يستعد العراقيون بعد أيام معدودة لخوض انتخاباتهم البرلمانية العامة
التي ستشكل، في رأي المراقبين، مظهرا هاما وتجليا واضحا من مظاهر
وتجليات الديمقراطية الوليدة في العراق التي كلفت شعبه الكثير من
الضحايا ممن عمّدوا بدمائهم البريئة الطاهرة الطريق إلى الحرية والعدل
المنشود المتمثل في بناء دولة ديمقراطية عصرية متطورة تمسح عن جبينها
أسى وعذابات السنين الماضية .
وقد تبنى مجلس النواب العراقي، بعد جدالات عنيفة ومخاضات قاسية،
قانون الانتخابات العراقي الجديد الذي تجاوز، في بعض فقراته، الأخطاء
والسلبيات التي رافقت قانون انتخابات 2005 وذلك من خلال القائمة
المغلقة ، حيث كان لهذه الأخطاء ثمنا باهضا ونتائج وخيمة تمثل في دخول
الكثير من الشخصيات الى البرلمان ممن بينهم وبين السياسية والمعرفة
والثقافة بونا شاسعا وأمدا بعيدا .
وكان من أهم ما يميز قانون الانتخابات الجديد هو التبني الظاهري،
كما سوّق السياسيون لوسائل الإعلام، للقائمة المفتوحة كبديل حقيقي
وناجح للقائمة المغلقة التي أثبتت فشلها المزري في الفترة السابقة
خصوصا بعد امتعاض الشارع العراقي منها وقيام الرأي العام الشعبي
بممارسة ضغطا كبيرا من اجل النأي عن الأخذ بها ، فضلا عن رأي المرجعية
الدينية التي نصحت بالاخذ بالقائمة المفتوحة.
وعلى الرغم من التصريحات العلنية والواضحة والكثيرة لأغلب القادة
السياسيين في العراق حول الدعوة لتبني القائمة المفتوحة في الانتخابات
العراقية ، وعلى الرغم من تبني قانون الانتخابات للقائمة المفتوحة ...
إلا أن الحقيقة المرة هي غير ذلك وهي على غير النحو الذي ذكره الساسة
العراقيون حينما قالوا بان قانون الانتخابات الجديد، الذي ستجري
انتخابات 2010 وفقا لمقتضياته، قد تبنى القائمة المفتوحة التي تمنح
المواطن والناخب العراقي حرية اختيار مرشحه من القائمة التي يرغب بها .
ولكن الحقيقة، كما قلت اعلاه، ليست بهذا الشكل التي تم الترويج لها
في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والبصرية والتي يبدو انها انطلت
على الناخب العراقي ، فالقائمة لم تكن مفتوحة بصورة تامة مع انها ليست
مغلقة ايضا بصورة كاملة ، فكونها ليست مغلقة لان الناخب العراقي سوف
يقوم بالتصويت لصالح مرشح في القائمة يختار هو بحسب قناعاته الشخصية
ومن خلال مالمسه من من تصريحات وافكار واعمال تلبي مطالبه ومايطمح اليه،
وهكذا يمكن ان نصف هذا التصويت والاختيار بانه يجري تحت مسمى القائمة
المفتوحة ولكن الامر لايكون على هذا النحو تماما ، ولو اقتصر الامر على
هذه الالية لكانت القائمة مفتوحة مئة بالمئة وما كان لنا ان ننبس ببنت
شفة .
لكن للقضية بعد اخر اذا ان الناخب العراقي لو اعطى صوته لمرشح يُدعى
" عمر علي صادق بكر " ترتيبه مئة في قائمة تحمل الرقم 999 مثلا ،ولم
يستطع هذا المرشح ان يجمع الكثير من الاصوات لكي يحصل على الحد الادنى
منها حتى يدخل البرلمان، اقول لو حصل هذا الامر .. ففي هذه الحالة سوف
تقوم المفوضية بمنح الاصوات التي حصل عليها هذا المرشح الى قائمته ثم
يعاد ترتيب اعطاء هذه الاصوات الى مرشحين اخرين من نفس القائمة.
وهذا يعني ان الصوت الذي اعطاه الناخب العراقي للمرشح رقم 100 قد
ذهب لمرشح اخر فكانما اصبحت القائمة مغلقة ولم يستطع الناخب ان يرى
ويكشف عن المرشح الذي ذهب اليه صوته!
كما ان قضية المقاعد التعويضية في الانتخابات تؤكد عين الامر، اذ ان
الاصوات التي لاتؤهل قائمة او مرشح للدخول للبرلمان سوف تُعطى الى
القوائم الكبيرة لكي تستفاد منها ، وبذلك يذهب صوت الناخب العراقي الى
قائمة اخرى ربما لايرغب ان تصعد للبرلمان ولا ان يعطيه صوته مطلقا وهذا
الامر ينفي عنها صفة كونها مفتوحة تماما كما وصفها الكثير من السياسيين
والمراقبيين. وانما هي قائمة مغلقة بنهايات مفتوحة!
[email protected] |