القادة السياسيون وأهمية إختيار المستشارين

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: المستشارون كما هو معروف لهم دورهم المهم في توجيه المسارات السياسية للدول سواء فيما يتعلق بالسلم او الحرب، مع تدخلهم في عملية صنع القرار من خلال دورهم الاستشاري في هذا المجال او ذاك، ولم تقتصر مهام المستشارين ووجودهم على الحقب الماضية بل استمر هذا النهج حتى الآن في معظم الحكومات وإن اختلفت التسميات والوظائف والعناوين من هذه الدولة الى تلك.

وقد تتراوح أهمية المستشار صعودا ونزولا من حيث درجة التحكم بالمسار السياسي لهذه الدولة او تلك، فربما نجد دور المستشار هاما لدرجة انه غالبا ما يتدخل بحسم نوعية القرار كليا وقد نراه هامشيا، لكن دور المستشار كما هو معروف ينبغي أن لا يتجاوز حدود تقديم الاستشارة في هذا المجال او ذاك.

على أننا نتفق بأن المستشارين يكونون على انواع، فمنهم من يجيد عمله الاستشاري ويخلص لمن يطلب المشورة منه ويؤدي المهمة الملقاة على عاتقه على الوجه الأمثل، ومنهم من يضمر الشر ولا يقدم سوى المشورة السيئة التي تضر بصاحب القرار وبالمجتمع ككل، لذا يكون لزاما على القادة أن يبحثوا عن المستشارين الذين يتحلون بالكفاءة اولا وبعد النظر والحكمة في تقديم النصائح ثانيا ناهيك عن اهمية تمتعهم بالامانة والصدق والاخلاص وهو شرط أساس ينبغي أن يتوافر في شخصية المستشار ومكوناته النفسية والعلمية وما شابه، ويقول المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) بهذا الصدد بكتابه القيّم والموسوم بـ (الاخلاق الاسلامية):

(للمشورة شرط أساسي، وهو أن يكون المستشار، ممن يحسب لله حساب، ويخاف المعاد، وإلا أشار بما لا يرضى الله، ويكون عاقبة أمره خسراً).

وهكذا يجب أن يكون المستشار من المؤمنين المخلصين الذين يخافون الله تعالى يوم يحين الحساب على اقوالهم وافعالهم، ولعل الأهم في هذا الجانب هو الاختيار الامثل للمستشار، فكثير من قادتنا السياسيين قد لا يُحسن الاختيار في ذلك، وقد يضع الولاء فوق الكفاءة، ناهيك عن المحسوبيات وما تنطوي عليه من إساءة لمجريات الامور بما يضر بالصالح العام، لأن المستشار الذي لا يتحصّل على المواصفات المطلوبة قد يسيء فهم المشورة ودورها واهدافها وقد لا يؤمن بأن (الاستبداد لا يوضع على شيء إلا شانه، والمشورة لا توضع على أمر إلا زانته) كما يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه نفسه.

وهنا قد لا يفرّق المستشارون بين الاستبداد والحرية، وقد يكون من بينهم من تهمه مصالحه الذاتيه اكثر من مصالح الشعب ؟ فحين يرى خطأ في صنع القرار لا يعترض بل يحابي الحاكم ويجاريه طمعا بالحصول على رضا الحاكم حتى لو كانت قراراته خاطئة وتنطوي على خطورة تؤذي الامة وتطيح بآمال الشعب، ومثل هذا المستشار المرائي الذي يوافق ويجاري اهداف صناع القرار لايصح أن يؤخذ مستشارا، لأنه يفضل الحفاظ على منصبه ومكانته على قول الحق والنطق بالمشورة الصائبة، لذا فإن المستشارين اذا كانوا من هذا النوع فإنهم سوف يسيئون للحاكم حتى لو سايروه في قرارته، إذ يقول الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه نفسه:

(المشورة ليست حيث وقعت تجلب الخير، فرب شخص تكون استشارته أضر، وخصوصاً من جبل على صفة لئيمة، فمشورة الجبان في الحرب، والبخيل في العطاء، والسفيه في التصرف.. لا تزيد إلا خبالاً..).

هنا يتعلق الامر بطبيعة اختيار القائد السياسي لمستشاريه، بمعنى انه هو المسؤول عن هذا الاختيار، وإنه ينبغي أن لا يضع معايير الولاء فوق النزاهة والاخلاص والامانة ودرجة العلم والحكمة التي ينبغي أن يتوفر عليها المستشار، فكلما كان المستشار عالما بالامور حكيما متوازنا لا محابيا كلما كانت المشورة الصادرة عنه مفيدة وتصب في صالح الحاكم والمحكوم معا، ويصح العكس تماما.

وربما يكون من المفيد هنا أن نذكر قادتنا السياسيين في العراق بأهمية اختيارهم للمستشار لاسيما أننا نعد العدة لتشكيل الحكومة، وقد ورد في كتاب الامام الشيرازي حول هذا الأمر حديثا للامام علي بن ابي طالب عليه السلام:

(قال علي عليه السلام ـ في كلام له ـ: شاور في حديثك الذين يخافون الله).

فإذا ضمن القائد السياسي مخافة المستشار لربه تعالى مع تحلّيه بالشروط الاخرى لابداء المشورة في المجالات الهامة، فإنه يضمن سلامة النصح وصحة الرأي كونه يقوم على المصلحة العامة أولا، أي أن المستشار ينطلق في مشورته نحو تحقيق المصلحة العليا للشعب وليس هدفه المصلحة الفردية او المراآة والمحاباة والتزلّف للحاكم طمعا بالحصول على رضاه ومن ثم احتفاظه بمنصبه لاطول مدة على حساب مصالح الشعب، ويقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه (الاخلاق الاسلامية):

(فمن طلب الخير وجده، ومن شاور الناس عرف وجه الصواب. والمشورة إنما هي مع أصحاب العقول الرزينة، والأحلام الصحيحة لا كل رذل أو ساقط).

لذا تتأكد هنا أهمية المستشار، وقبلها أهمية إختياره من قبل القائد وفقا للشروط والمواصفات المهمة التي ينبغي أن تتوفر فيه، حفاظا على المصالح الكبيرة للسواد الاعظم من الناس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/آذار/2010 - 29/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م