجهاد الإسلامي وقوى أخرى، إنه مرتهن بالتسوية السياسية ولن تقوم له قائمة إلا في إطار تسوية سياسية تُقر بها إسرائيل، وذلك بسبب مرجعية هذا المشروع وهي الاتفاقات الموقعة التي تعتمدها المنظمة والسلطة لإنجاز هذا المشروع، وبسبب الجغرافيا السياسية حيث تفصل إسرائيل ما بين الضفة وغزة، ومن هنا تصبح إسرائيل وكأنها شريك في هذا المشروع الوطني، هذا كان حال المشروع الوطني قبل الانقسام وفصل غزة عن الضفة وفي ظل وجود أفق للتسوية، فكيف الحال الآن مع الانقسام ومع وصول مسار المفاوضات لطريق مسدود وانغلاق أفق المصالحة الوطنية؟.

أن يأتي نقد الحالة السياسية وطلب المراجعة من داخل البيت الفلسطيني وعلى أرضية الحرص الوطني فإنما لقطع الطريق على أشباه كتاب ومثقفين من عرب وأجانب وجدوا في مأزق المشروع الوطني الفلسطيني ومأزق مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية فرصة لتصفية حسابات، إما نيابة عن أنظمة ومأجورين لها أو كنوع من التشفي والحقد وحالهم حال الذي يتعجل إطلاق رصاصة الرحمة على المريض قبل أن يتأكد بأن حالته ميئوس من شفائها، ومدعي الرحمة في ذلك لا يسعى لتخليص المريض من عذاباته بدافع الشفقة بل لتحقيق رغبة دفينة بالتخلص من المريض حتى وإن لم يكن مريضا. كل مراقب حصيف يلمس أن قوى عربية وإقليمية بالإضافة لإسرائيل وحلفائها سعداء بما آل إليه الحال الفلسطيني من تراجع بل وتشتغل على إنهاء الحالة الوطنية التحررية الفلسطينية بشقيها: المقاوم والمفاوض، وإلا ما سبب هذا الصمت العربي الرسمي المريب عما يجري في الساحة الفلسطينية وخصوصا من دول الجوار القريب.

المحور الثاني: مأزق النخب والأحزاب لا يغير من عدالة القضية وثبات الحق.

بغض النظر عن المرامي غير البريئة للبعض من القول بمأزق العمل الوطني الفلسطيني بكل أبعاده الوطنية واليسارية والإسلاموية، فإن واقع الحال يقول بأن النظام السياسي الفلسطيني بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية وبنخبه الحاكمة وغير الحاكمة وما يرتبط به وبها ويدور حوله وحولها من إيديولوجيات وثقافات سياسية وتكوينات اجتماعية وبغض النظر عن الشعارات التي ترفعها: المقاومة والجهاد أو التسوية والمفاوضات، هذا النظام يعيش مأزقا وجوديا حقيقيا وخصوصا بعد الانقسام الذي فصل غزة عن الضفة ثم مع وصول حكومة اليمين الصهيوني مع نتنياهو للحكم في إسرائيل وانكشاف وهم المراهنة على الإدارة الأمريكية الجديدة بعد تراجعها عن مواقفها بشأن الاستيطان. أن يؤول واقع الحال بعد ستين عاما من النكبة وخمسة وأربعين عاما من الثورة والمقاومة وواحد وعشرين عاما من تجربة مريرة للإسلام السياسي ونهجه المسلح وبعد خمسة عشر عاما من سلطة في ظل الاحتلال، وثمانية عشر عاما من المفاوضات العبثية، وبعد انتفاضتين أزهقتا أرواح الآلاف من الشباب ودمار شامل في مؤسسات وبنية المجتمع، وبعد ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية وانقسام النظام السياسي. . .، أن يؤول الأمر بعد كل ذلك لهذا التيه السياسي وحالة التدمير الذاتي التي تمارسها القوى السياسية بحق بعضها البعض وبحق الوطن وهو الأخطر، فهذا يعني أن كل مكونات النظام السياسي تعاني خللا استراتيجيا بنيويا ووظيفيا وخصوصا الاحزاب والفصائل التي قادت العمل السياسي طوال عقود.

الظاهرة الحزبية قديمة في الحياة السياسية الفلسطينية حيث تعود لعشرينيات القرن الماضي وهي متواصلة منذ ذاك الوقت مع إختلاف في الايديولوجيا ووسائل وساحات العمل، ولكن وفي جميع المراحل وساحات العمل تميزت الظاهرة الحزبية بخمس سمات أو خصائص:

1-: لعبت دورا في استنهاض الشعور الوطني والحالة الوطنية بشكل عام في الوطن والشتات، من خلال نهجها المسلح والسياسي و تحريض الشعب ضد المشاريع المتعارضة مع حقوقه الوطنية.

2--: قوة تأثير التدخلات العربية والإقليمية في تشكلها حتى أن بعض هذه الأحزاب أقرب لأذرع وامتداد لاحزاب وحركات بل احيانا لأجهزة مخابرات عربية وإسلامية مما هي احزاب وطنية.

3-: تداخل العمل العسكري مع العمل السياسي، حتى أن بعضها أقرب للجماعات المسلحة منها للاحزاب كما يعرفها علم السياسة.

4-: الهدف المشترك المعلن لجميع الاحزاب هو محاربة إسرائيل والسعي للاستقلال والتحرر.

5: بالرغم من تباعد هدف الحرية والاستقلال بل وتراجع الحالة السياسية بشكل عام، إلا أن الظاهرة الحزبية استمرت بل وتتعاظم والأخطر من ذلك تماهيها وتعايشها مع كل حالة نكوص وتراجع، حتى باتت وكأنها هدف بحد ذاته.

مع كامل الاحترام والتقدير لقوافل الشهداء الذين سقطوا على درب الحرية ومن أجل قضية آمنوا بعدالتها، بغض النظر عن نوايا وحسابات الأحزاب والحركات التي استقطبتهم ودفعتهم لهذا الطريق، ومع احترام مساو للأسرى والجرحى ولكل من عانى من الحصار والحواجز وتدمير البيوت الخ. . . فالواقع يقول إن الحصيلة وطنيا: أرض أقل وحق أقل وكرامة أقل وأمل يتبدد وحالة من اليأس والإحباط تجعل أغلبية الشباب يفكرون بالهجرة من ما يفترض أنه وطنهم، الحصيلة هي الانتقال من المطالبة بحق العودة والتوق للعودة حتى في ظل الاحتلال إلى المطالبة بحق الهجرة من الوطن وخصوصا من قطاع غزة الذي خرج منه جيش الاحتلال !. أما تشكيل حكومات وتقاسم مغانم سلطة فهذه ليست مكتسبات وطنية. كان من الممكن ألا تكون الصورة بهذه السلبية أو لا تكون الحصيلة مبعثا للإحباط واليأس، لو كان الخلل ناتجا فقط عن اختلال موازين القوى مع العدو وتخلي من يُفترض أنهم أخوة وأصدقاء وشركاء لنا في المصير القومي والانتماء الإسلامي عن واجبهم، وهو أمر حاصل، لو كانت صيرورة الحال لسوء الحال الذي نحن فيه يعود فقط للعدو وممارساته وتحالفاته وللمحيط الإقليمي لهان الأمر، بل وكان مبعث فخر للشعب وباعثا على مزيد من السير في نفس الطريق ولكان الشعب على استعداد لتقديم المزيد من التضحيات، فلا يمكن أن ننتظر من العدو إلا كل إرهاب وقمع، ولكن الواقع يقول بأن أخطاء داخلية لعبت دورا كبيرا في الخلل الحاصل وفي تمكين العدو من تحقيق أهدافه سواء على مستوى إفشال مشروع السلام الفلسطيني أو محاصرة خيار المقاومة أو إحداث الانقسام والفتنة الداخلية أو تكثيف الاستيطان واستكمال تهويد القدس.

لا تقتصر خطورة الأمر عند هذا الحد بل تتجاوزه لما هو اخطر، فبدلا من أن تعترف الأحزاب الفلسطينية المأزومة بأخطائها وتفسح المجال لآخرين أو على الأقل تقوم بمراجعة نقدية شمولية تراجع فيها مسيرتها فتصحح ما أعوج من سلوك وتقَوِّمَ ما ثبت فشله من نهج وتحاسب حيث تجب المحاسبة، بدلا من ذلك، تمارس اليوم سياسة الهروب للأمام بطرح خيارات لا واقعية أو بتحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما يجري، هذه النخب والأحزاب و بسياسة الهروب للأمام التي تنتهجها تريد أن تبرئ نفسها وتهيئ الشعب ليقبل بتسيدها عليه مجددا في ظل الخراب القائم ولتسوقه نحو عبثية جديدة، عبثية قد تأخذ اسم (كل الخيارات مفتوحة)[4] من طرف نفس النخبة بل نفس الشخصيات التي قادت عملية المفاوضات ثماني عشر سنة تحت شعار (الحياة مفاوضات) بما مكن العدو من تكثيف مشروعه الاستيطاني والتغطية على جرائمه، أو عبثية التلويح بشعار المقاومة والانتفاضة من خلال تطوير حماس للصواريخ وتلويحها بالاستعداد لتحقيق نصر جديد إن حاولت إسرائيل دخول قطاع غزة، وكأن حماس حققت بالفعل نصرا في العدوان الأخير وفي كل نهجها المسلح السابق، وكأن غزة أكثر قدسية من القدس بحيث لا تجوز المقاومة ولا تُستعمل الصواريخ إلا دفاعا عن الإمارة الربانية في غزة.

نتحدث عن مراجعة شمولية ليس بهدف التشهير بالقوى السياسية القائمة ولا تبشيرا بقوى ونخب جديدة قادمة قريبا، فلا يبدو في الأفق إمكانية ظهور قوى جديدة، ويبدو انه غير مسموح بظهور هذه القوى إلا إذا كانت بسقف سياسي أقل. مرد المطالبة بالمراجعة الشمولية والتي طالما طالبنا بها خلال الخمس سنوات الفارطة، هو رد الاعتبار لمشروع وطني تحرري أطاحت به المفاوضات العبثية والمقاومة العبثية والصراعات الداخلية والمؤامرات الإقليمية بالإضافة للعدوان الصهيوني المستمر، مشروع لا يستمد مبررات ومشروعية وجوده من النخب السياسية لأنه ليس تجسيدا إرادويا لهذه النخب، ولا يستمد مشروعيته من محصلة موازين قوى إقليمية أو دولية، فهذه فاعلة ولا شك في التأثير على استراتيجياته وتحديد تخوم تحالفاته، ولكنها لم تمنحه شرعية الوجود ولا تستطيع أن تلغي وجوده. إنه مشروع تحرر وطني يستمد مبررات وشرعية وجوده من عدالة القضية الوطنية الفلسطينية وهي عدالة مستمدة من التاريخ ومن اعتراف الشرعية الدولية بالقضية الفلسطينية كقضية تقرير مصير سياسي لشعب خاضع للاحتلال [5]، مشروع تحرر وطني يستمد مبررات وشرعية وجوده من واقع وجود شعب فلسطيني قوامه أكثر من عشرة ملايين نسمة بما يميز هذا الشعب من ثقافة وهوية وانتماء للأرض لم تستطع كل سياسات العدو من تغييبها. هذا معناه أن المأزق والخلل هو مأزق نخبة وأحزاب وليس مأزق شعب عمره أكثر من أربع آلاف سنة لم تستطع كل جحافل الإمبراطوريات وتداول أشكال الهيمنة من شطب اسم فلسطين أو تذويبه، وهذا هو مصدر فخر الشعب الفلسطيني ومصدر قلق الكيان الصهيوني.

شعب، بهذا العمق التاريخي، وقضية بهذه العدالة التي يتزايد اعتراف العالم بها، يجب أن لا يُعلق مصيره ومصيرها بمصير أحزاب ونخب وبتعثراتها ومآزقها، القضية الوطنية والمشروع الوطني لا يستمدا شرعيتهما، وجودا وعدالة، من النخب والأحزاب، بل إن هذه الأخيرة هي التي تستمد شرعية وجودها ومبررات استمرارها من قدرتها على تحمل مسؤولية القضية الوطنية والسير بها نحو تحقيق الهدف وهو الحرية والاستقلال. الأحزاب والنخب مجرد أدوات أو تشكيلات مؤقتة محدودة في تمثيلها للشعب ومحدودة في قدرتها على التصرف بالثوابت الوطنية، فيما القضية الوطنية كينونة وهوية تتسم بالاستمرارية والدوام. يجب أن تهجر القوى السياسية الأنوية الحزبية والإيديولوجية التي تجعلها تعتقد وتريد من الشعب أن يعتقد بأن التأييد الشعبي والرسمي الذي حظيت وتحظى به الآن القضية عالميا يعود الفضل فيه للأحزاب، هذه الأنوية مرفوضة أخلاقيا وواقعيا، العالم الخارجي لا يدعم القضية الفلسطينية بسبب تأييده لنهج وإيديولوجية الأحزاب سواء حماس وقولها بالمقاومة و إطلاقها الصواريخ على إسرائيل، أو فتح والمنظمة وقولهما بالسلام والتسوية. العالم يتعاطف مع قضيتنا، وخصوصا بعد العدوان الأخير على غزة، لأنه يدرك بأنها قضية عادلة، يتعاطف مع الشعب الفلسطيني لأنه شعب ضعيف يتعرض لعدوان همجي بربري من دولة أكبر وأقوى منه عسكريا متحالفة مع دولة عظمى سيئة السمعة-الولايات المتحدة الأمريكية-، ما حرك الرأي العام العالمي ليخرج بمظاهرات ومسيرات ضد إسرائيل وحرك المنظمات الحقوقية والمنظمات الدولية لتطالب بتقديم قادة إسرائيل للمحاكم الدولية. . . ليست صواريخ حماس ولا مهارة المفاوض الفلسطيني، بل عدالة القضية ومعاناة الشعب.

 بناء على ما سبق فلا الزعم بالشرعية التاريخية أو الشرعية الجهادية أو الشرعية الدينية يمنح الأحزاب والنخب الحق بمصادرة القضية الوطنية والاستحواذ عليها بعيدا عن ثوابت الأمة التي يتم صياغتها بالتوافق الوطني، والطامة الكبرى في هذا السياق عندما تدعي القوى السياسية، التي يفترض أنها حركات مقاومة، إنها تستمد شرعيتها من صناديق الانتخابات ! طامة كبرى لأنه لم يحدث في التاريخ أن استمدت حركة تحرر وطني شرعية وجودها من انتخابات تجري في ظل الاحتلال، فالاحتلال بما هو نفي لحرية وسيادة الشعب يتناقض مع الانتخابات الديمقراطية بما هي تجسيد لإرادة الأمة، فأي سيادة وحرية تحوزها القوى التي تزعم بأنها تملك شرعية مستمدة من صناديق الانتخابات في ظل الاحتلال؟أين الحرية والسيادة عند حركة حماس: تنظيما وحكومة في قطاع غزة؟وأين الحرية والسيادة لحركة فتح والسلطة في الضفة الغربية؟. حركات التحرر الوطني تستمد شرعيتها من الشعب الذي يلتف حولها لأنه يشعر بأنها تمثل أمانيه وأهدافه الوطنية وتقوده في معركة التحرر الوطني، تستمد شرعيتها من مقاومتها للاحتلال بكل أشكال المقاومة، الشعب الخاضع للاحتلال لا يضفي شرعية على حركة التحرر لأنها تمنحه راتبا وتسهل عليه متطلبات الحياة اليومية في ظل الاحتلال. تحويل وظيفة حركات التحرر من المقاومة الشعبية الواحدة والموحدة في ظل قيادة وحدة وطنية إلى سلطة وحكومة تؤَّمِن رواتب ووظائف لمنتسبيها يشكل حرفا لطبيعة مرحلة التحرر الوطني وأولوياتها بل خرقا للقانون الدولي الذي يحدد ويضبط مسؤولية دولة الاحتلال وحقوق الشعب الخاضع للاحتلال، إن الوظيفة التي تقوم بها السلطتان والحكومتان في غزة والقطاع وظيفة (غير وطنية) لأنها تخفف عن دولة الاحتلال أعباء ومسؤوليات الاحتلال دون أن تمنح الشعب الحرية والاستقلال ! وإن كان مقياس الحكم على شعبية وشرعية التنظيمات والهيئات القائمة في مجتمع خاضع للاحتلال هو قدرتها على تقديم خدمات للمواطنين، فإن أكبر حزب وأكثرها حضورا وتأثيرا هو (حزب جون كنغ) حيث تقدم وكالة الغوث خدمات وأجور لحوالي 72% من سكان غزة مثلا، وهناك تخوفات من دور سياسي لوكالة الغوث (أونروا) ومديرها جون كنغ ؟.

إن أرادت القوى والنخب السياسية المتواجدة في السلطة: سلطة غزة وسلطة الضفة، أن تُقيِّم نفسها كحركات تحرر وطني وتختبر شعبيتها ومدى تأييد الشعب لأيديولوجيتها ومبادئها وممارساتها، فلتوقِف الرواتب والامتيازات والرشاوى التي تقدمها، آنذاك ستكتشف أن نسبة المؤيدين الحقيقيين لها لن تزيد عن10%. لقد حولت الأحزاب والقوى والنخب المسيطرة في فلسطين المناضلين والمجاهدين إلى موظفين ومرتزقة وسلطت عليهم لعنة الراتب وبات الراتب بالنسبة لكثيرين منهم أهم من الوطن. الحالة الطبيعية أن المناضلين الحقيقيين والشعب بمجمله ينتزع من قوت غذاء أبنائه ليقدمه لحركات التحرر الحقيقية، الانتماء لحركات التحرر وللثورة يقوم على العطاء والبذل وليس الأخذ والاسترزاق. أن تقوم من يفترض أنها قوى تحرر وطني بتشكيل حكومات في ظل الاحتلال وتقدم رواتب وامتيازات للشعب من مصادر تمويل خارجية[6] لكل منها أجندة خاصة بها حتى وإن كانت متعارضة، فهذا يطرح سؤالا حول ماذا تعني الوطنية والمشروع الوطني واستقلالية القرار؟وماذا تعني حركة التحرر الوطني؟ لقد وقعت كل الفصائل والحركات في مصيدة السلطة وأصابتها لعنة الراتب وهي لعنة ما كانت تصيبها لو لم تكن نخبها مستعدة لهذا الإغراء.

ومن المفارقات في المشهد السياسي الفلسطيني وخصوصا الحزبي، أن نشاهد احزابا تتحدث عن انتصارات وتحتفل بإنتصارات فيما المشروع الوطني والقضية الوطنية برمتها تنهار !كيف يمكن أن ينتصر حزب وينهزم وطن؟ أضف إلى ذلك ما نلاحظه من تضخم تعرفه أحزاب سياسية: تضخم مالي وتضخم في الشعارات والإعلام في ظل الإنقسام والخراب المعمم للوطن، فهل وجدت الأحزاب والنخب لمصلحة القضية الوطنية أم بالعكس؟ يبدو أن بعض الأحزاب والقوى توظف القضية الوطنية ومعاناة الشعب لتعلي من شأن برنامجها وايديولوجيتها، المهم بالنسبة لها هو الحزب والحركة نفسها اما الوطن والشعب فلهما رب يحميهما أو يُترك مصيرهما للأجيال القادمة، وبالتالي يصبح هدف بعض نخب الاحزاب والحركات السياسية يقتصر على كيفية توضيف معاناة الشعب لتغتني وتُسمن وتضمن حياة كريمة لأبنائهم وذويهم.

إن مظاهر التردي في الحركة الحزبية متعددة فبالإضافة إلى ما سبق ما نشاهدة اليوم من جهد غير مسبوق للقوى السياسية في إحياء مناسبات إنطلاقتها، حيث تتسابق في حشد اكبر عدد من الجمهور وكل منها يتباهي بأنه حشد عشرات أو مئات اللآلاف من الجمهور بمناسبة إنطلاقته، وهذا في حقيقة الامر لا يعكس قوة حقيقية للحزب بل يعبر عن إحساس داخلي بالهزيمة والفشل ويراد من خلال هذا الحشد القول بأننا ما زلنا اقوياء وما زلنا نملك شعبية واسعة!، في المقابل تتراجع وتتضاءل الإحتفالات بالمناسبات الوطنية التي يشارك فيها الجميع كما كان يحدث سابقا. فأين المظاهرات والمسيرات بمناسبة يوم الارض؟أين الاحتفالات والمسيرات بمناسبة وعد بلفور ؟أين الاحتفالات والمسيرات بمناسبة النكبة؟الخ. ولا نريد أن نتعمق أكثر ونتحدث عن كون هذا الإحتفالات الحزبية تكرس عملية الإنقسام، حيث تمنع حركة حماس من الاحتفال بإنطلاقتها في الضفة، وتمنع حركة حماس من الإحتفال بإنطلاقتها في غزة، حتى بالنسبة للقوى الأخرى، لماذا تُحيي الجبهة الشعبية ذكرى إنطلاقتها في غزة ولا تقوم بذلك في الضفة؟نفس الأمر بالنسبة للجهاد الإسلامي مع تلمس الوضع الخاص للجهاد في الضفة.

المحور الثالث: استقراء أسباب مأزق النظام السياسي كمدخل لإستراتيجية وطنية جديدة

عود على بدء نقول، إن كانت أزمة النظام السياسي وصلت اليوم لدرجة الاعتراف الصريح من هرم النظام بالأزمة وبالطريق المسدود، إلا أن مأزق النظام السياسي والمشروع الوطني كان حاضرا وملموسا قبل ذلك بكثير وله محطات كثيرة كانت تستوجب التوقف عندها وعمل مراجعة إستراتيجية، إلا أن المعاندة والمكابرة كانتا سيد الموقف، مما فاقم من الأزمة وأوصلها إلى ما هي عليه اليوم.

1- كان من المفروض أن تكون وقفة المراجعة منتصف مايو 1999 عندما انتهت المرحلة الانتقالية للحكم الذاتي دون دفع إسرائيل ما عليها من استحقاقات بموجب اتفاقية أوسلو التي تقول بأن مدة سلطة الحكم الذاتي خمس سنوات بعدها تبدأ مفاوضات الوضع النهائي التي ستؤدي لإنهاء الاحتلال، آنذاك كان من المفروض أن يتم الإعلان عن تجسيد قيام الدولة، ولكن التحذيرات بل والتهديدات التي انهالت على الرئيس أبو عمار دفعته للتراجع عن قرار كان سيتخذه بهذا الشأن، وللأسف فإن التحذيرات والضغوطات جاءت من دول عربية وخصوصا مصر وليس فقط من إسرائيل وواشنطن.

2- وكان يُفترض أن تحدث المراجعة الإستراتيجية بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية عندما تم تهديد الرئيس أبو عمار إن لم يوقع على ما عرضه عليه الأمريكيون والإسرائيليون، ولكن أبو عمار لجأ لمراجعة بطريقته الخاصة وبغياب إستراتيجية وطنية ونقصد بذلك انتفاضة الأقصى.

3- كان من الممكن أن تحدث المراجعة عندما بدات الانتفاضة تدخل في نفق مضلم وخطير بعد عامها الاول، فبدلا من أن تشكل انتفاضة الأقصى منطلقا لمراجعة تؤسس لحالة نضالية جديدة فاقمت من أزمة النظام السياسي عندما تحولت لحالة من الفوضى والفلتان الأمني، وانتهت الانتفاضة بالانقسام دون أن ينعيها احد، لقد جرى مع انتفاضة الأقصى ما جرى مع انتفاضة 1987 التي انتهت بتوقيع اتفاقات أوسلو أو كانت نتيجتها تسوية أوسلو![7]. فهل كانت الانتفاضتان عفويتين أم موجهتين ومخطط لهما؟إن كانتا عفويتين فيمكن تفهم ما جرى لهما وبالتالي لا نحمل القيادات السياسية مسؤولية مآلهما ولكن القيادات والفصائل تقول بأن الانتفاضتين كانتا موجهتين من قبلهما، معنى هذا أن الفصائل وخصوصا حركتا فتح وحماس وجهتا أو وظفتا الجماهير المنتفضة لهذه النهاية، حركة فتح وجهت انتفاضة 1987 لتمرير نهج التسوية وتوقيع اتفاقية أوسلو، وحركة حماس وجهت انتفاضة الأقصى للانقلاب على النظام السياسي ولتسيطر على قطاع غزة.

4- وكانت المراجعة واجبة عندما اقتحم الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية في أوج انتفاضة الأقصى في مارس 2002 ومحاصرة الرئيس بالمقاطعة وهي محاصرة شاركت فيها الأنظمة العربية عندما حالت بينه وبين مخاطبة شعبه والعرب والعالم عبر الهاتف أثناء القمة العربية في بيروت، بل وحوصر الرئيس ونهجه من أطراف فلسطينية أيضا.

5- وكانت المراجعة واجبة عندما قامت إسرائيل باغتيال الرئيس أبو عمار بالسم في نوفمبر 2004 ومن شاركوا في اغتياله كانوا على رأس مشيعيه.

6- كما كانت المراجعة الإستراتيجية واجبة عندما عم الانفلات الأمني مناطق السلطة خلال عامي 2005 و2006 ثم حدث الانقسام والحرب الأهلية.

7- وكانت المراجعة واجبة بعد العدوان الأخير على غزة، فهذا العدوان الذي دمر وقتل الاف المواطنين في ظل عجز لفصائل المقاومة في غزة والوقوف موقف المتفرج للفصائل والسلطة في الضفة، بدلا أن تدفع الطرفين للمراجعة، تشبت كل طرف بمواقفه واستمر في مكابرته، حيث تحدثت حركة حماس وما تزال تتحدث عن النصر المكين وترفض أية مراجعة لما جرى، وفي نفس الوقت تخرج اصوات من الضفة لا تخلو من نبرة شماتة لما جرى في القطاع.

8- و أخيرا كانت المراجعة واجبة عندما قامت إسرائيل بأكبر عمليات استيطان في الضفة وتهويد القدس خلال العام الجاري.

أهم أسباب عدم إجراء مراجعات إستراتيجية

لا غرو أن موجبات القيام بمراجعة شمولية كثيرة وعلى رأسها وصول المشروع الوطني ومجمل الحالة السياسية إلى طريق مسدود، وقبل محاولة استشفاف ممكنات الخروج من المأزق لا بأس من تلمس أهم أسباب عدم إجراء مراجعات إستراتيجية، وهي كما نعتقد: -

1-: غياب فضيلة وثقافة النقد الذاتي

المراجعة والمحاسبة جزء من ثقافة النقد الذاتي وهذه ثقافة وفضيلة لا تتوفر إلا عند النخب المنتمية لثقافة الديمقراطية أو التي نذرت نفسها لخدمة الوطن، هذه الثقافة غائبة عن النخب السياسية الفلسطينية كما هي غائبة عند كل النخب السياسية العربية التي تمارس المراجعة والمحاسبة من خلال الانقلابات والمؤامرات أو ينوب عنها الخارج في إحداث وتوجيه المراجعة. غياب هذه الفضيلة عند النخب الفلسطينية يعود لغياب الديمقراطية داخل الأحزاب وبسبب مركبات نفسية عند قيادات ونخب العمل الوطني بكل أيديولوجياتها.

2-: ضعف إن لم يكن غياب مؤسسة القيادة.

تاريخيا هناك أزمة قيادة لدى الفلسطينيين، سواء بسبب عدم تعود الفلسطينيين على حكم انفسهم بانفسهم بسبب الاحتلال، وبالتالي عدم مراكمة تراث سياسي ومؤسساتي حول القيادة، أو بسبب الشتات وبالتالي صعوبة وجود مؤسسة قيادة كلية وشمولية عابرة للحدود. وتاريخيا اشتكى الفلسطينيون من ضعف واحيانا عدم وطنية قياداتهم التقليدية التي كانت تمالئ الاحتلال وتدافع عن مصالحها أكثر من دفاعها عن الوطن، وقد عبر شعراء كل مرحلة عن هذه المشكلة ومنهم أبو سلمى وإبراهيم طوقان وغيرهم [8]، وما اشبه اليوم بالبارحة. لكن لاحقا استمرأت قيادات سياسية التفرد بالزعامة والقيادة حيث تم اختزال الوطن بالحزب أو الحركة ثم اختزال هذه الأخيرة بالمكتب السياسي أو اللجنة المركزية الخ، وانتهى الأمر أخيرا بتمركز كل السلطات والصلاحيات بيد القائد الأوحد وثلة المستشارين المحيطين به[9]. سيطرة قيادات كارزماتية أو دكتاتورية: ثورية أو دينية لا فرق، على مركز القرار السياسي والمالي، دكتاتوريات تَزعُم امتلاكها الحقيقة المطلقة يجعل من المراجعة والمحاسبة إهانة لها وتشكيك بقدراتها القيادية. ما يطيل من العمر السياسي للزعامات والأبوات هو عدم تعود الناس على التعامل مع مؤسسات وقوانيين، حيث استمراءوا أن يكونوا رعايا يقودهم راع.

المؤشر الاهم على أزمة القيادة يتجاوز الشخصيات وقدراتها ليمس صفتها التمثيلية، فضعف القيادات جزء من المشلكة، والأخطر هو ضيق نطاق الصفة التمثيلية للقادة حتى وإن عملوا في إطار مؤسسة. غياب قيادة وحدة وطنية ثم الانقسام، أدى لضعف مؤسسة القيادة الفلسطينية، فلا توجد اليوم مؤسسة قيادة تمثل كل الشعب ويخضع لها كل الشعب، وجود قيادات بعدد الاحزاب والحركات السياسية لا يعني وجود مؤسسة قيادةمؤسسة القيادة لا تكون إلا إن اخذت طابعا وطنيا كليا شرعيا.

3: غياب حالة شعبية ضاغطة على القيادات السياسية.

فالثقافة الشعبية والسياسية السائدة ثقافة غير ديمقراطية ولا تقدر قيمة وأهمية الرأي العام في التأثير على النظام السياسي، الثقافة السائدة تقلل من شأن المواطن لصالح الحاكم، غالبية الناس تعتقد ان الزعماء والسياسيين قدر لا فكاك منه أو انهم ربانيون (فلو لم يشأ الله أن يكونوا قادة لما كانوا ) أو يعتقدون بأن لا حيلة لتغييرهم لانهم مدعومون ومسنودون من قوى كبرى أو من دول إقليمية. أيضا المواطن لا يفكر بمحاسبة الحاكمين أو مطالبتهم بمراجعة سياساتهم ما دام هو نفسه لا يؤمن بمبدأ المراجعة والمحاسبة داخل بيته أو عمله. ثقافة الخضوع وبرادغم الطاعة هو ما يحكم علاقة المواطن بالقائد وخصوصا إن كان القائد يتصرف تحت غطاء الثورية والجهادية و الدين. يضاف إلى ذلك، إن شتات الشعب الفلسطيني ووقوع غالبية التجمعات الفلسطينية تحت سيطرة سلطات غير فلسطينية يُضعف من قوة تأثير الجمهور الفلسطيني في الضغط على قيادته.

4: تباعد الفصائل والحركات السياسية عن منظومة حركات التحرر الوطني وإرثها.

 حيث أصبحت القيادات التاريخية والمؤسِّسَة محاطة بنخب انتهازية ومصلحية راكمت الثروات وأقامت شبكة مصالح من الصعب التخلي عنها، وبالتالي تشعر أن كل مراجعة ومحاسبة قد تطيح بها ومن هنا تعمل على إفشال أي توجه في هذا السياق. وأسوء مَن في هذه النخب هم أبناء وأقارب القادة، فتصبح النخبة الفاسدة مستقوية بأبناء وأخوة وأقارب الزعيم والقائد، والمؤسف أن غالبية أبناء قادة العمل الوطني لم يسيروا على نهج آبائهم بل درسوا في أرقى الجامعات الأوروبية والأمريكية وأصبحوا من أصحاب الملايين و الشركات الضخمة في داخل الوطن وخارجه وأسسوا شراكة مصالح حتى مع إسرائيليين. [10]وهكذا أصبحت هناك حالة إنفصام شخصية وخطاب عند النخب السياسية، فهي تتكلم كحركة تحرر وتمارس كسلطة، وبالرغم من أن الشعب كما العالم الخارجي ينظر لهم ويعاملهم كفاشلين كحركة تحرر وفاشلين كسلطة سياسية، إلا أنهم مستمرون في غيهم.

5: فساد في السلطة وتواطؤ النخب السياسية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني.

الأزمات والمآزق التي مر بها الشعب والنظام السياسي كانت تُنتج نخب وطبقات مستفيدة في كافة الفصائل وسواء كانت في السلطة أو في المعارضة. فهناك أغنياء الانتفاضة وأغنياء المقاومة والجهاد وأغنياء السلطة وأغنياء بناء الجدار العنصري وأغنياء الحصار وأغنياء الأنفاق. . . . هذه النخب المستفيدة أصبحت نافذة في مراكز صنع القرار في غزة والضفة، وتشكلت معادلة ضمنية بأن يبرر كل طرف عدم القيام بمراجعة ومحاسبة داخلية بأخطاء وتجاوزات وتهديدات الطرف الثاني، بمعنى أن كل نخبة سياسية لكل حزب وفصيل وتحت شعار وجود تهديد العدو الصهيوني والمنافس الوطني تروج مقولة إن الظروف لا تسمح بالمحاسبة والمراجعة الآن، وأن يتحدث الطرفان عن الأخطاء السياسية لكل منهما بل وصل الأمر لدرجة الاتهام الخيانة أو التكفير دون أن يثير أي منهما وبتعمق ملفات الفساد المالي لدى الطرف الثاني، هذا معناه التواطؤ على الفساد، وقد بان أن فساد سلطة وحكومة حماس لا يقل عن فساد السلطة السابقة إذا أخذنا بعين الاعتبار الفترة الزمنية لكل منهما والإنجازات التي حققها كل منهما ![11]. أضف إلى ذلك أن هذا الفساد للنخب والذي تغذية أطراف خارجية متعددة أرتبط به جزء كبير من الشعب الذي أصبح بدوره مستفيدا من الواقع[12]فمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية ليست بعيدة عن حالة الفساد والتواطؤ.

ولكن أسوء ما نخشاه في هذا السياق، أن هذا التواطؤ للنخب سيتمظهر قريبا في توافق ضمني بين النخبتين الفاسدتين والمأزومتين، في الضفة وغزة أو في فتح وحماس، على تحويل التقسيم إلى تقاسم غير وطني، ما نخشاه أنه وبالرغم من عدائهما المعلن إلا أنهما سيواجهان معا أية قوة ثورية ونضالية جديدة وصادقة في مسعاها، أو أية قوة متمردة تنبثق عن أي منهما وستواجهان معا أي أصوات مستقلة تتحدث عن فسادهما.

 6-: الجهل السياسي.

كثير من قيادات العمل الوطني ونخبها تعتقد أن ما تقوم به هو الصحيح ويمثل المصلحة الوطنية، فثقافتها وخلفيتها الفكرية والنضالية تجعلها تعتقد أنها حامية المشروع الوطني وحامية حمى الوطن وأن العثرات التي تواجه مشروعها السياسي تعود للتآمر الخارجي وليس لها ولنهجها. لقد لمسنا عمق الجهل السياسي لدى المفاوضين منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم وذلك من خلال الاتفاقات الموقعة السياسية والاقتصادية ونصوصها الملتبسة والتي كانت تفسر دائما لمصلحة إسرائيل، ولا أدل من ذلك أن نكتشف وكما قال الرئيس أبو مازن إن المفاوضات كانت تسير بدون مرجعية ![13]ولاحظنا الجهل السياسي في التعامل مع الشرعية الدولية حيث تعاملت القيادة مع الشرعية الدولية تارة بالرفض المطلق لها وتارة بالارتماء بأحضانها، وحتى عندما أقرت القيادات بأهمية الشرعية الدولية تعاملت معها وكأنها دار ندوتنا أو احد دواويننا دون فهم وإدراك للآليات التي تحكم التعامل الدولي.

 وكان الجهل السياسي أكثر وضوحا وخطورة عند ممارسي الكفاح المسلح والجهاد، الذين اعتقدوا أن الكفاح المسلحة والجهاد مجرد حمل السلاح والاشتباك مع العدو جاهلين قواعد وقوانين الحرب وحرب العصابات، و جاهلين تَعقُد وتشابك الشأن العسكري مع السياسي مع الاقتصادي، الداخل مع الخارج الخ,ولذا كانت النتيجة آلاف الشهداء وتدمير البنية التحتية دون أي إنجاز سياسي. لا يمكن إجراء مراجعات دون الاعتراف بالخطأ ونخبنا السياسية منزلة ولا تخطئ!. هذا لا يعني أن كل ما جرى من خراب للمشروع الوطني يعود للجهل بل للفساد دورا فيما جرى، كما بينا، والخطورة عندما يجتمع الجهل السياسي مع الفساد السياسي عند نفس النخبة.

 7: غياب استقلالية القرار و الارتهان لأجندة خارجية.

باتت كل مكونات النظام السياسي فاقدة لاستقلالية القرار بغض النظر عن الجهة التي يُصادَر القرار لصالحها، هذا الأمر يجعل القيادات تشعر بالعجز وألا جدوى أية مراجعة أو تصحيح للمسار ما دامت تؤمن بأن التغيير سيكون خارجيا ومهما فعل الفلسطينيون فلن يغيروا من الواقع، ومن هنا تصبح قوة الدفع تجاه الارتباط بالخارج أقوى من قوة الدفع نحو المراجعات الداخلية وبالتالي المصالحة في إطار سياسة الالتقاء وسط الطريق. كما أن الارتهان بالخارج يعيق المراجعات الداخلية لأن الحكم على صحة نهج أي تنظيم أو سلطة فلسطينية لم يعد يقاس اعتمادا على توافقها مع المصلحة الوطنية بل بمدى تجاوبها مع اشتراطات الخارج، وحيث أن الخارج مستفيد من الواقع الفلسطيني بل ويغذيه فلن يسمح بأي مراجعات فلسطينية داخلية.

هذه الحالة موجودة منذ تأسيس منظمة التحرير التي تشكلت بقرار قمة عربية واستمرت الوصاية عليها لحين من الزمن، وحتى بعد ظهور نسبي لإستقلالية القرار الفلسطيني بقيت التدخلات العربية المباشرة أو من خلال التنظيمات التابعة للأنظمة تعيق أية مراجعات جذرية للعمل السياسي، كانت سياسة إرضاء كل الأنظمة العربية وحتى غير العربية أهم عوائق المراجعة والمحاسبة، وعندما حاولت حركة فتح عمل بعض المراجعات والمحاسبة تعرض بعض قادتها للإغتيال على يد محسوبين على الأنظمة، واليوم تزايد حجم وتأثير التدخلات الخارجية بالشأن الفلسطيني، فهي عربية وإقليمية إسلامية ودولية.

8-: المراهنة على الانتخابات كحل لأزمة النظام.

لا شك أن الانتخابات في الدول الديمقراطية أهم آلية للمراجعة والمحاسبة حيث تتكفل صناديق الانتخابات بعملية الفرز، فمن خلال الانتخابات يعاقب الشعب المخطئين وغير الأكفاء ويوصل لمركز القرار من يعتقد انه الأكثر حرصا على مصالح الوطن، ولكن الانتخابات وحتى تقوم بهذه الوظيفة تحتاج لمؤسسات وثقافة ديمقراطية وفوق ذلك تحتاج لحرية المواطن في الاختيار والتعبير الحر عن رأيه، وهذا أمر غير متوفر في الحالة الفلسطينية حيث الاحتلال هو السيد. ومع ذلك فقد راهن الشعب والنخب السياسية على إمكانية إصلاح السلطة والنظام السياسي من خلال العملية الانتخابية المفروضة بمقتضى الاتفاقات الموقعة، هذه المراهنة أضعفت وغيبت، وخصوصا في الفترة الأخيرة، أي جهد للإصلاح والمحاسبة خارج العملية الانتخابية، وللأسف فإن الانتخابات الفلسطينية بدلا من أن تساعد على إصلاح النظام السياسي زادت من تأزمه وأصبحت الانتخابات بحد ذاتها إشكالا وقضية خلافية.

 9: ضعف دور المثقفين والمفكرين

دون الخوض بجدل ابستمولوجي حول وجود أو عدم وجود انتلجنسيا فلسطينية وعربية بشكل عام، فواقع الحال وما أُصطلح عليه كمكون من مكونات المجتمع، وجود طبقة أو فئة المثقفين والمفكرين الذين يتميزون عن غيرهم بحرفة الكتابة والتنظير و التعبير عن كل ألوان الثقافة الوطنية، إنها الطبقة أو الفئة التي تعبر عن الثوابت والقيم الوطنية المتحررة –أو هكذا يجب أن تكون- من الحسابات الحزبية الضيقة. تاريخيا كان يقال إن الشعب الفلسطيني يتميز بالثقافة وبمثقفيه الذين تركوا بصماتهم عبر العالم وهذه حقيقة واقعة، ولكن الملاحظ أن دور هؤلاء في الوقت الراهن ضئيل وليسوا في مستوى الدور المُنتَظَر منهم، وهذا يعود إما لواقع الشتات وما يفرضه من قيود على حرية المثقف الفلسطيني في التعبير عن هويته الوطنية وممارسة دوره الوطني، أو لان المثقف لا يشعر أن السلطة والأحزاب القائمة تعبر عن تطلعاته الوطنية أو تجسد المشروع الوطني كما يرتئيه، أو لأن السلطة استقطبت كثيرا من هؤلاء المثقفين الذين تحولوا لأبواق تُجمل صورة السلطة ونهجها وبالتالي خانوا الأمانة وتخلوا عن دورهم الطليعي، كما أن عديدا من المثقفين فضلوا الانكفاء على أنفسهم والابتعاد عن الحياة العامة معتبرين أن المرحلة مرحة فتنة والأفضل تجنبها.

 عندما يصبح الشعب المُحبَط منشغلا بضمان استمرار تأمين قوت يومه وخائفا على مستقبله، وعندما تصبح النخب السياسية منشغلة بالصراع على السلطة ومراكمة الثروة، فمن يدق الجرس ويدعو لكسر جدران السجن؟إنهم المثقفون وأصحاب الرأي، وعندما يغيب هؤلاء يضعف الأمل بالتغيير أو تتقدم قوى جديدة تحت عنوان ثقافي أو أيديولوجي لتملأ الفراغ وتدق الجرس وهذه القوى اليوم هم المفتون والوعاظ ورجال الدين، فتملأ الثقافة الدينية المشوهة الفراغ الذي تركه المثقفون الوطنيون، ويحل رجل الدين محل المثقف وبالتالي يمارس رجال الدين عملية المراجعة والمحاسبة حسب رؤيتهم ومنطقهم ويؤسسون لبديل أيضا حسب رؤيتهم ومنطقهم وهو بديل كما بانت ملامحه لن يؤدي إلا لمزيد من التيه والضياع.

10: السلطة الفلسطينية

كان من المفترض أن تحل سلطة وطنية فلسطينية محل سلطة الاحتلال، ولكن الذي جرى انه أضيفت سلطة إلى جانب سلطة الاحتلال. وجود سلطة فلسطينية بما جسدته شكليا من مؤسسات: برلمان ووزارات وأجهزة أمن ومؤسسات خدمية الخ، خلق حالة من الارتخاء والإتكالية عند غالبية القوى السياسية، فبحسن نية أو من منطلق مصلحي أو لتبرير العجز الذاتي، روجت هذه القوى أن نهاية المطاف بالسلطة أن تتحول لدولة، وبالتالي لا داع للبحث عن مخارج أو حلول,حتى القوى التي كانت تنتقد السلطة كانت تعيش على فتاتها أو تسعى لتصبح سلطة. ولأن غالبية الشعب والقوى السياسية أصبحت مستفيدة من السلطة، ولأن التفكير بالمراجعة يعني التفكير بحل السلطة، فقد باتت المراجعة والبحث عن بدائل للوضع السياسي الراهن يثير القلق عند شرائح اجتماعية وقوى سياسية متعددة. لقد وقعت كل القوى السياسية-باستثناء حركة الجهاد الإسلامي- بإشكالية التوفيق بين، السلطة السياسية المؤسساتية والعلنية والتي تعيش بمداخيل الدول المانحة التي تربط ما بين التمويل والإلتزام بالعملية السلمية، و زعمها بأنها حركة تحرر وطني مهمتها مقاومة الاحتلال. الثورة وحركة التحرر لها فقهها والسلطة الدولانية لها فقهها.

المحور الرابع: نحو إستراتيجية وطنية جديدة.

اليوم، لم تعد المراجعة التي تؤسِس لمشروع وطني جديد وإستراتيجية جديدة خيارا من عدة خيارات بل ضرورة وطنية. إن لم تأخذ قوى من داخل النظام السياسي الفلسطيني أو من داخل الحالة السياسية الفلسطينية بشكل عام المبادرة فهناك قوى وأطراف خارجية ستأخذها. منطقة الشرق الأوسط، و القضية الفلسطينية خصوصا، لا تسمح بوجود فراغ سياسي. تاريخيا كانت أطراف عربية وإقليمية تملأ فراغ غياب الفاعل الفلسطيني، و منظمة التحرير في بداية ظهورها مثال على ذلك، هذا ناهيك أن مشاريع التوطين والوصاية والتدويل تخيم على أجواء الحالة الفلسطينية المأزومة اليوم. سياسة الترقيع والتلفيق والهروب للأمام والتخفي وراء الأيديولوجيات والشعارات الكبيرة الفارغة لم تعد تجدي اليوم، الحقوق الوطنية المسلوبة لن تعيدها واشنطن ولا الرباعية، ولا جيوش المسلمين والعرب. نعم الشرعية الدولية ضرورية والتضامن العالمي مهم والأيديولوجيات مفيدة كأدوات للتعبئة والتحريض، إلا أن كل هذه الأمور لا تنوب عن فعل الشعب صاحب القضية، لا تنوب عن المشروع الوطني والهوية الوطنية، كل الأيديولوجيات والتحالفات وأشكال التضامن الخارجية أمور مساعدة لن تكون لها قيمة إن تخلى الشعب صاحب الحق عن حقه أو تقاعس بالمطالبة به أو شعر العالم أن صاحب الحق غير جدير بالحق الذي يطالب به. استمرار أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية بالزعم بأنها لم تتخل عن الثوابت الوطنية والقومية والإسلامية بات حديثا ممجوجا وفاقد المعنى ما دامت الأرض مناط وموئل هذه الثوابت تضيع وتتسرب من بين أيدينا يوما بعد يوم نتيجة الاستيطان، واستمرار هذه الأطراف بالحديث عن مصالحة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه لم يعد يُقنع الشعب، ولا داع لأن تستمر حركتا فتح وحماس ومعسكرا الممانعة والاعتدال بتحميل كل منهما الآخر مسؤولية إفشال المصالحة الفلسطينية والتباكي على مصير الشعب. كل الأطراف تدرك أن المصالحة المطروحة للتداول ليست هي المصالحة المنشودة وأن ما حاق بالمشروع الوطني من دمار هو نتاج سلوكهم أو عجزهم.

 المراجعة الشمولية المؤسِسة لمشروع وطني جديد أو المصحِحة لمسار المشروع الوطني كفكرة حاضرة ومبهمة عند الجمهور، يجب أن تتجاوز إفرازات المشكلة وتتعامل مع أصولها ومسبباتها الحقيقية. التوافق على الانتخابات ليس حلا لأزمة النظام السياسي، كما المحاصصة وتنظيم الأجهزة الأمنية ليس حلا، حتى تشكيل حكومة ليس هو الحل. ما سبق هي حلول للسجين لتحسين شروط العيش في السجن وليس لكسر جدران السجن، وإن بقيت مكونات النظام السياسي تتعامل مع الأزمة وكأنها أزمة خلاف بين فتح وحماس وبالتالي تتعامل مع المصالحة على قاعدة حل إشكالات الانتخابات والحكومة والأجهزة الأمنية والمحاصصة الوظيفية الحكومية. . . فستبقى المعالجات في إطار التسوية واتفاقات أوسلو حتى وإن صرحت غير ذلك.

المطلوب مشروع وطني جديد، ليس مشروع سلطة وحكومة بل مشروع حركة تحرر وطني يجمع ما بين السعي للسلام ومشروع سلام فلسطيني من جانب، والحق بالمقاومة من جانب آخر، مشروع يضع حدا للفصل التعسفي الذي ساد في الساحة الفلسطينية ما بين السلام والمقاومة وهو ما ادى لأن تصبح المقاومة عبثية والتسوية عبثية، المشروع الوطني التحرري المطلوب مشروع يوفق ما بين الأبعاد الوطنية والقومية والإسلامية والدولية للقضية الفلسطينية، إنه المشروع البديل لنهج التدمير الذاتي الذي تمارسه الفصائل بحق قضيتنا وشعبنا بوعي منها أو بدون وعي. هذا المشروع حتى يكون وطنيا بالفعل يجب أن يكون مشروع الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، مشروع كل الأحزاب والحركات، مشروع يستوعب كل الأيديولوجيات.

 المراجعة الإستراتيجية المؤسِسة لمشروع وطني جديد يجب أن تشتغل على مستويين وهدفين أحدهم عاجل وقصير المدى والآخر استراتيجي بعيد المدى مع تزامن العمل على المستويين: -

الهدف/المستوى الأول: عاجل ومرحلي (تقاسم وظيفي وطني)

لأننا لا نستطيع أن نتجاهل وجود القوى السياسية القائمة وخصوصا حركتي فتح وحماس، ولا نستطيع تجاهل وجود سلطة وحكومتين متعاديتين، لذا يجب العمل على مصالحة أو تهدئة فلسطينية داخلية، مصالحة مؤقتة تضع حدا لحالة الانحدار بين كياني غزة والضفة. إنجاز هذا الهدف المرحلي والعاجل سيتعامل مؤقتا مع واقع فصل غزة عن الضفة وواقع وجود حكومتين وسلطتين، ليست هذه دعوة لتكريس الفصل بل التعامل معه مؤقتا للانتقال لمرحلة جديدة، وخصوصا أن شروط إنهاء الانقسام الاستراتيجي لم تعد خاضعة لقرار فلسطيني وهي غير متوفرة الآن، فحتى لو قررت حركتا فتح وحماس التصالح من خلال الورقة المصرية فلن يعود التواصل بين الضفة وغزة في إطار حكومة وسلطة واحدة بدون موافقة إسرائيل أو بدون تسوية سياسية تشارك فيها إسرائيل[14]. إذن بدلا من استمرار الحالة العدائية بين غزة والضفة يجب عمل مصالحة ضمن واقع الانقسام لحين تغير الأحوال. هذه المرحلة من المصالحة تحتاج لاعتراف كل طرف بأن الطرف الآخر شريك في النظام السياسي وله حق تقرير مصير هذا النظام ورسم خارطة المشروع الوطني الجديد، وتحتاج لوقف حملات التحريض والتخوين والتكفير، وتحتاج لوضع حد للاعتقالات المتبادلة، ونعتقد أن الثقافة والإعلام من أهم آليات تجاوز هذه المرحلة من خلال العمل على رد الاعتبار للثقافة والهوية الوطنية وتفعيل كل رموزهما. ونلفت الانتباه هنا أن ورقة المصالحة المصرية تقوم على أساس مصالحة مؤقتة في ظل استمرار الانقسام لحين من الزمن، وعندما أقترح المصريون تأجيل الانتخابات ليونيو 2010 ليس لأن هناك قضايا خلافية لم تحسم بل انتظارا لتسوية سياسية في إطارها تكون عملية المصالحة.

حيث أن عقبات متعددة تحوُّل دون إلغاء السلطة سواء في الضفة الغربية أو في غزة، وحيث أن إسرائيل تهدد السلطة و الحكومة في الضفة وتعيق إنجاز المشروع الفلسطيني للسلام، وتهدد السلطة والحكومة في غزة من خلال استمرار الحصار، فيمكن للمصالحة في هذه المرحلة أن تأخذ شكل توافق وطني في الضفة، توافق بين كل القوى السياسية والشعبية بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي في ظل الحكومة القائمة هناك، هدف هذا التوافق أو المصالحة الجزئية هو مواجهة سياسة الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس. في المقابل يجري توافق في قطاع غزة تشارك فيه جميع القوى بما فيها حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، لرفع الحصار عن القطاع في ظل حكومة حركة حماس. هذه المصالحة الوطنية المؤقتة والتي ستأخذ طابع التقاسم الوطني الوظيفي تشكل المدخل للمرحلة الثانية للإستراتيجية الجديدة أو المصالحة الوطنية الإستراتيجية. لا شك أن هناك مزالق وتخوفات من التعامل مع هذا المفهوم للمصالحة أو التقاسم الوظيفي المؤقت، حيث الخشية بأن يستغل بعض المستفيدين من حالة الفصل أي نجاح في المصالحة الأولى لتبرير حالة الفصل أو أن تستغل كلا الحكومتين التوافق الداخلي لإضفاء شرعية دائمة على وجودها يدفعها للتقاعس عن إنجاز المصالحة الوطنية الإستراتيجية، لتحاشي وقوع ذلك يجب العمل في آن واحد على المرحلة الثانية للإستراتيجية الوطنية، وهناك علاقة تفاعلية أو تأثير متبادل بين المصالحتين، بمعنى أن أي تقدم في أي مصالحة سيؤثر إيجابا على إنجاز المصالحة الأخرى والعكس صحيح.

الهدف /المستوى الثاني: إستراتيجي ( التوافق والتراضي على ثوابت ومرجعيات القضية الوطنية).

الاشتغال على المرحلة أو المهمة الأولى للإستراتيجية الوطنية يجب أن يكون مواكبا للاشتغال على المرحلة الثانية بل يجب أن يكون الالتزام بإنجاز الهدف الأول (التقاسم الوظيفي الوطني)مشروطا بالالتزام بالهدف الاستراتيجي الاتفاق على الثوابت والمرجعيات، حيث يستحيل التقدم نحو الهدف الاستراتيجي دون إنهاء الانقسام. وعندما نقول تساوق الاشتغال على المستويين فذلك لأننا نحشى من أن واقع فصل غزة عن الضفة قد يستغرق وقتا، لأن إسرائيل والقوى المستفيدة من حالة الفصل ما زالت قوية وفاعلة. هذا التساوق لمساري المصالحة هو ضمان عدم تحول التقاسم الوظيفي الوطني المشار إليه إلى كيانين سياسيين دائمي الوجود. لهذه المصالحة الإستراتيجية مدخل أيضا وهو تفعيل وتطوير منظمة التحرير كمرجعية ناظمة للجميع، وفي هذا السياق يمكن الاستعانة بما ورد بورقة المصالحة المصرية حول تشكيل لجنة مشتركة عليا لضمان أن يستمر كيانا غزة والضفة ضمن مشروع وطني واحد. إذا كانت المصالحة الأولى، أي المصالحة العاجلة في ظل الإنقسام القائم تتعامل مع الإنقسام الأخير الذي نتج عن أحداث يونيو 2007، فإن المصالحة الإستراتيجية يجب أن تتعامل مع الإنقسام الإستراتيجي السابق على تلك الأحداث والسابق لسيطرة حركة حماس على القطاع، هذه السيطرة وما سبقها وما لحقها من توترات وإصطدامات مسلحة هي نتيجة لخلاف استراتيجي وطني وإقليمي حول تشخيص طبيعة الصراع مع إسرائيل وهدفه النهائي.

الإستراتيجية الجديدة ستكون مضطرة لإعادة طرح تساؤلات تم طرحها قبل أربعة عقود ولم يتم الحسم فيها، ولأنها لم تحسم فقد عادت مجددا وبشكل أكثر تعقيدا. منذ أن وجِدت قضية سياسية تُسمى القضية الفلسطينية، وهي محل تنازع بين الأبعاد الوطنية والقومية والإسلامية والدولية، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية لم ينه حضور هذه الأبعاد وإن كان غيَّر في الأولويات. فهل نحن نقاتل إسرائيل لأنها عدو ديني تاريخي وبالتالي يجب اجتثاثها من الوجود، وفي هذه الحالة فالصراع يتجاوزنا كفلسطينيين ليشمل كل الأمة الإسلامية؟أم نقاتلها كفلسطينيين لأنها ترفض حقنا بدولة مستقلة سواء كانت هذه الدولة حسب قرار التقسيم 194 لعام 1947 أو دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة ؟. غياب الرؤية الواضحة للهدف عند أصحاب الحق ينتج حالة من الإرباك حول تحديد وسائل تحقيق الهدف وحول معسكر الحلفاء ومعسكر الأعداء وحول مفهوم استقلالية القرار الوطني وجدواه، وهي أمور تجر أصحاب الحق إلى صراعات وحروب داخلية. غموض وعدم الاتفاق على الأنا في أي صراع يؤدي تلقائيا لغموض وتعميم مفهوم الآخر، الأمر الذي يربك الحالة السياسية وهو ما تعاني منه القضية الفلسطينية. هذا الغموض حول الأنا والآخر هو الذي مكن إسرائيل من تحشيد الصهيونية العالمية واليمين المسيحي ودول أخرى في مواجهة النضال الفلسطيني، وهو ما مكن تل أبيب وواشنطن من إدراج نضال الشعب الفلسطيني ضمن الإرهاب الدولي.

من المفهوم في السياسة، التعامل مع أهداف مرحلية وأهداف إستراتيجية، ومن المفهوم أيضا تعدد أساليب العمل لتحقيق الهدف، إلا أنه في جميع الحالات يجب على المرحلي أن يكون في خدمة الإستراتيجي، كما أن تعدد أساليب النضال يكون ضمن نفس الهدف وفي إطار إستراتيجية وطنية واحدة وموحدة وليس لكل حزب هدف استراتيجي ووسائل خاصة به لتحقيق هذا الهدف. في الحالة الفلسطينية الأنا مبهم – وطني أم قومي أم إسلامي – ولا يوجد اتفاق على الآخر –إسرائيل أو اليهودية العالمية أو الصهيونية أو المسيحية أو أهل الكفر- والوسائل متعددة ومتعارضة –كفاح مسلح وجهاد؟ أم انتفاضة شعبية؟ أم مفاوضات وحل سلمي؟_هذا الأمر يخلق حالة إرباك في تحديد معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء، أيضا فإن عدم التحديد يجعل العالم لا يعرف ما الذي يريده الفلسطينيون بالضبط وما هي مرجعيتهم السياسية، أو على الأقل يستغلون هذا التشتت والغموض في الموقف الفلسطيني والعربي ليتهربوا من التزاماتهم الدولية تجاه الشعب الفلسطيني أو يتجنبوا التصادم مع إسرائيل وواشنطن.

خلال ستين عاما طرح الفلسطينيون حوالي سبعة تصورات للهدف الذي يسعون إليه أو للدولة المنشودة. فبعد أن رفض العرب والفلسطينيون قرار التقسيم لعام 1947 وهو القرار الذي كان يعطيهم الحق في دولة، دخلوا في تيه سياسي حتى بداية ظهور منظمة التحرير، خلال سنوات التيه طالبت حركة فتح وقبل أن تعلن عن نفسها رسميا عام 1965، بمشروع كيان وطني على الأراضي الفلسطينية التي بيد العرب –غزة والضفة- وذلك من خلال مجلة فلسطيننا، كان ذلك عام 1959، ولكن العرب رفضوا أو تجاهلوا هذا المطلب بل توجسوا منه حتى انه عندما قرر العرب تأسيس منظمة التحرير كان من ضمن الشروط أن لا تسعى المنظمة لسيادة على الضفة وغزة، مع منظمة التحرير أصبح الهدف تحرير كل فلسطين وإنهاء الوجود الصهيوني اليهودي كما نص على ذلك الميثاق القومي ثم الوطني، وفي عام 1971 تم تبني هدف الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل فلسطين الذي جوبه بمعارضة قوية ليس فقط من إسرائيل بل أيضا من قوى وفصائل فلسطينية وعربية، أما في عام 1974 وعلى إثر حرب أكتوبر تم تبني البرنامج المرحلي والسلطة المقاتلة، وفي عام 1988 تم تبني إعلان الاستقلال أو دولة الضفة وغزة، كان إعلان الاستقلال مدخلا للتسوية حيث جاء مؤتمر مدريد ثم اتفاق أوسلو التي سجن القضية الوطنية في إطار سلطة الحكم الذاتي في الضفة وغزة بدلا من دولة الضفة وغزة، مع وصول التسوية لطرق مسدود عاد الحديث عند البعض عن الدولة الواحدة ثنائية القومية، بالإضافة للتخوفات من أن تكون الدولة القادم دولة أو إمارة غزة فقط. والمفارقة أن الكيان السياسي الأول –منظمة التحرير الفلسطينية- انبثق بقرار رسمي عربي، ومصادر تهديده وتجاوزه اليوم يأتي من قرار إسلاموي حيث لا تخفي حركة حماس أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين وأن لها مشروعها الإسلامي المختلف –لا نريد أن نقول متعارض_عن المشروع الوطني.

إذن، كيف يمكن تأسيس إستراتيجية عمل وطني في ظل هذا الغموض والإرباك حول الهدف والوسائل ؟ ثوابت الأمة وحقوقها الوطنية ليست حقل تجارب للإيديولوجيات عابرة الوطنيات، ولا تخضع لموازين القوى الإقليمية والدولية. عندما لا يعرف الشعب ثوابته ومرجعياته و لا تتوافق قواه السياسية على تعريف لها، فهذا يشكك في عدالة قضيته الوطنية. ما كان لأصحاب الإيديولوجيات القومية والإسلامية أن يتراموا على قضيتنا وينصِّبوا أنفسهم أوصياء لولا ضعف الحالة الوطنية وتفشي الخلافات الداخلية[15]. التدخلات، سواء باسم العروبة أو باسم الإسلام، فيه امتهان لكرامتنا الوطنية وتشكيك بحقنا بدولة، فلماذا يجوز للمصريين والسوريين والإيرانيين أن يكون لهم دول وطنية خاصة بهم فيما يُحرَم علينا إقامة دولة فلسطينية خاصة بنا ؟ الدولة الوطنية الفلسطينية لا تعني القطع مع الأبعاد القومية أو الإسلامية للقضية. عندما يكون للعرب والفكر القومي وللمسلمين والحركة الإسلامية عنوان واحد متفق عليه، فسنكون أول من يسير من ورائه ونسلمه مقاليد أمورنا، ولكن لن نتخلى عن هويتنا وثقافتنا الوطنية ولا عن حلمنا بدولة وكيان وطني يحفظ لنا كرامتنا وإنسانيتنا لصالح الآخرين، وطن يعيش فيه أبناؤنا مرفوعين الرأس بلا احتلال صهيوني ولا وصاية عربية ولن نستمر معلقين بحبال وهم مدعو القومية والإسلاموية ليوظفونا كما يوظفوا شعارات القومية والإسلام لخدمة مشاريعهم الوطنية أو الإقليمية أو الحزبية إن لم يكن الشخصية. هذا الكيان الوطني الفلسطيني ضرورة لأي مشروع قومي وحدوي عربي صادق أو مشروع وحدوي إسلامي صادق، مشروعنا الوطني رأس حربة لوقف توسع الكيان الإسرائيلي ببعديه الصهيوني واليهودي، فمن لا يقف إلى جانب المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، لا يمكنه أن يكون قوميا عربيا وحدويا ولا إسلاميا حقيقيا، كما أن المشروع الوطني الفلسطيني لن يكتب له النجاح بدون بعديه: العربي والإسلامي. هذا الهدف/المشروع الوطني يتطلب إخضاع كل الأيديولوجيات له بحيث تصبح إحدى مكوناته لا أن يُلحق المشروع الوطني بمشاريع قومية وإسلاموية مأزومة.

هذا الهدف الوطني يجب أن يكون محل توافق وطني ويتجنب التصادم مع الشرعية الدولية التي تعترف للشعب الفلسطيني بالحق في تقرير المصير السياسي على أرضه وبحقه في دولة خاصة به. الدولة هدف مشروع ولكنها ليست المشروع الوطني، فهذا سابق في وجوده على هدف الدولة وهو سيستمر ما استمر الاحتلال ويجب ألا يخضع للتجاذبات والمناورات حول مفهوم حل الدولتين. ولكن وحيث أنه يوجد توجه دولي لحسم الصراع في المنطقة على أساس حل الدولتين، فيجب أن نتوحد على مفهوم الدولة التي نريد، سواء كانت حسب قرار التقسيم أو دولة في الضفة وغزة، حتى إن كانت دولة على كامل فلسطين التاريخية فالمهم هو توافق وطني على هدف يناضل كل الفلسطينيين من اجله تحت قيادة وحدة وطنية، آخذين بعين الاعتبار عدم جدية إسرائيل في التعامل مع حل الدولتين وعدم قدرة المنتظم الدولي الآن على إجبار إسرائيل على الانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين. هذا يعني أن الدولة هي احد المعارك التي على المشروع الوطني التحرري خوضها، وقد يضطر أيضا لخوض معارك ضد التوطين والتدويل والوصاية.

إعادة بناء وتأسيس المشروع الوطني كمشروع حركة تحرر وطني يعني التعامل مع شعب قوامه أكثر من عشرة ملايين فلسطيني في الداخل وفي الشتات، يتطلب تفعيل دور نصف الشعب الفلسطيني الذي رُكن على الرف منذ توقيع اتفاقات أوسلو دون تجاهل الأوضاع في غزة والضفة، الأمر الذي يتطلب أن يضع هذا المشروع على سلم اهتماماته رفع الحصار عن قطاع غزة ومواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس. مدخل هذا المشروع ليس بالضرورة الانتخابات التشريعية والرئاسية وليس التوافق على حكومة وحدة وطنية، بل إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتستوعب الكل الفلسطيني، لو تمكنا من بناء منظمة التحرير على أسس جديدة وبقيادة جديدة فسيكون حل بقية القضايا أيسر كثيرا، لن تنجح أية مصالحة أو شراكة سياسية أو مشروع وطني إن بقي أي فصيل فلسطيني خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية، لأن منظمة التحرير ليست حزبا أو فصيلا بل الكيانية السياسية التي يعترف بها العالم اجمع [16]. هذا المشروع الوطني الجديد يجب أن يُعيد الاعتبار للأبعاد القومية والإسلامية والدولية للقضية الفلسطينية على أسس جديدة لا تجعل المشروع الوطني ومجمل القضية ملحقة بهذا البعد أو ذلك.

إن لم نتدارك الأمر بالمصالحة الإستراتيجية، فسيسير النظام السياسي نحو مزيد من التفكك. حركة فتح لن تبقى موحدة وكان المؤتمر السادس بداية التصدع فبعد المؤتمر فقدت حركة فتح كينونتها كحركة تحرر وطني، وحركة حماس ستشهد مزيدا من الانحسار كلما توغلت في السلطة والحكم واستمرت ملتزمة بالتهدئة، وقد تشهد انقسامات داخلية وخصوصا بين تيار وطني وتيار أممي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين وتيار سينحو نحو التطرف. بطبيعة الحال لن يكون مصير بقية القوى السياسية بالأفضل، وقد نشهد ظهور العديد من التيارات أو الأحزاب بمسميات المستقلين أو أية مسميات أخرى يقودها رجال أعمال ورجال دين، إلا أن هذه القوى لن تشكل استنهاضا للحالة الوطنية بل ستزيد من التيه ومن فرص تدخل أطراف خارجية. التخوفات الأكثر مأساوية هي، فقدان ما تبقى من الضفة، وقد نشهد قريبا حربا أهلية في قطاع غزة. إسرائيل لن تُمكِن الفلسطينيين من دولة ذات سيادة في الضفة الغربية، وحتى تبعد الأنظار عما يجري في الضفة وحتى تلهي الفلسطينيين وتُرضي أصدقاءها ممَن لهم تطلعات سلطوية غير قادرين –أو غير مسموح لهم-على تحقيقها في الضفة، فستخلق المناخ المناسب لفتنة وحرب أهلية في القطاع، كما سبق وهيأت المناخ لـ (الانقلاب) الذي أقدمت عليه حركة حماس في يونيو 2007. حرب أهلية حول مَن يحكم قطاع غزة: حركة فتح أم حركة حماس؟ وقد تشارك جماعات أخرى في هذه الحرب، كما سيكون للعملاء دور مهم في هذه الفتنة. سكوت إسرائيل عن حكم حماس في الضفة ليس قبولا نهائيا أو موقفا استراتيجيا وليس عجزا، بل لهدف تكتيكي، وعندما تشعر إسرائيل بأنها حققت هدفها من الانقسام فستنقل المعركة لقطاع غزة، وهناك قيادات فلسطينية، من خارج حركة حماس، كانت وما تزال تراودها شهوة حكم غزة.

خاتمة

ما طرحنا أعلاه، دعوة أو تحريض على التفكير الاستراتيجي، فنحن ندرك أن الأمور أكبر وأكثر تعقيدا من قدرتنا أو قدرة أي كاتب على إنجاز مشروع بهذا الحجم. ما يجعلنا متفائلين بإمكانية تجاوز المرحلة الصعبة هو ثقتنا بشعبنا وعدالة قضيتنا ولأن العمل على هذه الإستراتيجية الجديدة لن يكون من نقطة الصفر فهناك حضور بتاريخ متجذر للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، وتاريخ نضالي فرض على العالم أن يعترف للفلسطينيين بالحق في دولة مستقلة، أيضا هناك حقيقة أنه بالرغم من كل أشكال الفشل والمؤامرات التي تعرضت لها الأحزاب والقيادات السياسية إلا أنها لم تتخل عن الحقوق المشروع للشعب، نعم فشلت في تحقيقها ولكنها لم تفرط بها.

 نعلم أنها مهمة صعبة وشاقة، ولكن مصير الشعوب لا يرتهن بمصير نخب سياسية أو بموازين قوى آنية أو بإرتكاسات عابرة، بل بإرادة الصمود والبقاء عند الشعب، فلنعتبر أن ما جرى انتكاسة وفشل لمشروع وطني راهن لم تأت الرياح بما تمكنه من الإقلاع، وحيث أن (لكل جواد كبوة )فيمكن للشعب وقواه الحية أن يتجاوزوا ويتغلبوا على المحنة، فتاريخ صراعنا مع المخطط الصهيوني لم يبدأ اليوم، ومن الواضح انه صراع مفتوح على المستقبل. فشل السلطة وفشل الحكومتين في غزة والضفة وفشل كل القوى السياسية لا يعني نهاية القضية الوطنية الفلسطينية، بهم أو بدونهم سيستمر الشعب الفلسطيني في خوض معركته الوطنية، بهم أو بدونهم سيكون هناك مشروع تحرر وطني فلسطيني. إن صدقت النوايا يمكن أن تبدأ هذه الاستراتيجية بلقاء موسع للقوى السياسية الفلسطينية ولشخصيات وطنية من المستقلين والمفكرين، ولأن القضية لها الابعاد المشار إليها يمكن أن يشارك في بدايات هذا اللقاء مثقفون ومفكرون عرب ومسلمون مشهود لهم بدعم القضية الفلسطينية بدون تحيز لأي محور أو ايديلوجية خارجية، ويمكن ايضا مشاركة ممثلون عن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

* أستاذ العلوم السياسية - جامعة الأزهر بغزة

Ibrahem_ibrach@hotmail. com

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

 [1] - من أبرز المظاهر الشكلانية للتيه هو ذلك الخلط اللغوي في توصيف الحالة السياسية، فلا المثقفون والمفكرون ولا السياسيون قادرون على الاتفاق على توصيف الحالة السياسية بترميزها بمصطلح واحد. تارة يتحدثون عن مرحلة تحرر وطني وتارة عن سلطة سياسية وأخرى عن دولة ومرة عن كيان سياسي، تارة يتحدثون عن النظام السياسي بنفس المعنى الذي يعطونه للدولة، ومع ذلك يدمجون مرحلتي التحرر الوطني ومرحلة السلطة فيقعون في خطأ الخلط والتلفيق بين القوانين الحاكمة والناظمة لمرحلة التحرر الوطني وتلك الناظمة والحاكمة لمرحلة الدولة.

[2] -بعد مؤتمر حركة فتح السادس في أغسطس من العام الجاري أنسلخ تنظيم فتح عن تراثه وتاريخه النضالي و لم يعد يمثل حركة التحرر الوطني بل تحول لمجرد حزب سلطة.

[3] - من مظاهر التيه أن الجبهة الشعبية وأيضا الديمقراطية تقول بالمقاومة وتملك أجنحة عسكرية في قطاع غزة حيث خرج الاحتلال، فيما تمالئ السلطة ومجردة من السلاح في الضفة الغربية حيث يوجد الاحتلال.

[4] -(كل الخيارات مفتوحة)شعار الأقوياء وليس شعار الضعفاء، وبالتالي فلا محل ولا قيمة لهذا الشعار في الساحة الفلسطينية وخصوصا في ظل حالة الانقسام، فعندما يفشل خيار التسوية ويفشل خيار المقاومة فأية خيارات أخرى. إن استمرت حالة الانقسام لن تنتج إلا مزيدا من الهزائم أو خيار(عليَّ وعلى أعدائي).

[5] -نشير هنا أن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني عام 1974 وصدور عشرات القرارات الدولية لصالح الشعب الفلسطيني جاء في وقت كانت تمارس فيه المنظمة الكفاح المسلح وتصنف كحركة إرهابية في غالبية الدول الأوروبية. فرضت المنظمة نفسها بالرغم من كل ذلك لأنها بالإضافة إلى الظروف الدولية المواتية، كانت تمثل الكل الفلسطيني، بمعنى أن وحدة الشعب ووحدة ووحدانية القيادة هو ما جعل العالم يحترمنا.

[6] - عملت إسرائيل على تدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال بروتوكولات باريس الاقتصادية المتممة لاتفاقات أوسلو ومن خلال إجراءات على الأرض كمصادرة الأراضي الزراعية أو تقطيع أوصالها ومن خلال تدمير المنشئات الصناعية وفرض قيوم على تصدير المنتجات الفلسطينية وإدخال المواد الخام أيضا من خلال شراكة مذلة مع نخب اقتصادية فلسطينية. كان الهدف من هذه الإجراءات تجويع الشعب لإجباره على القبول بأي حل سياسي. هذه السياسة لم تنجح ولكنها أدت لتبعية الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني لجهات مانحة أجنبية وهي تبعية مضرة بالمشروع الوطني ومعيقة له.

[7] - انتهت انتفاضة 1987 بتوقيع اتفاقية أوسلو وانتهت انتفاضة الأقصى بالانقسام. فهل كانت الانتفاضتان عفويتين أم موجهتين ومخطط لهما؟إن كانتا عفويتين فيمكن تفهم ما جرى لهما وبالتالي لا نحمل القيادات السياسية مسؤولية مآلهما ولكن القيادات والفصائل تقول بأن الانتفاضتين كانتا موجهتين من قبلهما، معنى هذا أن الفصائل وخصوصا حركتا فتح وحماس وجهتا أو وظفتا الجماهير المنتفضة لهذه النهاية، حركة فتح وجهت انتفاضة 1987 لتمرير نهج التسوية وتوقيع اتفاقية أوسلو، وحركة حماس وجهت انتفاضة الأقصى للانقلاب على النظام السياسي ولتسيطر على قطاع غزة.

 [8] - كتب الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان قبل النكبة واصفا حال الزعامات الفلسطينية:

انتم (المخلصون) للوطنية             أنتم الحاملون عبء القضية!!

أنتم العاملون من غير قولٍ            بارك الله في الزنود القويّة!!

و (بيان) منكم يعادلُ جيشا          بمعدّات زحفه الحربية

و (اجتماع) منكم يردّ علينا                 غابَر المجد من فتوح أميّة

وخلاص البلاد صار على الباب      وجاءت أعياده الوردية

ما جحدنا (أفضالكم)، غير أنّا       لم تزل في نفوسنا أمنيّة:

في يدينا بقية من بلاد...               فاستريحوا كيلا تطير البقية

[9] -غالبية مستشاري الرئيس أبو مازن، شخصيات غير شعبية وبسمعتها سيئة وفشلوا إما في الانتخابات التشريعية أو انتخابات مؤتمر حركة فتح أو فشلوا وأبعدوا عن أحزابهم، مما يثير التساؤل حول المعايير التي على أساسها يتم اختيار هؤلاء وهل هم متواجدين بإرادة الرئيس أم مفروضون عليه من قوى خارجية؟.

[10] - غالبية أبناء قادة فصائل منظمة التحرير انسلخوا عن العمل النضالي: ثقافة وممارسة واغتنوا وأصبحوا من أصحاب الثروة والجاه فيما حالة الشعب تزداد سوءا وآباؤهم يتحدثون عن النضال وعن معاناة الشعب !هذه ظاهرة تحتاج لدراسة من علماء الاجتماع السياسي، إن لم يكن القائد قدوة لأبنائه في نهجه النضالي فكيف سيكون قدوة لأبناء الشعب؟ لو كان الأبناء يعتقدون أن آباءهم يسيرون على الطريق الصحيح لاتبعوا نهجه.

[11] -بالرغم من أن رائحة فضائح رموز في السلطة قد زكمت الأنوف فلم تجري أية محاسبة لأي منهم، وعلى سبيل المثال ملفات فساد جميل الطريفي وأبو علاء قريع وروحي فتوح، فهؤلاء ما زالوا يسرحون ويمرحون كقادة ورجال أعمال والأبناء يراكمون الثروات التي سرقها الاباء ويجدوا في مواقع أبائهم ونفوذهم الرسمي والمعنوي سندا في ذلك. وفضيحة أموال المشاركين في تجارة الانفاق في قطاع غزة والتي تضرر منها آلاف العائلات ما زالت عالقة وتضرب حركة حماس ستارا من الكتمان حول الموضوع ويقال إن قادة في حماس ليسوا بعيدين عن الفضيحة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى السرية التي تحيط بمصادر تمويل حركة حماس وحكومتها.

[12] -يوجد ما يمكن اعتباره رشوة جماعية للشعب: الدول المانحة من خلال الرواتب والمشاريع، وكالة الغوث، المنظمات الأهلية، الدول الإقليمية والعربية من خلال الأموال التي تقدمها مباشرة للسلطة أو غير مباشرة للتنظيمات، جماعات الإسلام السياسي عبر العالم الخ، كل ذلك جعل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يتقاضى راتبا أو ما يوازيه من المساعدات وهو جالس في بيته، وهذا خلق مجتمعا غير منتج وبالتالي مرتبطا بهذه الجهات الخارجية، وبالتالي غير متحمس لتغيير الحال ما دامت نخبه وأحزابه غير معنية باستنهاض الحالة الوطنية.

[13] -جريمة المفاوضين الفلسطينيين لا تقل عن جريمة إسرائيل في موضوع الاستيطان لأنه لا يُعقل أن يستمر المفاوضون الفلسطينيون بالتفاوض حول موضوع الاستيطان لمدة ثمانية عشر عاما فيما الاستيطان يتواصل بتسارع وفيما يوجد مرجعية دولية تقول بعدم شرعية الاستيطان في الأراضي المحتلة؟والأخطر من ذلك أن نفس الفريق المفاوض وكبير المفاوضين يترقى تنظيميا ووظيفيا ويتهيأ لقيادة ماراتون مفاوضات جديدة تحت عنوان إعلان تجسيد قيام الدولة!. فهل الذين يفشلون في إنجاز المهام الأصغر يمكنهم إنجاز المهام الأكبر؟.

[14] -لم يعد حل السلطة قرارا فلسطينيا خالصا بالرغم من أنها تأسست شكليا بقرار من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فحيث إن السلطة باتت تخدم إسرائيل وتحضا بقبول الرباعية فهذه الإطراف مستعدة لضمان استمرارية السلطة ضدا عن إرادة منظمة التحرير. أيضا المصالحة بالمفهوم المتداول لم تعد خاضعة لشرط فلسطيني داخلي بل تحتاج لتوافقات أو مصالحات عربية وإسلامية وقبول إسرائيلي، كما من الصعب الفصل بين الانتخابات والمصالحة والتسوية.

[15] - إذا كانت حركة حماس والجهاد الإسلامي تمثلان تيارا إسلاميا مرتبطا بالإسلام السياسي الخارجي، فلماذا لا تتوحد القوى الوطنية في إطار واحد لمواجهة هذا التيار الأصولي؟ لماذا لا يعيد التيار الوطني بكل فصائله بناء منظمة التحرير ثم يطلب من حماس و الجهاد المشاركة أو يواجهونها كجبهة متحدة؟

[16] -ندرك الحالة المتردية لمنظمة التحرير مؤسسات وشخصيات وبالتالي لا ندافع عن واقع المنظمة بل عن صفتها المعنوية والسياسية حيث من خلالها يعترف العالم بالشعب الفلسطيني وبقضيته السياسية ومن خلالها يتواجد تمثيل الشعب الفلسطيني في كل المنظمات والمحافل الدولية، لو انتهت المنظمة أو شكل الفلسطينيون هيئة جديدة سيحتاج الأمر لجهود مضنية حتى تكتسب اعترافا دوليا وقد لا يحدث ذلك في ظل واقع النظام الدولي الجديد، وعليه سيكون من الأفضل الحفاظ على المنظمة مع تطويرها وتوسيعها لتستوعب كل القوى السياسية، وفي داخلها يمكن تجديد المشروع الوطني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/آذار/2010 - 29/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م