دبلوماسية القوة

مرتضى بدر

قبل عام قال الرئيس باراك أوباما: “سوف نمارس فلسفة القوة الناعمة في سياستنا الخارجية”، وأما نائبه جو بايدن فقد قال في كلمة أمام لجنة العلاقات الأميركية “الإسرائيلية” (إيباك): “إن محاولاتنا مع إيران خلال السنوات الأخيرة لم تعطِ نتيجة كما هو واضح” في إشارة إلى رفض إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش فتح حوار مع إيران إلى حين وقف عملياتها النووية الحساسة، وأضاف بايدن: “لا زلنا بانتظار أن نعرف ما هو الأسلوب الناجع”.

 اليوم، وبعد مرور عام على تصريح الرئيس ونائبه نوّد إثارة الأسئلة التالية: هل فعلاً استطاعت إدارة أوباما تفعيل سياسة القوة الناعمة منذ استلامها السلطة في البيت الأبيض؟

وهل توصلت إلى استراتيجية واضحة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، أم إنها تمارس المراوغة تحت غطاء الدبلوماسية الناعمة حيناً، والدبلوماسية المدعومة بالتهديد العسكري حيناً آخر؟

ماذا يعني تمركز سفن حربية ونشر صواريخ دفاعية في منطقة الخليج؟ وهل إيران فعلاً تهدد دول المنطقة؟ هل الإدارة الأميركية بصدد حفظ التوازن في المنطقة أم إنها تتهيأ لضرب إيران؟ معلوم إن إدارة بوش لم تكن تتبنى مطلقاً الدبلوماسية الناعمة، ولم تكن تؤمن بهذه السياسة في العلاقات الدولية؛ ذلك لأن معظم محيطه كانوا من أتباع ممارسة القوة الصلبة أو الخشنة، وكانوا ينتهجون مدرسة بسط الهيمنة بالقوة القهرية.

 الإدارة الحالية التي عُرِف عنها بأنها تتبع المدرسة الواقعية، التي عارضت بشدة سياسات الإدارة السابقة، تدرك جيداً مدى المخاطر بل الكوارث التي سوف تحدث في حال نشوب أي مواجهة عسكرية في منطقة الخليج لا سمح الله؛ ولهذا فضلت أتباع الدبلوماسية الناعمة مع إيران.

في الفترة الأخيرة، وفي ذكرى مرور عام على تولي أوباما مقاليد الرئاسة، رفع الأخير من لهجته تجاه إيران، وهددها بأنها ستواجه المزيد من الحصار الاقتصادي والعزلة الدولية، وجاء توقيت الخطاب مع الخبر الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن قرار البنتاغون نشر صواريخ مضادة في أربع دول خليجية، وأن واشنطن سترد في حال وجهت إيران صواريخها إلى القواعد الأميركية والسفن العسكرية المتمركزة في المنطقة.

باعتقادي، الخبر مفبرك وتوقيته قد حُدّد بعناية ليتناسب مع موعد الخطاب السنوي للرئيس أمام الكونجرس، ولا يخرج عن نطاق الحرب النفسية، ومحاولات تغذية مشاعر “الخوف من إيران” أو ما يعرف بـ “إيران فوبيا”. وأما صواريخ الباتريوت وغيرها التي تتحدث عنها الأخبار فهي موجودة أصلاً في المنطقة منذ أكثر من عام، والمناورات العسكرية مستمرة من قبل الطرفين، وكل شيء تحت “الكنترول”، فماذا استجد في القضية؟

 إنني لا أرى أي تطور في الملف النووي، ولا أعتقد بوجود رغبة في مواجهة عسكرية من قبل الطرفين، فدبلوماسية الكواليس تسير بهدوء على رغم التصريحات النارية والتسريبات الصحافية. واشنطن، من جهتها، تستمر في ممارسة الضغط على روسيا والصين للقبول بفرض المزيد من الحصار.

 اليوم، وبعد أن توترت العلاقة بين بكين وواشنطن بعد قرار الأخير بيع أسلحة متطورة إلى تايوان، فقدت إدارة أوباما القدرة على تمرير أي مشروع جديد ضد إيران في مجلس الأمن؛ لذلك أرى أن لعبة التوازنات الدولية من جهة، والمصالح الاقتصادية من جهة أخرى قد تلعب دورًا مهمًا في هذا الملف. فلا أتصور أن الدبلوماسية الناعمة أو الصلبة تجدي نفعاً في حل هذه المعضلة، بالإضافة إلى أن الإدارة الأميركية غير مقتنعة بضرورة استخدام القوة مع دولة تمكنت من بناء قدراتها الصاروخية، وقادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 %.

 ومن ناحية أخرى، فإن وضع الاقتصاد العالمي المتردي لا يتحمل أزمة جديدة تنشب في أهم بقعة في العالم، التي تعتبر شريانًا للحياة، إضافة إلى أن العجز الهائل الذي تعاني منه ميزانية أميركا قد يغير الوضع الداخلي والدور الخارجي للولايات المتحدة في العالم.

إذًا لا أحد يرغب في إشعال فتيل المواجهة إلا دولة واحدة وهي (إسرائيل) التي تضغط على الإدارة الأميركية في اتخاذ  قرار عسكري حاسم حتى تنتهي المخاوف من التهديدات الإيرانية، لكن مستشار الأمن القومي الأميركي جيم جونز حذّرها قائلاً: “ومع تزايد الضغوط على النظام في طهران بسبب برنامجها النووي هناك مخاطرة متزايدة من وقوع المزيد من الهجمات ضد إسرائيل”.

 وهذه الرسالة واضحة لإسرائيل بأن إدارة أوباما لن تقدم على مجازفات خطيرة، وإنها تفضل الحل السياسي للقضية. وهذا دليل على أن القضية قد سُيِّست في الأساس من قبل الغرب وبضغط من إسرائيل بعد أن كانت فنية وحقوقية. الوضع سيستمر على حاله بين الشدّ والجذب، والقيل والقال حتى تنتهي ولاية أوباما إلا إذا حدث اختراق أو حدثت تفاهمات بين إيران والغرب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/شباط/2010 - 30/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م