سَحابة الأبحاث.. مراكز إبداع وابتكار تُحلّق في سماء التكنولوجيا الافتراضية

 

شبكة النبأ: عندما كانت سنغافورة تخطط لتوسيع مركز بيوبوليس، وهو مجمع أبحاث ضخم للتكنولوجيا البيولوجية، في أوائل القرن الواحد والعشرين، طلبت من مهندس معماري تحويل عدة حاويات شحن على أراضي المجمع المستقبلي إلى حاضنة مؤقتة للأعمال، أي إلى حيز لدعم شركات الأعمال الجديدة، يقدم في أحيان كثيرة الخدمات، كالمساعدة الإدارية أو التدريب على الأعمال.

وعندما أصبحت الحكومة جاهزة لوضع حجر الأساس لمدينة بيوبوليس الثانية، قدمت حيزاً بديلاً للشركات التي لم تكن قد "تخرجت" بعد من حاويات الشحن وأزالت مخيمات ذلك المجمع المؤقتة.

تُشكِّل الحاضنات المؤقتة إحدى إشارات التطور الأخير في مجمعات الأبحاث الذي قادت إليه التغييرات في طبيعة البحث العلمي، والابتكار التكنولوجي، والأعمال الحرة المغامرة، والأعمال التجارية.

واستناداً إلى انطوني تاونسند من مؤسسة المستقبل، وهي مجموعة أبحاث تعمل في كاليفورنيا، أدّت هذه التغييرات إلى جعل النموذج التقليدي لمجمع الأبحاث، أي المجمع المكون من مكاتب ومختبرات مخصصة للأبحاث العلمية وتسويق الاكتشافات تجارياً، نموذجاً قديماً بالياً في معظم أنحاء العالم المتطور. ولكنه اعترف، "أن لا أحد قد أعلن عن وفاة ذلك النموذج حتى الآن." بحسب موقع أميركا دوت غوف.

التجمعات في فضاء الإنترنت

تطور النموذج التقليدي بعد الحرب العالمية الثانية عندما قدمت حكومات الدول المتطورة الأراضي الزهيدة الثمن والحوافز المالية إلى مطوري المجمعات المصممة لتعزيز أبحاث التكنولوجيا الصناعية. اعتمدت تلك التجمعات على الشركات الكبيرة التي تقوم بقادير كبيرة من الأبحاث من أجل نشر الابتكار عبر الشركات المشتقة منها والتحالفات التعاقدية مع شركات أصغر حجماً منها.

ومع ظهور عدد أكبر متزايد من الابتكارات من شركات صغيرة الحجم وسريعة الاستجابة، تحور ذلك النموذج إلى نموذج مجمع الأبحاث/حاضنة الأعمال. هدفت تجمعات الأبحاث هذه التي كانت في الغالب تعمل بمشاركة الجامعات، إلى تحويل العلماء إلى رجال أعمال ومساعدتهم في تحويل أفكارهم إلى منتجات وخدمات يمكن تسويقها.

واستناداً إلى الخبراء، لا زالت أشكال مختلفة من هذا النموذج ذات أهمية في الأسواق الناشئة وفي دول نامية أكثر تقدماً. ولكن في العالم المتطور، تسارع تطور مجمعات الأبحاث. وبما ان عدداً اكبر من الشركات التكنولوجية المبتدئة لا تستطيع تحمل كلفة المكاتب أو المختبرات المادية، أو لا تحتاج إليها، فإن مجمعات الأبحاث تواجه الضغوط لتوفير فرص أكبر للتعاون بحيث تصبح أكثر مرونة وأقل كلفة.

قال تاونسند، "بدأت مجمعات الأبحاث تنطلق وتنتشر"، وباتت مكوناتها الافتراضية والمادية منتشرة عبر الكرة الأرضية، وعبر البلدان، أو المناطق، أو المقاطعات، أو المدن.

تهتم كيانات جديدة بتلبية رغبات حشود رجال الأعمال المغامرين وهم مجموعة أصبحت متنوعةً اكثر من أي وقت مضى، وقد تيشمل رأسماليين مغامرين، علماء متقاعدين، مدونين للتكنولوجيا، شبكات خريجي الشركات الكبرى، مقتحمي الشبكات الكمبيوترية، وما يسميهم ايلكا كاكو "المبادرين المستقلين والمواهب الرحالة الأخرى". كاكو هو مؤسس نتويرك اويسيس (netWork Oasis)، وهي منصة ابتكار قائمة على شبكة الإنترنت يحاول تعميمها من المجمع العلمي "جونسوو" في فنلندا (أنظر موقع مدونته).

مستقبل في السحاب

لم يبرز حتى الآن أي نموذج لمجمع أبحاث سائد جديد. تجري مناقشة بعض المفاهيم الخيالية مثل ما يسمى بـ "سحابة الأبحاث" (وهي شبكات رقمية مترابطة لمكاتب ومختبرات صغيرة، مادية وافتراضية كثيراً ما تكون بعيدة عن بعضها البعض) ولكنها لم تتخذ شكلاً معيناً حتى الآن.

واستناداً إلى تقرير مؤسسة ماكنزي أند كومباني الصادر عام 2009، فإن تجمعات الأبحاث القائمة حاليا إما أن تتطور أو تتحول إلى محاور للسلع. من المرجح ان تقوم التجمعات الجديدة على أساس استثمارات رأس المال المغامر، حتى بدرجة اكبر من سابقاتها. ومن الأكثر احتمالاً ان تسهل التجمعات المستقبلية التفاعلات بين الباحثين وصانعي القرارات وان توفر خدمات إدارية للفعاليات التي تقيمها الشركات المبتدئة ولغيرها من المستعملين. وقال تاونسند في تقرير ساهم في كتابته، عند الانتقال من الأبنية المادية، تصبح هذه التجمعات هي المضيفة للخدمات الافتراضية مثل تقديم المشورة حول الأعمال، ونقل التكنولوجيا، وتسهيل التعاون العلمي.

وحالياً، هناك ابتعاد عن التفكير التقليدي في مدن رئيسية مثل صول وبرشلونة اللتين توفران التسهيلات المختلفة في مجمعات الأبحاث لديها وتؤمنان وجودها في مناطق رئيسية في وسط المدينة بدلاً من ان تعمل في مبانٍ مملة في أطراف المدينة. استناداً إلى مقال نشر في عدد تشرين الثاني/نوفمبر من مجلة "بيزنس ويك"، فإن مجمعات العلوم في المدن ترغب في أن تكون مجتمعات منشطة للحواس تتضمن المطاعم الجيدة والملاهي لجذب المع العقول في العالم.

بغض النظر عن الشكل الذي قد تتخذه مجمعات الأبحاث في المستقبل، سوف يكون الرأسمال البشري والشبكات الاجتماعية ذات أهمية مركزية في تطورها، كما يقول تاونسند. الحاجة إلى دعم الحكومة سوف تنمو حتماً لأن الحكومات لوحدها تستطيع ان تجري استثمارات طويلة الأمد في حقل التعليم والتدريب اللازم لتطوير الموارد الفكرية اللامعة لبناء اقتصاد يعتمد على التكنولوجيا. ويعتقد تاونسند ان المحاولات العديدة لتقليد سيليكون فالي فشلت لأن المقلدين أخطأوا في تحديد المزايا المادية والتنظيمية التي يملكها هذا التجمع لناحية التكنولوجيا العالية القائمة في كاليفورنيا كعناصر أساسية.

بالنسبة لتاونسند، فإن منطقة سيليكون فالي تتكوّن بصورة رئيسية من الناس، والباحثين، والمستثمرين، ورجال الأعمال المغامرين، وشبكاتهم. وبدون الاستثمار في الأجيال المستقبلية لمثل هؤلاء الناس وبدون تعزيز الاتصالات فيما بينهم، لن يبرز سيليكون فالي آخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آذار/2010 - 27/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م