ظاهرة تسرّب التلاميذ من المدارس: مشكلة بحاجة لحلول ناجعة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: بالتعليم والإفادة من الجهد الإنساني الخلاق في عموم المجالات، استطاع الإنسان أن يخطو خطواته الكبيرة نحو الرقي والتطور المضطرد، وكان المرتكز الأساس الذي اعتمده الإنسان في رحلته الطويلة هو وضع الأسس الصحيحة للتعليم والبدء من المراحل العمرية الأدنى في هذا المجال، وكلما كانت هذه الخطوات سليمة ومدروسة مسبقا كلما كانت ثمارها مضمونة، وكلما بذل الكبار جهدا أكبر على الصغار كلما كانت النتائج ملموسة لتصب في عملية البناء الإنساني المتحضر للمجتمع.

ويركز معظم العلماء المختصين في دراسة الشخصية على السنوات الأولى للإنسان وأهمية التأسيس التعليمي الصحيح له، فتصبح مرحلة الدراسة الابتدائية من اهم مراحل التعليم كونها تدخل ضمن مراحل التأسيس المهمة في عملية البناء الشامل للانسان، وثمة من يرى أن الشعوب والامم المعاصرة التي ترسخت فيها عوامل وعناصر النجاح بصورة عامة، إنما استطاعت أن تحقق هذه النتائج من خلال رعايتها للنسغ الجديد لاسيما في مرحلة الطفولة، حيث حصلت على الاهتمام الاكبر في تلك الامم، ثم استطاعت الامم من خلالها أن تبني النسيج الاجتماعي العصري القادر على التعامل مع مفردات الحياة وفق رؤية معاصرة.

ترى هل تمكن كبارنا من تحقيق هذا الهدف لصغارهم ومن ثم لأنفسهم ولمجتمعاتهم؟ وهل أدى قطاع التعليم الابتدائي في العراق دوره الحاسم في هذا المجال؟ وهنا سنحصل على الاجابات من الوقائع المؤسفة التي نعيشها على الارض ونلمسها لمس اليد ونراها بالعين المجردة، ممثلة بحالات التسرب المتواصلة للطلاب الصغار من المدارس الابتدائية حتى أنها شكلت ظاهرة لايمكن السكوت عنها او وضعها خلف ظهورنا، بسبب الخطورة التي تكمن وراءها.

ونعني بالخطورة هنا هي انتشار الأمية بين الأطفال ثم البالغين ثم الشباب صعودا الى الفئات العمرية الأخرى، وهذا يعني بدوره تكوين نسيج اجتماعي (جاهل) غير متعلم وليست له القدرة على التواصل مع العصر، ترى من يتحمل المسؤولية في هذا الجانب الخطير وما هي الجهات المعنية بذلك؟، وهل يجوز السكوت عن هذه الظاهرة وتزايدها في وقت أصبح العالم المعاصر رحبة واسعة للعلم والتطور المتواصل؟.

إن ما يحدث من حالات تسرّب للتلاميذ الصغار لا يتيح لنا التغاضي عنها او اللجوء الى التبريرات التي نحتمي بها عن ارتكاب هذا الخطأ او ذاك، لذا ينبغي دراسة هذه الظاهرة بصورة مستفيضة من لدن الجهات والشخصيات المعنية وضرورة وضع المعالجات السليمة والسريعة في آن واحد، لغرض القضاء عليها او الحد منها في أضعف الايمان، وفي آراء كثيرة يطرحها ذوو الشأن بهذا الخصوص، إذ يرى بعضهم أن من اسباب تزايد التسرّب للتلاميذ هو عدم توفير الاجواء الدراسية الملائمة لهم إبتداء من تصميم البناية المدرسية والصف الدراسي ناهيك عن الخدمات الاخرى التي يحتاجها الطلاب اثناء تواجدهم في المدارس، ثم المناهج الدراسية واشكالياتها وطرق توصيلها من قبل المعلمين وضعف طرق تدريسهم، وثمة الكثافة الطلابية في الصف الواحد حيث تصل الاعداد في بعض الاحيان الى سبعين طفلا في الصف ولنا أن نقدر مدى صعوبة توصيل المادة الى كل هذا العدد من الطلاب في ساعة درس مدتها (30) دقيقة فقط!! بسبب نظام الدراسة الثلاثي، أي تواجد ثلاث مدارس في بناية واحدة.

لذا من الضروري جدا أن تلتفت الجهات التعليمية المختصة الى معالجة هذه الظاهرة وتبحث أسبابها وتضع الخطط العملية التي تحد منها او تقضي عليها تماما، وهي ليست مستحيلة إذا ما توافرت الخطوات الصحيحة سواء من المعنيين الحكوميين بإدارة قطاع التعليم او من الجهات الساندة لها كالمنظمات المحلية والعالمية وكذلك الآباء والامهات واهمية دورهم في الحد من هذا الظاهرة من خلال التعاون مع ادارات المدارس في معرفة وتحديد الاسباب ومن ثم معالجتها.

ومن غير الصحيح أن نلجأ إلى أسلوب التبرير وتعليق الأخطاء والتقصير على شماعة الأحداث التي يمر بها البلد، لأن الأهمية القصوى لمعالجة هذا الظاهرة لا تسمح بالتبرير قط، على أننا ينبغي أن نقر بأن المعالجات يجب أن تأخذ طابعا جماعيا مسئولاً وكما يلي:

- أن تشكل لجان متخصصة لدراسة ظاهرة التسرّب وتحديد أسبابها وسبل معالجتها.

- أن يبذل قطاع التعليم الحكومي لاسيما الإداري جهدا كافيا لمعالجة النواقص التي تعاني منها المدارس الابتدائية سواء فيما يتعلق بالبنايات والكادر التدريس وما شابه.

- أن تقوم الجهات الحكومية المعنية بإطلاق حملات جماعية لبناء المدارس.

- أن يتم تعيين الكادر التعليمي الكافي لما يُستَجَد من المدارس الابتدائية.

- أن يتوضح دور الآباء والأمهات بهذا الصدد وأن يشعر هؤلاء بأنهم جزء مهم في المتابعة والتعليم والمراقبة والإسهام في معالجة المعوقات التي يواجهها أبناؤهم أو إدارات المدارس أيضا.

- أن تتم الاستفادة من المنظمات والجهات الأهلية المحلية والدولية في قطاع التعليم.

- الاهتمام بالمعلم في جوانب التدريب والتخصيص المالي والاهتمام المعنوي وما شابه.

- أن يكون للإعلام دوره الحاضر والواضح في معالجة هذه الظاهرة.

- أن يتدخل رجال الدين بالضغط في اتجاه المعالجات المطلوبة سواء على الجهات التنفيذية او على الآباء والأمهات والأطراف الأخرى  المعنية بعملية التعليم الابتدائي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/شباط/2010 - 30/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م