السياسيون وضرورة العمل بمبدأ بسط العدل وضبط النفس

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يعتبر العدل ونشره بين عموم الناس صمام الامام الذي يحفظ للقادة مناصبهم ومصالحهم المشروعة بالاضافة الى المنزلة الكبيرة التي تُكنّ لهم من قبل عموم شرائح المجتمع، ناهيك عن راحة النفس والضمير التي يشعر بها القائد الذي يتعامل مع الناس بالعدل والرحمة والمساواة.

فالعدل لا تعني لفظة مجردة تُقال أيام الانتخابات وتُنشر في الحملات الاعلامية لهذا السياسي او ذاك، وإنما العدل هو مبدأ حياة دائم ينظم علاقة القائد السياسي مع الشعب ويحفظ له مكانته وسمعته بينهم، إستنادا الى العمل بهذا المبدأ وليس القول المجرد به.

 ولعل الوقائع وما يحدث على الارض هي عوامل الاثبات الواضحة التي تدل على عدالة القائد من عدمها، ولا يحتاج المراقبون ولا الناس عموما الى عناء كبير لكي يعرفوا بأن القائد يتعامل معهم وفقا لهذا المبدأ أم أنه يتجمل به عند الحاجة سواء عندما تحين الانتخابات او غيرها من الظروف والحالات التي تتطلب مؤازرة الشعب لقائدهم فيما لو كان يستحق هذه المؤازرة فعلا من خلال عدله وإنصافه لهم جميعا سواء ما يخص الجوانب العملية او المعنوية التي هم بأمس الحاجة إليها.

ويقول الباحثون المختصون إن العدل يشيع نوعا من التوازن بين الناس بمحتلف مراتبهم، بل يشيع التوازن والهدوء والاستقرار حتى في الجسد الواحد، وقد قال سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه القيّم (حلية الصالحين) في هذا الصدد:

(إنّ العدل قائم في الأُمور التكوينية كلّها، ففي الحديث: بالعدل قامت السماوات والأرض -5. فهذه الشمس الهائلة والأرض والنجوم والوجود كلّه يجري بتمام العدل، فلا إفراط ولا تفريط ولو بمقدار أنملة واحدة، وهكذا الأمر لو نظرنا الى أبداننا نجد ملايين الخلايا كلّها تسير بالعدل. ومعروف في الطبّ القديم والحديث أنّ الإنسان إذا كان متوازن المزاج لا يمرض؛ لمتانة القوّة الدفاعية فيه، وعدم المقتضي لإصابته بمرض).

فإذا كان للعدل هذا التأثير الكبير من التوازن في منظومة الكون وحركته الدقيقة الأزلية ؟ فكيف يكون تأثيره في تعاملات الانسان مع الانسان، سواء علاقة الافراد مع بعضهم او الجماعات مع بعضها ؟ وسواء علاقة الأعلى بالأدنى وبالعكس ؟، وإذا دققنا بتأثير العدل حتى على مستوى الجسد المستقل بذاته كما أشار سماحة المرجع الشيرازي، فما هي حدود تأثير العدل في العلاقة بين القائد وشعبه وبالعكس؟.

إنها لاشك ستكون كبيرة جدا، وكما قلنا أن الوقائع ستبيّن للجميع نتائج التعامل بالعدل من لدن السياسي مع المرؤوسين، ولعل العلاقة ستكون تصاعدية في السلب والايجاب، بمعنى كلما كان مبدأ العدل والتوازن حاضرا في هذا التعامل كلما كانت علاقة الشعب بقائدها متوازنة وقابلة للنمو والتطور لصالح الطرفين ويحدث العكس تماما في حالة الخلل بهذا المبدأ، وكأن الأمر قانون لا يقبل الخطأ كما في القوانين العلمية، فيكون العدل طريقا واضحا وممهدا لرسوخ العلاقة الجيدة والمتوازنة بين من يتخذون من العدل أساسا للتعامل المتبادل بينهما، والسبب أن اإرادة الإلهية هي التي أعطت للعدل هذه القدرة الكبيرة في موازنة الامور، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه:

(إن الله سبحانه وتعالى قد سنّ العدل في الأمور التكوينية والتشريعية على حدّ سواء، وما من شيء قد قام في السماوات والأرضين إلاّ بعدل بارئه سبحانه وتعالى).

لذا على الانسان سواء كان قائدا سياسيا او مديرا لمؤسسة انتاجية او اعلامية او فكرية او حتى ربا لعائلة وغيرها، أن يتخذ من العدل سبيلا الى ترسيخ منزلته عند من يعمل معهم، ويقودنا هذا الحديث الى الانتخابات النيابية القادمة في العراق، إذ على السياسيين أن يفهموا قانون العدل الإلهي بدقة لكي ينجحوا في الوصول الى عقول وقلوب الناس، وكلما كان العدل ديدنهم كلما كان النجاح مضمونا لهم، وثمة مبدأ آخر يؤكد عليه سماحة المرجع الشيرازي ينبغي أن يكون رديفا الى العدل ألا وهو مبدأ كظم الغيظ إذ يقول سماحته في هذا المجال:

(من مفردات حلية الصالحين وزينة المتّقين أيضاً كظم الغيظ، ففي النفس شهوات لها ألسنة من لهب تستعر نيرانها بمجرّد أن تثار بأدنى إثارة. فلو قال شخص لغير المتّقي كلمات وظنّها لا تناسبه فإنّ أثر الغيظ وألسنة نار الغضب تظهر على وجهه ولسانه وتصرّفاته، أمّا المتّقي فيستر غيظه ويكظمه بلباس التقوى).

وبهذا فإن العدل وضبط النفس صفتان متآزرتان لبعضهما، ومن الاهمية بمكان حضورهما في شخصية الانسان لاسيما القادة منهم، سواء كانوا سياسيين او غيرهم، ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه على ضرورة سيطرة الانسان على منقاليد نفسه فيقول:

(لنعلم أنّ من لا يكظم غيظه تتحطّم أعصابه ويسوء خلقه أكثر من غيره ممّن يكظم غيظه، فيخسر بذلك ثواب الدنيا والآخرة، أمّا كظم الغيظ ففيه ربح الدنيا والآخرة وهو أمر ممكن وإن كان لا يخلو من صعوبة).

من هنا نفهم أن ثمة ترابطا بين العدل والقدرة على ضبط النفس والتعامل مع الآخرين وفقا لمعايير المنفعة المتبادلة، وهكذا يكون مطلوبا من الساسة المرشحين الى الدورة النيابية القادمة معرفة قيمة مبدأ العدل مقرونا بمبدأ كظم الغيظ في التعامل مع الملأ لتحقيق المنفعة التي ستحفظ لهم مكانتهم في عقول الناس وقلوبهم معا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/شباط/2010 - 12/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م