مواصفات نائب

نزار حيدر

ما الذي نريده من النائب في البرلمان؟ ماذا ننتظر منه ان ينجز لنا تحت قبة البرلمان؟.

هذا السؤال يجب ان يشخص امام انظار كل ناخب عندما يفكر باختيار احد المرشحين لخوض الانتخابات النيابية القادمة، وقبل ان يضع ورقة الاقتراع في الصندوق مدليا برايه في احد المرشحين.

اننا نسال انفسنا عن ماهية الهدف، في كل مرة نريد ان نختار فيها شخصا ما لامر ما، فلماذا لا نسال السؤال ذاته عندما نريد ان نختار مرشحنا للبرلمان؟.

فاذا اراد احدنا ان يذهب الى الطبيب يسال عن اختصاصه، واذا اراد ان يبني بيتا يسال عن امهر المهندسين وافضل البنائين، واذا اراد ان يستاجر خادما يسال عن امتيازاته، واذا اراد ان يصلح مزرعته سال عن الفلاح الماهر، واذا ترافع في المحاكم بحث عن المحامي الشاطر، وهكذا، ولكن الكثير منا لا يسال، نفسه او الخبراء، عن المرشح الذي سيوصت له ويمنحه ثقته، فضلا عن ان بعضنا لا يعرف ماذا يريد منه ليختاره.

لقد تبادر الى ذهني ان اكتب جوابا على هذا السؤال، وانا استمع الى بعض المرشحين وهم يتحدثون على الفضائيات للتعريف ببرامجهم الانتخابية، فلقد شعرت ان بعضهم لا يعرف الى اين هو ذاهب؟ وماذا يريد؟ وماذا سيفعل؟ وما الذي ينبغي عليه ان ينجزه ان فاز بثقة الناخب وجلس تحت قبة البرلمان؟.

استغرب من المرء الذي يرشح نفسه لموقع لا يعرف مسؤولياته فيه، واستغرب اكثر من الناخب اذا منح ثقته لمرشح لا يعرف مسؤولياته ومهامه، فكيف لعاقل ان ينتظر من مثل هذا المرشح ان يقدم شيئا له وللبلد؟.

من لا يعرف لماذا هو في هذا الموقع وليس في غيره، لا يعرف، بالتاكيد، ماذا عليه ان ينجز.

ان معرفة نوع الانجاز يعتمد على معرفة مهام الموقع الذي يتصدى له المرء.

ينبغي على المرشح ان يعرف لاي شئ يرشح نفسه، كما ينبغي على الناخب ان يعرف لاي شئ ينتخب هذا الموشح دون سواه، والا فان كلا العمليتين، الترشيح والانتخاب ستكون عبثية لا معنى لها.

دعونا، اذن، نعرف على وجه التحديد ماذا نريد من النائب في البرلمان.

قبل كل شئ، يجب ان نعرف بان النائب مهمته التشريع وليس التنفيذ ابدا، فمجلس النواب سلطة تشريعية لا دخل له بالتنفيذ، بمعنى آخر فان النائب مهمته تشريع القوانين على اساس الدستور، ما يعني ان مهمته من وجهة اخرى، حماية الدستور وتفعيل نصوصه، فكما نعرف فان النص كائن ميت اذا لم يتحول الى قانون تحت قبة البرلمان يتحول الى مشروع على الارض على يد السلطة التنفيذية.

من هنا، فان اول ما يجب ان نلحظه في المرشح للنيابة، هو ان يكون قادرا على انتاج الافكار القابلة للصياغة على هيئة مشاريع قرارات.

ولذلك ينبغي ان يتصف المرشح بصفاء الذهن وحدة التفكير وسرعة البت في الامور والمقترحات وحاسة انتهاز الفرص وموهبة الجد والمثابرة، والقدرة على الحوار والاقناع واستحضار الادلة المعقولة.

ومن اجل ان يكون قادرا على انتاج الافكار، يفترض بالمرشح ان يكون متخصصا بشئ ما، ليركز جهده في مجال تخصصه ليبدع فيه، لان الحياة اليوم، كما نعرف، واسعة الشؤون ومعقدة، لا يقدر احد على الانتاج فيها اذا لم يكن متخصصا في شان من شؤونها، من دون ان يعني ذلك جهله ببقية مناحي الحياة ابدا، اذ ينبغي عليه ان يكون ملما بالشؤون الاخرى ولو بمقدار ما يعتد به.

لا يكفي ان يتحلى المرشح بكل فضيلة شخصية، كالامانة والورع ولطف المعشر وحسن الذوق، فان مثل هذه الصفات قد تنفعه اذا رشح نفسه اماما لمسجد او امينا لصندوق او مربيا في رياض الاطفال، اما الترشيح للنيابة فيحتاج اكثر من هذه الصفات بكثير، بالرغم من اهمية مثل هذه الصفات.

دعنا نضرب مثلا لتوضيح الفكرة، فلو كنت تبحث عن طبيب مختص بالعيون وقال لك احد الاصدقاء بان زيد رجل طيب وصادق ويحب الخير للناس، فلماذا لا تذهب اليه لعلاج عينك؟ انك ستساله قبل كل شئ، وهل ان زيدا متخصص في طب العيون؟ اذا اجابك بالنفي، فماذا سيكون رد فعلك وجوابك على نصيحته؟ ستقول له ان كل الصفات التي ذكرتها في زيد على العين والراس، ولكنه لا يتمتع باهم صفة ابحث عنها في الطبيب الذي اريد ان ازوره، الا وهي صفة التخصص في طب العيون، اليس كذلك؟.

هكذا هو حال الناخب الذي سيقف في السابع من آذار القادم ليدلي بصوته في صندوق الاقتراع، لصالح احد المرشحين، فان عليه ان يصوت لمن يعلم انه يتميز بصفات تمكنه من انتاج الافكار لمشاريع قوانين، فلا يبحث عن الصائم المصلي فحسب، او عن الدكتور والمهندس فقط، او عن المناضل والمضحي، وكل هذه الصفات مهمة بلا شك، الا انها لوحدها مجردة عن الصفات الاساسية التي ينبغي ان نبحث عنها في النائب، لا تنتج لنا برلمانا فاعلا قادرا على تشريع القوانين، فان يكون المرشح طيبا لا يكفي لانتخابه.

لقد استمعت لبعض المرشحين وهو يعرف نفسه للناخب، فيذكر شهاداته وتاريخه النضالي، ولكنه لم يتطرق ابدا الى خبرته في انتاج الافكار والمشاريع والبرامج، وهي الاهم، الى جانب ما يذكره من صفات وتاريخ.

تعالوا نتعلم من الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كيف نحدد صفات مرشح ما لموقع ما، يقول عليه السلام:

لا يستغني اهل كل بلد عن ثلاثة يفزع اليهم في امر دنياهم وآخرتهم، فان عدموا ذلك كانوا همجا:

فقيه عالم ورع

وامير خير مطاع

وطبيب بصير ثقة.

انظروا الى دقة الوصف لكل واحد من الثلاثة، فاذا غيرت او استبدلت المواصفات بينهم لاختل الوصف والاختيار، وكان الصفات التي يحددها الامام نابعة من سنخ الموقع ومهامه.

ولو تدبرنا في صفات كل واحد منهم، لوجدنا انها من الدقة بلا زيادة او نقصان، وان صفات كل واحد منهم بحسب المسؤوليات التي انيطت به، والانجازات التي ينتظرها منه الناس، فالفقيه في المجتمع يراد منه ان يفتي الناس في شؤون دينهم ولذلك ينبغي ان يكون عالما ليجتهد في النظر بالامر قبل الافتاء، وورعا يخاف الله حتى لا يفتي كيفما ورد الامر على لسانه، ربما بما يفرق الامة او يسوقها الى الهلاك في الدنيا والنار في الاخرة.

اما الامير، الحاكم، فينبغي ان يكون خير وليس شرا، وان قمة الخير هو العدل، فماذا تنتفع الامة بالحاكم اذا لم يكن عادلا، فيميز بين الناس ويفرق في الاحكام وينتقي عند تطبيق القوانين، ويملا السجون والمعتقلات بالاحرار؟ ويبطش بالمعارضة؟ ويقمع الراي الاخر ويكمم الافواه؟.

اما الطبيب الذي يرتجى لعلاج المرضى، فينبغي ان يكون متميزا بعلم الابدان، وان يكون ثقة تطمئن اليه الناس فيراجعوه عند الحاجة للعلاج، ويسلموه صحتهم التي هي تاج على رؤوس الناس لا يراه الا المرضى، وحياتهم التي هي اغلى شئ عند الانسان، والا، فلو لم يكن الطبيب ثقة، هل سيراجعه احد عند اعتلاله؟.

هكذا اذن ينبغي ان ندقق في صفات اي مرشح لاي موقع او مسؤولية، لان لكل موقع صفات للمرشح تختلف عن الموقع الاخر، وان من ينفع من المرشحين لموقع ما قد لا ينفع لموقع آخر، فلقد ولى زمن (الطماطة) التي تنفع لكل القدور والاطباق.

ولاننا اليوم بصدد البحث عن مرشحين يتسنمون موقع المسؤولية تحت قبة البرلمان، مهمتهم الاولى هي التشريع، ولذلك ينبغي ان نبحث فيهم عن خصال تحتاجها المهمة تحديدا وليس اية خصال وان كانت عظيمة.

المهمة الثانية للنائب تحت قبة البرلمان، هي الرقابة، وتحديدا رقابة السلطة التنفيذية، ليثني عليها اذا نفذت القوانين بشكل سليم ويحاسبها اذا فشلت او قصرت في ذلك، ويعينها اذا احتاجت المساعدة برفدها بالقوانين التكميلية المساعدة.

هذه المهمة تحتاج الى حزمة اخرى من الصفات تؤهل النائب لادائها، تقف على راسها صفة الشجاعة، فلا يجبن امام زعيم القائمة او يضعف امام حزبه او يتردد امام كتلته البرلمانية، بل يجب ان يتميز بالشجاعة التي تؤهله لان يصدع بالحق ويواجه الباطل كلما استدعت المصلحة العليا ذلك.

ومن اجل ان يكون قادرا على ممارسة هذا الدور، فان على النائب ان يكون حاضرا في مواقع التنفيذ يراقب ويتابع، ثم ليستفسر ويسائل ويحاسب كلما شعر بتقصير في موقع من المواقع.

كما ان هذه المهمة تستدعي من النائب ان يكون نظيفا مستقيما ليتمكن من المراقبة والمحاسبة، والا فان المتورط بفساد، مهما كان صغيرا وحقيرا، لا يمكنه ان يمارس مثل هذا الدور ابدا، لان فاقد الشئ لا يعطيه، فالنائب الفاسد بحاجة الى من يراقبه ويحاسبه فكيف يقدر على مراقبة ومحاسبة غيره؟.

اما المهمة الثالثة للنائب، فتتمثل بحسن الاصغاء للناخبين والاطلاع عن كثب على مشاكلهم وآمالهم وتطلعاتهم، ليعرف كيف يتكلم تحت قبة البرلمان ليدافع عنهم او ينقل افكارهم، وليعرف كيف يصف، بتشديد الفاء، الاولويات في مشاريع القوانين، فعندما يعرف، مثلا، ان في دائرته الانتخابية ملايين العاطلين او انها تعاني من سوء التعليم او تفشي الامراض او اي شئ آخر، فسيبادر الى تقديم مقترح مشاريع من شانها ان تساهم في حل مثل هذه المشاكل، فيقدم مثل هذه المقترحات ويؤخر غيرها التي تبدو ثانوية، اما اذا كان جاهلا بمشاكل الناس، فيظن مثلا انهم ينعمون برفاهية ليس لها مثيل، فيتصور بان النواب فقط هم من يعانون من شغف العيش، فيبادر الى تقديم مشاريع قوانين تخص مرتباتهم وامتيازاتهم لهم ولعوائلهم، ويؤخر مشاريع القوانين التي تخص الناس مباشرة، وهكذا.

ومن اجل ان يتمكن النائب من الوقوف على حال الناس مباشرة، ينبغي عليه ان يكون قريبا منهم، يمر عليهم في ايام العطلة ويتفقد احوالهم في اوقات الفراغ، فبدلا من ان يقضي فراغه متنقلا بين عواصم العالم، عليه ان ينظم لنفسه برنامج زيارات ميدانية، يجلس فيها للناس مصغيا ومحاورا ومستمعا ومدونا، ليكون بالفعل، لا بالقول والادعاء الفارغ، صوتهم وضميرهم وممثلهم.

يجب عليه ان يذهب الى الناس، ولا ينتظر ان ياتي اليه الناس.

عليه ان يفتح مكاتبه بين الناس وللناس، في المدينة والقضاء والناحية والقرية والمحلة، في الجبال والسهول والوديان وبين الاحراش وفي الاهوار، فلا يكتفي بمكتبه العاجي في مبنى مجلس النواب، كما ان عليه ان يتواصل مع الناخبين بكل الوسائل كالندوات الشهرية مثلا والبريد الالكتروني والمندوبين وغير ذلك، فلا ينقطع او يغيب عنهم ولا يحتجب عنهم بحجاب شداد غلاظ ابدا.

كذلك عليه ان يستفيد من احدث الطرق العلمية لقراءة اتجاهات الراي العام، كالاستبيانات واستطلاعات الراي.

عليه ان يصغ دائما الى اصحاب الراي والفكر والقلم والرؤية، والى الخبرات واصحاب المهن، كما ان عليه ان يصغ الى الكبير والصغير، والى المراة والرجل، ومن كل الطبقات، فلا يكتفي بالاصغاء الى محازبيه فقط، وليكن شعاره (الحكمة ضالة النائب).

ان المشرع اهم انسان في الدولة، خاصة الدول ذات الانظمة الديمقراطية التي تولي للفكر والرؤية اهمية قصوى، وان خدمة المشرع لا تقاس بالسنين التي يقضيها تحت قبة البرلمان، وانما تقاس بما ينتج من افكار مشاريع تشريعات وقوانين، ولذلك ترى بعض المشرعين، هنا في الولايات المتحدة، يقضي عقودا مديدة وهو يتبوء مقعده في احد مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، اذ لا زال المشرع قادرا على انتاج الافكار فهو جدير بان يحافظ على مقعده تحت قبة البرلمان، بثقة الناخب.

ولاهمية المشرع، وحساسية مهمته، لذلك علينا ان نتحسس من اختياره بكل دقة وموضوعية، فناخذ بنظر الاعتبار قدرته على التفكير السليم ووضوح الرؤية وبعدها وشمولها.

انه الاهم في بناء الدولة العراقية الحديثة، فاذا صلح المشرع صلحت التشريعات، وبالتالي صلحت البلاد والعباد، والعكس هو الصحيح، فاذا فسد المشرع فسد كل شئ، وان مثله كمثل نبض الانسان، يجب ان يكون ثابتا ومستقرا لا يزيد عن الطبيعي ولا ينقص عنه، وكما نعرف، فان اي اضطراب في نبض الانسان سيصيبه بالاضطراب وعدم الاستقرار، وربما ينتهي به الى الموت، البطئ او السريع، لا فرق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آذار/2010 - 16/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م