في المقال السابق ذكرنا بان الثورة تخرج من رحم المظلومية، وان ثورة
الإمام الحسين في كربلاء البطولة والإباء، واستمرار مدرسة النهضة
الحسينية لغاية اليوم، انبثقت من مظلومية الإمام الحسين ومن مظلومية
الإمام الحسن(ع) وقيادته التي أرسى أركانها من خلال التالي،
أولا: تعرية النظام الأموي وكشفه على حقيقته أمام الناس وإسقاط ما
يروج له بأنه يمثل الخلافة الإسلامية، بأنه ظالم ومعتد وفاسد يبحث عن
مصالحه والتسلط على رقاب الناس باسم الدين، وهذا مبرر شرعي لعدم السكوت
والاستسلام له بل مقاومته والثورة ضده.
ثانيا: دوره الرسالي والحركي في تهيئة وبناء كوادر مخلصة في جميع
المجالات تؤمن وتقدر دور القيادة للإمام المعصوم وأهمية الطاعة له
والتضحية بين يديه، وقادرة على تحمل مسؤولية الإصلاح والتصدي، وتعي
بظروف المرحلة. والقائد الحكيم الرسالي مثل الامام المعصوم (ع) أقدر
على تحديد المصلحة للأمة، فاتفاقية الإمام الحسن بالصلح التي عُرضت
عليه، وقبل بها بسبب الوضع، قد حاول الإمام أن يجيرها ويستفيد منها بما
يؤدي إلى مصلحة وفائدة لتحقيق مصالح مستقبلية.
وبعد شهادة الإمام الحسن (ع) مسموما ومظلوما من قبل النظام الأموي،
ومع تصدي الإمام الحسين بن علي حفيد الرسول الأعظم محمد (ص) شهيد
كربلاء، للإمامة والقيادة للأمة، المرحلة اختلفت بارتكاب النظام الأموي
المزيد من الجرائم منها اغتيال الإمام الحسن(ع) ومنع جثمانه من الدفن
بجانب جده، واستمرار الضغوط على الشيعة، ولكن الإمام الحسين التزم
بنصوص اتفاقية الصلح، مع الاستمرار بإستراتيجية الإمام الحسن الزكي،
عبر تنمية الوعي لدى الناس وبناء الكوادر الرسالية، مع تعرية وفضح
النظام الأموي أمام الناس غير الواعية بحقيقته لكي تكتشف الأمة بأنه
نظام ظالم وخائن لا وفاء عنده للعهود والمواثيق ومنها اتفاقية الصلح
بينه مع القائد للأمة الإمام الحسن بن علي (ع).
وبعد وفاة معاوية وتعيين ابنه يزيد حاكما على الأمة، في خطوة تمثل
عدم احترام النظام الأموي لبنود اتفاقية الصلح - إذ تنص الاتفاقية على
«عودة الحكم بعد وفاة معاوية إلى البيت المحمدي العلوي عبر الحسن أو
أخيه الحسين في حالة وفاته» -، أصبح الدين ورسالة الإسلام في خطر،
وواقع الأمة ومستقبلها مظلم، والعدالة معتقلة ومغيبة، والناس بدون حرية
وكرامة، في ظل نظام فاسد وحاكم فاسق، ففرض الوضع الجديد أسلوبا جديدا
يحتاج إلى المواجهة والثورة والتضحية والجهاد وتقديم الشهداء كما فعل
الإمام الحسين (ع) عندما رأى أن الموقف الشرعي والإنساني يدعو لذلك.
رفض الإمام الاعتراف بالنظام ومبايعة يزيد الأموي وأعلن بصوت مرتفع
قائلا: «يزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة، معلن
بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله». وبسبب ذلك أرسل يزيد جيشا لإجبار الحسين
على المبايعة أو قتله في أي موقع ولو كان متعلقا بأستار الكعبة، فتوجه
الإمام الحسين نحو العراق إلى ارض كربلاء، وهناك كرر الإمام رفضه
للنظام الأموي ولكل أشكال الترهيب والتهديد مرددا كلمته الخالدة: «لا
والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»، وقال:
«هيهات منا الذلة»., وفي يوم عاشوراء بأرض كربلاء تعرض الإمام الحسين
للقتل..، وتم نحر رأسه وفصله عن جسده الشريف..، وقتل أهل بيته وأصحابه
وسبي نسائه، في حادثة مفجعة لم يشهد لها التاريخ مثيلا.
مظلومية الإمام الحسن (ع) وصلحه بشروط متقدمة ساهمت في تعرية النظام
الأموي الظالم، وتقديم المبرر الشرعي لمقاومته وإسقاطه، و قيام نهضة
الإمام الحسين (ع) الخالدة التي أسقطت نظام بني أمية وما زالت تهز عروش
الظالمين، وتكون نبراسا للثائرين والأحرار في العالم.
تجربة الإمام القائد الحسن بن علي (ع) تجربة غنية بالحنكة وبالدروس
في مجال القيادة والسياسة والعمل الحركي والتنظيمي بواقعية وبنظرة
ايجابية، وهي تجربة مهمة جدا لكل من يعمل ويتصدى للعمل السياسي
والقيادي، وسيرته تحتاج إلى المزيد من الدراسات والبحوث وكتابة
المقالات، لكي يتم الاستفادة منها بشكل أفضل، ولأجل ذلك ينبغي تخصيص
أيام حسنية في ذكرى وفاته لتناول مساحة اكبر من سيرته المباركة.
قال الرسول الكريم (ص) «الحسن والحسين امامان قاما أو قاعدا».
إمامان قائدان مفترضا الطاعة في أجواء المظلومية عبر الهدنة والصلح -
كما حدث في عهد الإمام الحسن- أو عبر المقاومة والثورة - كما حدث في
الإمام الحسين-.
فالهدف والغاية والرسالة واحدة بين الإمامين السبطين الحسن والحسين،
وهو الإصلاح ورفض الظلم والعدوان، والدفاع عن حقوق وحرية الناس ومقاومة
الظالمين. وان اختلف الأسلوب بسبب الأوضاع. |