الانتخابات العراقية: حاضر متفائل ومستقبل واعد

شبكة النبأ/علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ها أننا نصل إلى اليوم الموعود لإجراء الانتخابات النيابية الجديدة في العراق، وسوف تتدفق صبيحة الغد، الاحد السابع من شباط، ملايين من الناخبين العراقيين الى المراكز الانتخابية التي توزعت ارض العراق من أقصاه الى أقصاه، لتقول كلمتها الفصل في صناديق الاقتراع.

إنها مرحلة جديدة ومشرقة في تأريخ الانسان العراقي إذ أصبح لصوته المهمل والمغبون على مدى قرون وعقود متتابعة قيمة كبرى تعادل قيمة (الذهب) كما يردد الجميع، لأن هذا الصوت أصبح يتحكم بالحاكم وليس العكس.

 كما أصبح بمقدور أصوات الناخبين أن تقصي هذا السياسي او ترفع ذاك الى منصب عال يؤهله لقيادة الناس، ولم يعد الامر خاضعا للفوضى وقانون الغاب الذي كان سائدا في الساحة السياسية في العراق، حيث كان القوي هو الذي يتربع على العرش ليبدأ رحلته في التهميش والاقصاء والتعذيب وسلب الحقوق بصور ظاهرة ومبطنة ليسحق الاكثرية من الشعب ويرفع الاقلية التي تحصل على كل شيء مقابل فقدان الاكثرية لكل شيء حتى قوتهم اليومي.

وليس في هذا القول مغالاة، فمن تابع التأريخ السياسي العراقي القريب - ولا نوغل كثيرا في الاعماق- سيتأكد بنفسه من هذا الكلام حيث كانت تسود وسائل القمع والإذلال بأبشع صورها خدمة للحاكم وإبقائه متربعا على كرسي الحكم ظلما وتجاوزا على حقوق الفقراء وبسطاء الشعب، فلا صوت للناس ولا رأي لهم مقابل سيادة الصوت الواحد والرأي الواحد الذي يأخذ (قدسيته) زورا وبهتانا من جوقة المرائين المتملقين الذي يلتفون حول القائد الأعظم، أما من تسوّل له نفسه من عامة الشعب بطرح رأي آخر او مناقشة قضية خطيرة تهم حاضره ومستقبله، فإن النتيجة ستكون الموت، او النفي والعزل والتهميش في افضل الاحوال.

لذا فإن هذا اليوم الذي نعيشه الآن لا يشبه الامس قطعا، هذا اليوم الذهبي الذي جعل أصوات الفقراء تتحول من حالة الصمت والتكميم الى حالة التحكم بمصير الحاكم السياسي نفسه، فأما سيجد طريقه الى الكرسي بموافقة أصوات الفقراء وبسطاء الناس، وأما العكس، لذلك تحولت هذه الاصوات (الفقيرة) الى كنوز من ذهب بعد أن كانت هباء لا تنفع ولا تضر.

من هنا نقول إننا نقيم محفلنا الانتخابي هذا وسط حاضر متفائل يحمل في طياته وقائع وعلامات تؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو بناء التجربة السياسية الديمقراطية التي أصبح فيها صوت الناخب هو الذي يحدد نوعها وشكلها ومساراتها وليس العكس، فقد ولى والى الابد ذلك النهج الفردي القائم على مزاجية شخص الحاكم وعشوائية قراراته وطيشه الذي يصب في تضخيم ذاته وتصغير ذوات الآخرين بفعل قانون الغاب الذي غالبا ما يعتمده الحكم الدكتاتوري المريض.

لهذا أصبح من الواجب على جميع من يحق له الانتخاب أن يتوجه الى صندوق الاقتراع ويضع كلمته الصادقة الحقيقية المخلصة الدقيقة التي آمنت وتأكدت من دقة مسارها نحو الشخص الذي يستحقها، لأن هذا الصوت الواحد في حالة ذهابه الى من يستحقه إنما يسهم ببناء حاضر مشرِّف ومستقبل مشرق ومضمون، ولايجوز قط أن يستهين الناخب صاحب الصوت الواحد بصوته، لأنه بتراكم الاصوات في الاتجاه الصحيح سنسهم بإيصال الحاكم الصحيح الى مكان الصدارة.

وهكذا يتأكد المرشحون والناخبون على حد سواء بأن قيمة الصوت الانتخابي أصبحت تعادل قيمة الذهب حقا، ولن نعود مرة أخرى الى الوراء، فهذه فرصة الفقراء الذهبية بأن يتحكموا بمصيرهم وحاضرهم في آن واحد.

وعندما نلقي نظرة سريعة على عشرات بل مئات المراكز الانتخابية المنتشرة في عموم محافظات العراق، فإننا لاريب نشعر بالبهجة التي تجتاحنا كليا ونحن نستذكر تلك الايام والسنين العجاف التي كنا فيها مسيَرين مقهورين مسلوبي الارادة لارأي لنا ولاصوت، وكأننا لم نولد أحرارا كما خلقنا الله تعالى، بل غالبا ما كانت مصائرنا بأيدي الحكام المرضى ذوي النفوس المتضخمة التي لا ترى الحقوق والصواب إلا بجانبها هي فحسب، أما الآخرون فهم خدم وعبيد لهم لا أكثر ولا أقل.

لكن الصورة اليوم إختلفت تماما، فلم يعد الانسان العراقي تابعا إلا لنفسه ولصوته الذي لم يعد مصادَرا ولحريته التي لم تعد مسلوبة، فينبغي أن نحافظ جميعا على هذه المكتسبات العظيمة، وذلك من خلال تأصيل التجربة الجديدة واسنادها وتعضيدها وتثبيتها كقانون حياتي لا يقبل التجاوز او الاقصاء او المصادرة كما كان الامر إبان الأنظمة الشمولية الفردية المتعصبة، وهي فرصة العراقيين المهمشين في أن يعاضدوا هذه التجربة من خلال مشاركتهم الكبيرة والواسعة في الانتخاب السليم.

إذن هو يوم لا يشبه كل الايام، وهو حدث عظيم ينبغي أن نسهم بتعظيمه جميعا، بدلا من تعظيم الحاكم الفرد، فهذا اليوم هو يوم الفقراء البسطاء الشرفاء كي يقرروا مصيرهم بأنفسهم ويقرروا في الوقت ذاته مصير القادة السياسيين وليس العكس، ويجب أن يعرف السياسيون وغيرهم من الآن فصاعدا بأن المعادلة السياسية القديمة انعكست تماما، فأصبح مواطن اليوم هو الذي يتحكم بالحاكم وليس كما كان عليه مواطن الأمس، خاضعا مغلوبا على أمره.

وهذه النتيجة هي إحدى أهم ما تحقق في العراق الجديد، بيد أن الامر لا يزال يحتاج الى إيمان المواطنين العراقيين بصورة قاطعة، بأنهم هم أصحاب المبادرة وهم من يمسك الآن والى الابد بزمام الامور، لذا عليهم أن يسيروا بهذا الاتجاه بقوة حتى يفهم السياسيون بأن مقاليد الامور أصبحت بيد الشعب، وهذا ما يُثبت بأن حاضرنا قمة في التفاؤل، وأن مستقبلنا ينحو الى الضمان بفضل الاجواء الديمقراطية المتحررة التي يعيشها العراق في عصره الجديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/آذار/2010 - 20/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م