شبكة النبأ: يعد العراق من الدول
العربية الاولى في مجال ادخال البث التلفزيوني، وهو بث احتكرته الدولة
العراقية، بشقيه الملكي وجمهورياته المتعاقبة على ادارته وقد اصبح طيلة
عقود حكم حزب البعث الاداة الايديولوجية الرئيسية في الديماغوجية
البعثية اضافة الى الصحف والمجلات الحكومية والدور الثقافية واصداراتها..
بعد العام 2003 اتسعت رئة العراق التلفزيونية عبر الصحون اللاقطة
للبث الفضائي العربي والاجنبي، وعاش المواطن العراقي ارباكا وتخبطا
ملحوظا وهو يلهث وراء مئات المحطات الفضائية، التي استثمرت هذا اللهاث
من خلال اعداد برامج خاصة توجه الى هذا المواطن شعارها العراق ومايجري
فيه.. وكل محطة منها تخفي ايديولوجية معينة واجندة خاصة بها.. وساهم
البعض من هذه المحطات في استعار اوار الاقتتال الطائفي وصب الزيت على
النيران المشتعلة ليكون العراق ومايجري فيه هو المادة الرئيسية في
نشراتها وتغطياتها الاخبارية..
ترافق ذلك مع ظهور فضائبات عراقية ترسمت خطاها بعض ملامح التجارب
الفضائية العربية من خلال استعارة قسم من البرامج بنكهة عراقية ومحاولة
استنساخ تجارب حوارية لمحطات اخرى او برامج المسابقات والتوك شو وغيرها..
ولم يكن المشاهد يجد صعوبة في التعرف على المرجعيات الفكرية والسياسية
والمذهبية التي تدير هذه القنوات، فقد كان خطاب معظمها مباشرا وفجا،
وان تلطى خلف شعارات الوطنية والعراقية وخدمة البلد الجريح والمحتل الى
اخر الشعارات واللافتات الاعلامية..
ورغم مرور سنوات عديدة على تاسيس تلك القنوات الا ان الملاحظ عليها
هو افتقادها الى الكثير من المهنية والحرفية العالية، وانها لم تستطع
ان تغادر زواياها الحادة وعدساتها ذات الموشور اللوني الواحد..
خصوصية الوسيلة الاعلامية المرئية
يرى الباحث الفرنسي باتريك غارديو ان التلفزيون يتميز تبعا
لاشكاليات كبرى ثلاث: اشكالية اولى متجهة اكثر نحو المحتوى، سواءا كان
حدثيا او تمثيليا، واشكالية ثانية متجهة اكثر نحو الشكل، سواءا كان
ايقونيا او شفويا، واشكالية ثالثة متجهة اكثر نحو الاتصال..
وقد أولى المفكرون والباحثون التلفزيون الكثير من الاهتمام فكانت
لهم ازاءه اتجاهات متعددة:
1 – الاتجاه الميديولوجي
كان من اقطاب هذا الاتجاه باحثون عديدون بدءا من ماك لوهان الى
ريجيس دوبريه الذي اولى سلطة حاسمة للجهاز التقني. ويرى ريجيس دوبريه
ان الثقافة البصرية تتخلق باخلاق الآلة التي تحملها وان التلفزيون ذلك
الجهاز الذي يتطلب السرعة والمباشرة والانية والصورة الجميلة والانوثة
والاثارة والالوان الحية هو مكون اصلا للتسلية وهو متوافق تماما مع
غايته وهو يدخل الانسجام في الامور المتنوعة ويحول الواقع الى خرافة..
انه آلة لنزع الايمان كما يقول انزيو، والابعاد عن الواقع.. وظيفته
الخاصة اثارة الاعجاب وليس التثقيف فهو لايعمل على تعاقب الافكار
والاشارات انما سيلا من الصور من دون تركيب وتجميع وتمييز..ان السيل من
الصور والكلام المتدفق من التلفزيون يصبح شيئا فشيئا بديلا من العمل
الذهني لان الصورة جذابة مغرية توحي بالاسترخاء ومتعة التلقي..
2 – الاتجاه النقدي
يرى هذا الاتجاه في التلفزيون اداة لسيطرة رمزية..وراى بورديو ان
منطق النظام نفسه هو الذي يتحكم بهذه الالية في التلاعب بالعقول وهو
القائم على تفضيل وهيمنة فئات على حساب فئات اخرى..وان التوظيف
والمضمون الايديولوجي للتكنولوجيا يتجلى في دور التلفزيون الفضائي اذ
لا يقتصر دوره في التاثير المباشر في المشاهد بل يمتد الى مجالات اخرى
تشمل الانتاج الثقافي..
3 – الاتجاه التفاؤلي
تجسد في فرنسا بدومنيك ولتن الذي راى في التلفزيون اداة ديمقراطية..
4 – الاتجاه الفاصل
يفصل بين الجيل السابق من التلفزيون والجيل الحالي منه.. الاول نظم
على اساس الفصل بين الاعلام والمشهد اما الثاني فخلط بينهما.. فبعد ان
كان التلفزيون مرآة للاحداث غدا منتجا للحقيقة المتلفزة
المستقلة..وعوضا عن تبيان التلفزيون للعالم الخارجي غدا يبين الناس
لانفسهم.. وكاد التلفزيون الحديث يجعل اللاواقع بمتناول الجميع.. ومن
هنا طرح امبرتو ايكو السؤال: عمن يتكلم التلفزيون عن العالم ام عن نفسه
ام عن الجمهور ؟ ليجيب ان التلفزيون الراهن يعرض نفسه ويتكلم عن نفسه
اكثر مايتكلم عن العالم الخارجي..
وقد اخذ التلفزيون يطغى على الدراسات الاعلامية التي اصبحت تعرف
بالاتصال ومنها الاتصال السياسي، الذي عرفه الباحث الفرنسي دومنيك
ولتون بانه (المساحة العامة التي يتم فيها تبادل الخطابات المتناقضة
لثلاثة فاعلين لديهم الشرعية للتعبير علنا عن السياسة وهم رجال السياسة
والصحافيون والراي العام)..
ورغم تنوع المحطات التلفزيونية الا انها تتشابه في الكثير من
برامجها وفقراتها التي تملأ بها ساعات البث على مدار 24 ساعة يوميا،
مما خلق نوعا حادا من التناقض بين سرعة المعلومة وفهمها وتحليلها
بالنسبة للمشاهد، وما ينجر عن ذلك من تبسيط على الحقيقة ومضامينها، وقد
أدى الى ترسيخ نوع من السلوك الاستهلاكي لدى المشاهد الذي يكتفي
بالانتباه الى ما يدعوه التلفزيون الى الانتباه إليه ولا يفكر فيما عدا
ذلك لأنها مسائل تبدو أقل أهمية. إضافة الى أن الشاشة الصغيرة نمّت
عقليّة الركون الى الراحة والجهد الأدنى المبذول، كما يرى الباحث
الفرنسي دومينيك ولتن..
ويمكن تحديد ابرز العناصر للثقافة الاعلامية الرائجة
1 – السرعة والانية
2- الربح السهل والسريع
3 – النجومية الاعلامية
4 – المرح والتسلية والترفيه
5 – الاعلانات وبيع الافلام
بعد هذه المقدمة الطويلة نوعا ما، نطرح هذا التساؤل: كيف غطت
الفضائيات العراقية الانتخابات البرلمانية العراقية؟
بداية اود ان اذكر ان لاطاقة لفرد واحد مهما اوتي من قدرة ومن وقت
ان يتابع جميع تلك الفضائيات وعلى مدار الساعة، ماقام به الكاتب هنا هو
متابعة لبعض البرامج والاعلانات والدعايات اضافة الى شريط العناوين
الرئيسي المنحرك اسفل الشاشة قبل واثناء وبعد الانتخابات..وساذكر بعضا
من شعارات عدد من الفضائيات العراقية العامة، والشعارات الخاصة
بالانتخابات، وساقصر حديثي على قناة الشرقية، التي عملت على خلط الكثير
من الاوراق وارباك المشاهدين ومارست نوعا من الديماغوجية الاعلامية
بقصد التضليل الاعلامي..
قناة السومرية
شعارها العام هو (نبث الحياة).. وكان شعار تغطيتها الاعلامية
للانتخابات هو (2010 العراق يرتقي)..
قناة العراقية: العراق يقرر
قناة بغداد: ننتخب لعراق اقوى
المسار: ننتخب العراق
صلاح الدين: العراق ينتخب
الفرات: شعارها العام (قناة الاصالة والاعتدال) وشعار تغطيتها
الانتخابية (العراق يقرر)
الموصلية: الانتخابات البرلمانية 2010 صوتك بمكانه
الحرة: العراق ينتخب
افاق: شعارها العام (رسالة الاعلام المميز) وشعار تغطيتها
الانتخابية(ثورة الاصابع البنفسجية)
الفيحاء: شعارها العام حرية الرأي ومسؤولية الموقف
الديار: شعارها العام الفضائية العربية بنكهة عراقية
البغدادية: شعارها العام (عين العراق على العالم وعين العالم على
العراق)..
الرافدين: شعارها العام (عين الحقيقة) وشعار تغطيتها الانتخابية (العراق
ينتحب)..
يعلم جميع العراقيين ان هناك الكثير من السلبيات التي رافقت هزة
التغيير الكبرى التي حدثت في العام 2003 وان هذه الهزة لم تقتصر على
حرب مدمرة واحتلال يريد العراقيون خروجه اضافة الى هزات متتابعة في
بنية الدولة العراقية والثقافة والاقتصاد والاجتماع اتت على البنيان
الهش لهذه البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتي لم
تكن ظاهرة للعيان بسبب سياسة التعتيم الاعلامي طيلة عقود طويلة من
الاستبداد والهيمنة المطلقة لحزب واحد ولحاكم اوحد..
وجميع هذه الهزات هي في اطار لوحة كاملة من الاسباب والنتائج ترفض
قناة الشرقية ان تحيل اليها، بل تراها سببا ونتيجة لحكومات متعاقبة بعد
العام 2003، في شقها الشيعي – الاسلامي على وجه التحديد وتستثني منها
فترة الرئاسة العلاوية والتي اسست لثقافة الفساد الوزاري وتمكين
الفاسدين من الهروب بما سرقوا الى خارج العراق..واصبحت هذه القناة هي
الواجهة الاعلامية والاعلانية للقائمة العراقية ورئيسها اياد علاوي
والتكتلات المؤتلفة معه..
وخصوصا الدفاع عن صالح المطلق والبعثيين الذين تم اقصاؤهم.. وقد
عادت الشرقية الى ارشيف الحرب العراقية الايرانية الغنائي لتستل منه
اغنبة (سباع ولد سباع) التي غناها داود القيسي في معرض ترويجها لطارق
الهاشمي والذي كان ضابطا في الجيش العراقي السابق..والذي ترفع قائمته (تجديد)
شعار: (نعاهدك لن يطرق بابك غريب) والغريب هنا هو ايران..
وقد حاولت الشرقية استباق الحدث من خلال الاعلان عن فوز القائمة
العراقية رغم ان الانتخابات مستمرة ولم يتم فرز وعد الاصوات، وسمحت
للجميع بالتشكيك بنزاهة الانتخابات، والتخوف من عمليات التزوير، وظهرت
معزوفة الصناديق القادمة من ايران.. ولاادري لماذا لايتم تزوير النتائج
في العراق والاستعانة عنها بايران، فالورق موجود والمطابع موجودة
والحبر موجود..والشرقية بهذه التغطية المنحازة والحديث عن تلاعب وتزوير
تمهد مسبقا لصراع مابعد الانتخابات، وهي تصريحات لايمكن التاكد من
صحتها، وان كان كذبها المفضوح حول حبر الاقتراع وسهولة مسحه قد تعرض
للانكشاف فلازال اثره موجودا على الاصابع بعد 24 وعشرين ساعة من
الانتخاب..
وتوأم الشرقية في هذه الديماغوجية الاعلامية هي قناة الرافدين لسان
حال هيئة المسلمين وامينها العام حارث الضاري، والتي غطت الانتخابات
العراقية من زاوية الرفض لها وعدم قبولها.. وقد وقع مقدم احد برامجها
الحوارية المباشرة، والذي يذكر ببرنامج منبر الجزيرة، وقع في الكثير من
المواقف الحرجة مع اغلبية المتصلين الذين اشادوا بالانتخابات وانتقدوا
دعوات المقاطعة.. وحاولت البغدادية في احد برامجها الحوارية المباشرة
ان ينتزع مقدم البرنامج من احد المتحدثين بلسان المفوضية ارتكاب
المالكي لخرق انتخابي في ظهوره على شاشة العراقية موجها كلمة الى الشعب
العراقي، ولم يستطع ثم حاول انتزاع ذلك من خلال الاتصال باحد الخبراء
القانونيين ولم يستطع الحصول على ذلك ايضا..
في نظر الشرقية والقنوات الناطقة بلسان ايتام النظام السابق لاشيء
يدعو الى التفاؤل في العراق.. |