شبكة النبأ: تؤكد الدلائل بأن
الانقراض حالة او قانون فرض نفسه على الكائنات الحية وعلى غيرها، ولهذا
ينشأ الصراع من أجل البقاء بين الطرف الذي يبغي مواصلة الحياة وبين
الآخر الذي يبغي فناءه والقضاء عليه، وكلنا رأى أو سمع أو قرأ شيئا عن
انقراض العديد من الكائنات وتلك التي تمضي في الطريق نفسه، وربما لا
نخطئ إذا قلنا بأن الثقافة لا تقع خارج هذه الدائرة.
بكلمة أوضح، أن الثقافات قابلة للانقراض أيضا، لتحل محلها ثقافات
أخرى ليس بالضرورة هي الأفضل ... ولكن لماذا تنقرض هذه الثقافة او تلك؟.
إن الجواب عن ذلك ليس صعبا ولا معقدا، فالثقافة يمكن أن تكون
كالكائن الحي وتحمل بعضا من مواصفاته، فإذا رعيتها ودعمت كينونتها
ستواصل التواجد والرقي والعكس يصح أيضا، وأي خلل في رعاية الثقافة
والمثقفين سيصب بالنتيجة في صالح الانقراض، وينطبق قانون التراكم على
هذه الحالة، بمعنى أن صغر وتضاؤل حجم الاخطاء قد لايبدو واضحا او مؤثرا
لكنه بالتراكم سيكون كذلك، أي يكون مؤثرا وفاعلا ومساعدا على الانقراض.
وهنا ثمة تساؤل آخر يطرح نفسه، هل هناك أخطاء في ثقافتنا؟ وهل يمكن
لهذه الاخطاء أن تتركم مع مررو الزمن؟ وإذا حدث ذلك فعلا هل ستكون
ثقافتنا مهددة بالانقراض لصالح ثقافات أخرى؟.
إن هذه التساؤلات تبدو من الحجم الثقيل، وقد لا يتسع لها مقال كهذا،
لكن الاجابة السريعة وغير المفصلة يمكن أن تأتي بكلمة.. نعم، بإمكان
الاخطاء وفقا لقانون التراكم أن تسهم وتؤدي الى انقراض ثقافتنا، ومع
كثرة الاخطاء التي قد تقودنا الى نتيجة لا تسرنا، نكون معنيين بسبل
المعالجة والوقوف بوجه هذه الاخطاء والتقليل منها ما أمكننا ذلك، ومنها
على سبيل المثال وليس الحصر (إهمالنا للنسغ الجديد).
وهي حالة مؤشرة من لدن المعنيين، فقد بدا التقصير واضحا في هذا
المجال، إذ أن الكبار من المثقفين -عمرا وتجربة- لم يبذلوا الجهد
المطلوب من أجل الأخذ بيد النشء الجديد، بمعنى أنهم لم يمدوا لهم يد
العون ولم يمدوهم ببصيرة التجربة بما يكفي، بل لعل الكثير من كبار
الثقافة تجربة وعمرا، راح يتحسس من تفتح البراعم الجديدة، وإذا ما اشتدّ
عودهم قليلا فإن حرب الاقصاء والتجاهل والتعتيم تُشن على هؤلاء وأقصد
بهم -النسغ الجديد- الذي يرى فيه (كبار التجربة والعمر) خطرا يهدد
مكانتهم او حتى وجودهم!!.
ويستطيع المراقب أيضا, في أفضل الحالات، أن يؤشر عدم شن حرب الاقصاء
او التعتيم من قبل الكبار، بل النظر للقادمين الجدد بعين اللامبالاة،
وهو سلوك لا يصب في الاتجاه الصحيح قطعا، وهنا أتذكر على المستوى
الشخصي، أنني قبل ثلاثين عاما تقريبا حينما دخلت الى الساحة الثقافية
وجدت من يحتضنني في السنوات الاولى ويرعى كتاباتي ويروّج لي ويصحح
عثراتي، لدرجة أنني كنت لم أزل في سنواتي الأولى وإستطعت بمساعدة
الادباء الكبار آنذاك أن أحصل على فرصة ترويج ذهبية تمثلت بإقامة امسية
لي في (اتحاد ادباء بابل) مع انني لم انشر حينها اكثر من أربع قصص لا
غير.
إن هذا المثال البسيط جدا قياسا لخطورة موضوعنا وسعته وعمقه، يدعونا
الى التنبّه لطريقة تعاملنا مع الادباء والمثقفين الجدد، ولعل الامر لا
يصب في صالحهم حصرا لأننا بتعضيدنا لهم والوقوف الى جانبهم إنما نعضد
أنفسنا أولا ومن ثم نشترك في المحافظة على ثقافتنا من الانقراض، وقد
لايكون هذا مستبعدا.
وربما يقول أحدهم إن هذا النوع من الصراعات تحدده طبيعة او جدلية
الحياة الثقافية، وأن التنافس بين الجديد والقديم ربما يتسبب بمثل هذا
النوع من الإهمال، بل ربما يكون تخوف الكبار من صعود النسغ مبررا
مقبولا لبعض خطوات التحجيم التي يتعرض لها المثقفون او الادباء الجدد،
لكن الامر الذي سنتفق عليه في نهاية المطاف، يؤكد على أن أي نوع من
الاهمال او اللامبالاة او التجاهل او التعتيم على الجدد من لدن
المتقدمين -عمرا وتجربة- لا يصب في صالح الجميع، لأنه بالنتيجة لن يصب
في صالح الثقافة.
لهذا، هي دعوة لنا جميعا، لابد أن ننظر الى هذه المسألة بعين جادة
وبصائر مشذّبة من تفضيل الذات، وعقول ديدنها تعضيد الثقافة وحمايتها من
التصدع والتردي والتراجع، وذلك من خلال رعاية الجديد واحتضانه وتعضيده
والتزامه والاشادة به وتقويمه، لأننا سنتفق حتما على صحة هذا النهج
وصوابه، وسنوافق على أننا مطالبون بحفظ ذاتنا وهويتنا من خلال حماية
ثقافتنا التي لن تتحقق من دون رعاية وحماية براعمنا وتقويمهم كما
قوَّمَنا قداماؤنا أو أسلافنا. |