قادة اليوم وضرورة الاقتداء بالنموذج الأمثل

في ذكرى وفاة الرسول الأعظم (ص)

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: ونحن نعيش ذكرى وفاة أشرف الأنبياء وخاتمهم، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله (ص) حري بنا جميعا أن نقتدي بهذه الشخصية العملاقة التي أضاءت بأنوار علمها عتمة الظلام البشري حين كان يتخبط الإنسان في متاهات الجهل والتعصب والاقتتال والتشرد والأحقاد والضغائن التي فتكت ببني البشر.

ونظرا لما يعانيه المسلمون من إشكالات كثيرة لاسيما في الجوانب السياسية التي تتعلق بإدارة شؤون الناس، فإن السير على الخطى السياسية الحكيمة للنبي الأكرم (ص) سيتيح للسياسة أن تنهض بواقع المسلمين وترفع من شأنهم وتعطيهم مركزهم الذي يستحقونه بين الأمم كافة كونهم أصحاب الدولة الإسلامية التي نشرت العلم والإيمان والإصلاح في ربوعها أولاً ثم نقلت تجاربها العظيمة الى عموم المعمورة ليرفل الانسان بمبادئ الاسلام وليعيش الاجواء التي تسمح له بإظهار قدراته في جوانب العمل والابداع وما شابه.

وفيما يتعلق بظروف المسلمين في العراق وما يمر به من مرحلة شائكة متداخلة وخطيرة، حيث التحولات الكبرى في الميادين كافة، ينبغي على الساسة القائمين على شأن هذا البلد ومواطنيه أن يقتدوا بالنموذج النبوي الخالد في كيفية إدارته للأمة الاسلامية آنذاك حين كان الجهل والظلام يسود على كل شيء، حيث قال سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الثمين الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام):

(لقد كان رسول الله صلی الله عليه و آله سيداً لساسة العالم، وأكبر سياسي محنك، فهو تلميذ الله تعالى، وأستاذ جبرئيل، وسيد الأنبياء عليهم السلام ومعلم البشرية أجمعين. وسياسته هي التي حيرت العقول، وأشخصت أبصار العالمين)..

وكيف لا تكون كذلك وهو (ص) الذي تمكن من أن يقتحم العقول المتعصبة والقلوب المتحجرة والبصائر المغلقة الصماء التي كانت تقبع في قعر الظلمات ولكنه (ص) بعلمه وروحيته العظيمة وبسياسته في نشر مبادئ الدين الاسلامي الحنيف تمكن من ترويض النفوس والقلوب والسرائر ونقلها من حالتها الجاهلية المتردية الى ضفاف العلم والنور والايمان، وكل ذلك كان يتم وفق سياسة مخطط لها مسبقا وجلها تقوم على الاقناع والعلم والقبول الطوعي ثم الايمان بالتعاليم والمبادئ الاسلامية التي تنظم حياة المسلمين، فلا قهر ولا استبداد ولا تحكم أعمى ولا سيادة للمصالح الفردية على مصالح الجماعة ولاغبن ولا تجاوز على الحقوق ولا غبن في الواجبات بل ثمة توازن منقطع النظير يحكم حركة الناس وافعالهم وافكارهم مما قاد الى تكوين نسيج اجتماعي اسلامي قمة في الانسجام والتفاعل الايجابي الخلاق، الامر الذي جعل من الدولة الاسلامية أعظم قوة عالمية في ذلك العهد مع انها كانت تعاني الظلم والجور والتفرقة والتشرذم، لكن السياسة النموذجية للقائد الاسلامي الأمثل ممثلا برسولنا الأكرم (ص) غيرت الموازين لصالح المسلمين تماما، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه القيّم نفسه:

(وبهذه السياسة الحكيمة استطاع رسول الله صلی الله عليه وآله أن يجمع حول الإسلام أكبر عدد ممكن من البشر، في مدّة قصيرة، أدهشت التاريخ، وأنست الأولين والآخرين، وأخضعت حكماء العالم لها إجلالاً وتقديراً.. مما لا يوجد في تاريخ العالم الطويل مثيل ولا نظير لها).

نعم لقد نظر العالم أجمع بدهشة وإجلال وتقدير الى التجربة الاسلامية الفتية التي قامت في وسط بشري كان لا يعرف ما يريد ولا يعرف كيف يتخلص من عاداته القبلية المتعصبة ناهيك عن الكثير من اسباب الحقد والتصارع وغمط الحقوق التي جعلت منهم في حالة حرب دائمة وهو ما ادى الى رسوخ التخلف وسيادة الجهل إلا بعد أن ظهر الاسلام وعم ربوع الجزيرة وبدأت سياسة القائد الاسلامي النموذج تدير دفة الامور وتنظم حياة المسلمين لتنقلهم من أعماق الجهل والظلام الى ربوع العلم والتحرر والازدهار، وقد انطوت التجربة السياسية النبوية على جميع مجالات الحياة ومختلف شؤونهم كما يقول سماحة المرجع الشيرازي الذي قدم لنا في كتابه (السياسة من واقع الاسلام):

(مقتطفات موجزة عن السياسة الحكيمة لرسول الله صلی الله عليه و آله ولأمير المؤمنين عليه السلام، التي هي خير مرآة لسياسة الإسلام، ولمعاً سريعة عن الخطوط السياسية في الإسلام، في عامة المجالات الحيوية والإنسانية:

في المجال الاقتصادي.والمجال الصحي.والمجال الثقافي.والحريات العادلة. ومكافحة الجرائم.والضمان الاجتماعي الفريد.والعمران والزراعة. والعلاقات الدولية.وتكثير النفوس.والسلام والحرب.وفي مجال السياسة الخارجية.والحدود والجمارك. والجنسية والجواز والإقامة.والحكومة العليا).

إن هذا العرض السريع للتجربة السياسية الرائدة للحكومة الاسلامية الاولى، مع كل ما رافقها من صعوبات وإشكالات هالة، تتطلب من ساسة اليوم في عموم العالم الاسلامي أن يقتدوا بالنموذج الامثل المتمثل بسياسة النبي الأكرم محمد (ص) وان ينهلوا من هذا النبع الحكيم الذي لا ينضب قط، خدمة للمسلمين وارتقاء بمكانتهم بين امم العالم أجمع، وذلك من خلال التشبّه بسياسة النبي (ص) القائمة على التسامح والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والتكافل واحقاق الحق والايثار في سبيل الآخرين وتفضيلهم على الذات الفردية ومصالحها التي غالبا ما تكون دنيوية زائلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/شباط/2010 - 28/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م