الفرعون الأخير بمواجهة رياح التغيير

ورياح التغيير في مواجهة سيناريوهات التوريث

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: أكد تقرير خطير نشرته إحدى كبريات الصحف الأمريكية أن مشروع التوريث للسلطة في مصر يبقى حتى الآن هو المشروع الأقوى، على الرغم من الحراك الذي أحدثه الدكتور محمد البرادعي، وأن القوى الشعبية في مصر تبقى ضعيفة وغير قادرة على تحدي مشروع التوريث، ومن ثم فان ضعف شعبية جمال مبارك وفقدانه للقبول الجماهيري لا يمثل عائقا حقيقياً ضد خلافته لوالده.

ومن جانب موازِ يرى باحث ألماني مختص في الشؤون المصرية، في مقالة تحليلية أن النظام المصري يتبنى إستراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك والعمل على توريث الحكم إلى ابنه جمال، مستفيدا بذلك من كبار رجالات الأعمال الذين يشكلون غطاء لهذا السيناريو وسط عجز المعارضة المصرية عن التصدي لهذه المحاولات.

أمل على ضفاف النيل 

وكتبَ ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن مقالاً حول الموضوع قال فيه: يتطلع المدير العام السابق لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" الحائز على جائزة نوبل للسلام، محمد البرادعي، إلى تحد بعيد الإحتمال للفوز بمنصب الرئاسة في مصر ضد الرئيس الحالي حسنى مبارك أو ابنه جمال في الإنتخابات المقرر إجراؤها في أيلول/سبتمبر 2011. إن هذا التطور هو أكثر إثارة للإهتمام في السياسة المصرية منذ سنوات عديدة، وهي مبادرة يقوم بها البرادعي ضد الرئيس المصري الذي يحكم بلاده مدة ست فترات متواصلة. وفي حين أن القانون المصري والنظام الإستبدادي لحسني مبارك سيمنعان بدون أي شك إمكانية قيام البرادعي بترشيح نفسه في الإنتخابات، أسفرت مغامرته بدخول السباق عن تنشيط الناخبين المحبطين، على الأقل بصورة مؤقتة.

يتمتع البرادعي بسيرة حياة لها جاذبية شعبية. فهو نجل الرئيس السابق لنقابة المحامين المصريين، وشغل منصب المدير العام لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ثلاث فترات متتالية، وهي المنظمة التي تعمل بمثابة ‏'‏كلب الحراسة النووي‏'‏ لـ "الوكالة". وبالإضافة إلى فوزه بجائزة نوبل للسلام بدوره كرئيس للوكالة، حصل في عام 2006 على "قلادة النيل العظمى" -- أعلى وسام في مصر -- التي منحها له الرئيس مبارك نفسه، لجهوده في خدمة الجمهورية.

ومنذ تقاعده من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في كانون الأول/ديسمبر 2009، تصدر البرادعي عناوين الصحف في انتقاده لنظام الحكم في مصر، وعندما عاد إلى القاهرة لمدة 10 أيام في أواخر شباط/فبراير المنصرم، بعد عقود عاشها خارج البلاد بسبب عمله في الخارج، أُستقبل في المطار من قبل آلاف من أنصاره. وأثناء عودته إلى البلاد أجرى سلسلة من المقابلات التلفزيونية أدان فيها غياب الديمقراطية وبطء وتيرة الإصلاح ودعى إلى الحاجة إلى التغيير في مصر.

وفي حين أنه لم يعلن عن اعتزامه الترشح لمنصب الرئاسة، إلا أنه شكا بحدة من التغييرات الدستورية الصارمة التي أُقرت عام 2007 والتي تمنع بصورة فعالة من إمكانية ترشيحه، ولا سيما المادة 76 من الدستور المصري المعدل التي تحدد سلسلة من المعايير الغامضة التي قُصد منها منع المواطنين من التنافس على منصب رئيس البلاد.

فعلى سبيل المثال، بالإضافة إلى الشرط المطلوب في المادة المذكورة بأنه يتعين على المرشح الحصول على تأييد 250 عضواً من أعضاء البرلمان أو غيره من الهيئات المنتخبة -- التي يهيمن عليها جميعاً الحزب الوطني الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس مبارك -- يجب عليه أيضاً أن يكون عضواً في حزب سياسي لفترة لا تقل عن خمس سنوات، وعلى أعضاء ذلك الحزب أن يشغلوا ما لا يقل عن 3 ٪ من مقاعد البرلمان، وأن يكون المرشح للرئاسة قد خدم لمدة سنة واحدة كمسؤول كبير في ذلك الحزب.

من الواضح أن الساحة السياسية تعمل بشدة ضد جميع مرشحي المعارضة. ولكن الحالة الأكثر سوءاً بالنسبة للبرادعي، الوافد الجديد إلى هذه الحلبة السياسة، هو أنه لا يفي أياً من هذه الشروط، ويتطلب الأمر إجراء تغيير دستوري من أجل مشاركته في الإنتخابات.

ولا يوجد هناك احتمال ما لقيام حسني مبارك -- الذي يشغل منصبه فترة دامت 30 عاماً تقريباً -- بدعم إجراء تعديل دستوري لتسهيل شروط مشاركة البرادعي في الإنتخابات، في الوقت الذي تحوم في الأفق فكرة انتقال الخلافة إلى نجل الرئيس، جمال مبارك. وكما قال أحد المسؤولين في حزب المعارضة "الغد" -- الذي يرأسه أيمن نور الذي كان مرشحاً للرئاسة في إحدى المرات -- إن الإحتمال الوارد بأن يصبح البرادعي مرشحاً للرئاسة يشابه إمكانية الحصول على "حليب الطير".

وقبل مغادرته مصر في شباط/فبراير المنصرم، قام البرادعي بإنشاء مظلة للمعارضة تقوم بالتركيز على تعديل الدستور، بإدراكه مدى عمق المشكلة التي تواجهه. وفي غضون ذلك، تقوم وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة بمهاجمة البرادعي على جبهات متعددة، في محاولة منها لتشويه سمعته بادعائها بأنه "ليس على صلة بالواقع" بما يحدث في مصر وتتهمه بأنه "يعمل لمصلحة الولايات المتحدة".

ويبدو أن التسمية "يعمل لمصلحة الولايات المتحدة" هي لقباً غريباً للبرادعي، الذي كان في علاقات صراع مع إدارة بوش. ومن غير المحتمل أن يكون على علاقة أفضل بكثير مع إدارة اوباما. فلم يكتف البرادعي بإدانة إسرائيل لقصفها المنشأة النووية في سوريا في عام 2007 -- مما يوحي بأنه سيعارض قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي -- ولكنه كان قد أعلن في عام 2009 بأن إسرائيل تمثل "التهديد رقم 1 لمنطقة الشرق الأوسط". وليس من المستغرب قيام وزير الخارجية الإيراني بالتعبير عن أسفه لرحيل البرادعي عن منصبه كمدير عام لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بعد قيام المنظمة بإصدار تقريرها مؤخراً انتقدت فيه طهران بصورة غير معهودة.

وبالرغم من أن البرادعي قد سبب بعض الصعوبات خلال زيارته لمصر، إلا أنه لم يَعْبِر أي من خطوط القاهرة الحمراء على ما يبدو. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يتعارض البرادعي -- إن عاجلاً أم آجلاً -- مع توجهات السلطات المصرية.

ويخلص الكاتب لنتيجة مفادها، عندما قام المرشح السابق للرئاسة أيمن نور بحملته الانتخابية في عام 2005، أدت شهرته الكبيرة وانتقاصه المتواصل من نظام مبارك إلى إلقائه في السجن في نهاية المطاف. ولحسن حظ البرادعي، ستكون حصيلة الجوائز والمكانة الدولية التي حصل عليها، ناهيك عن إقامته في الخارج، إلى إبعاده عن السجن، ولكنها لن تؤدي إلى وضع اسمه على ورقة الإقتراع.

ويختم الكاتب بالقول، في الوقت الذي يستمر اسمه معلنا على الملأ، يمثل ترشيحه الإسمي تذكرة للسياسة المتصلبة والسلطوية التي تسود في القاهرة -- الحليفة العربية الرائدة لواشنطن. فبعد ما يقارب من 30 عاماً من حكم مبارك يعكس الترشيح المحتمل لمحمد البرادعي، اليأس القائم لدى الكثير من المصريين الذين يأملون بحدوث قطيعة مع الماضي.

مشروع التوريث هو الأقوى

ومن جانب آخر أكد تقرير خطير نشرته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» احدى كبريات الصحف الأمريكية أن مشروع التوريث للسلطة في مصر يبقى حتى الآن هو المشروع الأقوى، على الرغم من الحراك الذي أحدثه الدكتور محمد البرادعي، واعتبرت الصحيفة أن القوى الشعبية في مصر تبقى ضعيفة وغير قادرة على تحدي مشروع التوريث، ومن ثم فان ضعف شعبية جمال مبارك وفقدانه للقبول الجماهيري ـ حسب قول الصحيفة ـ لا تمثل عائقا حقيقيا ضد خلافته لوالده، لأن الانتخابات في كل الأحوال يتم تزويرها، وبالنسبة للاخوان المسلمين الجماعة السياسية الأكبر فانها ـ حسب التقرير ـ لا تمثل تحديا آخر، حيث يحظر القانون تشكيل الأحزاب على أساس ديني، كما أن التقرير أكد على أن الاخوان يتعمدون تخفيض سقف مشاركتهم السياسية، وأكد التقرير على أنه لم يسجل حتى الآن أي معالم على اعتراض الجيش على الحضور السياسي لجمال مبارك، وعلى افتراض تراجع مشروع التوريث فان المؤسسة العسكرية هي البديل المطروح بحكم أن رؤساء مصر الثلاثة منذ ثورة يوليو كانوا من تلك المؤسسة تحديدا.

ويضيف التقرير، في شوارع القاهرة يشير الناس الى الرئيس المصري حسني مبارك مازحين بوصفه «الفرعون الأخير»، فقد تولى رئاسة مصر لمدة 28 عاماً وقد حان الوقت لتسمية خليفة له، ولكن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقرر اجراؤها في سبتمبر 2011 فان البلد يضج الآن بالحديث عن من سيحل محل الرئيس كبير السن، وذلك بفرض أن الرئيس مبارك اختار ألا يترشح.

الانتخابات المصرية ليست حرة ولا نزيهة، ويتفق الخبراء على أنه من المرجح أن تمر مصر بمرحلة انتقالية تماماً كما حدث في مصر القديمة، وأن هذا العام -و ليس عام 2011- سيتحدد فيه رئيس مصر القادم، لأن اي منافس سيكون عليه ان يبدأ العمل سريعاً حتى تكون لديه فرصة.

وتحت عنوان: من هو المرشح الأوفر حظاً؟، تقول الصحيفة أن جمال مبارك هو الابن الأصغر للرئيس مبارك وهو صاحب الفرصة الأكبر في أن يحل محل والده، وقد كان جمال يعمل كمصرفي استثماري في لندن قبل أن يعود الى مصر ليدخل عالم السياسة، وفي عام 2002 تم تعيينه أميناً للجنة السياسات في الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، وأصبحت لديه علاقات قوية مع نخبة رجال الأعمال في مصر بفضل سلسلة الاصلاحات الاقتصادية التي قام بتقديمها. وبغض النظر عن كونه لا يحظى بشعبية بين المواطنين، فان دور جمال مبارك العام أصبح متزايداً مع قيام وسائل الاعلام الحكومية باستمرار بعرض صوره.

ثم تساءلت الصحيفة:من هم المنافسون المحتملون؟، وكان جوابها: أن قلة فقط من الناس يمكنهم أن يقفوا أمام جمال مبارك بشكل قانوني، وذلك بسبب الشروط التي وضعتها التعديلات الدستورية في عامي 2005 و2007 من أجل الترشح للانتخابات. ولكن مع ظهور بعض من النخبة في الساحة فان الشائعات أصبحت تدور حول من يمكنه أن يمثل تحدياً لمخطط أسرة مبارك.

وتحدثت الصحيفة عن أن محمد البرادعي هو اسم يستمر في الظهور، ففي ديسمبر الماضي أعلن المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2005 أنه سوف يترشح للانتخابات الرئاسية في حالة حصوله على ضمانات بانتخابات حرة. وعندما توجه الى القاهرة في التاسع عشر من فبراير استقبله المئات من مؤيديه في المطار حاملين لافتات كتب عليها: «نعم للبرادعي رئيساً لمصر».

ولكن البرادعي وضع شروطاً لترشحه لم توجد في الانتخابات المصرية منذ الخمسينيات، ولا يبدو أن هدفه هو أن يتولى رئاسة مصر وانما أن يحقق اصلاح ديموقراطي في النظام السياسي. ولكن على كل حال لا يبدو أنه سيحصل على التعديلات الدستورية المطلوبة أو حتى يكسب العدد الكافي من أنصار مبارك الى جانبه.

ونقلت الصحيفة عن جوشوا ستاتشر وهو عالم سياسي في جامعة كينيت ستيت الأمريكية: «اذا كنا نبحث عن احتمالات حدوث صراع النخبة أو انشقاق النخبة فاننا لا نرى ذلك»، وأضاف قائلاً: «لقد خرج البرادعي قائلاً سوف أترشح للرئاسة، ولكننى لم أر شخص واحد خرج ليقول هذه فكرة رائعة وأنا مع البرادعي».

وأشارت الصحيفة الى أن عمر سليمان رئيس مخابرات مبارك لم يعلن اهتمامه بالمنصب ولكنه يعتبر رجل القوة العسكرية.، ولاحظت الصحيفة أن جميع الرؤساء الثلاثة لمصر منذ الاطاحة بالنظام الملكي كانوا أفراداً من الجيش. فاذا تردد الجيش بشأن خلفية جمال مبارك المدنية في النهاية فان عمر سليمان سيبرز كمنافس.

ثم تساءلت الصحيفة: ما هي العقبات التي تواجه مخطط أسرة مبارك لتسليم السلطة؟

ويجيب تقرير «كريستيان ساينس مونيتور» أن نقطة ضعف جمال مبارك هي عدم شعبيته، لقد حاول النظام أن يصنع منه «رجل الشعب» وذلك بارساله الى مباريات كرة القدم وابراز صوره مع المنتخب الوطني في وسائل الاعلام الحكومية. ولكن يبدو أن الشعبية ليست عاملاً كبيراً في الانتخابات، حيث يقول ناثان براون الباحث في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في واشنطن: «ربما يكون الانجاز الأكبر للجهود المبذولة لجعل جمال مبارك يخلف حسني مبارك هي تلك التعديلات الدستورية لأنها تجعل الوراثة هي الأمر الأكثر احتمالاً كما تجعل تقديم أي بديل معين أمر غير وارد». وأضاف قائلاً: «كلما بدا هذا الأمر حتمياً، كلما التفت مؤسسات الدولة المصرية حول جمال مبارك لأنه ليس هناك بديل».

وحسب الصحيفة فقد أكد الخبراء على أن المعارضة الشعبية من الحركات الوليدة المؤيدة للديموقراطية لن تساوى الكثير في يوم الانتخابات، حيث يقول ستاتشر: «لا توجد حركة وطنية بارزة من الأوساط الشعبية أثبتت فعاليتها حتى في ابطاء وراثة مبارك المحتملة ولو حتى من بعيد». ولكنه عوضاً عن ذلك يتوقع اقبال منخفض على التصويت وانتخابات مزورة.

وأكدت الصحيفة على أن المنافس السياسي الأكبر للنظام والذي مثله جماعة الاخوان المسلمين المحظورة ليس من المتوقع أن تشكل تهديداً لجمال مبارك، حيث أن التعديلات الدستورية في عام 2007 تحظر تسجيل أي حزب سياسي مبني على أساس ديني. ويقول براون: «جماعة الاخوان المسلمين ليست في موقف لفعل أي شي، فجماعة الاخوان المسلمين أصبحت تخفض من مشاركتها السياسة، هي لا تتخلى عن السياسة ولكنها تخفض مشاركتها فيها».

وتضيف الصحيفة، أن الجيش تقليدياً يتحكم في السياسة المصرية، والرؤساء الثلاثة الماضين لمصر -جمال عبد الناصر وأنور السادات، وحسني مبارك- كلهم ينحدرون من خلفيات عسكرية. خلفية جمال مبارك المدنية قد تثير رد فعل عنيف، كما أن مخطط الجيش لا يزال مبهماً، الا أن الخبراء يقولون أنه لو كانت لدى الجيش مشكلة مع صعود جمال مبارك فانه لم يكن ليصل الى هذا الحد. في الحقيقة ترشح جمال للرئاسة ربما يضع الجيش في المكان الذي يريده تماماً، متحكماً في الأمور من وراء الكواليس.

ويؤكد ستاتشر، حسب التقرير: «الجيش يجد نفسه في موضع جيد جداً، بل وربما يكون تولي السلطة أكثر ضرراً على موقفه مما هو عليه الآن، لأنه نظرياً التركيز سيكون على جمال مبارك وأي فشل للدولة سيقع عليه وعلى الحزب الوطني الديموقراطي»، ويتابع قائلاً: «الجيش بالفعل يدير الأمور، وهو لا يحتاج الى شخص ببذلة ليقف على منصة شارحاً سياسات مصر في حين أن جمال مبارك يمكنه أن يفعل ذلك بالانجليزية بشكل أفضل بكثير».

ثم طرحت الصحيفة السؤال: هل يمكن لحسني مبارك أن يحاول البقاء لبضع سنوات أخرى؟، وأجاب التقرير: نعم، فالرئيس مبارك لم يعلن مسبقاً أبداً انه لن يسعى لفترة رئاسية جديدة، فقد أعلن في خطاب ألقاه في عام 2005 أنه سوف يحكم مصر حتى «النفس الأخير». وسيكون عمره 89 عاماً في نهاية فترة رئاسية قادمة مدتها 6 سنوات. وبالرغم من اختفائه عن أعين الجمهور، مما يشعل أسئلة حول من يدير العمليات اليومية للحكومة المصرية، فان البلد لا يزال مغطى بلوحات مبارك الشاب.

مصر.. من الجمهوريات إلى الملكيات المقنعة

ومن جانب موازِ يرى الباحث الألماني المختص في الشؤون المصرية، شتيفان رول، في هذه المقالة التحليلية أن النظام المصري يتبنى إستراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك والعمل على توريث الحكم إلى ابنه جمال، مستفيدا بذلك من كبار رجالات الأعمال الذين يشكلون غطاء لهذا السيناريو وسط عجز المعارضة المصرية عن التصدي لهذه المحاولات.

النظام المصري يتبنى إستراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك والعمل على توريث الحكم إلى ابنه جمال، وفق تحليل الباحث الألماني شتيفان رول. سوف تُجرى انتخابات مجلس الشعب المصري في هذا العام وانتخابات الرئاسة عام 2011. وبناء على ذلك تكثر التكهنات حول الشخصية، التي سوف تحكم البلاد مستقبلا إذا أصبح الرئيس حسني مبارك، البالغ من العمر اليوم 81 عاما غير قادر على ذلك من الناحية الصحية.

ويضيف الباحث، ترجح معظم التكهنات أن خليفة الرئيس سوف يكون ابنه جمال مبارك، البالغ من العمر 47 عاما، الذي تقلد خلال السنوات الماضية بفضل سلطة والده مناصب مهمة داخل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. وتكثر الشكوك في أن يحظى مثل هذا "الحل العائلي" لمسألة الخلافة على إجماع بين الشعب. لهذا اتخذ الجهاز الإداري الخاص بالرئيس استراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك: إحداهما عرقلة المعارضة وقمعها من خلال تغييرات دستورية، والأخرى محاولة تعزيز الولاء العسكري وولاء النخبة الاقتصادية تجاه أسرة الرئيس.

ويوضح، بسبب التصرفات الحكومية الاستبدادية قامت المعارضة بمقاطعة الاستفتاء على الدستور الذي أُجري عام 2007. وهكذا تم إقرار الاقتراح، الذي قدمته أصوات الحزب الوطني الديمقراطي في مجلس الشعب وأُجري الاستفتاء قُبيل موعده. وعلى الرغم من أن الدوائر الرسمية ترى ضعف مشاركة الشعب في الاستفتاء بنسبة 27 في المائة، إلا أن المراقبين يعتبرون هذه النسبة عالية.

ويذكِّر الباحث، تم تعديل الدستور المصري في ثلاث نقاط أهمها حظر أي نشاط سياسي يقوم على أساس أو مرجعية دينية، بهدف منع الإخوان المسلمين من المشاركة في الانتخابات القادمة. كما أن التوجه السياسي للجماعة لا يعطي المشاركة في العمل البرلماني أولوية كبيرة مثلما يريد الجناح الإصلاحي. وفيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية تم تعديل الدستور في ثلاث نقاط هامة، أولها حظر أي نشاط سياسي يقوم على أساس أو مرجعية دينية، وثانيها الأخذ بنظام القائمة النسبية، الذي يقصر المشاركة في الانتخابات على الأحزاب، وثالثها أن تتولّي لجنة انتخابية مستقلة الإشراف على الانتخابات لإضعاف الإشراف القضائي عليها. هذه التعديلات خيّبت آمال حركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر أقوى الجماعات المعارضة في البلاد والتي تتسامح الحكومة معها على الرغم من حظرها رسميا، وهي على الرغم من إقلاعها حقا عن استعمال العنف إلا أنها تسعى جاهدة إلى المشاركة السياسية الفاعلة داخل النظام القائم.

كما تم وضع عراقيل دستورية أمام الجماعة لتأسيس حزب سياسي يمثلها. وإذا تم بالفعل الأخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات فلن يستطيع الإخوان المسلمون دخول مجلس الشعب كأعضاء "مستقلين" كما كان الوضع في الانتخابات الماضية.

ويبيّن الباحث، فيما يتعلق بانتخابات رئيس الجمهورية فقد صعّبت الصياغة المعقدة للمادة 76 شروط الترشّح. ولأن حسني مبارك أبدى استعداده لدخول الانتخابات عام 2011 – حينئذ سيكون عمره 83 عاما - كمرشح عن الحزب الحاكم، فمن المفترض أن جمال مبارك لن يرشح نفسه لأعلى منصب في الدولة، إلا بعد أن يصبح والده غير قادر على أداء الواجبات الحكومية. في هذه الحالة وطبقا للدستور فمن الضروري إجراء انتخابات جديدة في غضون 60 يوما، والمعارضة لن تجد حينئذ الوقت الكافي لتعيين أحد المرشحين الواعدين.

ويؤكد الباحث، ليس من المتصور أن تنتقل الرئاسة من الأب إلى الإبن دون تأييد من القيادة العسكرية، وحتى إذا كانت هناك بعض التحفظات الظاهرية لدى مؤسسة الضباط إلا أنه ليس من المتوقع أن تواجه حالة التوريث مقاومة عامة. فرئيس المخابرات عمر سليمان يضمن تأييد القيادة العسكرية لجمال مبارك، ذلك لأنه يتمتع باحترام كبير لدى القيادة العسكرية وبعض قطاعات الشعب، كما أنه يعتبر من الموالين لأسرة الرئيس.

ومن المتوقع أن تحذو مؤسسة الضباط حذو عمر سليمان، خاصة أن هناك شك في وجود بديل أفضل من نقل الرئاسة من الأب إلى الابن. إن الجيش يريد تأمين امتيازاته المادية العديدة خاصة التي يحصل عليها من خلال المساعدات العسكرية السنوية من الولايات المتحدة. وهذه المساعدات لن تصبح عرضة للخطر إذا تولى جمال مبارك الرئاسة لأنه على علاقة جيدة مع إدارة الولايات المتحدة منذ سنوات.

كما أن النخبة الاقتصادية المصرية الطموحة لن تواجه صعوبات تُذكر مع التغيير المقترح في رئاسة الدولة، ولأن جمال مبارك ألحّ بجهوده على الاصلاحات الاقتصادية داخل الحزب الوطني الديمقراطي في السنوات الماضية فمن الممكن أن تستفيد هذه النخبة استفادة عالية وتقوم في المقابل بتأييد الصعود السياسي لجمال مبارك. واليوم تسيطر قلة من الأسر التجارية على المجالات الهامة في القطاع الخاص ويزداد نفوذها السياسي لصالح أسرة الرئيس في الغالب، سواء كان ذلك بصورة مباشرة في توليها وظائف حكومية ومراكز قيادية داخل الحزب الوطني أو بصورة غير مباشرة عن طريق علاقاتها مع أصحاب القرار السياسي أو أن تسيطر على الصحافة المقروءة وقنوات التلفاز.

ويضيف، المعارضة المصرية بلا أسنان ولا تستطيع التصدي لهيمنة النظام المصري على العملية السياسية، وعلى خطط التوريث، التي يريد تمريرها بمساعدة النخبة الاقتصادية الجديدة في مصر، نظرا لقمعها المستمر وتشتتها السياسي. إن المعارضة المصرية لا تكاد تستطيع مقاومة استراتيجية الحكومة بأي شكل من الأشكال، وذلك ليس فقط بسبب تعرضها الدائم لقمع النظام - وعلى وجه الخصوص في صورة الاعتقالات الاستبدادية - ولكن نظرا لانها تعاني من التشتت والشلل السياسي جراء تفرقها إلى أحزاب وحركات فردية بسبب خلافاتها الداخلية. وعن طريق حملة "ضد التوريث" حاولت بعض أجزاء المعارضة العلمانية - بلا جدوى حتى الآن - الوصول إلى جمهور الناس مثلما فعلت حركة "كفاية" المعارضة ما بين 2004 و2006.

وقد دوّت في الآونة الأخيرة أصوات من بين الأوساط المعارضة تنادي بمرشح لمنصب الرئيس يكون غير تابع لأي حزب، وكان من بين هؤلاء المرشحين المستقلين حتى الآن محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق. وكلاهما لا يكادان يجدان فرصة لقبول ترشيحهم بسبب القواعد التعجيزية للمادة 76 من الدستور.

ويختم الباحث بالقول، من ناحية أخرى حدث في الشهور الأخيرة جدال داخل جماعة الإخوان المسلمين حول التوجه السياسي للجماعة فاز فيه الجناح المحافظ، الذي لا يعطي السياسة أولولية كبيرة مثلما يريد الجناح الاصلاحي. ويعتبر المرشد الجديد للجماعة، محمد بديع، من بين هذا الجناح المحافظ. أما معظم ممثلي الجناح الإصلاحي من الشباب ذوي التوجه السياسي الذين يدعون إلى التعاون مع الجماعات والأحزاب المعارضة الأخرى فسوف يجدون في المستقبل صعوبة في وجود من يستمع إليهم بين الإخوان.

كيف سيحرق النظام ورقة البرادعي؟

وفي تناوله مسألة تداول السلطة بمصر، يقول الكاتب مايكل سلاكمان في صحيفة «نيويورك تايمز» إن المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية د.محمد البرادعي، الحائز جائزة نوبل للسلام، حمل منذ استقباله كبطل في مطار القاهرة على قيادة البلاد بطريقة دبلوماسية، وذلك حينما استخدم لغة رقيقة بكياسة بعيدة عن التهديد والمواجهة. لكن على الرغم من كل كلماته الدبلوماسية المهذبة أظهرت آراء البرادعي المثيرة أنه جاء ليهز احتكار القيادة المستمر منذ وقت طويل على السلطة حتى رغم استمراره بالرقص على مسألة ما اذا كان سيرشح نفسه لانتخابات الرئاسة أم لا.

فقد دعا في رسالته، التي هيمنت على وسائل الإعلام، شعب مصر للضغط على حكومته من أجل المزيد من الحريات السياسية. وهذا بالطبع استفزاز واضح في بلد قلما يتسامح مع أصحاب الآراء المخالفة أو يسمح ببروز معارضة سياسية حقيقية وفاعلة.  بحسب موقع قنطرة.

ويضيف الكاتب، كانت رسالة البرادعي واضحة وهي: ما لم يتم تعديل الدستور بما يسمح بإجراء انتخابات حرة بالكامل، لن تتمكن مصر من حل مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت في ظل قيادة الحزب الحاكم.

وقال البرادعي خلال لقاء تلفزيوني استغرق ثلاث ساعات بعد وقت قصير من وصوله: الهدف لا يتمثل بوجود منقذ واحد لمصر، إن هدفي هو أن تنقذ مصر نفسها. لذا ساعدوني كي أساعدكم. فإذا أردتم التغيير في هذا البلد على كل واحد منكم المشاركة لإظهار رغبته في ذلك.

ويستدرك الكاتب، بيد أنه من الصعب القول: إلى أين سينتهي الأمر مع الدكتور البرادعي بدخوله عالم السياسة المصرية. صحيح أنه عبّر عن الشعور بالاستياء من الركود السياسي، الاقتصادي والاجتماعي في مصر بطريقة غير مسبوقة منذ الانفتاح السياسي الذي استمر لفترة وجيزة في 2005، لكن يبدو أن التأييد المبدئي الذي يحظى به يأتي أساساً من فئتي المثقفين والشباب، وهذا ما دعا المحللين للتساؤل حول ما اذا كان الدكتور سيتمكن من توسيع قاعدة مؤيديه فيما بعد أم لا.

لكن إذا كان ثمة أي شيء ملموس قد تمخض عن التحدي الذي يمثله البرادعي الآن فلا بد أن يتمثل هذا الشيء باهتزاز الحزب الحاكم لدرجة قد تدفع الرئيس مبارك للتفكير بترشيح نفسه للرئاسة ثانية عند انتهاء ولايته في 2011.

ويبيّن الكاتب، لقد كان هناك اعتقاد واسع بأن الرئيس مبارك - 81 سنة - الذي يحكم مصر منذ 29 سنة تقريباً، يعمل على إعداد ابنه جمال ليكون مرشح الحزب الوطني الديموقراطي في الانتخابات المقبلة. غير أن الاتجاه الآن يشير الى أن مؤهلات جمال لا تضارع ما لدى البرادعي. لذا، يقول بعض المحللين إن الرئيس مبارك ربما غيّر رأيه الآن إزاء موضوع ترشيح ابنه، فقد قام شخصياً بعدد من الجولات في مناطق البلاد في الآونة الأخيرة، وبدأت وسائل الإعلام، التي تسيطر عليها الدولة، تشير الى برنامجه الانتخابي.

يقول مصطفى كامل السيد - أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: يشكل البرادعي تحدياً حقيقياً، ليس من ناحية قدرته بالضرورة على الفوز في الانتخابات أمام مرشح الحزب الوطني الديموقراطي، بل من ناحية مكانته الرفيعة والاحترام الذي يتمتع به داخلياً ودولياً.

ويذكر أن الحكومة المصرية كانت قد بذلت شيئاً من الجهد بضغط من واشنطن في 2005 لتحسين مستوى الحريات السياسية في مصر، وسمحت بالسنة التالية لبعض المرشحين بخوض الانتخابات ضد الرئيس الذي كان على الدوام سابقاً هو المرشح الوحيد فيها.

لكن بعدما تبخر الانفتاح السياسي فيما بعد، عمدت الحكومة الى إجراء تعديلات في الدستور جعلت من الأصعب على اي مرشح مستقل خوض انتخابات الرئاسة.

لذا، كان أول شيء فعله الدكتور البرادعي هو دعوة الدولة لتغيير الدستور ثانية، وذلك لأن القانون الراهن يجعله غير مؤهل لخوض السباق.. وهذه حقيقة استخدمها بمهارة لكي يحرج الدولة.

ومهما يكن الأمر، من الواضح ان قرار البرادعي دخول معترك السياسة يمثل للحكومة تحدياً فريداً، فهو دبلوماسي عمل سابقاً بالسلك الخارجي، ويحظى الآن بقبول النخبة السياسية بمصر.

وفي هذا السياق، يقول عمرو الشوبكي الذي يعمل محللاً سياسياً في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة: الدكتور البرادعي ليس راديكالياً ولن يغير اتجاه البلاد بمقدار 180 درجة، لكنه يكشف سوء الإدارة، غياب الديموقراطية وتعسف النظام.

كان البرادعي - 67 عاما - قد أنهى عمله كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر الماضي، وحصل على جائزة نوبل للسلام في 2005. لكن حينما راجت تكهنات في ديسمبر حول إمكان ترشيح نفسه للرئاسة، بدأت وسائل الإعلام الرسمية في مصر بمهاجمته. كما تجاهلته خلال الاسبوعين الماضيين حتى عندما حظي باهتمام كبير لدى مؤسسات الأخبار المستقلة.

ويختم الكاتب بالقول، في هذا السياق كتب رئيس تحرير صحيفة «المصري اليوم» مجدي الجلاد يقول: من الملاحظ أن النظام الذي يسيطر على هذا البلد ذكي وبارع وبعيد النظر، وكل من يظن عكس ذلك هو إما واهم أو ساذج، فالنظام يعرف كيف يتعامل مع كل معارض أو منافس بطريقة خاصة ومختلفة. إذاً، السؤال الوحيد المتبقي، برأي الجلاد، هو: كيف سيحرق النظام الحاكم ورقة الدكتور محمد البرادعي؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آذار/2010 - 28/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م