دور المؤسسات في بناء المجتمعات

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يعزو كثير من المراقبين نجاح المجتمعات الغربية الى دور المؤسسات الناشطة في مجالات الحياة المتعددة لاسيما الخيرية منها وتدخلها المباشر في نشر الوعي لدى طبقات المجتمع المختلفة، ناهيك عن دورها في الدعم المادي الذي تقدمه للشرائح المعوزة كالأيتام والفقراء وما شابه.

وقد ركز علماؤنا على الدور الكبير لمثل هذه المؤسسات وقدرتها على انتشال المجتمعات الاسلامية من واقعها المتردي سواء في المجال الاقتصادي او التعليمي او الثقافي او غيرها من المجالات، كذلك ثمة حاجة متزايدة لمثل هذه المؤسسات التي تأخذ على عاتقها مسؤولية نشر الوعي الفكري والثقافي والديني والسياسي بين صفوف الناس من كل المستويات لغرض الارتقاء بالمجتمع الى المعاصرة القائمة على التوازن والإلتزام.

وتشير الوقائع الى أن البلدان التي تنتشر بين مجتمعاتها مثل هذه المؤسسات تكون اكثر استجابة من غيرها لحاجات التطور والمعرفة في المجالات المختلفة، ويذكر المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم (عاشوراء والقرآن المهجور):

(إن في أمريكا وحدها، مليوناً ومائتين وخمسين ألفاً من المؤسّسات الاجتماعية والسياسية وغيرها، باسم مختلف الجمعيات، والهيئات، والأحزاب، والمنظمات، وغير ذلك، وهي تعمل جميعاً وعلى كل الأصعدة، وفي جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية لحل مشاكلهم وتطور بلادهم).

وكلما كانت هذه المؤسسات متنوعة وتشمل أكثر قدر ممكن من الشرائح والفئات العمرية المتعددة كلما كانت النتائج الايجابية في تطور المجتمع أكثر وضوحا.

لذلك يحث الامام الشيرازي (رحمه الله) المسلمين على أهمية هذه المؤسسات ودورها في معاونة الناس على تحقيق السلوك القويم سواء في الاعمال او الاقوال، ولعل الاوضاع السيئة التي يعيشها المسلمون تدفع العلماء الى ايجاد السبل القادرة على معالجة هذه الاوضاع او غيرها، ومن بين المعالجات في هذا المجال وجوب أهمية المؤسسات الخيرية، إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه حول هذا الموضوع:

(من المواضيع المهمة التي يجب على المسلمين الانتباه إليه، والاهتمام به: هو متابعة الوضع المأساوي للمسلمين في كل العالم، ودراسة مأساتهم المدمرة، والمطالبة بحقهم في كل المنظمات والمؤسسات الحقوقية، وإبلاغ مظلوميتهم إلى سمع الأحرار من الناس، وصوتهم إلى آذان كل من له وجدان وضمير. وهذا بحاجة إلى تأسيس منظمات ومؤسسات، وأحزاب وتجمعات حقوقية، وجمعيات خيرية نشطة، تعمل على نطاق واسع، وبشكل مكثّف، وبصورة متواصلة، وعلى كل الأصعدة، لتستطيع من إيصال مظلومية المسلمين في كل المجالات).

إذن فدور مثل هذه المؤسسات لا يقتصر على الحضور الفاعل في المجتمعات الاسلامية فحسب كما أن نشاطها ينبغي أن لا ينحصر فقط داخل هذه المجتمعات بل ينبغي يتعدى هذا النشاط حدود المسلمين الى المجتمعات الاخرى في العالم ومنها المجتمعات الغربية على سبيل المثال، حيث يكون المسلمين بأمس الحاجة الى الدعم المعنوي والمادي، ناهيك عن عمليات التحصين التي يجب أن يحصل عليها المسلمون الذين يعيشون في أجواء غير إسلامية وهنا يتضاعف دور هذه المؤسسات لكي يتفادى هؤلاء خطر الثوبان في الثقافات الاجنبية وينسون هويتهم الاسلامية التي تميزهم عن غيرهم وتحفظهم من الانخراط في مهاوي الرذيلة والمعاصي التي قد تودي بهم الى المهالك في أغلب الأحيان.

وهكذا نتفق أن ثمة دورين لهذه المؤسسات، دور داخلي وآخر خارجي، كما أننا على معرفة تامة بأهمية دورها في تطوير المجتمعات الاسلامية وحفظ حقوقها، لذلك يؤكد الامام الشيرازي (رحمه الله) على أن هذه المؤسسات:

(أمر لابد منه في البلاد الإسلامية، فان المسلمين الأوائل كانوا هم أساس هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية، وعلى المسلمين اليوم جميعاً الاهتمام به، وتأسيس كل هذه المؤسسات والجمعيات، واستعادتها في حياتهم، ليحلوا بها مشاكل المسلمين، ويقدموا لهم الخدمات الانسانية اللائقة بهم).

وطالما أننا نتفق على قدرة هذه المؤسسات في تطوير المجتمعات وزيادة وعيهم في المجالات الفكرية والعملية، فإننا مطالبون بتفعيل دورها أكثر والعمل على تأسيس المؤسسات الخيرية الجديدة إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه:

(لابد من جمعيات خيرية ومؤسسات إصلاحية، في كل ثغر ومكان، وفي كل مدينة وقرية، والتنسيق فيما بينهم، والعمل على هدف واحد، ووتيرة واحدة، حتى يستطيعوا من إنجاز بعض مهامهم الإنسانية العظيمة).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/شباط/2010 - 8/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م