قراءة في كتاب: آلية التغيير الأمريكية بين الإقناع وفرض الأمر الواقع

 

 

 

 

 

الكتاب: العقل المختل..نقد الذات بين 11 سبتمبر وحرب العراق

المؤلف: فاتح عبد السلام

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر

عدد الصفحات: 245 متوسطة القطع

عرض: جورج جحا

 

 

 

شبكة النبأ: يقدِّم الكاتب والباحث العراقي فاتح عبد السلام "ميكروكوزم" أو جزيئة صغيرة تمثل نموذجا لمآسي العراقيين ويختصر فيها كثيرا من معاناة الناس في هذا البلد وآلامهم الرهيبة الطويلة.

ويصل فاتح عبد السلام في كتابه الأخير إلى نتائج على رأسها انه لابد للولايات المتحدة من أن تتوقف عن إجبار الملايين على الاصطفاف وراء رؤيتها للأمور. وخلص إلى أن علاقة العرب بالغرب ليست علاقة شركاء له بل علاقة أجراء عنده.

حمل الكتاب عنوان "العقل المختل..نقد الذات بين 11 سبتمبر وحرب العراق". وقد صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في ما يزيد على 245 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف لفالديمار سفيرزي من بولندا. اما ذلك الميكروكوزم الذي قدمه المؤلف فهو عبارة عن قصة واقعية تختصر كثيرا من المفجع الرهيب والعبثي في حياة العراقيين.

وفي "مدخل" حمل عنوانا رئيسيا هو "كيف تقاس القوة" وتحت عنوان فرعي هو "اصطفاف الاعلى مع الادنى" بدأ فاتح عبد السلام بالقول راويا تلك القصة الحقيقية.

قال "ناجي عبد الرحمن من اشهر أطباء الأطفال في العراق ولمع اسمه في مدينة الموصل التي يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة حيث قضى فيها سبعا وأربعين سنة مزاولا مهنة الطب منذ تخرجه من جامعة بريطانية وعودته إلى مدينته ليطبب أطفالها. "حرب احتلال العراق أرادت من هذا الطبيب الشهير أن يشطب على تاريخه ونمط حياته الشخصية ويعيد انتاج نفسه في حركته اليومية على وفق متطلبات حربية يفرضها الجندي الامريكي وأوامر الحرب التي يعمل بها داخل المدن العراقية او حولها. ذلك الطبيب صار من اكبر همومه ان يفكر كيف يتجنب عصابات اختطاف الاطباء وابتزازهم في بلد فقد امنه الاجتماعي بعد احتلاله.

"وأصبح يختار اقل الساعات وأكثرها تلبية لحاجة المواطنين للدوام في عيادته. وكان عليه ان يبرمج عقله واحساسه كما ملايين العراقيين على حسب متطلبات حرب لا تشبهها حرب في العصرالحديث... وحين لا يستطع هذا الطبيب ان يكيف نفسه مع مفردة واحدة من مفردات هذه الحرب يدفع حياته ثمنا..."

وتحدث عن الحرب وحصادها الرهيب من الارواح البشرية والدمار وعن الحصار الذي سبقها على امتداد ثلاث عشرة سنة بحجة اسقاط النظام السياسي "الذي لم يسقط حينها وسقط دونه مليون عراقي معظمهم من النساء الحوامل والاطفال والعجائز لنقص الادوية وتفشي امراض لا قبل لمجتمع معاصر ان يواجهها."

وروى كيف ان هذا الطبيب كان متوجها الى بيته خلال شهر رمضان وفي شارع يؤدي الى بيته تعود ان يسلكه طوال اربعين سنة كانت دورية امريكية قد فرضت منع مرور لم يتنبه اليه "ولان هذا الطبيب مثقل بهموم اطفال جوعانين ومثقل بهمومه الشخصية وأمراض الشيخوخة التي تدب في جسده ولان صعوبة تغيير نمط الحياة بعد عمر السبعين مسألة لا تتفهمها الحرب الامريكية... فقد اطلقت الدورية عليه الرصاص فقتلته في سيارته فورا..."

واستخلص فاتح عبد السلام من هذه القصة انه "صار لزاما على اي مشروع اصلاح يعتزم الرئيس الامريكي باراك اوباما السير فيه ان يعالج هذا المفصل المختل بين ذلك الطبيب القديم واحترام نمط حياته التي فقدها وبين النمط المفروض من اعلى الى ادنى الذي بات القاعدة التي يجب ان يسير عليها الجميع في العراق..."

أضاف ان قصة الطبيب ناجي الذي قتل برصاص امريكيين "والذي لا احد يعتذر لإراقة دمه ولا يكلف نفسه إرسال تعزية لأسرته أو الاعتراف بالخطأ... هذه القصة الموجزة جدا هنا هي ملخص المعضلة التي يواجهها باراك اوباما او من يأتي بعده لازالة ارث جورج بوش الابن صاحب اكبر مشروعين حربيين اجتمعا لزعيم امريكي هما حرب افغانستان وحرب العراق.

"وهذه المعضلة هي سبب رئيس في نظرة العداء المنتشرة عربيا واسلاميا للولايات المتحدة التي تفكر الادارة الامريكية وتعمل في سبيل تغييرها."

لكنه أضاف أن هذا الأمر "متعذر وصعب لا يمكن انجازه بنيات حسنة وتصريحات ايجابية وخطاب انفتاحي الى العالم الاسلامي فحسب... لان كل ذلك لم يجب عن سؤال.. هل تخلت واشنطن في اي من مشاريعها الحالية او المستقبلية عن اجبار ناجي عبد الرحمن وسواه من الملايين على الاصطفاف وراء روايتها ورؤيتها ومبرراتها في تصريف شؤون الحروب التي تخوضها في العراق او في اي بلد اخر.

"من هذه النقطة التي تتمركز فيها العقدة والحل تولد القوة المفقودة التي تحتاجها الولايات المتحدة لتكون مقبولة في العالم... وهذا السؤال لم يكن له حتى اليوم اجابة امريكية واضحة..."

ورأى في فصل اخر انه "لا يمكن ان تكون كافية الجهود المبذولة من الولايات المتحدة الامريكية لتحسين صورتها في العالم العربي والاسلامي فاصلاح الخلل في الصورة لابد ان يتم داخل البيت الغربي كله ان صح هذا التعبير بالرغم من انه لم يعد بيتا واحدا وانما بيوت عدة."

الفصل السابع حمل عنوانه تساؤلا اجاب عنه المؤلف في ما احتوى عليه الفصل. العنوان الرئيسي هو "شراكة ام استئجار" وتحته تساؤل اخر في عنوان فرعي هو "العرب والغرب شركاء ام أجراء .. من هو الشريك".

ومما قاله في الجواب ان "الحالة بين العرب والغرب لم تصل على الرغم من وجود مسوغات ومشتركات الى حالة الشراكة في المعني السياسي والاقتصادي بسبب عدم وجود اتفاق اساسي في العنصر الفكري الذي يحيل اختلاف الإيديولوجيات وتناقضها وتحولها الى عقبات تحبط الجهود السياسية والاقتصادية او تضعها في اطار الضيق والمرحلي..."

وخلص الى القول جوابا عن مسألة الشريك أو الأجير "صار الأدنى إلى الحقيقة هو علاقة "الأجراء" وليس "الشركاء" بين العرب والآخر المتفوق..."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آذار/2010 - 27/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م