لم يعد العرب وحدهم من يستحقون وصفهم بالظاهرة الصوتية إذ يبدو هذه
المرة أن التأثير المتبادل لم ينتقل من الولايات المتحدة سقف العالم
نحو أصدقائها العرب بل العكس هو الصحيح!!.
آخر أعراض (حالة العروبة الصوتية) الذي أصاب الإدارة الأمريكية هو
احترافها إطلاق الإنذارات وإملاء الشروط المصحوبة بمهل زمنية ضد إيران
ثم ما تلبث هذه الإدارة أن تمدد هذه المهل التي هي دوما نهائية لتلحقها
بمهلة أخرى أو تتجاهلها وهكذا دواليك دواليك!!.
آخر هذه المهل النهائية الممنوحة لإيران سقطت مع نهاية العام الماضي
أي قبل من شهرين من الآن عندما أعلن البيت الأبيض (عن تمديد الموعد
النهائي أمام طهران للرد على اقتراح تخصيب اليورانيوم في الخارج إلى
نهاية العام كي تتجنب عقوبات جديدة بشأن برنامجها النووي). ونقلت الصحف
عن الناطق باسم البيت الأبيض روبرت جيبس قوله: "الوقت بدأ ينفد الموعد
النهائي هو نهاية العام".
ومضى العام وانقضت المهلة دون أن تحرك الإدارة الأمريكية ساكنا وزاد
الأمر سوءا أن إيران هي من منح الغرب مهلة حتى نهاية يناير لإبرام صفقة
تبادل اليورانيوم وإلا بدأت تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20% وكان أن
انقضت المهلة وأنفذت إيران وعدها ومرة أخرى لم تحرك أمريكا ساكنا!!.
لم تكن هذه المهلة هي الأولى من نوعها ففي عام 2008 كانت هناك مهلة
أمريكية أخرى انقضت ومضت ومضى قطار المُهل سريعا يا ولدي.
ففي يوم 31-7-2008 جددت الولايات المتحدة تأكيدها أن السبت المقبل
هو اليوم الأخير في المهلة الممنوحة لإيران للرد على عرض الحوافز
الغربية، في حين أعلن الاتحاد الأوروبي عزمه تجاوز نص العقوبات
المفروضة على طهران إلى ما هو أكثر تشددا في حال واصلت الجمهورية
الإسلامية برنامجها النووي.
كما أوضحت الخارجية الأميركية على لسان المتحدث باسمها آنئذ شون
ماكورماك أن الإيرانيين على علم بمهلة السبت التي أعقبت مباحثات جنيف
في 19 يوليو/ تموز مع ممثلي الدول الست. كما هدد ماكورماك إيران بأن "هناك
عواقب وثمنا دبلوماسيا يترتب على تحدي الطلبات العادلة لمجلس الأمن"،
واعتبر ذلك بمنزلة "الوجه الآخر لمقاربة الخيارين"، في إشارة إلى سياسة
العصا والجزرة التي يعتمدها المجتمع الدولي منذ فترة طويلة مع الملف
النووي الإيراني.
وكانت الدول الست الكبرى -التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا
وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا- أمهلت إيران أسبوعين للرد على عرض
الحوافز الذي يهدف إلى إقناعها بالتخلي عن أنشطة تخصيب اليورانيوم.
وطبعا لم تكترث إيران بهذه المهلة التي مضت وانقضت دون أن تتمكن هذه
الإدارة من حسم الأمر بل إن الإدارة الأمريكية عادت مرة أخرى إلى مائدة
المفاوضات وفقا لقواعد جديدة لم تكن مطروحة من قبل.
وفي عام 2006 وتحديدا يوم 28 أبريل انتهت مهلة أخرى (منحت) لطهران
للعدول عن مواقفها بشأن تخصيب اليورانيوم. حيث كانت هذه المهلة مصحوبة
بتهديد من عواقب الحرب التي ستشن على إيران حال رفضها وقف تخصيب
اليورانيوم وكان أن رفضت إيران رفضا قاطعا التراجع عن مواقفها المتعلقة
بالمضي قدما في تخصيب اليورانيوم. ولم يلاحظ المراقبون يومها حدوث أية
مرونة في مواقف النظام الإيراني خلال المهلة الممنوحة، بل أن جميع
المسئولين شددوا مرارا وتكرارا على تصميم طهران على "عدم التراجع قيد
انملة" عن برنامجها، تاكيدا لما صدر عن الرئيس محمود احمدي نجاد، الذي
وجه كلاما واضحا للغرب بقوله: "لن نخضع للظلم والضغوط. ان أرادوا
انتهاك حقوق الشعب الإيراني، سنوصم جباههم بالعار". وأضاف "اننا الآن
بلد نووي. نريد السلام والأمن ولا نشكل تهديدا لاي شعب من الشعوب. نحن
مستعدون للحوار من أجل نزع أسلحة القوى العظمى من اجل تعزيز السلام
والأمن في العالم". وقال "لقد حصلنا على تكنولوجيا الوقود النووي
بأنفسنا ولا يمكن لأحد حرماننا منها". وتوالت التهديدات عن مسئولين
آخرين بالرد بقوة على أي هجوم أمريكي على بلادهم، وهو ما حذر منه
المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
وبينما يهدد المسئولون السياسيون إيران بعواقب وخيمة حال رفضها
للشروط الغربية خلال المهلة المحددة نلاحظ خلاف ذلك من المسئولين
العسكريين الذين يسعون على ما يبدو للتخفيف من تهديداتهم حيث أكد رئيس
هيئة الأركان الأمريكية مايك مولن أكثر من مرة وأحيانا ثلاث مرات
أسبوعيا (أن توجيه ضربة عسكرية لايران قد يزعزع الاستقرار في منطقة
الشرق الاوسط بشكل كبير. وأضاف أن توجيه ضربة لإيران قد يحمل عواقب
عكسية مشيرا الى أن طهران تسير طبقا لاستراتيجية تهدف بشكل مباشر لصنع
اسلحة نووية .هذا و شدد مولن على أهمية مواصلة العمل الدبلوماسي من أجل
التوصل الى حل للملف النووي الايراني.وكان مولن أكد في وقت سابق أنه
يؤيد المهلة الممنوحة لطهران التي تنتهي نهاية العام الفين وتسعة
للاستجابة لعروض المجتمع الدولي، وشدد على أن أي ضربة عسكرية ضد إيران
سواء من إسرائيل أو الولايات المتحدة يجب أن تكون الملاذ الأخير. وقال
إنه يشعر بالقلق من أن الوقت بدأ ينفد أمام جهود إدارة الرئيس باراك
أوباما لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع إيران).
السياسيون يهددون والعسكريون يخففون من تصريحاتهم!!.
أما العرب الذين راهنوا و لازالوا يراهنون على (ضربة أمريكية موجعة
وعقوبات مؤلمة) فقد منحوا أنفسهم مهلة مفتوحة للتأمل على شواطئ
كازابلانكا فلا هم صالحوا أنفسهم ولا هم حاربوا أعداءهم في انتظار أن
تأتي لهم طاولة الروليت بما عجز عن تحقيقه أوباما المنتظر ومن قبله بوش
ابن أبي سفيان.
الواضح أن إيران تفاوض الغرب اعتمادا على عامل الوقت لتجعل من
مشروعها النووي حقيقة واقعة في حين تفاوض الولايات المتحدة معتمدة على
سلاح التهديدات وإطلاق المهل الزمنية ويبدو واضحا أن هذا السلاح أصبح
كلعب الأطفال التي لا تخيف أحدا!!.
هل أصبحت الولايات المتحدة ظاهرة صوتية لا فارق بينها وبين حلفائها
العرب؟!.
يبدو أن الأمر قد أصبح هكذا بالفعل. |