ثقافة الانتخاب العراقية عنوان للإرادة الشعبية

تحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: ما أن حلَّت الساعة السابعة من صباح الأحد الموافق 7/3/2010 حتى انطلق بالملايين ليختطوا لأنفسهم طريقاً للتعبير عن إرادتهم من خلال الإدلاء بأصواتهم عبر صناديق الاقتراع، ملوِّنين عرسهم الانتخابي بأصابعهم البنفسجية كإشارة أكيدة على مرجعية ذلك الكرنفال الديمقراطي الذي يتحدد بمقتضاه أعضاء الدورة التشريعية القادمة والبالغ عددها 325 عضواً.

لقد تخللت تلك التظاهرة المليونية صور جميلة قل نظيرها في المنطقة التي تعاني من الجمود السياسي حيث النظم المتسلطة على الرقاب..

وقد كانت أول المتحدثات لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) عن عرس السابع من آذار الانتخابي السيدة (أم نورس) التي اتخذت من أيادي أحفادها متكئاً للمسير  للإدلاء بصوتها فقالت،" ان هذا المسير يذكرني بالسعي لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، حيث أجد رابطا كبيرا بين الأمرين، فكلاهما في سبيل الله والوطن وخدمة الناس، لإيجاد الأصلح لبناء العراق الجديد وهذا بالتاكيد مسعى دينيا ووطنيا مقدسا، يجب أن أكون السباقة اليه لأشد عزم ابنائي واحفادي على ممارسة هذه التجربة العراقية الجديدة بعد مئات السنين من التسلط والوحشية.

ويقيناً لم أود أن أفارق الحاجّة أم نورس وهي تحمل جذوة الوطنية الحقّة ولكن أثناء المسير استوقفني مشهد آخر لرجل عجوز يسير بكرسي مدولب، قاصدا مركز الاقتراع للإدلاء بصوته وقد كان اسمه الحاج لطيف والذي بادرني قائلا قبل أن أسئله،" ربما تستغرب من وجودي لكني أؤكد لك بأنني أكثر إصراراً من الشباب، حيث كنت منذ ساعات الفجر الاولى وبعد صلاة الصبح في تمام الجاهزية لممارسة حقي الانتخابي".

وأضاف الحاج لـ شبكة النبأ،" ليس هناك من شعب في العالم أكثر منّا رقيّاً إلا ان الدكتاتورية هي التي سلبتنا إرادتنا الحرة الكريمة، واليوم أنت ترى هذه الحشود البشرية تسطر ملحمة الانتخابات على مستوى العراق عموماً على الرغم من كون التجربة حديثة وفتية على الوعي العراقي والعربي إلا ان الواقع العراقي بكل أطيافه استطاع ان يهضم هذه التجربة ويتعامل معها بكل جدية بعيدا عن حالة التشنج".

فيما قالت (أم علي) والدة أحد المرشحين في خوض الانتخابات،" ربما لا تصدق إذا قلت لك أن ابني قال ليس المهم أن أفوز ولكن أحس نفسي إنني ربحت إرادة الشعب العراقي من خلال ما شاهدته منذ الصباح الباكر في يوم الانتخابات، فالكل خرج ليؤدي طقوس التجربة الديمقراطية بكل محبة وود بعيداً عن المهاترات والمشاحنات وبعيدا عن ثقافة القتل والقتال، لقد جاء العراقيين ليقولوا كلمتهم في اختيار من يمثلهم".

أما توفيق الكريطي، صحفي، فقد قال لـ شبكة النبأ،" أي عرس أبهى من ذلك العرس وانت تجد الارادة العراقية قد تخلت عن لغة السلاح وقبلت بصناديق الاقتراع بديلا مناسبا ليحدد مصير التجربة العراقية الجديدة، وأنا ضد من يتجه صوب التشكيك بآلية الانتخاب او يعزف على وتر التزوير، كما أقول من خلالكم أن الرسالات السماوية العظيمة لم تأتي دافعة واحدة متكاملة بل جاءت بالتدريج، وهذا بالتاكيد مثال قريب من وعينا، لذا من المنطقي ان نركز على الجوانب المهمة، كون مخاض التجربة الديمقراطية عنوان بارز ومهم في واقعنا العربي المؤلم المليء بالدكتاتورية والقمع والتسلط".

وأضاف الكريطي،"وإن حصلت بعض التجاوزات أو الخروقات هنا أو هناك فهذا طبيعي في ظل التجربة الفتية التي نخوضها منذ سبع سنوات فقط، حيث لا تبني الأمم أنظمة ديمقراطية راسخة خلال هذه المدة القصيرة نسبياً".

وقد كان مسك ختام هذه الجولة مع سهام العلي، وهي استاذه في علم الاجتماع حيث قالت،" واهم من ينظر الى هذا المشهد ولم يصب بالدهشة والذهول كون هذه التجربة بمثابة نظام عالمي متطور وليس كمَن يصوره البعض بأنه حالة عادية أو يحاول الانتقاص منها".

وأضافت سهام،" ما نلاحظه عبر شاشات التلفزة من الانتخابات في الدول المتقدمة هو خلاصة تجارب لمئات السنين وها هو الشعب العراقي يتجاوز هذا المراس ببضع سنوات قليلة، ومن اللافت للنظر أن تجد الشيخ الطاعن في السن والمرأة العجوز هُم اكثر الناس حرصا على اداء الانتخابات، وهذا ان دل على شيىء فيدل على ان شعب العراق شعب الحضارات فعلا وربما هناك مشهد اخر اكثر وضوحا في قراءات التجربة العراقية  ففي الممارسة الغربية والامريكية على سبيل الفرض هناك بعض وسئل الطعن في الكثير من المواقف الانسانية والاجتماعية والوطنية  بين المرشحين إلا ان العراقيين وعبر هذا التجربة كانوا أكثر كياسة من الغربيين حيث تجاوز العراقيين هذه التجربة بروح عصرية وكان التنافس بحدود مستوى الخدمات والعطاء ليس إلا".

وما أن ابتعدنا عن أجواء التحاور حتى تلمسنا بأن التجربة العراقية اليوم تظهر بأنها ليست وليدة السنوات السبع الماضية بل هي تحمل ارثا تاريخياً بعيداً في القدم وإلا من غير الممكن أن تجد تلك المقومات الراسخة في الضمير العراقي عبر تجربة جاءت مستوردة او منسلّة كما يصفها البعض من النظام الغربي فيما يعرف المسلمون أكثر من غيرهم أن الشعب هو الذي يجب أن يقرر من يحكمه ومن يدير شؤونه..  

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/آذار/2010 - 23/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م