إيران بعد 30 عاماً: معركة الإرادات تُخرج الثورة مِن مسارها

 

شبكة النبأ: تحتفل إيران في الحادي عشر من فبراير كل سنة بذكرى الإطاحة عام 1979 بنظام الشاه الذي كانت تسانده الولايات المتحدة، وتقام بهذه المناسبة عروض رسمية وجماهيرية كبرى تتخللها خطابات مناهضة لأمريكا، كما تشهد هذه الاحتفالات بعض الأسلحة الجديدة وأجهزة عسكرية برية وجوية حديثة.

غير أن الاحتفال هذه السنة يمكن أن يكون مختلفاً بسبب تنافس النظام مع حركة المعارضة الخضراء على إرث الثورة. إذ يخطط ناشطو المعارضة للاستفادة من هذا اليوم في مواصلة الاحتجاجات التي كانت بدأت منذ انتخابات الرئاسة المتنازع حول نتائجها في يونيو الماضي، وذلك لأن زعماء هذه المعارضة وأنصارهم يرون أنفسهم ورثة النضال ضد الدكتاتورية في نهاية المطاف.

ونشرت صحيفة ذي أوبزيرفر مقالاً للكاتب روبرت تيت قال فيه: بقيت صورة وصول آية الله روح الله الخميني إلى أرض الوطن وسط استقبال جماهيري عاصف بعد 15 سنة أمضاها في المنفى، بقيت لثلاثة عقود أيقونة الأحداث الثورية في تاريخ إيران.

لقد عبّرت تلك الصورة الشهيرة للأحداث التي يبدو فيها زعيم إيران الروحي الخميني وهو ينزل من على سلم الطائرة بمساعدة رجل يرتدي ملابس طيار، عن مزيج من الكبرياء والتعاطف والمقام الديني الرفيع الذي تتمتع به الثورة من خلال قائدها لدى أبناء الشعب.

ويضيف الكاتب، في ذلك الوقت استقبل المواطنون زعيمهم الروحي الخميني كمخلص (مُنقذ) عقب موجة الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي ربيب الغرب الذي وقف مكتوف الأيدي ولم يساعده وسط فصول تلك الدراما التاريخية التي كانت تشهدها إيران في ذلك اليوم من فبراير 1979.

بيد ان تلك الصورة الزاهية تحولت عند بداية احتفالات «الفجر» السنوية خلال الأيام القليلة الماضية الى شيء آخر يؤكد الشكوك المتزايدة التي باتت تحيط بإرث البلاد الثوري وسط استمرار الاضطرابات التي اندلعت عقب إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل.

ويوضح الكاتب، فبعد أن كانت احتفالات الذكرى السنوية للثورة تتميز باحتشاد الجماهير قبالة صرح أزادي في طهران ابتهاجاً بالانتصار النهائي على قوات الشاه التي أعلنت الوقوف على الحياد في ذلك الوقت وسمحت لأنصار الخميني بالسيطرة على البلاد، هناك احتمال لأن تكون احتفالات هذه السنة معركة دامية تشهد عنفاً شرساً بين قوات الأمن ومؤيدي المعارضة ويكون مماثلاً لأحداث العنف التي ميزت التجمعات الشعبية خلال العطلات الدينية الرسمية في الدولة. فقد مات ثمانية أشخاص - وربما أكثر - عندما فتحت قوات الحكومة النار على المحتجين في طهران وفي مدن أخرى خلال «يوم عاشوراء» في ديسمبر الماضي.

ويبيّن الكاتب، من الواضح أن المواجهة الجديدة المقبلة تحددت في الأسبوع الماضي عندما حث اثنان من زعماء المعارضة هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي أنصارهما للتجمع بأعداد كبيرة اليوم الخميس للاحتجاج على القمع الوحشي الذي مارسته الحكومة مؤخراً وأدى لمقتل ما لا يقل عن 80 شخصاً واعتقال الآلاف بالإضافة الى إعدام شابين لأنهما يحرضان على الفتنة والعصيان ويحاربان الله ورسوله على حد وصف النظام.

ويستدرك، لكن بالرغم من ذلك، تعهدت الحكومة بقمع المحتجين بقوة أكبر في المستقبل، ودعا رجل الدين المتشدد آية الله أحمد جنتي لتنفيذ المزيد من عمليات الإعدام لردع المعارضين فقد قال خلال خطبة صلاة يوم الجمعة الماضي: «ليس هناك مجال لأي رحمة إسلامية».

الحقيقة أن سبب مثل هذه التصريحات الهجومية هو المعركة الدائرة على روح الثورة ذاتها وما تريد تحقيقه.

فبينما يُقسم مؤيدو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على الولاء لمبدأ ولاية الفقيه، يقول موسوي وكروبي بشجاعة متزايدة إن الثورة فشلت في تحرير الإيرانيين من الطغيان، وإن القيادة أسست نوعاً جديداً من العبودية السياسية.

ويقول الكاتب، في هذا السياق اتهم موسوي بقسوة غير معهودة سابقاً خلال لقاء معه عبر الانترنت، السلطات بملء السجون بأخلص أبناء الأمة، وحذر بأن النظام الإسلامي أصبح يواجه خطر أن يتحول الى دكتاتورية أسوأ مما كان عليه نظام الشاه. وأضاف ان الدكتاتورية التي تتم باسم الدين هي أسوأ أنواع الدكتاتوريات في العالم.

ومضى موسوي، الذي عمل رئيساً للحكومة في عهد الخميني في الثمانينات، قائلاً: خلال السنوات الأولى للثورة اقتنع الشعب ان الثورة قضت بالكامل على كل أسباب المحاباة والدكتاتورية والفساد. وكنت واحداً من أولئك الذين آمنوا بذلك، لكنني لم أعد أؤمن به اليوم فنحن نستطيع الآن تحديد كل تلك الأسباب التي أدت للاستبداد. لذا، لست من المؤمنين اليوم ان الثورة الإسلامية حققت أهدافها.

ويستدرك الكاتب، غير أن مثل هذا الكلام يرقى بنظر خامنئي، الذي خلف الخميني بعد موته عام 1989، الى درجة الهرطقة. فبعد أن أيد علناً فوز أحمدي نجاد المثير للجدل في الانتخابات، ألزم خامنئي نفسه بالخط المناهض للحركة الخضراء التي وصفها بأنها ألعوبة في اطار مؤامرة يدعمها الغرب للإطاحة بالنظام الإسلامي من خلال «ثورة» مخملية.

ويضيف الكاتب، حاول موسوي وكروبي خلال الأسابيع القليلة الماضية ردم هوة الانقسام والخلاف مع خامنئي من خلال التلويح بتسوية ما تحول دون الدخول بمواجهة أخيرة دامية. فقد دعوا لإجراء تغييرات تتضمن حرية الانتخابات وحرية الصحافة والتظاهر، وطالباً أيضاً بالإفراج غير المشروط عن كل السجناء السياسيين بل وفي خطوة حاسمة تتضمن القبول بولاية أحمدي نجاد الرئاسية - على الأقل الآن - طالباً أيضاً بأن تكون الحكومة مسؤولة عن أعمالها. غير أن غصن الزيتون هذا جاء قبل آخر تصريح كان موسوي قد انتقد فيه بحدة النظام مما عمق الانقسامات أكثر بين المعسكرين.

ويوضح الكاتب، من الملاحظ في معركة الإرادات هذه أن كل جانب يقدم نفسه كوريث لإرث الخميني. فالإمام، كما يطلق عليه في قاموس ثورة إيران، يحظى بالتقدير والاحترام لأنه أسس حركته على خمس دعامات هي: سيادة الشعب، الحرية، الاستقلال، العدالة الاجتماعية للضعفاء والمحرومين ثم الإسلام. وهنا يؤكد موسوي وكروبي أن مطالبهما كانت ستحظى بقبول زعيم الثورة لو كان حياً.

غير أن هذا الرأي لا يوافق عليه على ما يبدو شخصيات أخرى كانت قد عايشت قيام الجمهورية الإسلامية، ومن هؤلاء أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية 1981 بعد أن أمر الخميني البرلمان بمساءلته عقب اتهامه بالتقصير.

ويتابع الكاتب بالقول، ثمة شخص آخر كان شاهداً على تطور الأحداث في إيران هو محسن سازيفارا الذي يعتقد أن الصفة المتشددة للنظام الراهن هي نتيجة حتمية للإيديولوجية الإسلامية الراديكالية التي حركت الثورة.

ويرى سازيغارا، الذي كان مرة نائباً لرئيس الحكومة ومؤسساً للحرس الثوري أن شعارات الثورة الأساسية، كانت الحرية والاستقلال والجمهورية الإسلامية لكن كان الاستبداد الديني هو كل ما نتج عن ذلك التطبيق العملي لذلك النوع من الايديولوجية الثورية للإسلام.

لقد كان جل ما أملنا به حينما كنا طلاباً في عهد الشاه هو أن يكون بلدنا حراً مستقلاً وعصرياً، ولم نكن ندري في تلك الأيام ان هذا لن يتحقق من خلال تلك الايديولوجية الثورية.

فالقيادة الدينية المقامة بموجب مبدأ ولاية الفقيه هي نظام يعطي السلطة كلها لرجل واحد دون مساءلة، وهذا يؤدي ببساطة الى الدكتاتورية.

على أي حال، يقول سازيغارا، الذي كان يرسل أشرطة فيديو من واشنطن يدعو فيها للقيام باحتجاجات سلمية دعماً لموسوي، أن القمع الوحشي الذي استعد النظام لممارسته ضد المتظاهرين في ذكرى أحداث الثورة (الخميس) يمكن أن يمهد لانهيار النظام. كما ستكون هذه المناسبة ذروة استراتيجية الحركة الخضراء التي تستهدف: نزع الطابع الشرعي عن حكومة أحمدي نجاد، وتعزيز المقاومة الشعبية، وإحداث انقسام داخل النظام وإصابة الحكومة بالشلل من خلال عصيان مدني.

ويختم الكاتب بالقول، يبدو أن موت النظام لم يعد سوى مسألة وقت برأي بني صدر فهو يقول: هذا النظام ليس بحاجة لثورة مناهضة كي يسقط لأنه لا يستند الآن إلا الى ركيزة واحدة هي طبقة رجال الدين التي انقسمت على نفسها هي الأخرى وأبعد الكثيرون فيها أنفسهم عن السلطة.

ذكرى سقوط الشاه مناسبة للمواجهة أم للتسوية؟

وكتب الصحفي أندرو باترز مقالاً حول الموضوع بصحيفة التايم قال فيه: تحتفل إيران في الحادي عشر من فبراير كل سنة بذكرى الإطاحة عام 1979 بنظام الشاه الذي كانت تسانده الولايات المتحدة، وتقام بهذه المناسبة عروض رسمية وجماهيرية كبرى تتخللها خطابات مناهضة لأمريكا، كما تشهد هذه الاحتفالات بعض الأسلحة الجديدة وأجهزة عسكرية برية وجوية حديثة.

ويضيف الكاتب، غير أن الاحتفال هذه السنة يمكن أن يكون مختلفاً بسبب تنافس النظام مع حركة المعارضة الخضراء على إرث الثورة. إذ يخطط ناشطو المعارضة للاستفادة من هذا اليوم في مواصلة الاحتجاجات التي كانت بدأت منذ انتخابات الرئاسة المتنازع حول نتائجها في يونيو الماضي، وذلك لأن زعماء هذه المعارضة وأنصارهم يرون أنفسهم ورثة النضال ضد الدكتاتورية في نهاية المطاف. لكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حذر هؤلاء المعارضين من مغبة تعكير أو تخريب الاحتفالات الرسمية.

يقول ضابط الشرطة الجنرال اسماعيل أحمدي مقدم: لقد انتهت فترة التسامح وسوف نسحق أي شخص يحضر تجمعات المعارضة.

ويستدرك الكاتب بالقول، لكن وسط نُذر المواجهة التي باتت واضحة في الأفق، ثمة اتجاه في المعارضة على ما يبدو لتقصي إمكان التوصل لتسوية ما بين الجانبين. إذ تتركز الكثير من الآمال الآن على احتمال قيام الرئيس السابق أكبر هاشمي رافنسجاني بالتوسط بين معسكري المعارضة وخامنئي لاسيما أنه يحاول اتخاذ موقف وسط بينهما.

ومن الملاحظ في هذا السياق أن واحداً من زعماء المعارضة على الأقل هو مرشح الرئاسة السابق مهدي كروبي كان قد تحدث علناً حول مثل هذا الاحتمال. ورغم أن الرئيس السابق أيضاً محمد خاتمي أنكر ان يكون قد وجه رسالة بذلك المعنى للمرشد الأعلى، إلا أن زعماء المعارضة الثلاثة: كروبي، خاتمي ومير حسين موسوي اعترفوا علناً بمحمود أحمدي نجاد رئيساً رغم قولهم إن عملية إعادة انتخابه تضمنت تجاوزات واسعة النطاق.

كما نأى هؤلاء الزعماء الثلاثة بأنفسهم بعيداً عن النداءات التي رددها المتظاهرون، ودعوا فيها للإطاحة بخامنئي وحكم رجال الدين.

لذا، يعتقد المراقبون ان هذه المؤشرات فتحت الطريق أمام المحافظين البراغماتيين في النظام للضغط من أجل المصالحة مع المعارضة.

ويتابع الكاتب بالقول، حتى الآن لم يستجب خامنئي بعد، لكن أنصار الخط المتشدد في جناح اليمين سخروا من هذا الاتجاه. ومع ذلك، ثمة مؤشرات لاحتمال أن تنفتح الدولة عليه او تفتح ولو حيزاً ما للمعارضة.

ففي الأسبوعين الماضيين بث التلفزيون الرسمي سلسلة من البرامج سمحت لنقاد الرئيس أحمدي نجاد بالتعبير عن آرائهم بحرية.

وفي يناير الماضي اتهمت لجنة برلمانية مدعيا عاما في طهران سابقاً سعيد مرتزفي، وهو قاض متشدد سابقاً، بأنه مسؤول عن موت ثلاثة معارضين في السجن. ومهما يكن الأمر، يبدو خيار التوصل للتسوية مع النظام شيئاً مفيداً لزعماء المعارضة.

فمن غير الواضح ما اذا كان بمقدور الحركة الخضراء الاستمرار في الصمود الى ما لا نهاية أمام بطش الدولة وقوتها الساحقة، وليس ثمة ما يشير الى احتمال أن يفقد النظام سيطرته على الشوارع.

وبالمقابل، يمكن أن يكون هناك ما يدفع خامنئي للتفاوض أيضاً. إذ أن سلطة المرشد الأعلى ترتكز على اساس اعتبار نفسه فوق مسألة اتخاذ القرار السياسي اليومي وما يتصل به من شجار داخلي.

ويستدرك الكاتب، لكن لما كان خامنئي قد أعلن أحمدي نجاد فائزاً في انتخابات يونيو قبل الانتهاء من فرز الأصوات، وأكد أنه يفضله، يكون بذلك قد انحاز لجانب دون آخر مما أضعف سلطته كقائد أعلى، وأضعف قدرته أيضاً على حل نزاعات النظام السياسي في البلاد، الأمر الذي جعل دوره هدفاً لانتقاد المحتجين.

ويوضح الكاتب، على أي حال لابد أن تتطلب أية تسوية على الأرجح ضرورة ان يتحرك خامنئي ضد أحمدي نجاد، وأن يبادر سياسياً داخل النظام إما لإزاحته أو تقليص سلطته بدرجة كبيرة. ذلك أن زعماء المعارضة يخاطرون بفقدان مساندة أنصارهم في الشوارع إذا ما أظهروا استعداداً للتصالح مع أحمدي نجاد بعد الدم الذي أريق خلال الأشهر الستة الماضية. لكن هل يستسلم الرئيس نجاد أمام مثل تلك المحاولة؟

الحقيقة أن الكثير يعتمد على أين يقع مركز القوة في النظام، وهنا نلاحظ أن نجاد كان قد بذل الكثير من الجهود خلال فترة رئاسته الأولى لتعيين حلفائه ومؤيديه، ومعظمهم من الحرس الثوري والنخبة العسكرية، في مناصب كبيرة ومهمة بالدولة. ورد هؤلاء هذا الجميل بتنظيم حملات القمع بعد الانتخابات.

وربما يلجأ أنصار الخط المتشدد، القلقون الآن عن خطر الصراع الداخلي على النظام، الى إثارة صراع مع الغرب من اجل تأمين المبرر للقيام بإجراءات قمع أقسى في الداخل.

لكن من الواضح أن كل الأطراف تبحث عن مخرج من هذه الأزمة التي أسفرت عن اطول فترة اضطراب سياسي لم تعرف إيران مثيلاً لها منذ ثورة 1979.

ويتابع كاتب المقال، أحد مذيعي التلفزيون الإيراني كان قد أعلن مؤخرا ان الكثير من الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات كانت نتيجة ليأس الشباب جنسياً مما يعني ان افضل وسيلة لحل الأزمة السياسية تكمن في العمل لتزويجهم.

ويختم الكاتب بالقول، ربما يبدو هذا الاقتراح طيباً لكل المعنيين بالأزمة، لكن من غير المرجح ان يتمكن الإيرانيون من تحقيقه سريعاً فلابد أن تشهد البلاد المزيد من الاضطرابات خلال الأشهر المقبلة قبل ان تظهر من وراء الكواليس السياسية النتائج المطلوبة.

المعارضة الإيرانية والقضية النووية.. والغرب 

وفي الرابع عشر من كانون الثاني/يناير 2010، خاطب پاتريك كلاوسون وراي تاكيه منتدى السياسة في مأدبة غداء خاصة في معهد واشنطن لمناقشة التحدي المزدوج المتمثل في التوصل إلى حل للأزمة النووية مع إيران والاستجابة للاعتراضات الداخلية الحالية.

ويشغل الدكتور پاتريك كلاوسون منصب نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن، والدكتور راي تاكيه زميل أقدم لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وهو متخصص في الشؤون الإيرانية والخليج العربي.

پاتريك كلاوسون: الحكومة الإيرانية منهمكة بالاضطرابات الداخلية

ويقول كلاوسون، في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في إيران في حزيران/يونيو 2010 وتطور حركة المعارضة، يواجه المحللون سؤالين وهما: ما أثر الدبلوماسية الدولية المتعلقة بالقضية النووية على السياسات الداخلية الإيرانية؟ وما أثر السياسات الداخلية الإيرانية على القضايا الأكثر أهمية للمجتمع الدولي؟ يقدم التقرير الذي أصدره معهد واشنطن بعنوان "قوة ضاربة من خطوات خاضعة للقياس" (Much Traction from Measured Steps) إجابات جيدة وسيئة وأخرى مختلطة.

الأخبار السيئة هي أن أهداف "الحركة الخضراء" المعارضة تختلف جذرياً عن تلك الخاصة بالمجتمع الدولي. فـ "الحركة" تهتم بصورة أكبر بالسياسة الداخلية من اهتمامها بالسياسة الخارجية، كما يسعى قادتها لإنتهاز أي قضية – حتى الإتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين كل من إيران و "مجموعة الخمسة زائد واحد" (الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية) – لإنتقاد الحكومة. وبالرغم من تدني الجهد النووي ضمن قائمة أولوياتها واحتمال التخلي عنه إذا وصلت إلى السلطة، نظراً لإرتباطه بأحمدي نجاد، إلا أن إنهاء البرنامج النووي لن يكون سهلاً على المستوى الفعلي. وإذا تعرض النظام للإنهيار وحل الإصلاحيون محله، فسوف تتعرض واشنطن للضغط لتسوية الأمر سريعاً والتكيف مع الظروف، في الوقت الذي يُتوقع فيه أن يقدم قادة إيران الجدد شيئاً ما يتجاوز ما كان متوقعاً من أحمدي نجاد. ويعتبر السيناريو الأكثر احتمالاً هو أن انتصار "الحركة الخضراء" سيكون بمثابة حلاً وسطاً رائعاً يحتفظ بموجبه آية الله خامنئي بالسلطة ويحدث تغييراً تدريجياً بمرور الوقت، مع استمرار بقاء البرنامج النووي دون أي تغيير.

إن الأنباء المتضاربة هي أن الحكومة منهمكة تماماً في الإضطرابات الداخلية التي تنكشف [يوماً بعد يوم]. لقد عانى النظام طويلاً من حالة من الإرتياب تجاه احتمال انطلاق ثورة مخملية، وتحولت مخاوفه الآن إلى واقع ملموس في صورة أعداء فعليين وتحول المعارضة الموالية في الماضي إلى أخرى غير موالية. ولا يعد السؤال الأهم هنا هو ما إذا كانت "الحركة الخضراء" ستصل إلى السلطة أم لا، بل إذا كان النظام قلق من الحركة، والإجابة هي نعم. إن النتيجة الإيجابية لهذا الخوف هو أنه يحفز النظام لمنع قيام حرب على جبهتين، إذا جاز التعبير، عن طريق تقديم تنازلات نووية للمجتمع الدولي. فخلال الصيف الماضي، على سبيل المثال، فتحت إيران مفاعل "آراك" أمام المفتشين ووافقت على أن توضع كاميرات إضافية في منشأة "ناتانز" وقبلت صفقة "مفاعل أبحاث طهران". غير أن النتيجة السلبية هي أنه من الصعب جداً اتخاذ قرارات في هذه البيئة الجديدة. إن الجمود السياسي معناه أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو عدم قيام النظام بعمل شيء ما. وعلى الرغم من أن أحمدي نجاد سيفضل الإنخراط مع الغرب وعقد صفقة من شأنها أن تعزز شرعيته، إلا أن خامنئي مقتنع بعدم جدوى هذه المفاوضات وأن الهدف الحقيقي لواشنطن هو قلب النظام.

وتعتبر الأخبار الجيدة هي أنه بالرغم من الإختلافات بين "الحركة الخضراء" والمجتمع الدولي، إلا أنه يمكن اتخاذ خطوات متواضعة للتوفيق بينها. فعلى سبيل المثال، إن "فيالق الحرس الثوري الإيراني" متورطة للغاية في البرنامج النووي وقمع المتظاهرين. لذا، يمكن لواشنطن فرض عقوبات على هذه الفيالق عن طريق مجلس الأمن الدولي بحيث تستهدف العقوبات حالة عدم التعاون المتواصل التي تمارسه إيران في المجال النووي، ثم القيام في وقت لاحق بالتلميح للعالم بأن القضية الحقيقية هي حقوق الإنسان. كما يمكنها استخدام وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية لكي توضح أن المفاوضات مع طهران لا تهدف دعم شرعية النظام، بل إنهاء عزلة إيران، مما يزيل عقبة رئيسية أمام تحسن العلاقات. وبالرغم من عدم واقعية الدعم الأمريكي المباشر للشعب الإيراني بسبب عدم الشعبية التي تلاقيها تلك الجهود في كلا البلدين، يمكن لواشنطن أن تسمح للمنظمات غير الحكومية بتقديم المساعدة المباشرة. فعلى سبيل المثال، يمكنها أن ترفع التشريع الذي يحظر على مثل هذه المنظمات تقديم هواتف للإيرانيين تعمل بالأقمار الصناعية.

أما بالنسبة إلى العقوبات، فإن أعضاء "الحركة الخضراء" الذين تم الإلتقاء بهم لغرض إعداد التقرير الأخير الذي أصدره المعهد، فلديهم وجهات نظر متباينة حول هذا الموضوع. وبالرغم من أنه كان هناك توافق حول دعم العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان، لم يلق فرض عقوبات أوسع نطاقاً تأييداً بالرغم من أن بعض الأعضاء قد يدعمونها إذا كانت ستؤدي إلى نتائج قصيرة الأجل. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية، تلعب العقوبات المفروضة على المواد ذات الإستخدام المزدوج دوراً هاماً في إبطاء برنامج إيران النووي. وعلاوة على ذلك، يمكن لواشنطن وشركائها جعل العقوبات الحالية أكثر فعالية إذا سعت للوصول إلى تعاون في مجال التقنية والإستخبارات مع البلدان الأقل نمواً التي تستخدمها إيران كدول وسيطة.

راي تاكيه: مستقبل المفاوضات غير مؤكد

ويقول تاكيه، تواجه إيران مشكلتين داخلتين هامتين – انقسام الصفوة والإضطرابات الشعبية – وعلاقتهما ببعضها البعض التي لا تبدو واضحة دوماً. يمكن لخامنئي أن يجمع الصفوة مجدداً من خلال الموافقة على بعض مطالب القادة الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، غير أنه لا يرغب في القيام بذلك خوفاً من أن تكون تلك هي بداية النهاية لنظام حكمه.

فبعد أن أصبح خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية عام 1989، عمل بثبات على تمكين المحافظين الذين كانوا يدينون بالولاء له، وبلغ ذلك ذروته في انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للبلاد عام 2005. ومنذ انتخابات حزيران/يونيو 2009، أتيحت له الفرصة لإعادة التفاوض بشأن هذا النظام وضم الإصلاحيين والمعتدلين إلى الحكومة، غير أنه اختار عدم القيام بذلك.

وحتى إذا كان قد قرر اتخاذ ذلك الحل الوسط، فإنه لم يكن ليخفف من الإستياء الشعبي. وتبقى سيطرة موسوي وكروبي على ما حدث في الشوارع أمر مشكوك فيه – فغالباً ما يكونون هم أنفسهم من المراقِبين. وللتعامل مع الإضطرابات، اختار خامنئي بدلاً من ذلك اتباع سياسة الإحتواء بإلقاء القبض على الأفراد ذوي الشعبية، في الوقت الذي تم تصعيد أعمال العنف التي قامت بها الحكومة ضد المتظاهرين. ووصلت هذه السياسة إلى نقطة تحول مع استخدام قوات الأمن للذخيرة الحية؛ إن لذلك القدرة على إحداث تطرف في صفوف المعارضة. وليس من الواضح ما إذا كان لدى قوات الأمن الإيرانية القدرة على مواصلة النهج الحالي على نطاق أوسع. وتفتقر إيران وسط هذا الصراع الداخلي، إلى سياسة خارجية موحدة. ويعتبر أحمدي نجاد المناصر الرئيسي للمفاوضات النووية، بينما يعارضها خامنئي بشدة. ونظراً لتمتع التطورات الداخلية بالأسبقية، فلدى طهران حوافز قليلة للعمل مع المجتمع الدولي، حيث سيكون للمفاوضات أثر محدود لقمع الإضطرابات الداخلية أو ترسيخ مكانة النظام.

لذا، فإن المستقبل الفوري للمفاوضات غير مؤكد. هناك ضمان قليل بأن الإضطرابات الداخلية المستمرة ستؤدي إلى قيام سياسة خارجية أكثر واقعية، وليس واضحاً ما التي ستكون الخطوة المقبلة إذا وافقت طهران على صفقة معدلة كجزء من المناقشات الجارية في فيينا. إن العقوبات لن تؤدي إلى تغيير أهداف النظام قصيرة الأجل، بل إلى تغيير الأساليب فقط. وتعتبر "فيالق الحرس الثوري الإيراني" متأصلة في الإقتصاد الإيراني إلى درجة بحيث من المحتمل أيضاً أن تؤدي [أي] عقوبات تفرض على النظام إلى إلحاق الضرر بالحركة الديمقراطية. ومع ذلك، فبدون وجود بديل أفضل، تعتبر العقوبات خياراً مفيداً إذا استمرت المماطلة في المفاوضات.

ولا ينبغي على واشنطن أن تحاول تحويل العلاقات الأمريكية الإيرانية طالما ظل النظام الحالي في السلطة. وليست هناك جدوى من إبداء الإحترام لنظام فقد احترام شعبه. ويمكن للولايات المتحدة انتهاج علاقة صفقات مع إيران في نفس الوقت الذي لا تزال توجه فيه انتقادات إليها حول حقوق الإنسان. كما أن أي صفقة نووية يجب أن تتضمن أكثر من مجرد اتفاقات في مجال التكنولوجيا – ينبغي أن تُجبر طهران أيضاً على تلبية الإلتزامات الدولية الأخرى، ألا وهي إنهاء دعمها للمنظمات الإرهابية. إن أي اتفاق نووي يمكن أن يكون مشروطاً، بحيث يشمل بعض الممارسات الداخلية المعينة التي يتبعها النظام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/شباط/2010 - 2/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م