تيمنا بالرقم (6) وبانتهاء الشهر السادس من حرب صعدة السادسة قرر من
أشعلوها إيقافها واللجوء إلى خيار التفاوض والسلم حيث اكتشفوا مؤخرا أن
(كلنا إخوة) ولكن بعد خراب ما تبقى من البصرة!.
هذا هو شأن العرب المعاصرين في غزواتهم الفاشلة أخلاقيا حتى ولو
نجحت عسكريا!!.
قبل أن تبدأ هذه الجولة بعدة أشهر نشرت مجموعة الأزمات الدولية
تقريرا حذرت فيه من اندلاع القتال مرة أخرى في الحرب التي بدأت حسب
التقرير (على شكل عملية للشرطة لاعتقال عضو البرلمان السابق حسين بدر
الدين الحوثي. وعلى مدى خمس جولات تضاعفت عدة مرات وأصبحت أكثر تعقيداً
واتساعاً. مع تراكم المظالم والإساءات وارتفاع عدد الضحايا، مجتذبة
عدداً أكبر من اللاعبين، بما في ذلك القبائل وأعدادا متزايدة من سكان
صعدة، وباتت تغطي منطقة تتسع باستمرار ويشارك فيه لاعبون أجانب على
خلفية حرب إقليمية باردة).
بدأت هذه الحرب عام 2004 كصراع محلي لا دور لأي طرف إقليمي فيه إلا
أنه سرعان ما اتسع وامتد كما ذكر التقرير والأهم من هذا أن حالة
الشيزوفرينيا السياسية العربية شجعت كثيرا من الأطراف على قبول فكرة
التدخل الإيراني واعتبارها حقيقة لا تقبل التشكيك ومن ثم كانت هذه
الكارثة السادسة ذات الشهور الست.
الطريف في الأمر أن النظام اليمني كان قد اختار لهذه العملية اسم (الأرض
المحروقة) وكأن الأرض لم تحرق قبل ذلك حيث يقول التقرير الصادر في مايو
2009 (إذا كان التاريخ قد ترك ندوباً، فإن الحرب قد نكأت الجراح. حيث
جرى تدمير قرى بأكملها وتخريب البنى التحتية بسبب القصف الجوي والعنف
العشوائي الذي يمارسه الجيش والسلطة مما أدى إلى زيادة المظالم التي
يشعر بها الهاشميون بشكل عام، ودعاة إحياء الزيدية بشكل خاص، والمدنيون
إجمالاً في جميع المحافظات الشمالية).
طبعا كان هذا الكلام متعلقا بالجولات السابقة أما عن الجرائم التي
ارتكبت ضد المدنيين في الجولة السادسة من قبل الطيران الحربي التابع
لدولتين والذي لم يتوقف عن قصف المدنيين الأبرياء في مخيماتهم وتدمير
البيوت فوق رؤوس قاطنيها فهي بلا شك أضعاف تلك التي ذكرها التقرير
المشار إليه.
توقفت هذه الجولة من القتال بعد أن أدرك أطرافها استحالة حسمها
عسكريا في نفس الوقت الذي رفع فيه الغطاء الدولي عنها حيث أعلنت
الولايات المتحدة أنها (ترحب بوقف إطلاق النار بين الحكومة اليمنية
والمتمردين الحوثيين. نفهم أن لجنة وساطة تمثل جميع الأطراف تراقب الآن
الامتثال لشروط وقف النار والشروع في عملية مصالحة وإعادة بناء تشتد
الحاجة إليها لوضع نهاية دائمة لهذا الصراع) فكان أن اكتشفت الحكومتان
اليمنية والسعودية أننا كلنا إخوة وسارعتا للقبول بالمبادرات التي
أطلقها الطرف الحوثي من أجل إيقاف الحرب.
الطريف في الأمر أن انتهاء الحرب جرى بوساطة قبلية يمنية ولو كان
لإيران دور في هذه الحرب لجرت الوساطة في طهران وليس بين جبال صعدة
والرياض.
أما الأطرف من هذا أن اتفاق وقف القتال منقول بصورة حرفية من حزمة
الاقتراحات المدرجة في تقرير مجموعة الأزمات ومن بينها (الضغط على
الطرفين لإنهاء الصراع والمشاركة في جهود الوساطة, الموافقة على تشكيل
لجنة للتوسط وإعادة الإعمار تتكون من مسؤولين حكوميين، وممثلين عن
المتمردين واللاعبين الدوليين (مثل الحكومات المانحة والمنظمات الدولية)؛
المساعدة في تأمين العودة الآمنة لأولئك الذين أدت الحرب إلى نزوحهم؛
إجراء مسح بالأضرار في المناطق المتأثرة بالحرب بمساعدة خبراء وطنيين
ودوليين مستقلين لتيسير توزيع التعويضات وإعادة البناء).
ليس خافيا أن قبول الحكومة اليمنية بمشاركة ممثلين عن الحوثيين في
لجنة وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار (حسب توصية التقرير) يعد اعترافا
سياسيا بمن كان يجري وصفهم حتى اللحظة الأخيرة بالمتمردين!!.
ولذا فنحن لا نفهم لماذا لم يوفر هؤلاء على أنفسهم وجيوشهم وشعوبهم
كل هذا الدمار ويأخذوا بهذه التوصيات قبل خراب الدنيا؟!.
استجاب العرب لفتوى الإدارة الإمريكية القائلة (إذا التقى المسلمان
بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) التي ركلها شيوخ المضيرة بأقدامهم
كما سارعوا لتطبيق مقترحات مجموعة الأزمات في حين غابت الجامعة العربية
وتوارت عن الأنظار باعتبار أن الأمر لا يعنيها من قريب ولا من بعيد!!.
إن هذا يرتب حتمية إعادة النظر في حيثيات وجود الجامعة العربية
وعشرات الهيئات التي تضم شيوخا يفتون حسب طلب وهوى من يعطيهم المال حيث
بدا واضحا أن فتاوى الحرب والسلام تصدر إما من واشنطن أو جنيف ولكن ليس
من تلك الهيئات المكتظة بالبشر رغم عجزها عن القيام بأي دور سياسي أو
ديني أو أخلاقي!!.
الخاسرون والرابحون
رغم اقتناعنا بأن السبب الحقيقي لاندلاع هذه الحرب هو يمني داخلي من
جهة ومن جهة أخرى يتعلق برغبة النظام السعودي في إلغاء كل وجود فكري أو
مذهبي يختلف معه في دائرة لا يقل قطرها عن ألف ميل إلا أن هذه الحرب
الغبية قدمت خدمات جليلة لخصوم النظام السعودي في الجزيرة العربية وفي
مجمل الإقليم.
بدا واضحا أن التسليح الهائل للجيش السعودي لم يجد نفعا في حسم
الصراع مع مجموعة قليلة العدد والتسليح تقاتل بأسلوب حرب العصابات فما
بالك لو تورط هذا الجيش في مواجهات كبرى من ذلك النوع الذي تريد
الإدارة الأمريكية جر المنطقة إليه!!.
الأمر الثاني يتعلق بطبيعة العلاقات الإسلامية الإسلامية ومحاولة
محو الآخر المختلف عبر استخدام وسائل الدعاية وتوزيع الرشاوى المالية
على رؤساء القبائل ورؤساء الجماعات الموالية مما تسبب في حدوث رد فعل
مضاد قاد إلى ضياع أغلب هذه المكاسب الوهمية وهو ما ينطبق على مجتمعات
أخرى من بينها مصر.
ولأن العرب لا يستفيدون من تجاربهم المريرة ولا يفكرون في إصلاح
مجتمعاتهم فنحن نتوقع أن تندلع الحرب مرة أخرى (ليس في صعدة أو اليمن)
ولكن نتائج الجولة القادمة ستغير خريطة المنطقة!!.
[email protected] |