المتسرِّبون من خدمة الإرهاب وإمكانية استغلالهم في مكافحة القاعدة

 

شبكة النبأ: كرّسَ الكثيرون في واشنطن وخارجها في السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً لفهم التطرف، وعلى الرغم من أن ذلك يُعد تطوراً ايجابياً، إلا أن هناك نفس القدر من الأهمية إذا تم النظر إلى الوجه الآخر لهذه الظاهرة، وهم الأفراد الذين تركوا المنظمات الإرهابية والمتطرفة.

وقد تعرّضَ تنظيم القاعدة منذ أيامه الأولى لفرار بعض أفراده من التنظيم وعدم ضلوعهم بعد ذلك في أعماله الإرهابية، وفي الماضي كان أغلب المتسربين من تنظيم القاعدة من العملاء ذوي المستوى الأدنى، ولكن في الآونة الأخيرة، بدأ قادة رفيعي المستوى ومنظِّرين رئيسيين يتحولون أيضاً ضد هذه المنظمة. وعلى الرغم من أن قرار التخلي عن التنظيم يمكن أن ينبع من مجموعة متنوعة من العوامل، ولكن عندما ينظر إلى حالات فردية، تظهر أنماط قليلة مميزة لهذه الظاهرة.

ونشرَ موقع فورين بوليسي.كوم، مقالاً للباحث مايكل جيكوبسون، زميل أقدم في برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بمعهد واشنطن قال فيه: عندما عمِلتُ ضمن موظفي لجنة 9/11، كانت إحدى مهماتنا الرئيسية هي الحصول على معلومات عن تطور مؤامرة تنظيم «القاعدة». لذلك، كانت تحركات وأنشطة وارتباطات الخاطفين التسعة عشر إحدى جوانب المؤامرة التي ركزنا عليها الإهتمام.

ويوضح الكاتب، لقد كان السؤال الأساسي الذي بذلنا جهوداً مضنية من أجل الإجابة عليه هو كيف استطاع تنظيم «القاعدة» إقناع 19 شاباً بالمشاركة في هجوم من شأنه أن يسفر عن موتهم المحقق. وعلى الرغم من أن "نجاح" تنظيم «القاعدة» في هذه الجبهة كان مذهلاً، فشلت المنظمة في إقناع جميع أوائل المهاجمين المحتملين بالمضي قدماً في مخططهم. والسؤال هو لماذا لم ينجح التنظيم في ذلك؟ إن قصص الأفراد الذين تم اختيارهم للقيام بهجمات 9/11 والذين تخلّوا عن القيام بالعملية الإرهابية، حتى بعد أن واجهوا ضغوطاً من قبل الجماعة الإرهابية، لم تحظى باهتمام يذكر من قبل وسائل الإعلام أو بين صناع القرار، ولكن بإمكانها أن تعلمنا دروساً هامة لإحباط هجمات مستقبلية.

ويضيف الكاتب، في حين أن زعيم منفذي أعمال الخطف، محمد عطا، هو الآن اسماً مألوفاً، إلا أن مشبب الهملان وسعود الراشد هما إلى حد كبير غير معروفان بصورة كافية. فقد تم اختيار هذين السعوديين الشابين من قبل قيادة تنظيم «القاعدة» للمشاركة في الهجمات، وكانا قد غادرا معسكرات التدريب في أفغانستان ليعودا إلى ديارهما في المملكة العربية السعودية من أجل الحصول على تأشيرات سفر إلى الولايات المتحدة. بيد، كان لكلاهما أفكار ثانية بعد وصولهما إلى السعودية. وبعد حصول الهملان على تأشيرته، اتصل بأسرته على الرغم من وجود تعليمات واضحة من قبل المتعاملين معه من تنظيم «القاعدة» بعدم القيام بذلك. وعندما تبين للهملان أن والدته كانت مريضة، قرر عدم العودة إلى أفغانستان -- حتى بعد أن واجه ضغوطاً مكررة من قبل تنظيم «القاعدة». وقد شملت تلك الضغوط زيارة شخصية قام بها خالد الزهراني، أحد المنتسبين من معسكرات التدريب الذي كان قد أُرسل من قبل خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11/9، لإقناع الهملان بالعودة إلى أفغانستان. وقد تمت الزيارة في الكلية السعودية التي كان قد عاد إليها الهملان من قَبْل.

قد توضِّح قصة الراشد بصورة أكثر إثارة، الدور الذي يمكن أن تضطلع به الأسرة في عملية التسرب. ووفقاً لخالد شيخ محمد، من المحتمل أن يكون الراشد قد انسحب من المؤامرة لأن أسرته اكتشفت تورطه فيها، وقامت بمصادرة جواز سفره.

ويتابع الكاتب، في صيف عام 2001، واجه تنظيم «القاعدة» تحدياً محتملاً لعملية [اختطاف الطائرتين] كان أكثر تعقيداً من غيره، وذلك عندما كان يفكر زياد الجراح بالإنسحاب من العملية؛ والجراح هو الشخص الذي قام بخطف طائرة [يونايتد إيرلاينز] وقيادتها في رحلة رقم 93؛ إن تفكير الجراح بالإنسحاب من العملية كان يعود جزئياً إلى علاقته "المضطربة" مع عطا. ووفقاً لما وصفته لجنة 9/11، قام رمزي بن الشيبة -- الذي كان حلقة الإتصال بين الخلايا وقيادة تنظيم «القاعدة» من مقره في هامبورج -- بإجراء "محادثة عاطفية" مع الطرفين كانت كافية لإقناع الجراح بمواصلة المسيرة.

ونظراً لأننا لا نستطيع قتل أو اعتقال كل ارهابي محتمل، إلا أن تطوير فهم أفضل لـ "ظاهرة التسرب" هذه، هو أمر حاسم لجهود مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة فيما يتعلق بصياغة العدد الهائل من برامج مكافحة التطرف التي تظهر في الشرق الأوسط، وآسيا، وأوروبا.

ويستدرك الكاتب بالقول، هناك الكثير من المرشحين للدراسة. وعلى الرغم من سمعة تنظيم «القاعدة» المعروفة بالشراسة، والسرية، وروح العمل الجماعي، ابتلى التنظيم بالفرار من الخدمة منذ أيامه الأولى. وفي الآونة الأخيرة، انقلب قادة رئيسيين ومنظرين ضد هذه المنظمة، متحَدّين رؤية «القاعدة» للجهاد العالمي. إن تنظيم «القاعدة» هو ليس الوحيد من بين الجماعات الجهادية في العالم التي تعاني من الإنشقاقات. فقد شهد بعض شركائه خسائر مهمة أيضاً، بدءاً من جنود المشاة وانتهاءاً بأفراد القيادة الرئيسية.

إن هروب القادة البارزين ورجال الدين والمنظرين مؤخراً من الخدمة في تنظيم «القاعدة»، قد يكون له تأثير بالغ وطويل الأمد على المنظمة. وكان أبرز أولئك المنشقين الزعيم المصري السابق لجماعة "الجهاد الإسلامي" سيد إمام الشريف (المعروف أيضاً باسم الدكتور فضل). وغالباً ما استشهد تنظيم «القاعدة» باطروحات الدكتور فضل كتبرير ايديولوجي لأفعاله، ولكن منذ ذلك الحين تخلى الدكتور فضل عن أسامة بن لادن وألف كتاباً جديداً رفض فيه رسالة تنظيم «القاعدة» وتكتيكاته.

ويضيف، كما أن الزعيم السابق لـ "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة"، نعمان بن عثمان، أدار ظهره للجهاد، ولعب دوراً رئيسياً في إقناع شخصيات رئيسية أخرى في المنطمة ليقوموا هم أيضاً بنبذ تنظيم «القاعدة». وفي أيلول/سبتمبر 2009، أصدر ستة من قادة "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" إفادة أقروا فيها بخطئهم وتخلوا عن معتقداتهم الجهادية وتحدوا فيها الرؤية العالمية لتنظيم «القاعدة» المتمثلة بالجهاد؛ جاء ذلك في كتاب تضمن أكثر من 400 صفحة، بعنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس".

ويستشهد الدكتور فضل، وبن عثمان، والقادة الآخرين الذين انشقوا عن التنظيم بالتفسير غير الدقيق للإسلام من قبل تنظيم «القاعدة»، وكونه العامل الرئيسي في قرارهم بالتخلي عن هذه القضية. وفي أطروحته، قال الدكتور فضل بأن جهادية تنظيم «القاعدة» تستحق الشجب، مضيفاً بأنها تنتهك الإسلام والشريعة الإسلامية. وفي عام 2007، كتب بن عثمان رسالة علنية إلى الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، قائلاً إن تكتيكات «التنظيم» تنتهك دعوة الإسلام لحماية "دين الشخص، وحياته، وعقله، ونسله، وثروته". جاء ذلك بعد سنوات من قيام بن عثمان بانتقاد المجموعة بصورة غير علنية. وفي تلك الرسالة، دعا بن عثمان تنظيم «القاعدة» إلى وقف عملياته العسكرية، وهي مشاعر تكررت في قرار "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" نبذ «التنظيم» في عام 2009.

ويبيّن الكاتب بالقول، لقد كانت هناك خلافات -- أكثر عملية -- لبن عثمان مع بن لادن فيما يتعلق بالإتجاه الذي [يجب أن] تتبعه الحركة الجهادية العالمية؛ ويدعي بن عثمان أنه قد طلب من أمير تنظيم «القاعدة» في إجتماع قمة عام 2000، إنهاء مشاركته في الأعمال الإرهابية، بإدراكه أنهم يخوضون معركة خاسرة. واعتقد بن عثمان أن قيام تنظيم «القاعدة» بالتركيز فقط على الولايات المتحدة بصفتها "رأس الثعبان" من شأنه أن يضر بالجهود التي تبذلها مجموعات مثل "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" للإطاحة بالأنظمة العربية المرتدة، والتي يعتبرها بن عثمان بأنها المشكلة الحقيقية التي يعاني منها العالم الإسلامي. وفي وقت لاحق، قال بن عثمان انه قدم "طلباً واضحاً" لبن لادن بالتوقف عن مهاجمة الولايات المتحدة لأن ذلك "لن يؤدي إلى أي مكان"، ولكن بن لادن تجاهل قلقه. وبعد هجمات 11/9، استقال بن عثمان من منصبه في "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة"، بسبب قلقه من أن الولايات المتحدة ستقوم على الأرجح بالرد على الهجوم ليس فقط باستهداف تنظيم «القاعدة»، بل منظمته أيضاً.

وكثيراً ما مثلت الشكاوى التافهة دوراً أكبر في قرار ناشطي «القاعدة» من المستوى المتوسط وجنود المشاة، بإدارة ظهورهم للمنظمة. فعلى سبيل المثال، أدت خلافات حول المال، إلى قيام بعض الإرهابيين برؤية التعويض غير الكافي الذي يستلموه كدليلاً على معاملتهم غير العادلة. لنأخذ قضية جمال الفضل، السوداني الجنسية، الذي كان واحداً من أوائل الأعضاء في تنظيم «القاعدة» خلال سنواته في السودان ولعب دوراً في الجهود غير الناجحة التي بذلتها المنظمة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي للحصول على اليورانيوم. لقد كان فضل مستاءاً من راتبه في ذلك الوقت – فقد تلقى 500 دولار في الشهر، على عكس الأعضاء المصريين، الذين دُقع لهم 1200 دولار شهرياً. ورداً على ذلك، بدأ يختلس المال وسرق ما يقرب من 100000 دولار من تنظيم «القاعدة». وعندما علم بن لادن بالأعمال التي قام بها فضل، أمره بسداد المال. وبعد قيامه بسداد حوالي 30000 دولار، هرب الفضل خوفاً من العقاب إذا لم يقم بسداد المبلغ بكامله.

ويضيف الكاتب، كما كانت هناك شكاوى مماثلة لحسين خرشتو، المغربي الأصل الذي انضم إلى تنظيم «القاعدة» في عام 1991 وتدرب ليكون الطيار الشخصي لبن لادن. وقد أصبح خرشتو مريراً بعد أن رفض أحد مساعدي بن لادن طلبه الحصول على 500 دولار لتغطية تكاليف عملية قيصرية أجريت لزوجته. وازداد غضبه عندما قام تنظيم «القاعدة» بدفع نفقات مجموعة من المصريين كانوا قد أُرسلوا إلى اليمن لتجديد جوازات سفرهم. وفي وقت لاحق، قال خرشتو في شهادته "إذا كان لدي بندقية، لأطلقت النار على [بن لادن] في ذلك الوقت". وعندما انتقلت المنظمة إلى أفغانستان، رفض خرشتو اللحاق بها، وبالتالي كان ذلك انتهاكاً لليمين الذي أقسم به لبن لادن. كما شعر خرشتو أيضاً بالمرارة بعد قيام بن لادن بأمر أتباعه بأن عليهم أن يخفضوا مصاريفهم. واعتقد خرشتو أن بن لادن -- مواطن سعودي معروف بأنه شخص غني -- كان يبخل في عطاياه. وبعد ذلك وفي أوائل عام 2001، كان خرشتو والدكتور فضل الشاهدان الرئيسيان من قبل الحكومة الأمريكية في المحاكمات التي جرت حول تفجير السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا عام 1998. ِ

إن رحيل زعيم بارز في تنظيم جهادي يمكن أن يقوض شرعية ذلك التنظيم ويشل قدرته التشغيلية. ووفقاً لعمر عاشور، الخبير في شؤون "جماعة الجهاد الإسلامي" المصرية، إن قيام الدكتور فضل بإعطاء إفادة أقر فيها بخطئه وأعلن عن تخليه عن معتقداته الجهادية، تسببت في قيام ما يقرب من 600 إلى 700 عضو من أعضاء "جماعة الجهاد الإسلامي" بالتخلي عن العنف السياسي.

ولعب بن عثمان أيضاً دوراً بناءاً في إقناع أعضاء "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" القابعين في السجون بالتخلي عن الجهاد ضد الحكومة الليبية. فقد سافر إلى ليبيا أكثر من 25 مرة على مدى سنتين لإقناع الجهاديين بالتخلي عن معتقداتهم الجهادية. وفي النهاية، كانت جهوده مثمرة: فوفقاً لخبير مكافحة الإرهاب بول كرويكشانك، إن قيام "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" بالإقرار بخطئها وإعلانها عن تخليها عن معتقداتها الجهادية كان لها تأثير كبير على الأعضاء العاديين في المجموعة، حيث أيدت الغالبية العظمى الإبتعاد عن الجهاد.

ويختم الكاتب بالقول، على الرغم من أن فرار عناصر من المستوى الأدنى وجنود المشاة قد لا يكون لها نفس التأثير على المنظمة كما لفرار زعيم "المنظمة"، إلا أنه لا ينبغي الإستهانة بتأثيرها. إن استطاعة أي عنصر من هذه العناصر توفير معلومات تفصيلية للحكومات عن أعضاء وخطط وعمليات المجموعة، يمكن أن يسبب ضرراً بالغاً للمجموعة، ويضع المنظمة الإرهابية في موقف دفاعي. هناك قدر كبير من المعلومات التي حصلت عليها الحكومة الأمريكية عن تنظيم «القاعدة» قبل حوادث 11/9، على سبيل المثال، كانت قد أتت من فضل و خرشتو.

آراء وتصورات حول المتسرِّبون من خدمة الإرهاب

وفي 21 كانون الثاني 2010، خاطبَ مايكل جيكوبسون مستشار سابق للجنة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وجورج سليم مستشار سياسي أقدم في مكتب الحقوق المدنية والحريات المدنية في وزارة الأمن القومي، ومارك وليامز ممثل مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب التابع للمملكة المتحدة، خطبَ هؤلاء في مأدبة غداء خاصة في معهد واشنطن وفيما يلي تقرير موجز عن ملاحظاتهم:

مايكل جيكوبسون: تحولات كبيرة ضد القاعدة

وقال مايكل جيكوبسون، كرّسَ الكثيرون في واشنطن وخارجها في السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً لفهم التطرف. وعلى الرغم من أن ذلك يُعد تطوراً ايجابياً، إلا أن هناك نفس القدر من الأهمية إذا تم النظر إلى الوجه الآخر لهذه الظاهرة، وهم الأفراد الذين تركوا المنظمات الإرهابية والمتطرفة. هناك الكثير من المرشحين للدراسة. وقد تعرّض تنظيم «القاعدة» منذ أيامه الأولى لفرار بعض أفراده من «التنظيم» وعدم ضلوعهم بعد ذلك في أعماله الإرهابية، وهو الأمر بالنسبة التنظيمات المنتسبة إليه ("الجماعة الإسلامية في اندونيسيا"، على سبيل المثال) وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة (مثل "حزب التحرير"). وفي الماضي، كان أغلب المتسربين من تنظيم «القاعدة» من العملاء ذوي المستوى الأدنى، ولكن في الآونة الأخيرة، بدأ قادة رفيعي المستوى ومنظرين رئيسيين يتحولون أيضاً ضد هذه المنظمة. وعلى الرغم من أن قرار التخلي عن «التنظيم» يمكن أن ينبع من مجموعة متنوعة من العوامل، ولكن عندما ينظر إلى حالات فردية، تظهر أنماط قليلة مميزة لهذه الظاهرة.

وفي السنوات الأخيرة، استشهد منظرون وقادة سابقون بأن قيام «القاعدة» بتشويه الإسلام كان إحدى دوافعهم الأساسية للتخلي عن «التنظيم». [فعلى سبيل المثال]، لقب الزعيم المصري السابق لجماعة "الجهاد الإسلامي" سيد إمام الشريف (المعروف أيضاً باسم الدكتور فضل) الأعمال الإرهابية التي يقوم بها تنظيم «القاعدة» كـ "مشينة"؛ جاء ذلك في الكتاب الأخير الذي أصدره الشريف وهاجم فيه المجموعة. كما أن عباس ناصر كان قد ترك "الجماعة الإسلامية"، ويرجع ذلك -- في جزء منه -- لأنه لم يتفق مع الفكرة بأن الهجوم على المدنيين مقبول دينياً. وهناك عوامل إيديولوجية أخرى ساهمت في التحرر من الوهم شملت الإعتراض على الاتجاه العام للجماعة، وفقدان الثقة في قيادتها، وخيبة الأمل من سياسة النفاق التي تتبعها.

وهناك عوامل دنيوية يمكن أن تسبب أيضاً إلى الهروب من المنظمات الإرهابية وعدم الضلوع في أعمالها. ففي بعض الحالات، يتوقف الإرهابيون عن القيام بأعمالهم بسبب مخاوف مالية، حيث يعتقدون بأنه لا يتم تعويضهم بشكل صحيح عن "عملهم". وقد يتخيل البعض الآخر وجهة نظر ممجدة عما تستتبعه الحياة الإرهابية ويصابون حتماً بخيبة أمل عندما لم تتم تلبية توقعاتهم. كما أن هناك عوامل خارجية مثل ضغط الأسرة أو حدوث تغير في الظروف التي يمكن أن تقدم لهم هي أيضاً أفكار ثانية حول المسار الإرهابي أو المتطرف. وفي بعض الأحيان، يمكن أن تتغير وجهة نظر هؤلاء الأشخاص حالما يتركون العالم المعزول الذي يتضمن معسكرات تدريب الإرهابيين، ويُجمع شملهم مع عائلاتهم في التيار الرئيسي للمجتمع.

هناك عدة اعتبارات ينبغي على صناع السياسة أن يأخذوها في الحسبان عند دراسة ظاهرة ترك التطرف والإرهاب. إن قرار "هجر الإرهاب" ليس دائماً واضحاً، كما أن المسار بعيداً عن التطرف، غالباً ما يكون وعراً -- وفي بعض الحالات، كان بعض المنتسبين للجماعات المتطرفة قد تركوا الأعمال الإرهابية ثم عادوا إليها ثانية، فقط ليتركوها مرة أخرى. وعلاوة على ذلك، إن فك الإرتباط عن مجموعة [إرهابية] هو ليس بالضرورة الشئ نفسه كاجتثاث التطرف من معتقدات المرء. فالكثير من الذين هجروا الإرهاب قد يقطعون علاقاتهم مع جماعة راديكالية ولكنهم يبقون حاملين وجهات نظر متطرفة. وحتى مع ذلك، فقد ترك العديد من الأفراد الجماعات الإرهابية بدون أي تداعيات سلبية، بما في ذلك جمال الفضل، وهو عميل اختلس اكثر من 100,000 دولار من تنظيم «القاعدة». بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يؤثر فرار قادة ومنظرين رئيسيين تأثيراً كبيراً على الصحة العامة للتنظيم ومكانته.

مارك وليامز: القاعدة أكبر تهديد للملكة المتحدة

وقال مارك وليام، يشكل تنظيم «القاعدة» أكبر تهديد إرهابي في المملكة المتحدة. فمنذ عام 2001، اكتشفت السلطات البريطانية اكثر من عشرة مخططات إرهابية استهدفت المملكة المتحدة، وأدانت أكثر من 200 شخص بجرائم ذات صلة بالإرهاب.

ولمعالجة هذه المشاكل، طورت المملكة المتحدة استراتيجية لمكافحة الإرهاب تعرف باسم «كونتيست»، التي تَعرض رؤية الحكومة للتهديد وتقدم ردها بموجبه. ويتمثل الهدف الرئيسي من هذه الإستراتيجية، الحد من مخاطر الإرهاب الدولي على المملكة المتحدة ومصالحها في الخارج. إن الرد على هذه التهديدات مُنظّم في أربعة أركان هي: "المتابعة"، "الحماية"، "الإعداد"، و"المنع".

وتهدف ركيزة "المنع" إلى سد الطريق ومنع الأشخاص من أن يصبحوا إرهابيين أو يدعموا التطرف العنيف. وتتكون هذه الإستراتيجية -- التي خصص لها 225 مليون دولار -- من خمسة عناصر رئيسية هي: تحدي الإيديولوجية ودعم الأصوات السائدة، وتعطيل أولئك الذين يروجون للإرهاب، ودعم الأشخاص المعرضين للخطر، وزيادة قدرة المجتمعات المحلية، ومعالجة المظالم. وتتم المشاركة في هذه الأهداف في جميع أنحاء البلاد – حيث هناك "فريق منع" قائم في كل مكتب من مكاتب الحكومة الإقليمية التسعة، وتعمل السلطات المحلية كذلك على دعم هذه الخطة، حيث هناك 300 ضابط شرطة مخصصون للعمل حصراً على برنامج "المنع". ويسعى البرنامج على مستوى المجتمع المحلي، إلى تعزيز أصوات التيار الإسلامي الرئيسي من خلال تدريبه في مجال الإعلام، وأنشطة الشباب، وبذل جهود لتوعية المدارس والجامعات والسجون حول إمكانية قيام التطرف في مؤسساتهم. وعلى الصعيد الوطني، تدعو استراتيجية "المنع" إلى استخدام سلطات الهجرة لترحيل أو منع دخول مروجي الإرهاب وغيرهم من الأفراد الراديكاليين.

إن هذه المكونات مدعومة بعمليات البحث والإتصال المحسنة، وخصوصاً الإتصالات الإستراتيجية. فعلى سبيل المثال، أنشأت المملكة المتحدة مؤخراً "وحدة البحوث والمعلومات والإتصالات" لضمان إمكانية قيام المكاتب الحكومية بالتواصل مع جمهورها واستخدام اللغة التي تخلق النوايا الحسنة والإبتعاد عن الاستفزاز. ومع ذلك، كان هذا البرنامج مثير للجدل. فقد رفضت الجماعات الإسلامية في كثير من الحالات قبول التمويل الذي وصف بأنه مساعدة لـ "مكافحة التطرف"، وظهرت اتهامات باطلة بأن البرنامج يستخدم للتجسس على الجاليات المسلمة. وفي حالات أخرى، دعى البرنامج إلى اتخاذ إجراءات تميل إلى أن تكون ذات آثار سلبية على برنامج "المنع"، مثل القيام باعتقالات في المملكة المتحدة. ومع ذلك، فعلى الرغم من تعقيداتها وحداثتها النسبية، تنمو استراتيجية "المنع" وتتحسن كلما تصبح أكثر نضوجاً.

جورج سليم: ضرورة مكافحة التصورات السلبية

وقال جورج سليم، إن "وزارة الأمن القومي" الأمريكية مسؤولة عن مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وتشمل هذه تعزيز قدرة الوزارة وشركائها على الرد على التطرف العنيف؛ والقيام بأعمال التوعية والمشاركة بصورة بناءة مع المجتمعات المحلية الرئيسية؛ وتسهيل التواصل وتبادل أفضل الممارسات بين الوكالات المحلية والدولية، وكيانات القطاع الخاص، وأصحاب المصالح غير الحكومية؛ والتوصل إلى فهم متطور للتطرف العنيف. ولتحقيق هذا الهدف، طورت "وزارة الأمن القومي" لوازم وأدوات تعليمية وتدريبية لكامل موظفيها الذي يصل عددهم إلى أكثر من 215,000 شخص، واستحدثت أدوات لتحسين التعاون والمشاركة في التقييمات الإقليمية والوطنية، وابتدعت منتجات تحليلية ذات صلة بالتطرف العنيف.

وفيما يتعلق بالتوعية، ترمي الجهود التي تبذلها الإدارة إلى مكافحة التصورات السلبية تجاه الجهود التي تبذلها الحكومة. وتحقق "وزارة الأمن القومي" هذا الهدف من خلال توعية المجتمعات المحلية الرئيسية حول أنشطتها، ومعالجة قلقها، وتسهيل الجهود الرامية لانخراطها كشريكات كاملات في تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة، وحماية الحقوق المدنية. كما تنظم الوزارة برامج للحصول على رؤى وأفكار ثقافية من المجموعات المعرضة للخطر، والتحدث إلى المجتمعات المحلية حول الدور الذي تلعبه في تشجيع الحوار. فعلى سبيل المثال، يستضيف "مكتب الحقوق المدنية والحريات المدنية" اجتماعات مائدة مستديرة بصورة منتظمة كما يشارك فيها؛ وتقام هذه الإجتماعات بين مسؤولين حكوميين وممثلين من المجتمعات الأمريكية التي تمثل العرب والمسلمين والسيخ، والشرق أوسطيين، ومجتمعات أخرى من جنوب آسيا، بالإضافة إلى تقديم عروض مرئية في المؤتمرات والأحداث الهامة، والتواصل مع الشباب، والعمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية وغيرها من جماعات المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن مكافحة التطرف لا تعكس الأعمال التي تركز عليها هذه الأنشطة بصورة مباشرة، إلا إن بإمكانها أن تساعد في منع العزلة التي غالباً ما تؤدي إلى التطرف العنيف.

كما تقوم "وزارة الأمن القومي" بتحليل متعمق وترعى بحوث ترمي إلى فهم التقنيات المستخدمة لدعم التطرف العنيف. وقد عملت الإدارة على وجه التحديد، على تحسين قدرات تحليلاتها الإستخباراتية ودعمت بحوث أكاديمية طويلة الأمد تتعلق بهذه الظاهرة المستمرة التغيير. وتعتقد "وزارة الأمن القومي" أنه من المهم استثمار الوقت في إشراك الطوائف الرئيسية والجمهور الأوسع نطاقاً، سواء كان ذلك عن طريق توفير المعلومات أو الإستجابة للقلق الذي يساور هذه الطوائف.

ويشكل التعاون عبر الأطلسي عنصراً حاسماً آخر في الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب. ففي عام 2003، أنشأت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة "فريق الإتصال المشترك" لتسهيل التعاون بشأن قضايا الأمن الداخلي. وبدورها، شكلت هذه الهيئة "اتفاق من حكومة إلى حكومة" بشأن تقاسم المعلومات حول العلم والتكنولوجيا لحماية البنية التحتية الحساسة وغيرها من القضايا الأمنية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/شباط/2010 - 29/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م