علاء الدين والمصباح السحري

صادق حسين الركابي

توجه علاء الدين في يوم من الايام إلى السوق لشراء مصباح جديد عساه يعينه على ظلمة الليل وانقطاع الكهرباء الدائم بعد أن تقاعد مصباحه عن خدمة التنوير الليلية.

 كانت المصابيح جميلة وزاهية إلا أنها كانت غالية الثمن فهو موظف بسيط لا يملك قوت يومه وهو يعيش في غرفة بسيطة لا تقيه حر الصيف ولا برد الشتاء. لذلك قرر علاء الدين شراء مصباح قديم اقتناعا ً منه بأن كل شيء أيام زمان كان أفضل فالناس كانت على الأقل في حالة من الشبع أما اليوم فالكل لا يدري متى تنقطع الحصة التموينية أو تقل وتنقص.

الجوع كافر قالها في نفسه وهويقلب بين يديه مصباحا ً قديما ً حُفِر عليه الكثير من الزخارف والرسومات القديمة.

آه ٍ كم تمنى لو أنه عاش في تلك الحقبة ولم يكن ليشهد كل هذه المعاناة.

اشترى مصباحه القديم ومضى إلى غرفته المتهالكة. جلس على حصيرته فرحا ً بما اشتراه، لكنه ما إن استدرك قائلا ً لنفسه: (إيه يا علاء الدين...! تفرح بمصباح قديم وغيرك يشتري القصور والسيارات. لا تكفر يا رجل احمد ربك. الحمد لله رب العالمين). أخذ علاء الدين يمسح الغبار عن مصباحه القديم متأملا ً إبداع صانعه وإتقان صنعته ومتمنيا ً لو كان في عراق هذا اليوم نفس الأمانة والإخلاص في العمل كالتي تمتع بها من صنع هذا الفانوس.

وبينما هو مستغرق في تنظيف مصباحه إذا بدخان كثيف يخرج من فوهة موجودة في المصباح. رمى المصباح من يده وصرخ: - يا ستار بس لا تكون مفخخة أو قنبلة..!

قرأ الشهادتين على عجالة واغمض عينيه آسفا ً على حياته القصيرة التي لم يعرف بها طعم الراحة. (أهذا قدر العراقيين معاناة بلا نهاية وفقر وغربة وحرمان. أهذا قدر الفقراء في بلدهم الغني بكل شيء إلا من الضمائر الحية. أيفخخون حتى المصابيح ! أم عساه غازا ً كيماويا ً كالذي قتل به آلاف العراقيين وهو سيكون واحدا ً منهم. هل تحصل عائلته على تعويض أو منزل أم أنهم سيقفون بالطابور الطويل حالهم حال غيرهم من عوائل الشهداء؟).

أفكار كبيرة وكثيرة مرت في خاطره مسرعة كلمح البصر. لكنه ما زال حيا ً.

صوت جهور يناديه : - شبيك لبيك، عبدك بين إيديك، أطلب واتمنى !

هل هذا معقول أهو صوت جني المصباح كما في القصص الخيالية أم أنه صوت أحد المرشحين للبرلمان العراقي يروج لحملته الانتخابية.

فتح عينيه ليرى أمامه ماردا ً طويلا ً ينظر إليه مرددا ً ذات العبارة: -شبيك لبيك، أطلب يا سيدي.

إنها حقيقة إنه المارد !

هنا فرح علاء الدين وشكر الله الذي لا يضيع أجر الصابرين.

تشجّع مخاطبا ً المارد: - هل تلبي لي كل ما أتمناه ؟

- نعم يا سيدي،أجاب المارد، شريطة أن تكون لك أمنية واحدة فقط.

هنا أصيب علاء الدين يخيبة الأمل فقد تصور أنه يستطيع أن يملي رغباته كلها على هذا المارد كيفما يشاء.

(ماذا أطلب هل أطلب جنسية أجنبية تمنحني العيش خارج العراق ؟ لا، لا فهذا العراق. إنه بلدي لن أتركه مهما جرى. هل أعيش الغربة مرتين. الغربة قاسية ومرة. لا أريد. إذا ً فماذا أطلب ؟ هل أطلب وظيفة ؟ لا، لا، وماذا تفيدني الوظيفة؟. قوت لا يموت. وعليك مراجعة فلان وعلان وحتى لو كان مارد أو جني، هذا كله ما يفيد إذا لم يكن هذا الجني منتسب لأحد الأحزاب فما ينفع أي شي).

وأخذ علاء الدين يفكر مطولا ً والمارد يردد (أطلب يا سيدي).

أخيرا ً استقر علاء الدين على قرار. (سأطلب سكنا ً لي ولعائلتي يحميني من هذه الغرفة العفنة التي أكلت من عمري ومزقت أحلامي. نعم سكن يكون ملكي ويكون ذخرا ً لأولادي من بعدي. يريدون بيعه أو البقاء فيه، هم أحرار. لا اريده قصرا ً غرفتين وصالة، هذا يكفينا).

تشجع علاء الدين وطلب منزله من المارد. إلا أن المارد انتفض مجيبا ً بلهجة عراقية شعبية وقال: - دمشي يابه، يا بيت هذا اللي تريده ؟ آنه لو عندي بيت ما بقيت بهذا المصباح.

عندها أدرك علاء الدين أن قدره يبقى البحث عن مصباح جديد ينير به ظلمة ليله الطويل.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/شباط/2010 - 3/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م