شبكة النبأ: أكد مراقبون حياديون
رصدهم لمؤشرات وبوادر واضحة تشير الى تحقق نسبة من النضوج لدى الناخب
العراقي إستنادا الى وقائع ومجريات الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويرى
هؤلاء أن الناخب حقق تطورا ملحوظا عما كان عليه في الانتخابات التي جرت
في عام 2005 وهذا دليل على تصاعد وتيرة الوعي السياسي والقدرة على
قراءة الساحة السياسية ومكوناتها التي تنشط باتجاهات تكاد تكون صعبة
الفرز بسبب تداخلها وكثرة السياسيين واختلاف توجهاتهم حتى ضاع الأصلاء
بين المدّعين المزيفين وبالعكس.
ومع ذلك وصل الناخب العراقي الى درجة من النضج والوعي أتاحت له
المشاركة في الانتخابات الأخيرة بما يؤكد حرصه على بناء النهج التحرري
الجديد ومعرفته لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، مع أننا كثرا ما
سمعنا قبل أن يحين موعد الانتخابات بتصريحات من هذا الناخب او ذاك بعدم
مشاركته في الادلاء بصوته تحت اسباب عديدة تركّز معظمها حول الاداء
البرلماني والحكومي معا.
بيد أن الحال تغيّر في يوم الانتخاب حيث شاركت النسبة الاكبر في
عملية الاقتراع بغض النظر عن المواقف المعلنة مسبقا او المخاطر التي
كانت تتربص بالناخبين، وهذا دليل قاطع على ان الشعب العراقي وضع منهج
الانقلابات والمؤامرات في خانة الذكريات وآمن بمبدأ التداول السلمي
وقرر أن يكون الاختيار الحر هو الاسلوب الجديد لتشكيل السلطات التي
تدير شؤون البلد، وهذه بحد ذاتها قفزة كبيرة ومهمة نحو بناء المجتمع
المتمدن.
لكن السؤال الملح الذي يطرحه الناخبون وغيرهم يقول، هل سيدخل
السياسيون العراقيون في طور النضج كما سبقهم الناخبون الى ذلك ؟ وهل
ستحدث حالة من الموازاة بين نضج وتطور الطرفين، أم سيبقى السياسي قارّا
في مكانه القديم منصرفا الى ذاته ومنافعه الفردية او الحزبية التي تهمل
على نحو كبير مصالح الشعب او مجاميع الناخبين بمختلف مشاربهم وشرائحهم
واعمارهم وتوجهاتهم؟.
إن هذا السؤال لن يستطيع أحد الاجابة عنه غير السياسيين أنفسهم، ولن
تكون الاجابة إستنادا الى التصريحات او الكلام المجرد الذي يعلن هنا او
هناك وفي هذه المناسبة او تلك، بل لابد أن تستند جميع الاجابات الى ما
يتجسد على الارض من افعال يقوم بها السياسي العر اقي لكي يثبت نضجه
للآخرين، لذا يرى المعنيون أن الدخول في مرحلة النضج المتبادل
والمتوازي بين الطرفين يتم من خلال خطوات عملية في غاية الاهمية، إذا
تمكن السياسيون من تحقيقها او الاقتراب منها فإن ذلك سيكون مؤشرا على
نضجهم او دخولهم في مرحلة النضج التي توازي النضج الحاصل لدى الناخبين،
ومن هذه الخطوات الهامة ما يلي:
- أن تتشكل الحكومة المرتقبة بالطريقة
والاسلوب الذي يدل على وعي السياسيين بخطورة واهمية المرحلة الراهنة،
وأن توضع المصالح الحزبية والكتلية والفردية جانبا، وتكون المصلحة
العامة هدفا للجميع تؤشره جملة من التفاهمات المشروعة، وأن يكون النضج
والوعي السليم ونبذ المساومات الرخيصة بوصلة السياسيين الدقيقة في
تشكيل الحكومة، أما في حالة حدوث العكس والتعامل المصلحي او العشوائي
في هذا المجال فإنه سيؤدي بالنتيجة الى سقوطهم الحتمي.
- أن يتنبّه الفائزون جميعا الى خطورة
تعطيل تشكيل الحكومة بسبب المزايدات والمساومات القائمة على المنفعة
الشخصية او الحزبية وغيرها، وأن يبتعدوا عن أساليب المراوغة وتفضيل
الذات، وأن يرتقوا الى نضج الناخب الذي أقبل بنكران ذات على صناديق
الاقتراع لكي يرتفع بهم الى مناصبهم الجديدة.
- يجب أن يؤدي مشروع السياسيين الى تحقيق
تطلعات المواطن التي تتمثل بحفظ كرامته الانسانية من خلال تحقيق العيش
الكريم في توفير العمل والسكن وتأمين القدرة الشرائية وما شابه.
- لابد من المحافظة على مبدأ التعددية
والمشاركة ونبذ الاستبداد والتفرد تحت أية حجة كانت، بل ولابد من
التفاهم بين الجميع على إشاعة روح المشاركة في صنع القرار وغيره.
- على السياسيين العمل بجدية لبناء
المؤسسات الدستورية التي تحفظ الجميع وتنظم العلاقة بين الحاكم
والمحكوم وتحميهم من المنزلقات في الخطيرة التي قد تدفع إليها المصالح
والنزعات ذات الصبغة الانفرادية المستبدة.
- تدعيم مبدأ المعارضة السلمية والجماعات
الضاغطة والقبول به وترسيخه كمنهج عمل يقوم على مراقبة اداء السلطات
لاسيما التنفيذية منها.
وهكذا ينبغي أن يكون النضج السياسي هدفا للسياسيين وأن يرتقوا
بأنفسهم فكرا وسلوكا بما يوازي خطورة المرحلة الراهنة، وبما يشكل حالة
توازن مع الوعي الجيد الذي تعامل به الناخب مع الانتخابات التشريعة
الاخيرة التي اعتبرها كثير من المراقبين مفصلا هاما في الحياة العراقية
الجديدة، وأن يعمقوا صلتهم بالناخبين ويزيدوا من اواصر الثقة المتبادلة
ترسيخا للنهج التحرري الجديد الذي لايزال العراق يحبو في طريقه الطويل.
|