رأس المال الفكري

د. محمود أبو الوفا

(1) مدخل الى التقدم

يذكر ان صاحب مصطلح " رأس المال الفكرى" هو رالف ستير مدير شركة جونسون فيلي للأطعمة حيث قال: " في السابق كانت المصادر الطبيعية أهم مكونات الثروة الوطنية وأهم الموجودات، بعد ذلك أصبح رأس المال متمثلاً في النقد والموجودات الثابتة هما أهم مكونات المنظمات والمجتمع، أما الآن فقد حل محل المصادر الطبيعية والنقد والموجودات الثابتة رأس المال الفكري الذي يعد أهم مكونات الثروة الوطنية وأغلى موجودات الامم".

 ويقصد برأس المال الفكرى تلك الفئة من البشر التى تمتلك الخبرة والمعرفة والقدرة الإبداعية والمواهب الفطرية التى تمكنها من دفع عجلة التقدم على المستوى القومى، إن رأس المال الحقيقي الذي تملكه الامم هو " رأس المال الفكري" وما تتميز به امة عن اخرى هو القدر الذى تستطيع به تحويل رأس المال الفكري إلى قيمة من خلال ما تحدثه من الاختراعات والابتكارات فى شتى المجالات، ومما لاشك فيه ان قيمة رأس المال الفكري استثمار له عائد على المدى الطويل، ولكي يتحقق هذا العائد يجب أن تكون هناك تكاليف تتحملها الامة نظير حصولها على هذا العائد لاحقا، لذلك يجب ان تبذل من أجله كل الطاقات في سبيل الحصول عليه، ولكن يبدو ان واقع الحال مختلف تماما، حيث لايدرك كثير من القائمين على الامور ان أي فكرة أو معرفة لا تصبح ذات قيمة أو فائدة ما لم يتم تطبيقها ووضعها موضع التنفيذ.

 لقد كان مفهوم رأس المال الفكرى – ومازال- فى اذهان من نادوا به او من عملوا على تنظيرة ينسحب فقط على منظمات الاعمال من الشركات والمؤسسات والهيئات ولكننى اعتقد ان هذا المفهوم جدير بالتطبيق على الامم والدول، وخاصة بالدول التى فى طور التقدم او التى تخلفت عنه.

ان نقطة الانطلاق الاولى لرأس المال الفكرى على مستوى الدول لابد ان تنبع من الاقتناع بانه الاساس فى النهضة والتنمية، ومدى هذا الاقتناع لابد ان يكون باتساع يشمل القمة والقاعدة على حد سواء، ويقصد بالقمة النخب سواء اكانت الحاكمة ام المثقفة، ويقصد بالقاعدة جميع الافراد فى سوق العمل، وبرأيي ان البداية يجب ان تكون باتجاهين متوازيين: الاول يتمثل فى النشأ بكافة المستويات التعليمية، اما الثانى فيتمثل فى كافة المفردات المكونة لسوق العمل.

وبالطبع لن يكون كل هؤلاء من المبدعين، فليس من المتصور ان يكون هناك مجتمع بالكامل من المفكرين او المخترعين، لكن افراز مبدعين ومفكرين سيكون بالامر الهين ان توافرت البيئة الملائمة والتى تعنى فى المقام الاول اتجاه المجتمع بكافة طبقاته الى المعرفة كوسيلة للتميز وتجاوز الكبوة الحضارية التى يمر بها، والتى من ابراز دلائلها " الاستهلاك لا الانتاج – الاستيراد لا التصدير "، ان اتخاذ المعرفة طريقا لتجاوز الكبوة الحضارية، وارتياد ركب التقدم لابد ان يكون على ثلاث محاور:

 المحور الأولى يشمل الاهتمام بتوفير التعليم كعامل من عوامل اكتساب وتطوير التكنولوجيا، المحور الثاني يتركز على ربط متطلبات سوق العمل بنوعية التعليم من حيث الكم والتخصصية، المحور الثالث يتمثل فى حق كل فرد بالمجتمع فى الحصول على التعليم الكافى الذى يجعل منه قيمة انسانية قادرة على توجيه سلوكه للتكيف مع نفسه ومع مجتمعه، لكن حتى لو استطعنا الوصول الى صياغة جيدة لتلك البيئة التى نصفها بالملائمة الا ان هناك عقبات كثيرة ستقف حائلا بيننا وبين ما نصبو اليه، اهم تلك العقبات عدم وجود منظومة اصطلاحية تعمل جنبا الى جنب مع المنظومة التعليمية، ونقصد بالاصلاحية تكييف النظم واللوائح والتعليمات لتتماشى فى نفس الخط، حيث يمثل الكثير منها حجر عثرة امام التقدم والتنمية، وخاصة فيما يتعلق باسلوب عمل الجهات الرقابية المختلفة، والتى لاتعى الدور المنوط بها، يواكب ذلك اسلوب الاختيار لاصحاب القرار فى الوظائف القيادية العليا وما يمكن ان تحدثه هذه القيادات من تغيير وتقدم ان كانوا من المبدعين والموهبين فى الادارة، او ما يحدثوه من تأخر وتخلف ان كانوا من اصحاب الاقلام المرتعشة التى تخشى اتخاذ او التوقيع على اى قرار خوفا من ان يقترفوا اخطاء بحق اللوائح او التعليمات.

 ان فكرة رأس المال الفكرى تحتاج لكثير من التأمل حيث تتشابك فيها الكثير من المحددات والمعطيات وتتعلق بكثير من القناعات فى اذهان المجتمع بكافة مستوياته، لكنها فكره تحتاج منا وقفة جادة مع انفسنا كأمة تريد ان تنهض من كبوتها الحضارية.

2- الفقر الابداعي والفقر المعرفي

ان المكون الاول لثروات الامم والذى تقوم عليه نهضتها، رأسمالها الفكرى المكون من مجموعة من المبدعين فى شتى المجالات، وعلى ذلك فأن الامم التى اهتمت بهذا العنصر استطاعت ان تأخذ باسباب التقدم، لكن دائما كان هناك سدا منيعا يقف حائلا بين استغلال رأس المال الفكرى لدى الامم يمكننا ان نطلق عليه " الفقر الابداعى " ويتمثل فى عدم وجود طاقات إبداعية بالمجتمع يمكن ان تبتكر او تخترع او تحدث نظريات جديدة تؤدى الى تقدم العلوم او الاداب وبالتالى الى تقدم الامة، وظاهرة الفقر الابداعى يمكن ان نتأملها على مدار التاريخ بامتداد الحضارات المختلفة، بدءً من الحضارة الفرعونية مرورا بالحضارة اليونانية والفينيقية والاشورية والفارسية والصينية والرومانية والاسلامية ثم عصر النهضة الحديثة، فغالبا ما كان الفقر الابداعى يصاحبه – بل احد اسبابه – الفقر المعرفى، والذى يتمثل فى نقص او تشوه المعارف لدى الامة فيما يخص العلوم المختلفة، وظاهرة الفقر المعرفى تبدأ تتنامى فى فترات ضعف وتراخى الامم على المستوى الفردى والجماعى، وقد تمتد باتجاه جيل او جيلين او اكثر، حتى تنطفئ شعلة الابداع رويداً رويداً، و تغرق الامة فى ظلام الفقر المعرفى الشبه تام ويمتد فى الاجيال التالية ضاربا بجذوره بامتداد تاريخا طويلا، ويصاحب الفقر المعرفى جميع انواع الفقر الاخرى - اقتصادية واجتماعية وصحية ودينية وسياسية – ونتيجة لذلك كله تصاب الامة بالفقر الابداعى التام.

ومما يجدر ذكره ان مصطلح ادارة المعرفة ظهر على يد كارل ويج وذلك في ندوة لمنظمة العمل الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عام 1986م، ولا يعنى ذلك ان ادارة المعرفة موضوع جديد، بل انه مفهوم قديم، حيث ان ممارسة إدارة المعرفة من الامور المتداولة على مر العصور، وادارة المعرفة هى مجموعة من الاجراءات التي تساعد فى الحصول على المعرفة واختيارها و تنظيمها واستخدامها ونشرها، وتحويل المعلومات والخبرات والمهارات التي يمتلكها الافراد الى منظومة جماعية تمثل الامة، حيث تكون الاساس الذى يبنى عليه الابداع الفردى والجماعى اللازم لصنع التقدم فى شتى مجالات الحياة.

 وتنقسم المعرفة الى قسمين احدهما المعرفة الضمنية والاخرى المعرفة الظاهرية، وفى حين تهتم المعرفة الضمنية بالمهارات والتي هي مرتكزة في عقل وقلب الشخص، وهى معارف يصعب اكسابها أو تحويلها للآخرين، كما انه يصعب وضع المعرفة الضمنية في كلمات منطوقة وهناك مقولة معروفة: " أننا نعرف أكثر مما يمكننا أن نقول"، و تتعلق المعرفة الضمنية بالمهارات والخبرات الفنية والادراكية، اما المعارف الظاهرية فتتعلق بما هو مدون فى الكتب او فى القصص المتوارث وغالبا ما يتمكن غالبية الأفراد من الاطلاع عليها او سماعها أو استخدامها، وتمثل القيم والصور الذهنية والحدس والاستعارات ونفاذ البصيرة جانبا مهما من جوانب المعرفة التي ينبغي الاعتناء والاهتمام بها لأنها تشكل جزءا مهما من الابداع، وفى مجال المعرفة يمكننا ان نفرق بين: نظرية المعرفة وعلم المعرفة، فنظرية المعرفة تتناول عملية تكون المعرفة الإنسانية من حيث الطبيعة والقيمة والحدود والعلاقة بالواقع، وعلى ذلك فانها تركز على الاتجاهات الاختبارية والعقلانية والمادية والمثالية.

 اما علم المعرفة ويطلق عليه " الإبستيمولوجية " وهو مصطلح إغريقي يتألف من كلمتين: epistemo وتعني المعرفة و logos وتعني علم، ويعني عند البعض " علم المعرفة أو علم العلم "، كما يعنى عند البعض: الدراسة النقدية للمعرفة العلمية، والإبستيمولوجية عملت على تحديد الأسس التي يرتكز عليها العلم، والخطوات التي يتكون منها، وكذلك نقد العلوم والعودة إلى مبادئه الاساسية، وقد حض على ذلك التقدم العلمى السريع والمتنامى، وظهور مبدأ التخصص كاساسا ثابتا فى الاعمال، وكذلك تلك التغيرات الجوهرية في بنية منظومة العلوم، لكن موضوع الإبستيمولوجية ينحصر في دراسة المعرفة العلمية فقط دون سواها, كما انها تنظر فى وسائل إنتاج المعرفة، و تدرس المعرفة العلمية في وضع محدد تاريخياً، من دون أن تنزع نحو إجابات مطلقة، فى حين تنزع نظرية المعرفة الى تقديم اجابات مطلقة وعامة وشاملة، ان المعرفة سواء على مستوى النظرية او مستوى العلم تحتاج الى بيئة حاضنة مبنية على اسس صحيحة وسليمة يمكن من خلالها ان تتشكل معارف الامة وبالتالى ينمو الوعى، والذى لابد ان يؤدى الى ولادة الابداع الذى لا محيص عنه للتقدم.

3- سياسات التعليم

ان الهدف الاساسى من تنمية رأس المال الفكرى هو افراز مبدعين ومفكرين فى شتى مجالات المعرفة النظرية والتطبيقية، ويمكن تحقيق ذلك فى ظل توافر البيئة الملائمة والتى تبدأ يوم ان يتجه المجتمع بكل افراده وامكاناته نحو المعرفة كوسيلة للتقدم، ويمثل التعليم حجر الزاوية فى منظومة المعرفة حيث يعتبره كثيرا من المتخصصين هدفا ووسيلة في آن واحد، وتتمثل ازمة الدول النامية او المتخلفة فى عدم قدرتها على توفير متطلبات التقدم، بسبب عدم القدرة على تسخير والاستفادة من المعرفة وما يتوافر لها من المعلومات والتكنولوجيا الحديثة، وعلى ذلك فان منظومة التعليم لابد ان تتعرض لاعادة الصياغة فيما يخص المجالات و المضمون والوسائل.

 والاهتمام بالتعليم يجب ان يبنى على ثلاث محاور اساسية اولها يتمثل فى طرق ووسائل تنظيم اكتساب وتطوير العلوم وخاصة العلوم التكنولوجية الحديثة، وثانيهما ربط التعليم باحتياجات سوق العمل سواء من حيث الكم او التخصص، وثالثهما حق كل مواطن فى اكتساب قدر كافى من التعليم يؤهله للقيام بدوره الفعال فى المجتمع، لكن حتى اذا استطعنا الوصول الى صياغة جيدة لتلك المنظومة فلابد ان نوجد منظومة اصلاحية تعمل جنبا الى جنب مع المنظومة التعليمية، وتتمثل المنظومة الاصلاحية فى توفير بيئة حاضنة للتقدم وتبدأ من تكييف القوانين و النظم واللوائح والتعليمات لتتامشى مع المنظومة الجديدة، بالاضافة الى توجيه كافة الطاقات والامكانيات المادية والبشرية نحو الارتقاء المعرفى.

ويتطلب ذلك الدراسة الكاملة لتجارب الدول التى اخذت باسباب التقدم المعرفى كمدخل للتقدم الشامل فى مختلف نواحى الحياة, وذلك فيما يخص السياسات او الخطط على المستويين الاستراتيجى والتكتيكى سواء فيما يخص المناهج او طرق التدريس او وسائل اعداد المعلم او المؤسسات التعليمية والعمل على تكامل دورها مع دور المجتمع سواء على مستوى الاسرة او الافراد.

ان معظم الدراسات الخاصة بالتعليم فى الوطن العربى توصلت الى ان الخلل فى المنظومة التعليمية ادت الى تشوه كبير فى الهيكل المعرفى للمتعلمين متمثلا فى الانخفاض الشديد فى التحصيل المعرفى، وعدم وجود قدرات كافية على مستوى التحليل والابتكار، فمن حيث المجالات فهناك خلل جوهري واضح تتمثل اهم مظاهره فى عدم وجود موائمة بين سوق العمل ومتطلبات التنمية من ناحية وبين ناتج التعليم من ناحية أخرى، وبالطبع يتضح ذلك فى ضعف إنتاجية الفرد بالاضافة الى وجود اضطراب كبير فى هيكل الأجور فى كثير من شرائح وقطاعات السوق، علاوة على انخفاض العوائد الاقتصادية والاجتماعية المتحققة من العملية التعليمية، كناتج طبيعى للمعادلة الصعبة المتوافرة الان بالوطن العربى من كثرة الخريجين وقلة المقبول منهم فى سوق العمل لضعف مستواهم التعليمى والمهارى وبالتالى ارتفاع معدل البطالة.

 اما من حيث المضمون فيتمثل فى عدم قدرة النظام التعليمى الحالى على توفير المتطلبات الضرورية للاخذ باسباب التقدم، وقد ادى ذلك الى وجود هوة او منطقة عازلة بين المجتمع والمعرفة الحضارية والانسانية، اما الوسائل والاساليب فهى متخلفة كثيرا فى اغلب المؤسسات التعليمية خاصة فى الدول العربية كثيفة السكان او الدول ذات الامكانيات المادية المتواضعة وذلك فى المؤسسات التعليمية الحكومية، وحتى فى المؤسسات التعليمية الخاصة او المؤسسات التعليمية الحكومية فى الدول ذات الدخل المرتفع الا ان جميعها تفتقر الى الاساليب والوسائل الناجحة لتعظيم قدرات المتعلمين وامدادهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل، كذلك التوقف عن التعليم لمجرد حصول الفرد على المؤهل اللازم لالتحاقه بسوق العمل يمثل كارثة حقيقية على المستوى المعرفى للمجتمع، حيث يتوقف التحصيل المعرفى لاولئك الافراد ويفقدون الاتصال بكل ما هو جديد وحديث على مستوى ما حصلوا عليه من تعليم او حتى على مستوى ما يقومون به من ادوار وظيفية فى مجال اعمالهم.

 فلا يجب ان يكون التعليم بالمدارس او الجامعات هو نهاية المطاف للافراد ولايعد كافيا لتأهيل المجتمع وتنميته، بل يجب ان يكون التعليم مستمرا بامتداد عمر الفرد "مدى الحياة"، ويمثل التدريب الامتداد الطبيعى للتعليم المدرسى والجامعى وهو لا يختص بفئة دون غيرها وانما ضروريا لكافة الافرد فى سوق العمل او خارجه، فقد يحتاجه الفرد خارج نطاق تخصصه وايضا خارج نطاق عمله، فقد يحتاجه لتنمية مهارات اتصاله وتفاعله مع اولاده او مجتمعه على وجه العموم.

 وعلى ذلك فاننا نحتاج الى اعادة تاهيل لافراد المجتمع والمؤسسات التعليمية والتدريبية وفق افاق جديدة اكبر مما نحن عليه الان فى ظل فلسفة اقرب ما تكون الى مدخل متقدم للمعرفة فى اوسع معانيها، حتى لا نجد انفسنا فى معزل عما يدور حولنا من تغيرات وتحولات سريعة بعد ان فاتنا الكثير، فلابد لنا ان نتبنى منظومة اصلاحية واسعة للتعليم فهو الاساس والخيار الاول للحاق بركب الحضارة.

4- القيم الانسانية

أن عقل الإنسان وفكره وما ينتج عنهما من ابداع هو المصدر الاساسى لرأس المال الفكري ووهناك نوع اخر من انواع رأس المال يطلق عليه رأس المال الاجتماعى، وهو يعنى قدرة المجتمع على الارتقاء ذاتيا من خلال تكامل مجهودات وعطاء أفراده دون التزام بقوانين وانما نتاج اقتناع كامل بضرورة المساهمة فى نهضة المجتمع، على ذلك فان رأس المال الاجتماعي مصدره الاساسى هو التنظيم المبنى على القيم الانسانية، والمتأمل لمسيرة الحضارة الانسانية على مر التاريخ سيرى ان المجتمعات التى استطاعت ان توجد منظومة مستندة على قواعد قيمية، كانت الأكثر حظا في التفوق على غيرها من المجتمعات المعاصرة لها، وان كان هناك استثناء فى بعض مراحل التاريخ الانسانى فلا تعدو عن كونها شواذ القاعدة، وحتى وقت ليس بالبعيد لم يكن فى محيط النظريات الاقتصادية الحديثة او القديمة اى تنظير يشمل مجموعة القيم والأخلاق الاجتماعية كمساهم في عملية التنمية، ولم تعترف تلك النظريات الا بالمعايير المادية البحتة فى صياغات التنمية مثل متوسط دخل فرد، والناتج القومي الإجمالي، ومقدرة الدولة على زيادة الإنتاج بمعدلات اعلي من معدلات النمو السكاني، وغاب فى الفكر الاقتصادى البعد الإنساني فى علاقته بالتنمية.

 وعلى الرغم من ان المجتمعات المتقدمة قد اخذت بمبدأ القيم الاجتماعية الا ان ربط تلك القيم بالنظريات والمذاهب الاقتصادية قد تاخر كثيرا فى الادبيات الاقتصادية، وان بدا فى الافق بعضا منها مثل ما يعرف بالمسئولية الاجتماعية للشركات والذى يعنى فى مجمله ان تلعب الشركات دورا فى تنمية مجتمعاتها من خلال ما تقدمه من مال او جهد او مشورة فى تنمية بعض الفئات الغير قادرة او البذل لبعض المجالات التى تقصر عنها جهود الدولة اوالتناغم مع امال الامة فى اتمام مشروعات مصيرية تدفع بها قدما الى الامام، ولا يتوقف الامر عند الشركات فقط بل هو مزيجا متكاملا فى كل نواحى الحياة، تقوده مجموعة من القيم والأخلاق الاجتماعية بما يسهل عمليات التفاعل الاقتصادي والسياسي على المستوى المؤسسى والفردى بما يشكل بنية أساسية للعلاقات الاقتصادية والسياسية والتنظيمية، حيث تتجسد القيم والأخلاق من خلال هياكل وبنى اجتماعية لصالح كل افراد المجتمع مدعمة لمصالحهم ومقوية لتماسكهم، فتصبح الحياة ليست قاصرة على تبادل السلع فقط، بل يشملها تعزيز دور الموطنين كافراد او جماعات فاعلة فى مجتمعاتها، فتتراكم فى المجتمع قيم التنظيم والعدالة والشفافية واحترام الآخر والنفع العام والمحافظة على مكتسبات الامة، فيصبح المجتمع قادرا على التغلب على مشكلاته الواحدة تلو الاخرى.

 ومن الطبيعى ان ينتج ذلك تقوية للثقة في عمليات ومؤسسات التبادل الاقتصادي وبالتالى يزيد من كفاءتها وسرعتها، كما أنه يخلق علاقة قوية بين الدولة والمجتمع يمكن من خلالها مد جسور التفاهم المؤسسي للاشتراك فى تحديد الأهداف والسياسات المتعلقة بالتنمية، فالتبرع بالأموال لدعم المؤسسات والجهات التي تفيد المجتمع وكذلك التطوع بالوقت والجهد للمشاركة في بناء المجتمع هي اليوم من المسلمات فى كثير من البلدان المتقدمة.

*خبير مالى واقتصادى وادارى

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/شباط/2010 - 7/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م