سقطت مقولة: "إنه شعب لا يتوحد إلا بالديكتاتورية"

مرتضى بدر

قيل إن هذا الشعب الجبار لا يمكن حكمه إلا بالحديد والنار، ولا يمكن أن يتوحد إلا بالسياط، وتحت حكم رجل متسلط، وجبار، ومكار. وقيل كذلك إن الديمقراطية في بلاد الجبارين صعبة المنال؛ لأن مزاج شعبها امتزج بأمزجة حكامها، مستشهدين بالتاريخ الدموي للشخصيات والأنظمة التي حكمت العراق ابتداءً من العهد الأموي، مروراً بالعباسي، وانتهاء بالنظام البعثي.

كل تلك المقولات المغرضة والحاسدة تحطمت وسقطت أمام إرادة الشعب العراقي الذي قرر العيش بعزة وكرامة، في ظل نظام ديمقراطي متطور لا نظير له في الشرق الأوسط. وعلى رغم المؤامرات الخارجية وتدخل دول الجوار، وعلى رغم الإعلام الداخلي والخارجي المضلل، والملايين التي أُنْفِقت على بعض الكيانات والشخصيات السياسية، وعلى رغم العمليات الإرهابية المستمرة منذ سقوط  صدام، التي تستهدف تخريب العملية السياسية وترهيب الناخب العراقي، وعلى رغم مئات الألوف من القتلى والجرحى، فقد قال الشعب العراقي كلمته في السابع من هذا الشهر.

إنه كان - بحقّ - يومًا تاريخيًا مجيدًا، أفشل الشعب العراقي فيه الكثير من المؤامرات والدسائس من خلال مشاركته الواسعة في الانتخابات، وحطّم آمال المتربصين، خاصة أولئك الحكام والمسؤولين في بعض الدول الذين أزعجتهم الديمقراطية العراقية؛ ما أفقدهم توازنهم.

المراقبون للعملية الديمقراطية في العراق يتفقون على أن دول الجوار كانت حاضرة بثقلها المالي والسياسي والإعلامي والاستخباراتي، وتنتظر نصيبها من الكعكة العراقية.

 وفي هذا الصدد نشرت صحيفة “أوان” الكويتية بتاريخ 2 من الشهر الجاري مقالاً للكاتب الكويتي محمد الرميحي يقول فيه: “الملاحظة الأهم هي خروج عدد كبير من القوائم المتنافسة خارج الإطار الطائفي بائتلافات واسعة، إلا أن معظم الصراع السياسي في هذه الانتخابات يُجرى على ساحة سابقة وماضوية، وليس على ساحة مستقبلية، فالقضايا المطروحة هي القرب أو البعد من هذه الدولة الجارة أو تلك، سواء كانت إيران أم سورية أم دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أي البحث عن المحاور الإقليمية”.

تحليل الكاتب الرميحي حول تدخل بعض دول الجوار فيه الكثير من الصحة، والسبب في ذلك يعود إلى ما عانته هذه الدول في ظل النظام السابق من تجاوزات وانتهاكات لحقوق الجيرة، وما سبب من حروب وأزمات أثرت في عملية التنمية في المنطقة.

 ومن جهة أخرى، هناك دول تبدي تخوفها من قدوم مستبد آخر يحكم العراق ويسبب في تكرار المآسي من جديد. وفي المقابل، هناك حكومات لا تخفي قلقها مما ستتركه الديمقراطية الوليدة في العراق من تأثيرات على شعوبها، وعندئذٍ فهي تفضل قيام حكم ديكتاتوري بدلاً من ديمقراطي؛ لأن الديكتاتورية حسب زعمها ستكون أرحم من الديمقراطية التي تتبنى الحرية والمساواة وآلية تداول السلطة.

وبين رغبات هذه الدولة ومخاوف تلك، إضافة إلى وجود الخلايا الإرهابية التي تعمل على قيام ما تسمى بالإمارة الإسلامية في العراق، فقد وقع الشعب العراقي ضحية كل تلك الرغبات الخارجية، والمؤامرات الإقليمية والدولية، وجرائم الجماعات الإرهابية.

لا أدعي كما ادعى الآخرون بأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة كانت نزيهة مئة بالمئة، ولا أنفي دور المال السياسي في شراء الأصوات، ولا أنكر دور النفوذ الخارجي خصوصًا المحتل الأميركي في صنع الخريطة السياسية في العراق، كما أجزم بصورة قاطعة دور الإعلام الموجّه، خصوصاً بعض الفضائيات العربية في التأثير - إلى حدٍ ما - في نتيجة الانتخابات، إلا أن الأبرز في العملية الانتخابية هو دور الناخب العراقي الذي قال كلمته بشكل مسؤول، ومن منطلق وطني وديني. لقد أراد من خلال مشاركته الفاعلة الانتقال ببلده من المأزق السياسي والتدهور الأمني والخدمي إلى استقرار وازدهار وأمن ورخاء، وهذا سوف يتحقق بإذن الله.

اليوم الشعب العراقي يخاطب كل المتربصين، خصوصاً أولئك الذين مازالوا يعتقدون أن الديكتاتورية هي النظام الأمثل للعراق، يقول لهم جميعاً: هذه هي الديمقراطية التي أنجزناها في بلادنا بدمائنا، وسنسير عبرها إلى برّ الأمان بحولٍ من الله وقوته، شاء من شاء وأبى من أبى، ومن لا يعجبه إرادتنا ولا يحترم خيارنا فليشرب من نهر الدجلة أو الفرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/آذار/2010 - 26/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م