عقدة المدح والدونية لدى الشعراء والمثقفين

علاء الخطيب

في ندوَّة جمعتني مع المثقف الجميل الاستاذ محمد عبد الجبار الشبُّوط عبر دائرة تلفزيونية مغلقة دار الحديث فيها عن الثقافة و المثقف ودوره في الحياة العامة فقال الاستاذ الشبوط الذي أحترم آراءه كثيرا ً (أن الثقافة هي المشكلة وهي الحل).

 وانا أتفق مع الشبوط في الجزء الثاني – أي الثقافة هي الحل- وتراني أختلف معة في الجزء الأول فليست الثقافة هي المشكلة بل المثقف هو المشكلة وهو الحل, وهو الحلقة الأخطر في صناعة النفاق فاذا كان بعض رجال الدين وعاظا ً للسلاطين فأن الكثير من المثقفين أبواقاً ووعاظا ً للسياسين، خصوصا ً فيما يتعلق بصناعة حكَّام الغلبة والاستبداد والدكتاتوريات, حينما يُسخِّرون الثقافة الى حالة نفاقية مجة ومقرفة، تصنع أو تساعد على صناعة الطغاة.

 ولعل الشاعر نزار قباني وفي غفلة منه أو عن قصد!! يجسد جزء من هذه الحالة، حينما يقول للدكتاتور صدام: (لقد جئت إلى بغداد مكسورا، فإذا بصدام يلصق أجزائي،وجئت كافرا بممارسات العرب وإذا بصدام يردّ إليّ إيماني ويشدّ أعصابي....وهكذا أعود من بغداد وأنا ممتلىء بالشمس والعافية...فشكرا لصدام الذي قطّر في عيني اللون الأخضر)، وربما كان نزار يلمح في قوله الى (الذي قطّر في جيبي الدولار الأخضر), مع تقديري وإحترامي للشاعر الكبير قباني رحمه الله.

 ونزار واحد من المثقفين العرب الذين يعلمون حجم الاستبداد الذي يعاني منه العراقيون آنذاك. ولصدق قولي أن نزار كان يعني باللون الاخضر لون الدولار، قصيدته التي يهجو بها صدام ومعاركه العبثية وإدعائته الدونكيشوتية وإنتصاراته الوهمية التي عبرت بدماء العراقيين الى الفراغ, حينما يقول:

 مضحكة مبكية معركة الخليج

فلا النصال انكسرت على النصال

ولا الرجال نازلوا الرجال

ولا رأينا مرة آشور بانيبال

فكل ما تبقى لمتحف التاريخ

أهرام من النعال!

 فالشائع أن البسطاء والفقراء هم من يصنعون الطغاة ولكن في الحقيقة لم يكونوا إلا وسيلة يسخرها الطغاة بآلة المثقف، إن كثير من الناس الذين نعايشهم ربما هم مشاريع لطغاة ومستبدين ولكنهم لم ينالوا الفرصة ولم يجدوا مثقفا ً يعينهم على هذا الغرض أو ان البيئة غيرصالحة لنمو الاستبداد. ولكن تختلف البيئات عن بعضها البعض في خصوبتها، فعلى ما يبدو ان العراق هو البيئة الأخصب لصناعة الدكتاتوريات والمستبدين. ففي رسالة وصلتني ونحن نعيش حمى الحملات الانتخابية، ترشدني هذه الرسالة الى موقع أنصار الاستاذ البولاني الذي أكن له كل الاحترام والتقدير والمحبة،فقمت بتصفح الموقع وقد دهشتني أغنية تمجد بالسيد البولاني وتدعو لانتخابه وهو شئ طبيعي في مرحلة كهذه, خصوصا ً إذا ما علمنا أن هذه ممارسات (أي أغاني التمجيد في المرشحين) متبعة في الانتخابات المصرية حيث يقوم بعض الملحنين والشعراء والمغنيين الجالسين على باب الله حينما يحين موسم العمل بمجئ الانتخابات فيصنعون مثل هذه الاغاني. لكن الشئ الغريب الذي لفت إنتباهي في أغنية السيد البولاني هو كلماتها الركيكة وطريقة عرضها الأرك، فهي تقول:

ما أكلك شتنتخب... ولا تنتخب آني

مادام حتى الشمس رشحت البولاني

ومادام حتى الكمر وحتى الشجر والبحر

والشبع ضيم وقهر.. رشح البولاني

 هذه المبالغة التي تمجِّد بالسيد البولاني وتصل به الى صفة قد لا يرتضيها هو بالذات حينما يقول (والشبع ضيم وقهر... رشح البولاني) اسأل الشاعر ورئيس تحرير الموقع وليجيباني بصراحة، متى أجريت الانتخابات حتى رشَّح(الشابع قهر) السيد البولاني؟ وهل البولاني صاحب الفتوحات الأمنية ؟أم أنه تمكن من تقليل عدد الايام الدامية في العراق وهل هذا الشابع ضيم وقهر حاصل على الخدمات والكهرباء وينعم بالامن والاستقرار, والسكن سواء من السيد البولاني أم من غيره حتى تصل بالوصف الى هذه المبالغة التي تذهب بالسامع الى مديات وخلفيات يسعى الجميع ويحاول ان يعتبرها جزأً من الماضي وينساها, وهي أيام القائد الضرورة، وفي مقطع آخر يقول الشاعر:

 باجر نشوف الفرح ببيوتنا يغني

 ومحد يجي ويسئلك شيعي أنت لو سني

ومنشوف دم وقتل ولا انشوف دمعة طفل

 محد يلم الشمل غيرك يبولاني

 وللمزيد اليكم رابط الموقع:

http://al-bolani.com/index.php

 الشاعر يتمنى واشاركه في التمني أن لا نرى دمعة طفل أو نرى دم وقتل. ولكنه يرجع مرة أخرى الى التملق الرخيص و يجيد في صناعة المستبد حينما يقول (محد يلم الشمل غيرك يبولاني)، أقول لهذا الشاعر أن السيد البولاني هو قائد عراقي غيور على وطنه يشارك إخوته في بناء الوطن وليس الوحيد و أن مشكلة العراق لا تختزل في شخص ولا يحلها شخص,فرويدك.. رويدك ايها الشاعر ويا صاحب الموقع نهنهوا عن غرامكم واتخذوا الوطن شعاراً بدلا ً من الأشخاص وأنا لا أعنيك او أعني الشاعر شخصيا ً بل أدعو جميع الكتاب أن يتحلوا بالعقلانية.

ومن المعيب على مَنْ يؤمن بالعملية الديمقراطية أن يمجد أشخاص، ولعلني أعترض ايضا ً على تسمية الموقع بأنصار البولاني كذلك فلو كانت الكتابة الصغيرة المركونة في الزاوية اليسرى وهي انصار وحدة العراق هي العنوان لكان أفضل، ولو كانت صور البولاني أقل أو يشاركه شخصيات من إئتلافه في ذلك الموقع لكان أجمل، وللحق أقول ان ظاهرة عبادة الشخصية وصنع الدكتاتور أصبحت منتشرة في الآونة الاخيرة والمتابع لوسائل الاعلام التابعة للشخصيات السياسية العراقية يتحسس ذلك ويستعشره وأن عودة الاغاني التي تمجد بالاشخاص هي الاخرى آخذة ٌ بالاتساع، والذي يساعد على هذه الظاهرة هم طابور الجياع من المثقفين والشعراء والفنانين.

ان كل من يشارك أو يساعد على إبعاد الناس عن حقوقهم الطبيعية ومساواتهم مع الاخرين بما يضمن لهم كرامة العيش فهو يساهم بصناعة الدمار والطغيان في بلده مهما كانت درجة ذلك الانسان، وأن من يستخدم الثقافة ويسخرها في هذه الصناعة فهو يشارك في القتل المستقبلي، فعلى المثقف أن يكون الحل وليس المشكلة.

فليست المشكلة بالدكتاتور بل المشكلة بالناس والمثقفين الذين يصنعون الدكتاتور. وأعتقد أن مثل هذه الحالات - عقدة المدح والدونية لدى الشعراء والمثقفين – هي حالات إنفصام بالشخصية التي تحول الهزائم الى إنتصارات ومعاناة الناس الى ومناشداتهم للتخلص من الفقر والجوع والاهمال الى هتافات تدعو الى المسؤول أو الرئيس بطول العمر والتوفيق، وان حديث الناس هو تسبيح وتهليل في حمد المسؤول وتفضله.

 نعم نحن من ندعو الحاكم الى أن يحبس الشمس في قارورة ونقدم له موتنا المجاني ليعبر بدمائنا بعبثيته الى الفراغ، ولي أن أتسائل من كل المثقفين والكتاب واصحاب القلم كما تسائل نزار قباني!!

هل النظام في الأساس قاتل؟

أم نحن مسؤولون

عن صناعة النظام ؟

إن رضى الكاتب أن يكون مرة.. دجاجة

تعاشر الديوك أو تبيض أو تنام

فاقرأ على الكتابة السلام!!

***

للأدباء عندنا نقابة رسمية

تشبه في شكلها

نقابة الأغنام

***

ثم ملوك أكلوا نساءهم

في سالف الأيام

لكنما الملوك في بلادنا

تعودوا أن يأكلوا الأقلام

***

مات ابن خلدون الذي نعرفه

وأصبح التاريخ في أعماقنا

إشارة استفهام!!

***

هم يقطعون النخل في بلادنا

ليزرعوا مكانه

للسيد الرئيس غابات من الأصنام

***

لم يطلب الخالق من عباده

أن ينحتوا له

مليون تمثالٍ من الرخام

* كاتب وإعلامي

Alkhatib_66@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/شباط/2010 - 8/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م