المرجع الشيرازي: كيف بُني الإسلام وكيف تعرّض للهدم وكيف يمكن إرجاعه

 

* من الكفاءة السياسية هي أن تجذب عدوّك نحوك وتبدله إلى صديق لا أن تقتله، فليس من الكفاءة قتل الخصوم والمعارضين، بل الكفاءة هي جذب الأعداء وتبديلهم إلى أصدقاء

* القنوات الفضائية الموجودة اليوم تبلغ تقريباً ثلاثة آلاف قناة، ولكن انظروا كيف يتعامل أصحاب هذه القنوات مع مسيرة الزائرين المشاة إلى كربلاء المقدسة بمناسبة أربعينية الإمام الحسين صلوات الله عليه

* تعيش البشرية اليوم الشقاوة وهي بحاجة ومتعطشة إلى السعادة وهذا الأمر لا يتم إلاّ في تعريف تعاليم الإسلام وسيرة النبي وآله الطاهرين والعمل بها

 

شبكة النبأ: قال المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله: بعد أيام من استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله ألقى الإمام أمير المؤمنين وسيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما خطباً مهمة وأساسية، حوت كل عبارة منها أموراً كثيرة، بحيث يتبيّن للمتأمّل فيها العمل الذي يرضي الله سبحانه ويرضي رسوله ويرضي أهل البيت صلوات الله وسلامه عليه وعليهم. وأوصي الجميع وبالأخصّ الشباب والأشبال بأن يطالعوا هذه الخطب ويتأمّلوا ويتدّبروا فيها ليعلموا كيف بُني الإسلام، وكيف تعرّض للهدم، وكيف يمكن إرجاع حكم الإسلام لينقذ العالم من المشاكل والمآسي.

جاء ذلك، عندما أحيَتْ جموع غفيرة من المؤمنين المعَزّين مراسيم ذكرى استشهاد سيد الكائنات، مولانا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بمدينة قم المقدسة عصر يوم السبت الموافق للثامن والعشرين من شهر صفر المظفر 1431 للهجرة، فألقى سماحته فيهم كلمة قيمة في خصوص هذه الذكرى الأليمة. بحسب موقع مؤسسة الرسول الاكرم.

واستهل سماحته كلمته القيّمة بقوله: أُعزّيكم بمناسبة استشهاد سيد الأولين والآخرين رسول الله صلى الله عليه وآله، واستشهاد سبطه الأكبر الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه ـ على رواية ـ مع أن كبار مراجع الإسلام اتفق رأيهم على أن استشهاد الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه هو في يوم السابع من شهر صفر، وأعزّيكم أيضاً بذكرى استشهاد الإمام الرضا صلوات الله عليه حيث تصادف في آخر شهر صفر.

كما أشكركم وأشكر جميع المؤمنين في البلاد الإسلامية وفي باقي أرجاء المعمورة على ما خدموا وتعرّضوا للأذى وتحمّلوا المشاكل وبذلوا الجهود وصبروا وتعاملوا بالأخلاق الحسنة في شهري محرّم وصفر وبالأخص في عشرة محرم الأولى وفي ليلة ويوم عاشوراء وفي الأيام الثلاثة الأخيرة من صفر، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبّل من الجميع، وأن يشملهم دعاء ورعاية رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين وبالأخصّ رعاية ودعاء مولانا الإمام بقية الله المهدي الموعود صلوات الله عليه وعجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ثم قال سماحته: بعد أيام من استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله ألقى الإمام أمير المؤمنين وسيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما خطباً مهمة وأساسية، حوت كل عبارة منها أموراً كثيرة، بحيث يتبيّن للمتأمّل فيها العمل الذي يرضي الله سبحانه ويرضي رسوله ويرضي أهل البيت صلوات الله وسلامه عليه وعليهم. وأوصي الجميع وبالأخصّ الشباب والأشبال في جميع العالم بأن يطالعوا هذه الخطب ويتأمّلوا ويتدّبروا فيها ليعلموا كيف بُني الإسلام، وكيف تعرّض للهدم، وكيف يمكن إرجاع حكم الإسلام لينقذ العالم من المشاكل والمآسي، وحتى يهيّئوا بذلك مقدمة سريعة لظهور مولانا الإمام بقية الله عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وقال سماحته: لما اشتدّت علّة سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وغلبها اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار فقلن لها: يابنت رسول الله كيف أصبحت من علتك؟ فلم تجبهنّ على سؤالهنّ بل بيّنت بعض الأمور المهمة، ومنها ما مضمونه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد جلب لكم الأمان ووفّر لكم الراحة، وأطفأ نار الحرب التي ابتليتم بها ثلاثمائة سنة، وأبدل العداوة التي كانت بينكم إلى المحبّة، وجذب إلى الإسلام اليهود الذين وصفهم القرآن الكريم بأنهم أشدّ عداوة للذين آمنوا، وكذلك جذب إلى الإسلام أحبار اليهود وعلماءهم وتجّارهم، ولكنكم أقصيتم الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه الذي عبّر عنه القرآن الكريم بأنه نفس رسول الله صلى الله عليه، وأن الرسول قد نصّبه خليفة عليكم من بعده، وعليّ ـ كما قالت صلوات الله عليها ـ هو: «الطبين بأمر الدنيا والدين» أي الخبير بالدنيا والدين والكفؤ بسياسة العباد والبلاد، فضيّعتم بإقصائكم الإمام عليّ صلوات الله عليه دنياكم وآخرتكم.

وأضاف سماحته: راجعوا التاريخ قبل وبعد حياة النبي صلى الله عليه وآله، وراجعوا تاريخ الحكّام وانظروا مَن منهم كان خبيراً وكفوءاً سياسياً. فقد حكم الكثير باسم الإسلام كيزيد بن معاوية والمنصور وهارون والمأمون والمتوكّل، وكانوا يتظاهرون بالإسلام، وكانت ألسنتهم تنطق بالقرآن وبأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله، ولكن اتخذوا كل ذلك غطاء، وتحت هذا الغطاء أي باسم الإسلام قتلوا الإمام الحسين وقتلوا الإمام الصادق وقتلوا الإمام الرضا صلوات الله عليهم. فراجعوا التاريخ وتأمّلوا فيه وانظروا ما الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله إلى العالمين، وكيف حرّفه الحكام من بعده، وماذا حصل بالعالم إلى يومنا هذا.

وأردف سماحته: توجد موسوعة عربية اسمها «موسوعة العذاب» فراجعوها وطالعوها وانظروا إلى عمليات التعذيب التي مارسها الحكّام في أرجاء المعمورة بحق الناس من زمن آدم عليه السلام إلى الآن، كممارسات نمرود وفرعون وبالأخصّ الذين حكموا باسم الإسلام كبني أمية وبني العباس وحكّام الدولة العثمانية.

وذكر سماحته بعض جرائم ومفاسد الحكّام الذين حكموا باسم الإسلام ومنهم يزيد بن معاوية لعنة الله عليهما وقال: ذكر التاريخ عن جرائم يزيد: إن يزيد استباح المدينة المنوّرة في سنة ثلاث وستين على يد أحد أزلامه وهو مسلم بن عقبة حيث أتى بعسكر مخذول لامتناع أهلها من المبايعة ليزيد بن معاوية، فقاتل أهلها فهزمهم وقتلهم بحرتها، على ميل من المسجد النبوي قتلاً ذريعاً، في بقايا المهاجرين والأنصار، وخيار التابعين، وقرّاء القرآن، وسائر الناس، واستبيحت الفروج فافتضت ألف عذراء، والأنفس والأموال، وجالت الخيل في المسجد النبوي.

أما عن مفاسد الذين حكموا باسم الإسلام فقد كتب التاريخ إن المتوكّل العباسي كان يكثر الخروج إلى التنزّه ويقضي أوقاته في اللهو والمجون، وكان يسرف في ذلك كثيراً، وذات مرة خرج إلى دمشق وخلال تواجده هناك دخل بيوت الجواري ليلهو بهنّ.

وعقّب سماحته: إن الناس غير المسلمين عندما يطّلعون على هذه الأفعال من الذين حكموا باسم الإسلام فهل سيقبلون بالإسلام ديناً؟ وهل يعتنقونه؟

ثم ذكر سماحته نماذج من تعامل النبي صلى الله عليه وآله مع الناس وبالأخصّ مع الأعداء فقال: لقد كان عكرمة بن أبي جهل من الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً في مكّة، وكان يؤلّب الناس على الحرب ضدّ النبي، وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه مكّة فاتحاً ذكر التاريخ: هرب عكرمة بن أبي جهل إلى اليمن وخاف أن يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة لها عقل وكانت قد اتبعت رسول الله صلى الله عليه وآله، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك إلى اليمن وخاف أن تقتله فآمنه. قال: قد آمنته بأمان الله فمن لقيه فلا يتعرّض له، فخرجت في طلبه فأدركته في ساحل من سواحل تهامة وقد ركب البحر فجعلت تلوح إليه وتقول يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس وخير الناس لا تهلك نفسك وقد استأمنت لك فآمنك، فقال: أنت فعلت ذلك؟ قلت: نعم أنا كلمته فآمنك، فرجع معها، فلما دنا من مكّة قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه: يأتيكم عكرمة مهاجراً فلا تسبّوا أباه فإن سبّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ، فقدم عكرمة فانتهى إلى باب رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجته معه متنقبة فاستأذنت على رسول الله فدخلت فأخبرت رسول الله بقدوم عكرمة وقال: أدخليه، فقال: يامحمد إن هذه أخبرتني أنك آمنتني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صدقت فأنت آمن. قال عكرمة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده و رسوله، وقال: أنت أبرّ الناس وأوفى الناس أقول ذلك وإني لمطأطئ الرأس استحياء منه، ثم قال: يارسول الله استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مركب أوضعت فيه أريد به إظهار الشرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلّم به أو مركب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك. فقلت: يارسول الله مرني بخير ما تعلم فأعمله. قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وجاهد في سبيل الله واستشهد عكرمة في إحدى المعارك.

وعقّب سماحته: إن من الكفاءة السياسية هي أن تجذب عدوّك نحوك وتبدله إلى صديق لا أن تقتله، فليس من الكفاءة قتل الخصوم والمعارضين، بل الكفاءة هي جذب الأعداء وتبديلهم إلى أصدقاء.

وفي السياق نفسه ذكر سماحته جوانب من روائع سيرة النبي بصفته كزعيم وقائد وحاكم وقال: ذكرت الروايات الشريفة عن الإمام الرضا عن آبائه صلوات الله عليهم قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة ومعها كسيرة من خبز، فدفعتها إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال النبي: ما هذه الكسيرة؟ فقالت: خبزته قرصاً للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسيرة. فقال النبي صلى الله عليه وآله: يافاطمة أما إنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث.

وشدّد سماحته بقوله: إن الدنيا لا تعرف سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله ولا تعرف سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فالدنيا اليوم تعيش التعتيم الإعلامي المقصود الذي يقوده أعداء الإسلام، فعلى سبيل المثال: إن القنوات الفضائية الموجودة اليوم تبلغ تقريباً ثلاثة آلاف قناة، ولكن انظروا كيف يتعامل أصحاب هذه القنوات مع مسيرة الزائرين المشاة إلى كربلاء المقدسة بمناسبة أربعينية الإمام الحسين صلوات الله عليه.

إن مسيرة المشاة إلى كربلاء يشارك فيها الملايين وتعتبر ظاهرة فريدة لا نظير لها على وجه الكرة الأرضية أبداً، لكن هذه القنوات ـ طبعاً عدا الشيعية وهي قليلة جداً ـ لا تذكر عن مسيرة المشاة شيئاً ولا تبث عنها حتى بمقدار ثانية واحدة، وكذلك لا ينبسون ببنت شفة حول جرائم التفجير التي يتعرّض لها الأبرياء زوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه، في حين إذا جرح أو قتل شخص ما في إحدى زوايا العالم فإنهم يذكرون خبره عشرات وعشرات المرات.

وبعد أن ذكر نماذج من سيرة الصحابة الصالحين الذين اقتدوا برسول الله وبسيرته وأخلصوا للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وآله وبقوا على إخلاصهم وصلاحهم كالصحابي أبي رافع والخباب بن الأرت رضوان الله تعالى عليهما، أكّد دام ظله: تعيش البشرية اليوم الشقاوة وهي بحاجة ومتعطشة إلى السعادة وهذا الأمر لا يتم إلاّ في تعريف تعاليم الإسلام وسيرة النبي وآله الطاهرين والعمل بها، فيجدر بالمؤمنين وبالخصوص الشباب الأعزاء أن يستنفروا جهودهم لتعلّم تعاليم وسيرة النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ثم يعرّفونها البشرية أجمع، فمسؤولية الجميع في عصر الغيبة الشريفة هي التأسي والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله كما يقول القرآن الكريم: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» وذلك عبر الالتزام بالأمور الثلاثة التالية:

الأول: بذل المساعي والجهود الحثيثة.

الثاني: الصبر وتحمّل المشاكل والصعوبات.

الثالث: التحلّي والتعامل بالأخلاق الحسنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/شباط/2010 - 7/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م