هل تخلى اوباما عن مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط؟

ماذا بعد خطاب القاهرة من أطروحات الخطاب

 

شبكة النبأ: بدأ الرئيس أوباما عامه الأول في مؤسسة الرئاسة ببحث جاد عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي تستند إلى المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، واعتمدت رؤية أوباما للعلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على الإفادة من القواسم المشتركة ومساحات التوافق حول مبادئ العدالة والتقدم والتسامح والكرامة الإنسانية، وبدا الاختلاف بين خطاب أوباما وسابقه الرئيس جورج بوش الابن واضحًا، فلقد غابت مصطلحات الصراع والضغط ونشر الديمقراطية والثنائيات التقليدية (محوري الشر والخير) لتحل محلها في خطاب أوباما مفردات أخرى من قبيل الشراكة والتكامل والتصالح وتشجيع الديمقراطية.

بيد أن الممارسات الأمريكية لم تتغير باتجاه تفعيل رؤية أوباما لتدعيم العلاقات مع دول العالم الإسلامي بحيث بدأت تنحسر موجة التوقعات المتفائلة التي سادت قطاعات واسعة من شعوب العالم الإسلامي على أثر خطاب الرئيس أوباما للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة، فقد تعثرت المفاوضات حول القضية الفلسطينية وعجزت إدارة أوباما عن الضغط على حكومة نتنياهو لوقف الاستيطان، ناهيك عن تخفيض المساعدات الأمريكية لدعم الديمقراطية في الدول العربية ولاسيما المقدمة في إطار الشراكة مع منظمات المجتمع المدني الدفاعية تضع قضايا حقوق الإنسان السياسية على رأس قائمة أولوياتها.

و في هذا الإطار أصدر مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط Project on Middle East Democracy تقريرًا في يناير 2010 بعنوان " ماذا بعد خطاب القاهرة : من أطروحات الخطاب إلى الدعم النشط للكرامة الإنسانية "After Cairo: From the Vision of the Cairo Speech to Active Support for Human Dignity ويتضمن التوصيات التي تم التوافق عليها بين عدد كبير من الشباب المشاركين في المؤتمرات التي عقدها المشروع على مدار عام كامل في مصر والأردن ولبنان والتي قام أندرو ألبرتسون Andrew Albertson المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط بالتعاون مع باراك هوفمان Barak Hoffman وتقي نصيرات Tuqa Nusairat بتحريرها وإعادة صياغتها في نسختها النهائية، بحسب موقع تقرير واشنطن.

الشباب العربي وتدعيم الديمقراطية

تكمن أهمية التقرير الذي أعده مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط في استعراضه لرؤية المشاركين من قادة شباب الدول العربية للتغير الذي يجب أن يلحق بدور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط على مستوي الممارسة، لاسيما فيما يتعلق بأربعة مجالات رئيسة، هي: الديمقراطية والحريات الدينية وتمكين المرأة والتنمية البشرية، حيث خلص القائمون على إعداد التقرير إلى قناعة مفادها أن الشباب المشاركين في أنشطتهم على مختلف انتمائهم السياسية والدينية والإقليمية قد أجمعوا على ضرورة دعم الولايات المتحدة لعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في الدول العربية وأن التدخل الأمريكي في حد ذاته لا يعد مبدأً مفروضًا بشرط أن يكون من منطلق الشراكة ويراعي المصالح الأساسية للشعوب العربية .

واتفق الشباب المشاركون في مؤتمرات المشروع على أن تغيرًا إيجابيًّا قد طرأ على السياسة الأمريكية تجاه العالم الإسلامي مع انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة إلا أن السياسة التصالحية مع العالم الإسلامي لا تزال حبيسة خطابات أوباما ولم تترجم إلى رؤية واقعية أو مبادرات يتم تفعيلها لتعزيز الشراكة بين الجانبين .

وجاءت الديمقراطية في المرتبة الأولى من حيث الأهمية من منظور الشباب العربي، حيث كان قصور دور الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية في العالم الإسلامي موضع انتقاد واضح، بما يعني أن دعم الديمقراطية يعد أحد أهم آليات تحسين صورة الولايات المتحدة وتوطيد علاقتها بالشعوب الإسلامية، و تضمنت المناقشات مقترحات من قبيل وضع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان على أجندة الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي الذي يعقد سنويًّا والتواصل مع المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان وتقديم الدعم المادي إليها بقطع النظر عن مواقف النظم الحاكمة في دولهم.

كما دعا الشباب المشاركون إلى قيام الولايات المتحدة بدعم إصلاح الأطر القانونية المنظمة للمشاركة السياسية وحقوق الإنسان والمشاركة في دعم الأحزاب السياسية في الانتخابات المقبلة في مختلف الدول العربية لاسيما مصر من خلال مراقبة الممارسات غير التنافسية عن كثب والضغط على النظم الحاكمة لقبول رقابة دولية على الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة الرأي العام العالمي في يونيو 2009 في عدد من الدول الإسلامية قد كشف عن تأييد حوالي 63 % للرقابة الدولية على الانتخابات لضمان النزاهة وحيادية تنظيم الانتخابات، وأشار جُلُّ المشاركين إلى ضرورة أن تتواصل الولايات المتحدة مع كافة القوى السياسية بما فيها التيارات الإسلامية بحيادية ودون تحيز مسبق.

و انتقد المشاركون في الدول الثلاث اقتصار دعم الديمقراطية في العالم العربي على مبادرة الشرق الأوسط للشراكة (Middle East Partnership Initiative (MEPI ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل Bureau of Democracy, Human Rights and Labor التابعين لوزارة الخارجية الأمريكية لضعف دورهما في ترسيخ مبادئ الديمقراطية وافتقادهما لتمويل كافٍ للقيام بدور فعال، كما لم يلق إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية عن تدشين مؤسسة تحديات الألفية لتقديم الدعم لمؤسسات المجتمع المدني نظرًا لضعف التمويل الذي لا يتجاوز 5 مليون دولار، و أكد المشاركون على ضرورة الارتقاء بمستوى الاهتمام الأمريكي ببرامج التعليم المدني السياسية لاسيما في المناطق النائية والعشوائية لنشر ثقافة المشاركة على نطاق واسع.

حقوق الأقليات والمساواة المجتمعية

وفيما يتعلق بالحريات الدينية، فقد أجمع المشاركون على أهميتها لاسيما حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية مشيرين إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تغير من مقاربتها تجاه تلك القضية بحيث تنتقل من رصد وانتقاد انتهاكات حقوق الأقليات مثل حوادث العنف التي تثار بين الحين والآخر ضد المسحيين في مصر إلى مراقبة حرية الممارسات الدينية في إطار الدولة، ومراقبة مدى سيطرة النظم الحاكمة على المؤسسات الدينية وتقييدها للممارسات الدينية للأغلبية والأقلية على السواء منوهين إلى سيطرة الدولة على المؤسسات الدينية، ووضعها لقيود على دورها المجتمعي والديني .

كما طالب عدد كبير من المشاركين في مؤتمرات مشروع الديمقراطية المسئولين الأمريكيين بتعزيز فهمهم للإسلام وللتيارات السياسية ذات المرجعية الإسلامية ومراجعة الأنماط الجامدة الشائعة حول دور تلك التيارات السياسية في النظم السياسية مستدلين على إمكانية دمجها في نظام سياسي مدني بتجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا . وعلي مستوى آخر اقترح الشباب العربي رعاية واشنطن لحوار بين الأديان على المستوى الوطني في كل دولة ونشر ثقافة السلام المجتمعي من خلال تمويل برامج تدريبية تقوم منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية بتنفيذها.

وعلى مستو ى حقوق المرأة، فإن المشاركون قد أشاروا لضرورة تفعيل برامج التعليم المدني وتدريب السيدات لشغل المناصب العامة والمنافسة في الانتخابات البرلمانية، كما اقترح فريق آخر الانتقال من برامج التمكين الاقتصادي والمنح المالية الصغيرة لإقامة مشروعات إلى التمكين السياسي للمرأة ومشاركتها في صنع القرار على المستويين التشريعي والتنفيذي .

وعلى مستوى آخر فإن التنمية الإنسانية شغلت قدرًا كبيرًا من اهتمام الشباب العرب خلال المؤتمرات وهو ما يرتبط بما تضمنته دراسة البنك الدولي في عام 2003 من نتائج تشير إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتاج لخلق 100 مليون وظيفة على مدار 20 سنة لاستيعاب الزيادة المضطردة في قوة العمل، و كان على رأس الإشكاليات التي تطرق إليها الشباب التداعيات الاقتصادية السلبية للصراع العربي الإسرائيلي ومشكلة المياه في الشرق الأوسط وضرورة التوافق على آليات لمعالجة مشكلات اللاجئين العراقيين والفلسطينيين في الدول العربية، كما شدد المشاركون على ضرورة تفعيل دور الولايات المتحدة في مكافحة الفساد من خلال تصميم البرامج التدريبية ودعم التوصل لتشريعات قانونية محكمة، كما احتلت عدم المساواة في توزيع الدخل جانبًا كبيرًا من المناقشات واقترح المشاركون استبدال مصطلح التنمية الاقتصادية الذي يركز على مؤشرات كلية بمصطلح التنمية الإنسانية الذي ينطوي على ضرورة مراعاة الأبعاد الاجتماعية للتنمية .

الرأي العام العربي والشراكة مع الولايات المتحدة

ويطرح محررو التقرير تساؤلاً ختاميًا مفاده: هل تمثل آراء الشباب المشاركين في المؤتمر الرؤى السائدة في الدول العربية؟ وإلى أي مدى تتوافق آراء الشباب مع توجهات الرأي العام في الدول العربية؟ وفي هذا الصدد يشير التقرير إلى عدة استطلاعات رأي أجرتها عدد من المراكز البحثية الأمريكية في عام 2009 التي أكدت على أن حوالي 45 % ممن تم استطلاع آراؤهم في عدد من الدول الإسلامية يقيمون رؤية الرئيس أوباما للعالم الإسلامي بصورة إيجابية، كما تشير استطلاعات الرأي التي أجرها مركز بيو في إطار مشروع التوجهات العالمية إلى أن حوالي 42 % من اللبنانيين و46 % من المصريين واثقون من قدرة أوباما على تصحيح مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي.

وفي إطار الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة جالوب في مصر والمغرب والسعودية والإمارات فإن حوالي 86 % ممن تم استطلاع رأيهم يرون أن الديمقراطية هي الصيغة المثلى لنظم الحكم ويرى حوالي 90 % أن التحول الديمقراطي سوف يحقق مصالح حيوية لدولهم، وفي السياق ذاته أكد حوالي 63 % ممن تم استطلاع آراؤهم على أن الإسلام والديمقراطية متكاملان، في مقابل رفض حوالي 23 % لتلك المقولة .

وكان تقييم الرأي العام العربي للدور الأمريكي في دعم الديمقراطية سلبيًّا للغاية متأثرين على ما يبدو بخبرة احتلال العراق وتصادم الولايات المتحدة مع حركة حماس عقب فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، حيث أشار حوالي 65 % ممن شملهم استطلاعات مؤسسة جالوب في الدول سالفة الذكر إلى أن الديمقراطية لا تمثل إحدى أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ورأى حوالي 78% أن الولايات المتحدة ليست جادة فيما يتعلق بتأسيس الديمقراطية في الشرق الأوسط وفيما يتعلق بالإرهاب فإن حوالي 83 % قد أكدوا على أن قتل المدنيين لا يمكن تبريره بأي حال .

ويتفق الرأي العام في الدول الإسلامية مع الرأي العام الأمريكي في الدور الحيوي للدين في الحياة العامة، حيث أشار حوالي 88 % ممن شملتهم استطلاعات أجرتها مؤسسة بيو في 12 دولة ذات أغلبية مسلمة إلى أن الدين يعتبر ركنًا أساسيًّا في حياتهم اليومية، وهو موقف يتبناه حوالي 68 % من الأمريكيين، ويرى حوالي 77 % ممن شملتهم استطلاعات الرأي في الدول الإسلامية أن الشريعة يجب أن تكون مصدرًا للتشريع وهي الرؤية ذاتها التي يتبناها حوالي 56 % ممن شملهم استطلاع الرأي في الولايات المتحدة حول العلاقة بين الإنجيل والتشريع، و اتفق قطاع عريض من المبحوثين في الدول الإسلامية ( 53 %) مع غالبية الجمهور الأمريكي (65%) في رفض قيام السلطات الدينية بأي دور في عملية التشريع السياسي .

وفيما يتعلق بحقوق المرأة فلقد طالب حوالي 77 % من المبحوثين في عدد من الدول الإسلامية ممن شملهم استطلاع أجرته مؤسسة الرأي العام العالمي بضرورة قيام الدولة بالتصدي لأي محاولات للتفرقة بين المواطنين على أساس النوع، ورأي حوالي 86 % ضرورة تمتع السيدات بالحقوق السياسية ولاسيما حق التصويت في الانتخابات .

وتظل التنمية الاقتصادية المعضلة التي تعرقل تقدم المجتمعات العربية وعملية التحول الديمقراطي، حيث لم تتجاوز نسبة الرضاء عن الأداء الاقتصادي للحكومات في حوالي 19 دولة مسلمة حوالي 41 %، وإذا ما تم استبعاد دول مجلس التعاون الخليجي فإن نسبة الرضاء لا تتجاوز 33 %، بما يعني أن التعاون الاقتصادي قد يكون المدخل الملائم لتوطيد العلاقات بين الولايات المتحدة، والعالم الإسلامي بشرط أن تتم صياغة برامج للشراكة تراعي خصوصية الاقتصاد الوطني في كل دولة وتراعي التنمية الإنسانية أكثر من اهتمامها بمؤشرات النمو الاقتصادي الكلية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/آذار/2010 - 15/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م