غابات الأمازون.. رئة العالم ومتطلبات حماية البيئة

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: منحت البرازيل رخصة بيئية لإنشاء سد مثير للجدل لتوليد الطاقة الكهرومائية في قلب غابات الأمازون المطيرة.

وسيساعد المشروع -الذي يتكلف 17 مليار دولار على نهر زينجو في ولاية بارا بشمال البلاد- البرازيل التي تنمو سريعا على مواكبة طلب متزايد بشدة على الكهرباء، لكنه يثير قلقاً بشأن آثاره على البيئة والهنود من سكان البلاد الأصليين.

وقال وزير البيئة البرازيلي كارلوس مينك ان منطقة مساحتها 500 كيلومتر مربع من الاراضي ستغمرها مياه سد بيلو مونت وهي جزء من 5000 كيلومتر مربع في الخطط الاصلية التي تضم اربعة سدود لتوليد الطاقة الكهرومائية. وتم تخفيضها لاسباب بيئية. وتغمر المياه بالفعل حوالي نصف المنطقة بشكل طبيعي لجزء من العام اثناء موسم الامطار.

وقال مينك "الاثر البيئي موجود لكنه وضع في الاعتبار وتم حسابه والحد منه."وسد بيلو مونت الذي ستبلغ طاقته 11 ألف ميجاوات جزء من اكبر خطة للبرازيل لتنمية الامازون منذ ان شقت الحكومة العسكرية للبلاد الطرق السريعة في الغابات المطيرة من أجل استقرار المنطقة الشاسعة اثناء حكمها الذي استمر لعقدين منذ 1964.

ويجري بناء سدود وطرق وخطوط أنابيب للغاز وشبكات للكهرباء تزيد قيمتها على 30 مليار دولار للاستفادة من المواد الخام في هذه المنطقة الشاسعة ونقل منتجاتها الزراعية في السنوات المقبلة.

وتتضمن الرخصة قائمة من 40 شرطا يجب على الشركة التي ستفوز بمناقصة بناء السد ان تفي بها قبل ان تبدأ البناء. ويتضمن ذلك المزيد من الدراسات واقامة بنية تحتية محلية والحفاظ على البيئة المحلية.

وسيدفع الفائز في المناقصة 1.5 مليار ريال برازيلي (803 ملايين دولار) وهي التكلفة المقدرة لتحقيق هذه المطالب من خلال هيئات عامة وخاصة. وتضم التكلفة اعادة توطين حوالي 12 ألف شخص سيتم نقلهم من المنطقة. بحسب رويترز.

وقال مينك "لن يشرد هندي واحد من السكان الاصليين." واضاف أن الاشخاص الذين يعيشون في بلدة خارج الأراضي المحمية سيعاد توطينهم وسيتم تعويضهم.

وتقول جماعات حماية البيئة إن مشروع بيلو مونت من شأنه أن يلحق الضرر بالنظم البيئية الحساسة ويهدد بعض أنواع الأسماك.

وقال مينك إن التدابير اللازمة ستتخذ للحيلولة دون انقراض بعض الانواع وحماية أرزاق اولئك الذين يعيشون على صيد الأسماك.

بحث عن علاج السرطان في الأمازون!

تقع مهمة حصد أسرار غابة الامازون المطيرة الشاسعة في البرازيل للمساهمة في المعركة مع مرض السرطان بدرجة كبيرة على أوسمار باربوسا فيريرا. ففي غابة كثيفة الأشجار لا تصل أشعة الشمس الى أرضها يحمل فيريرا (46 عاما) مقصه الكبير وحبلا ويتسلق شجرة رفيعة مسلحا بخبرة اكتسبها من عمله الدائم طوال حياته في الغابة.

يقوم فيريرا بحرفية كبيرة بقص عدة أفرع لتنتهي في أيدي مجموعة صغيرة من الباحثين وطبيب يقوم بدأب برحلة شهرية الى نهر كويراس في ولاية الامازوناس ايمانا منه بأن الثروة النباتية المذهلة في الغابة يمكن أن تكشف عن وسائل جديدة لعلاج السرطان. وربما يكونون على حق.

فنحو 70 في المئة من أدوية السرطان الحالية اما أنها منتجات طبيعية أو مستخرجة من مركبات طبيعية. وتعتبر أكبر غابة مطيرة في العالم بوتقة للتنوع الحيوي الذي بدأ بالفعل في انتاج أدوية لامراض مثل الملاريا.

لكن التوصل الى المادة المناسبة ليس بالمهمة السهلة في غابة يمكن أن تضم ما يصل الى 400 نوع من الاشجار وغيرها من النباتات في منطقة لا تتعدى مساحتها 2.5 فدان تقريبا وفي بلد ما زالت تسوده الريبة تجاه أي تدخل خارجي في منطقة الامازون.

وقال الطبيب دراوزيو فاريلا بمزيج من الحماس والاحباط "اذا كان لدينا قواعد واضحة تماما.. لكنا اجتذبنا العلماء من جميع أنحاء العالم...يمكن أن نحول جزءا كبيرا من الامازون الى مختبر هائل."

لكن في الوقت الراهن الاجانب ممنوعون من مساعدة فاريلا خبير علم الاورام والباحثين من جامعة بوليستا في ساو باولو وهم بين عدد محدود للغاية من مجموعات برازيلية مصرح لها بدراسة عينات من الامازون.

يعتقد فاريلا (66 عاما) أن مكانته الرفيعة كانت مصدر عون. فهو كاتب معروف وشخصية تلفزيونية قفزت للشهرة عام 1999 بكتاب وفيلم ناجح تدور قصته عن عمل فاريلا كطبيب في سجن كارانديرو الذي يلقى فيه المساجين معاملة وحشية في ساو باولو.

لكن الخطوة التي قام بها فريقه في التسعينات للشراكة مع المعهد الوطني الامريكي للسرطان أثار عاصفة من اتهامات بالقرصنة " البيولوجية" ولسنوات منعت تلك المجموعة من التعاون الدولي والتمويل الذي يمكن أن يزيد من فرص التوصل الى العلاج السحري للسرطان.

كما أن عملهم يتعطل من حين لاخر بسبب متطلبات بيروقراطية أدت في احدى المرات الى توقف جمع العينات لمدة عامين.

وعلى مدى أكثر من عشر سنوات من البحث نقلت المجموعة 2200 عينة من منطقة ريو نجرو (النهر الاسود) الى مختبرها في ساو باولو. وأظهر نحو 70 عينة منها بعض الفاعلية في مكافحة الاورام.

وقال فاريلا الذي توفي شقيقه الاصغر بالسرطان ان تلك العينات كافية لتجعل الفريق يعكف على القيام بتحليلات لنحو 20 عاما قادمة.

ومن المفارقات أن أجنبيا هو الذي أوحى لفاريلا ببدء أبحاثه. فقد سأل روبرت جالو وهو باحث أمريكي وخبير رائد في مجال مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) شارك في اكتشاف فيروس (اتش.اي.في) المسبب للمرض فاريلا خلال رحلة الى الامازون في أوائل التسعينات عما اذا كان هناك من يجري أبحاثا حول الامكانيات الطبية لتلك الغابة.

ومن المنتجات الطبيعية المستخدمة في مكافحة السرطان في الوقت الراهن مادة تاكسول وهو دواء يستخدم في العلاج الكيميائي يستخرج من لحاء شجرة الطقوس وهي من الفصيلة الصنوبرية.

وقال ديفيد نيومان رئيس فرع المنتجات الطبيعية في المعهد الوطني الامريكي للسرطان ان عددا من أدوية السرطان الواعدة مشتقة من مصادر طبيعية متنوعة منها اسفنج يوجد في المياه العميقة ويجري حاليا اختبارها اكلينيكيا.

وأضاف نيومان "انها مثل قصة بوليسية او أحجية. فملعقة صغيرة واحدة من تربة الامازون تحتوي على الاف الميكروبات التي لم يتم عزلها قط."ومن بين ما يقدر بنحو 80 ألف نبات مزهر في الامازون تم تعريف نحو خمس هذا العدد فقط.

وقال نيومان ان التقدم في البرازيل يواجه معوقات نتيجة عجز الشركات عن الحصول على حق تسجيل براءة اختراع انتاج مادة طبيعية بموجب تشريع صدر في التسعينات مما لا يشجع على الاستثمار في الابحاث.

وضرب مثلا بسم أفعى برازيلية اتضح أنه فعال في تطوير دواء كابتوبريل لعلاج ضغط الدم في السبعينات وهو اكتشاف كان من الممكن ألا يتم بموجب القوانين السارية في الوقت الحالي.

وتعطل اجراء المزيد من التحاليل للمركبات الواعدة التي عثر عليها فريق فاريلا بينما تنتظر الجامعة الحصول على جهاز للتصوير بالرنين المغناطيسي الذي يمكن أن يعزل المواد الفعالة.

وقال ماتيوس باسينسيا خبير النباتات البالغ من العمر 34 عاما "ما زلنا بعيدين عن اكتشاف دواء فعلي يمكنه علاج نوع من السرطان لكن لدينا مؤشرات قوية على أن بعض النباتات بها مواد مثبطة لنمو الاورام."

ويأمل الفريق أن يقلب تزايد الاهتمام بالبيئة وجهود الحكومة للتصدي لانشطة أصحاب المزارع وقاطعي الاشجار التي تدمر الامازون الموازين لصالح أنشطة أخرى أكثر ديمومة تعتمد على الغابات أيضا وهم يقولون ان نشاطهم مثال لذلك.

الحفاظ على البيئة والتنمية يتصارعان في الأمازون

تحتدم المعركة بين الحفاظ على البيئة والتنمية في غابات الأمازون المطيرة في البرازيل. ففي منطقة شينجو، بدأ السكان الأصليون يجهزون الأصباغ التي اعتادوا على أن يطلوا بها أجسامهم استعدادا للحرب حيث أنهم يشعرون بالغضب من قرار الرئيس البرازيلي لويز اناسيو لولا دا سيلفا بناء محطة للطاقة الكهرمائية مثيرة للجدل في المنطقة.

بالنسبة للحكومة فان محطة بيلو مونت حيوية لضمان إمدادات الطاقة للأمازون ولخلق الوظائف وضمان مستويات معيشة أفضل لسكان المنطقة.

وقال لولا مؤخرا " لا تطلبوا مني أن اجعل 25 مليون مواطن يعيشون في الامازون تحت رحمة ّ المريكوكاس ّ(نوع من البعوض) , هؤلاء المواطنون يريدون التنمية. يريدون التصنيع يريدون أن يملكوا سيارة وتليفزيون وهاتف". بحسب رويترز.

في الأسابيع الأخيرة تعهدت البرازيل بخفض انبعاثاتها الغازية من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنحو 38.9 في المائة بحلول عام 2020 .

ويأمل المسئولون ان يحصلوا على نصف هذا الخفض في الانبعاثات بخفض 80 في المائة من معدل إزالة غابات الأمازون المطيرة, ومن الملاحظ أن التوسع في محطات الطاقة الكهرومائية ينظر إليه على انه عامل آخر مهم في الجهود الرامية لخفض انبعاثات الغازات الضارة.

وبالنسبة للقوميات الـ 15 من السكان الأصليين الذين يعيشون في المنطقة حيث من المقرر أن تقام المحطة المثيرة للجدل ، فان بيل مونت لا تمثل الحلم في حياة أفضل بل بالأحرى تهديدا ضخما وخطيرا بالدرجة الكافية لإثارة مقاومة مسلحة للمشروع.

وفي خطاب بعثوا به للولا في وقت سابق من الشهر الماضي حذر أكثر من 280 من قادة السكان الأصليين من نشوب حرب في منطقة شنجو إذا ما مضي المشروع قدما كما هو مخطط له.

وحذر بوي كيابوس من زعماء البلاد الأصليين قائلا " لن نقبل ببيلو مونت ولن نسمح له أن يقام. وإذا ما أطلقت الحكومة البناء فان عليها ان تتحمل المسئولية عن أمن وأمان ممثليها لأنه ستكون هناك مصادمات بل وحتى ضحايا (وفيات) . ستكون هناك حربا".

ولا يقف سكان البلاد الأصليين بمفردهم في مقاومتهم لمشروع بيلو مونت , فبحسب تقرير اعد مسودته عدد من الخبراء بناء على طلب من منظمة سوشيو - انفيرونمينتال وهي منظمة غير حكومية فان بيلومونت مشروع الطاقة الرئيسي في برنامج تسريع وتيرة النمو الذي جاء به لولا ليس قابل للتطبيق ماليا وانه يستهدف وحسب اجتذاب الصناعات شديدة الاستهلاك للطاقة.

ويقول المحلل المهندس فرانشيسكو هيرناندز" انه مشروع شديد التعقيد سيغمر الأرض ويقلل بشكل حاد من إمدادات المياه في قطاع يمتد لمسافة 100 كيلومتر حول مجرى نهر شنجو الذي يتدفق عبر مجتمعات محلية كثيرة وعبر أراض للسكان الأصليين".

وتحظي جماعات السكان الأصليين أيضا بدعم منظمات مثل جرينبيس وجماعات دينية. ويتهم هؤلاء الحكومة أنها لم تستشر القبائل المحلية.

وبالنسبة لاجنلو شافنت ممثل مجموعة من سكان البلاد الأصليين فان المشروع سيخفض من حجم الماء في نهر شنجو الأمر الذي سيحمل السمك الذي يعيش على غذاء السكان الأصليين على الهرب.

وقدر ان بيلو مونت سيؤدي إلى تشريد نحو 20 ألف شخص وسيجذب مائة ألف من خارج المنطقة إلى المنطقة المحيطة بالمصنع الأمر الذي سيزيد بدوره من عمليات تقطيع الغابات.

ويقول اجنيلو سافنتس " على الحكومة ان تضع في اعتبارها موقف المجتمعات التي يعيش بها سكان البلاد الأصليون. نحن جزء من الشعب لكن الحكومة لا تستشيرنا ولا تتحدث معنا. نحن لا نعارض فحسب بناء بيلو مونت بل بناء أي مشروع كهرومائي بالقرب من أراضى السكان الأصليين".

ومن بين قادة المقاومة راوني ميتوكتاير الذي قاد مطلع نوفمبر احتجاجا سد به الطريق لعدة ساعات أمام طوافات ضخمة تنقل الشاحنات عبر نهر شنجو بين ولايتي ماتو جروسو وبارا البرازيلتين.

وأكد ميتوكتاير " الشئ الوحيد الجيد هو أن تترك النهر وشأنه دون سدود", بيد ان هذه الشكاوي لم تدفع الحكومة البرازيلية حتى الآن لتغيير خططها.

ومن المقرر أن تطرح المناقصة على شركات البناء المهتمة بالمشروع في يناير القادم . ويدخل المشروع مجال العمل بحلول عام 2014 بطاقة إجمالية 11233 ميجاوات من الكهرباء.

وأصدرت المؤسسة البرازيلية المسئولة عن حماية حقوق الجماعات الأصلية مؤسسة ناشيونال انديانز" فوناي " تقريرا لصالح المشروع في اكتوبر. وقال رئيس فوناي ميرسيو ميرا أن بيلو مونت لن يؤثر على المجتمعات التي يعيش فيها سكان البلاد الأصليون في المنطقة التي سيتم غمرها لبناء المصنع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/شباط/2010 - 24/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م