مفهوم الصراع السلمي وتنمية أدواته

علي حسين عبيد/النبأ

 

شبكة النبأ: الصراع غريزة بشرية لا يمكن الهروب منها أو إلغاؤها أو التغاضي عنها، بل هي ميزة الكائنات كلها، وهناك من يؤكد بأن الإنسان يتصارع حتى مع نفسه، بمعنى أننا لا نستطيع الهرب من حالات الصراع بأنواعها المختلفة، لذا دأب الإنسان نفسه إلى تنظيم حالات الصراع وحصرها في أطر محددة من اجل السيطرة على انعكاساتها التي ستؤذي الإنسان بطبيعة الحال إذا ماخرجت عن نطاق السيطرة.

وللصراع ادوات ووسائل متعددة كما هو متعارف، منها ما هو مُُستمَد من المادي الملموس ومنها الصراعات التي تأخذ طابعا فكريا او عقائديا وما شابه، لذلك ينبغي تحديد طبيعة الصراع ثم جعل وسائله ذات صبغة سلمية قائمة على التحاور وتبادل وجهات النظر حتى لو تعارضت او تقاطعت فيما بينها.

لذا لايصحّ أن نتغاضى عن الصراع او اسبابه، ولا يصح محوه او محاولة القضاء عليه، لأنه أحد أهم غرائز الانسان التي لن يتخلى عنها بل ليس بإمكانه التخلص منها، وقد وعت الشعوب والأمم المتنورة هذه الخصيصة فأجهدت نفسها وعقلها من أجل تحويل الصراع الى حالة سلمية متداولة بين الجميع لكنها لا تتعدى حدود السلام، وهذا هو الهدف الاهم الذي استطاعت الدول والشعوب الديمقراطية أن تؤسس له وتصل إليه فعلا، فقد تمكنت الامم المتطورة أن تحجّم جميع انواع الصراع وتضعه ضمن منظومة سلمية راكزة تقوم على القبول بالآخر والتحاور معه بعيدا عن لغة التصفيات او الإلغاء والاقصاء وما شابه.

إن الشعوب او الامم المتنوعة في أديانها وأعراقها وأثنياتها، لا مهرب لها من الصراعات بأنواعها، وعليها في حالة كهذه أن تؤسس وتطور أدوات ووسائل هذه الصراعات وتدفع بها الى حافة السلم، بمعنى أننا نحتاج الى تأسيس مفاهيم قادرة على تحييد الصراع وتنظيمه والسيطرة عليه وتجييره لصالح الشعب او الامة، فيتحول بذلك من عنصر إضعاف وانهاك وتقاتل الى عنصر قوة واتحاد من خلال ترسيخ الحوار الفكري او المادي والقبول بالتنوع في الرأي ووجهات النظر وما شابه.

ولعل هذا القول ينطبق على العراق حاليا، فهذا البلد ينطوي على التنوع العرقي والديني والاثني، وهو حلبة لأنواع متعددة من الصراعات الفكرية والمادية، ولهذا نكون في هذه الحالة احوج من غيرنا الى تنمية ادوات الصراع ووسائله باعتبار اننا نطور نظاما ديمقراطيا يندفع باتجاه بناء الدولة الحديثة القائمة على بناء المؤسسات الدستورية وترسيخها، فالنظام السياسي الديمقراطي يتبنى كما هو معروف حرية الفكر والمعتقد والرأي بصورة عامة، ومع التعدد الذي يتكون منه النسيج العراقي سيكون الصراع على أشده بسبب هذه الاختلافات في العرق والدين وما شابه، وهذا يؤكد بأننا بحاجة قصوى لتحييد الصراع وتطوير ادواته وجعله تحت السيطرة دائما وذلك باعتماد لغة الحوار ونبذ لغة التصفيات والالغاء.

ولا ينحصر هذا التوجه في مجال دون غيره، فكل مجالات الحياة العملية والعلمية تنطوي على صراعات متعددة، لذا فكل انواع الصراع واردة جدا لاسيما في التجارب الحديثة كما هو الحال في العراق، وهذا يؤكد من جديد حاجتنا الى التحكم بالصراع وليس العكس، بمعنى ينبغي أن لا نسمح للصراعات مهما تشابكت وتعقدت وتعددت أن تتحكم بنا او تفرض حضورها الخطير علينا، طالما أننا نسعى ونجد في تعضيد ركائز الدولة المتحررة وبناء النظام الديمقراطي المتحرر.

ولو تحدثنا عن المعنيين بالوصول الى هذا الهدف الكبير والمعقّد في آن، فإننا سنتفق على أن الجميع معنيون بتحقيقه، فالمفكر والسياسي ورجل الدين والمثقف والنخبة على وجه العموم لها الدور الاساس في هذا المجال، ولعلها حالة نهوض شاملة يجب ان تحدث في عموم شرائح المجتمع، على أن يقف وراءها كل من له مساس وحضور في ذلك، ولنا في تجارب الامم التي حققت هذا الهدف أمثلة يمكن أن نأخذ منها ما يفيدنا في هذا المجال.

وطالما اتفقنا على ان الصراع حالة ازلية غير قابلة للإلغاء، فإننا ينبغي أن نتفق على تنمية وتطوير ادواتها ودفعها الى السلم من خلال تعاضد السياسي والمفكر ورجل الدين وغيرهم وتأسيس منظومة مفاهيم فاعلة ومقنعة تُسهم بصورة مؤكدة على نشر السلام الاجتماعي والسياسي والفكري القائم على فكرة (تحييد الصراع) لا إلغائه او محاولة القضاء عليه وهو ما يقودنا الى نتائج مؤسفة في الغالب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/شباط/2010 - 29/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م