دور الأسرة في عملية التأسيس الاجتماعي الناجح

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من أين يكتسب الكائن الجديد تجاربه التي تشترك في بناء شخصيته ؟ إضافة الى عنصر الوراثة والمقومات البايلوجية التي يتمتع بها، لا ريب أن المحيط الاول (الاسرة) يكون لها قصب السبق في تحديد ملامح شخصية الانسان والمشاركة في صقلها، حيث يفتح الوليد عينيه في المحيط الاول (العائلة) فتكون المعلم الأول له بحيث يبدأ هذا الكائن بأخذ سماته وصفاته عن العناصر المكونة للاسرة كالأب والام والاخ والاخت وغيرهما.

وهكذا تبدو أهمية وخطورة دور الاسرة كبيرة في هذا المجال لأنها تتحكم بالتأسيس الأولي لبناء الانسان وبالتالي لدوره في المجتمع ككل، أي ان دور الاسرة اكثر تأثيرا من جميع المحيطات الاخرى التي يتأثر بها فيما لو أفلحت الاسرة بالقيام بدورها على الوجه الأفضل.

وأشار أحد الكتاب بها الصدد الى قائلا: ( على الاسرة العربية ان تكون خط الدفاع الاول عن المجتمع العربي للحفاظ على عاداته وتقاليده وتراثه وتنمية روح الانتماء لدى النشء الجديد، لأن الاسرة العربية كانت في السابق تضع الضوابط الاجتماعية بنفسها لكن مع التغيير الكبير الذي يشهده العالم بشكل سريع فقدت هذا الدور المهم).

ويشير هذا الرأي الى خطورة تراجع دور العائلة في نقل تجاربها للكائن الجديد الذي يحل ضيفا عليها، ولكنه يؤشر سببا مهما لهذا التراجع، ويقول بان التغيرات السريعة التي حدثت وما زالت تحدث في العالم هي سبب تراجع دور الأسرة المذكور، ولعل الخلل الذي يمكن تأشيره هنا هو تقصير الجهات ذات العلاقة في وضع الاسس والدراسات المطلوبة لتنمية قدرات الاسرة كي تتغلب على التغيرات المتسارعة في العالم او تواكبها كي تقوم بدورها التربوي كما يجب.

وهذا يتطلب وعيا حقيقيا ازاء هذه الحالة في حالة صحتها، بمعنى أن المجتمع ينبغي أن يتنبه الى حالات ومكامن التقصير التي تبدر عن الاسرة تجاة الكائن الجديد، وأن يفهم عناصرها لاسيما الام والاب، بأن الصفحة التي بين أيديهم بيضاء وهم من يشكلون طبائعها وتوجهاتها في الحياة عموما، كما أن الخطورة تكمن في جهل أهمية هذه المرحلة من لدن الاسرة، او عدم معرفتها بحجم الدور الذي يمكن أن تلعبه في تحديد وتوجيه مسارات الابن او البنت.

لكن الامر المتفق عليه من قبل الجميع هو ان الدور التربوي لا ينحصر بالاسرة وحدها لاسيما بعد تقدم الطفل في السن، حيث يبرز جليا دور المدرسة التعليمي والتربوي في آن واحد.

كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل دور المؤسسات المعنية الاهليوة منها او الرسمية ناهيك عن دور المؤسسات الدينية في العمل على تقويم وبناء شخصية الطفل من خلال الدورات التثقيفية التي تزج بالطفل في قلب الاجواء الايمانية وتجعله معتادا عليها لكي تشكل جزء مهما من شخصيتة وتوجهاته في الحياة، ولكي يكون ثمة توازنا بين القيم المادية والمعنوية في بناء الشخصية، لأن غياب القيم الروحية يشكل عائقا او سببا من اسباب الانحراف السلوكي والقيمي عموما، لذلك يلزم التأكيد على غرس القيم الروحية الى جانب المادية في ذات الطفل، ولعل التركيز عل تطوير المناهج الدراسية احد اهم العوامل الفاعلة في هذا المجال، إذ ان التركيز على دور تطوير المناهج اصبحت من الاساسيات لمواكبة العصر وفق احدث الاتجاهات العالمية بما يتناسب مع طبيعة المجتمع مضيفا انه ليس هناك نظام مثالي في التربية لان كل مجتمع يضع اهدافا وخططا ورؤى حول تطوير المناهج بما يتناسب مع طبيعة مجتمعه.

وهكذا يكون ثمة تآزر بين المحيطات التربوية المختلفة التي تُعنى بتربية النشء، فمع أهمية الدور التربوي التأسيسي للأسرة، إلا أن الأسرة نفسها بحاجة الى التعضيد والمساندة من لدن المعنيين بالقطاع التربوي سواء من القطاع الرسمي او المنظمات والمؤسسات التربوية الاهلية.

وتكمن أهمية دور الاسرة على الصعيد الجمعي أيضا، كون الفرد هو الخلية الأصغر في تكوين النسيج المجتمعي، حيث يتكون المجتمع من مجموع أعضائه إبتداء بالاطفال وصعودا الى المراحل العمرية اللاحقة، لهذا ينبغي كما يرى المختصون أن تكون مرحلة التأسيس صحيحة وذات ركائز قوية وهي من واجب الاسرة أولا، لكي ينشأ الطفل وينمو على نحو سليم.

فكلما نجحت الاسرة في التدعيم الفكري والسلوكي لأعضائها، إبتدا من الاطفال الجدد، كلما أسهمت بصورة صحيحة في بناء المجتمع الناجح، وهذا تحديدا ما يعطي الأهمية الكبيرة لدور الاسرة، مما يدفعنا الى القول بأهمية مآزرة الاسرة في هذا الجانب من خلال دعمها ماديا ومعرفيا، من لدن الجهات ذات العلاقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/آذار/2010 - 17/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م