السياسيون الناجحون إقتصاديون متميزون

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: التأريخ الانساني خلّد لنا شخصيات مهمة نجحت في نقل شعوبها من حال الى حال، بفضل الأفكار التي كانوا يحملونها ويؤمنون بها مضافا لذلك قدرتهم على التطبيق الفعلي لهذه الافكار في الميدان الواقعي وتحويلها من مجرد كلمات متراصة بجانب بعضها الى أفعال مادية ملموسة لمس اليد ومرئية رؤية البصر.

ومن هذه الشخصيات الخالدة، القادة السياسيون الذين يتمتعون بقدرات قيادية كبيرة تفرزهم عن غيرهم من حيث دقة الاختيار في صنع القرار والتوقيت المناسب للتنفيذ ناهيك عن الاسلوب الأكثر نجاحا لتطبيق القرار المتّخَذ، بيد أن هذا الامر لايتعلق بصفات قيادية في الجانب السياسي حصرا، بل تدعم ذلك قدرات إضافية تتعلق بالنهج الاقتصادي التنفيذي السليم.

بمعنى أن القائد السياسي الذي ينجح في اتخاذ قرارات سياسية حساسة وربما مصيرية ضمن صلاحياته، قد لا يكون قائدا ناجحا ومكتملا على الاصعدة الاخرى التي تتطلبها قيادة الامة او الشعب، وهذا يقودنا الى القدرات التي تميز هذا القائد السياسي في مجال الاقتصاد الذي يعد الظهير الاقوى للسياسة ونجاحها في مجال التطبيق سواء في القرارات الداخلية او الخارجية.

فثمة علاقة وشيجة ومترابطة بين الاقتصاد والسياسة، ويمكن تمثيل الاقتصاد بالدعامة الاساسية التي تسند القرار السياسي وبخلاف ذلك ستكون السياسة كمن يدخل ساحة القتال بيد واحدة، إذن يمكن أن تصل أهمية الاقتصاد الى هذا المستوى في دعمها لتنفيذ القرارات السياسية على نحو أفضل.

ويقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الثمين الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) في هذا المجال:

(إنّ الاقتصاد لـه الأهمية الكبرى في السياسة، وكلما كان التوازن الاقتصادي أقوى كانت السياسة أكثر سداداً ورشداً).

ويُقصد بالتوازن الاقتصادي هو تنفيذ الخطط التنموية بصورة سليمة من لدن الجهات القائمة على تحويل التخطيط الى عمل قائم على الأرض، فالفكر والتخطيط الاقتصادي السليم هو الخطوة الناجة الاولى في هذا المجال، أما الخطوت التكميلية لنجاح الاقتصاد فتتمثل بعملية التنفيذ الناجح، وهو أمر يتعلق بالسلطة التنفيذية بالدرجة الاولى.

أي أن الدور هنا للقائد السياسي الذي يجب أن يتحلى برؤية اقتصادية سليمة وقدرة عملية لتحويل الرؤية المجردة الى هيكل عملي شاخص أمام الابصار ويمكن مسكه باليد، ولنا في تأريخنا الاسلامي المشرق نماذج عظيمة مزجت بنجاح منقطع النظير بين إمكانياتها السياسية ورؤيتها الاقتصادية كما هو الحال مع الامام علي عليه السلام حينما تسلم قيادة الدولة الاسلامية وتمكن من القضاء على الفقر في ربوع هذه الدولة الشاسعة وبين ملايين الناس الذين كانوا يستظلون بالاسلام وينتمون إليه ويعملون وفقا لتعالمه ومبادئه المتوازنة.

وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي مثالا في هذا الصدد عن سياسة امير المؤمنين الاقتصادية ليؤكد لنا أن القائد السياسي ينبغي أن يكون ذا قدرات واضحة في المجال الاقتصادي وأن يتخذ قراراته النموذجية التي تصلح أن تكون دروسا لغيره من القادة، حيث ورد في الكتاب نفسه لسماحة المرجع الشيرازي:

إن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان يمشي في سكك الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس: فوجه الإمام السؤال إلى من حولـه من الناس قائلاً:  ما هذا؟. فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس لـه مال يعيش به، فيكتنف الناس.. فقال الإمام ـ في غضب ـ : استعملتموه على شبابه حتى إذا كبر تركتموه؟.

ثم جعل الإمام عليه السلام لذاك النصراني من بيت مال المسلمين مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت-1-.

وهذا يدل على أن الفقر كاد أن لا يرى لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقيراً واحداً كان يستغرب، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية وغير لائقة بالمجتمع الإسلامي.

إن هذا السلوك الحكيم لقائد الدولة الاسلامية الامام علي عليه السلام هو درس للقادة الآخرين الذين كانون يقودون البلاد الاسلامية الفرعية في حينها، وهو درس لقادتنا المعاصرين، لكي يفهموا أن القيادة لا تعني ادارة شؤون البلد السياسية في الداخل والخارج فحسب، إنما هي قيادة اقتصادية سليمة أيضا لاسيما في الجانب التنفيذي منها، وهي تصب في نهاية المطاف في صالح القائد نفسه، لأن الاقتصاد المتوازن كما يقول سماحة المرجع الشيرازي، هو الدعامة الاساسية لسياسة القائد وحكومته.

 والدليل هو ما يجري في ساحة الاقتصاد العالمي من تدهور وتراجع كبير بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة من قبل القادة السياسيين، وهنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي قائلا:

(هل رأى العالم أو قرأ أو سمع نظاماً اقتصادياً يستطيع أن يقتلع جذور الفقر عن الناس حتى يكون من بواعث العجب والدهشة رؤية فقير واحد في طول البلد الإسلامي وعرضها، ولو كان ذاك مسيحياً غير مسلم؟ وهل استطاع العالم المعاصر، والتجارب الاقتصادية الكثيرة من وضع نظام اقتصادي كهذا؟).

إن الاجابة ستؤكد الخلل الواضح على صعيد الاقتصاد العالمي، ناهيك عن النواقص الواضحة في انظمتنا السياسية الاسلامية والعربية منها، حيث تشير الدلائل الى جهل السياسيين في المجالات الاقتصادية على مستويات التنظير والتطبيق معا، لذا لم نر نموذجا قياديا عربيا او اسلاميا معاصرا يتقن القيادتين السياسية والاقتصادية في آن،

كما كان قادتنا العظام في الاسلام، وهو سؤال نتوجه به الى ساستنا اليوم، تُرى أين يكمن السبب، وهل يمكنكم معالجة الخلل في هذا المجال ومتى سيتم ذلك؟!.

..................................................................

هامش:1- راجع وسائل الشيعة: ج15 ص66 ب19 ح1.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/آذار/2010 - 19/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م