المسلمون في ألمانيا: تحديات الاندماج وفق تعاليم الإسلام المُعتدل

إعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: على الرغم من أوجه النقص في مجال التعليم وتطوره أوضحت دراسة للمكتب الاتحادي للمهاجرين واللاجئين الألماني تحت عنوان "حياة المسلمين في ألمانيا" أن الاندماج الاجتماعي للمسلمين أفضل كثيراً من صورته النمطية أو ما يتردد من صعوبات اندماج في الإعلام.

فيما قال مجلس استشاري أكاديمي أن على ألمانيا أن تقيم مراكز للدراسات الإسلامية في جامعتين أو ثلاث من جامعات الولايات الألمانية من أجل تعليم الباحثين والمدرسين والدعاة المسلمين للأقلية المسلِمة الكبيرة في البلاد.

ويعيش في ألمانيا حسب التقديرات 4.3 ملايين مسلم، أي أكثر من خمسة في المائة من السكان الألمان. ونصف هؤلاء تقريبا مواطنون ألمان فيما يملك الباقون جوازات سفر أجنبية، وجاءت أكثرية المسلمين إلى ألمانيا في مطلع ستينات القرن الماضي على شكل عمّال ضيوف، أي لفترة زمنية محددة، واعتقدَ هؤلاء بالفعل أن إقامتهم هناك ستكون مؤقتة، لذلك كان طابع ممارستهم لشعائرهم الدينية مؤقتا أيضا، وغالبا ما مارسوا هذه الشعائر في مساكنهم التي تم تجهيزها ببعض الوسائل التي تخدم هذا الغرض.

وقال مجلس العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية أن غياب مثل هذه المعاهد في الجامعات التي تدرس بالفعل العلوم الدينية المسيحية واليهودية "ليس منصفا بالنسبة لاهمية أصحاب أكبر ديانة غير المسيحية في ألمانيا."

وقال ان على المؤسسات الاسلامية أن تنضم الى المجالس الاستشارية من أجل انشاء معاهد اسلامية واختيار أعضاء هيئة التدريس. وأشار الى أن من الواجب أن تمثل جميع الاراء المسلمة في ألمانيا.

وقالت وزيرة التعليم أنيت شخافان لراديو دويتش لاند فونك في برلين بعد نشر التقرير "بالنسبة لي فهذا جزء من سياسة دمج حديثة.. السؤال الرئيسي سيكون من سيكون الشريك في تطوير هذا."

ومنذ هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة سعت عدة دول أوروبية الى ايجاد سبل لتعليم الائمة المسلمين والمدرسين في أوروبا بدلا من استقدامهم من الدول الاسلامية بما قد لا يجعلهم متماشين مع المجتمعات الغربية الحديثة.

وصممت فرنسا دورة تدريب للائمة في باريس يديرها بصورة مشتركة المسجد الكبير والمعهد الكاثوليكي. وجاء ذلك بعدما رفضت جامعة السوربون الانضمام للدورة لان ذلك قد يخالف مبدأ الفصل بين الدولة والكنيسة.

وتوجد مدارس خاصة في عدة دول لكن التقرير الالماني نصح بعدم اللجوء الى هذا الخيار قائلا ان الدراسات الاسلامية لا بد أن تكون ضمن نظام جامعي لضمان مطابقتها للمعايير الاكاديمية وفقا للدراسات الدينية الخاصة بالاديان الاخرى.

الاندماج بدل الانعزال

وعلى الرغم من أوجه النقص في مجال التعليم وتطوره أوضحت دراسة للمكتب الاتحادي للمهاجرين واللاجئين تحت عنوان "حياة المسلمين في ألمانيا" أن الاندماج الاجتماعي للمسلمين أفضل كثيراً من صورته النمطية.

وبتكليف من "مؤتمر الإسلام" الألماني تم في عام 2008 استطلاع آراء أشخاص، ينحدرون من العديد من البلدان الإسلامية في إطار دراسة مثلت جميع أنحاء ألمانيا وأُجريت لصالح المكتب الألماني للاندماج واللاجئين. وتستند الدراسة على معلومات عن قرابة 17 ألف شخص، كما أنه تقدم معلومات عن "حياة المسلمين في ألمانيا". ومن غير المناسب تقديم تقييم شامل لهذه المجموعة من السكان في ضوء اختلاف سياق الأصل ودوافع الهجرة ومدة الإقامة وقصص النجاح أيضاً.

إن هذا الإسقاط على أساس سؤال مباشر عن الانتماء الديني قاد إلى نتيجة مفادها أن قرابة أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا. وبذلك فإن المسلمين يشكلون جزءاً مقداره نحو خمسة في المائة من سكان ألمانيا وقرابة ربع الأشخاص المنحدرين من أصول مهاجرة في ألمانيا. أما أكبر طائفة منهم فهي من السنة بنسبة 74 في المائة، يليها العلويون بنسبة 13 في المائة، ومن ثم الشيعة بنسبة 7 في المائة.

وتشير الأرقام إلى أن قرابة 45 في المائة من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا وينحدرون من أصول مهاجرة يحملون الجنسية الألمانية. وما يقرب من 2.6 مليون منهم ينحدرون من تركيا، بينما يبلغ تعداد المنحدرين من دول جنوب شرق أوروبا كالبوسنة والهرسك وبلغاريا وألبانيا 550 ألف شخص. أما ثالث أكبر جالية مسلمة في ألمانيا فيبلغ تعدادها 330 ألف مهاجر من بلدان منطقة الشرق الأوسط كلبنان والعراق ومصر وسوريا.

وعدد المهاجرين المنحدرين من بلدان شمال أفريقيا، من المغرب في المقام الأول، فيصل إلى 280 ألف مسلم يعيش في ألمانيا. أما الجزء المتبقي فيشكله المسلمون المهاجرون من دول آسيا الوسطى/ رابطة الدول المستقلة وإيران وجنوب وجنوب شرق آسيا وباقي الدول الأفريقية.

إضافة إلى ذلك يتضح أن الكثير من الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة من هذه البلدان هم من غير المسلمين، فعلى سبيل المثال لا ينتمي 40 في المائة من المهاجرين من إيران إلى أي من الديانات. ومن بلدان أخرى تسكنها أغلبية مسلمة كالعراق، كانت هجرة الأقليات الدينية كبيرة. ولذلك السبب لا يمكن الاستدلال بشكل تلقائي على دين المهاجرين المقيمين في ألمانيا من التركيبة الدينية لبلدانهم الأصلية.

وبالنسبة للتدين أظهرت الدراسة وبنسبة الثلث يتوزع عدد المسلمين إلى ثلاث مجموعات، الأولى تؤم المسجد بشكل متكرر والثانية بشكل نادر والثالثة لا تقصده على الإطلاق

 الغالبية العظمى من المسلمين متدينون إلى حد كبير، فالتدين يميز بشكل خاص المسلمين من أصول تركية أو أولئك المنحدرين من بلدان أفريقية. وفي ممارسة الشعائر الدينية اليومية كالصلاة والاحتفال بالأعياد الدينية والالتزام بالتعاليم الدينية المتعلقة بالأطعمة والصيام، توجد هناك اختلافات كبيرة بحسب المنطقة التي ينحدر منها المهاجرون المسلمون، وبحسب الطائفة.

وبنسبة الثلث يتوزع عدد المسلمين إلى ثلاث مجموعات، الأولى تؤم المسجد بشكل متكرر والثانية بشكل نادر والثالثة لا تقصده على الإطلاق. وعلى الرغم من أن التدين والممارسات العبادية واضحة بشكل كبير عند المسلمين، إلا أن عضويتهم في الاتحادات والروابط الدينية نادرة نسبياً (20 في المائة).

والغالبية العظمى من المهاجرين من بلدان إسلامية (بنسبة 80 في المائة) يمتلكون دخلاً مكتسباً خاصاً بهم كدخل أساسي. أما النسبة العالية جداً في المستقلين وظيفياً، التي تتراوح بين 20 و 34 في المائة- بحسب سياق الأصل-، فتظهر استعدادهم لتكفل نفقاتهم الحياتية بنفسهم.

ولكن يبقى من غير النادر أن تكون نسبة المسلمين المستفيدين من مساعدات العاطلين عن العمل والمساعدات الاجتماعية، والمنحدرين من دول جنوب وجنوب شرق آسيا (باكستان وأفغانستان) بين 32 و28 في المائة. إن الاعتماد على المساعدات الحكومية يظهر بشكل خاص في مستويات التعليم العالية والمنخفضة جداً. لكن في الوقت نفسه يتضح أنه حتى المهاجرين من دون شهادة دراسية مندمجون في سوق العمل بشكل كبير.

مسلمون ومساجد ومآذن: أرقام وحقائق

ويعيش في ألمانيا حسب التقديرات 4.3 ملايين مسلم، أي أكثر من خمسة في المائة من السكان الألمان. ونصف هؤلاء تقريبا مواطنون ألمان فيما يملك الباقون جوازات سفر أجنبية. وجاءت أكثرية المسلمين إلى ألمانيا في مطلع ستينات القرن الماضي على شكل "عمال ضيوف"، أي لفترة زمنية محددة. واعتقد هؤلاء بالفعل أن إقامتهم هنا ستكون مؤقتة، لذلك كان طابع ممارستهم لشعائرهم الدينية في مؤقتا أيضا، وغالبا ما مارسوا هذه الشعائر في مساكنهم التي تم تجهيزها ببعض الوسائل التي تخدم هذا الغرض.

لكن الوضع هذا تغيَّر مع صدور قانون في عام 1973 الذي يمنع استقدام العمال الضيوف. ولم يعد بإمكان المسلمين منهم السفر بين ألمانيا وأوطانهم فبقي الكثيرون منهم هنا وبدأوا يستقدمون عائلاتهم. ومنذ ذلك التاريخ يمكن الحديث عن وجود جماعة دينية جديدة في البلاد. وتمَّ بعد ذلك تأسيس اتحادات وروابط للمسلمين وإنشاء مساجد غالبيتها خلف المنازل. ومع ذلك، فإن ألمانيا تعرفت على المساجد التقليدية منذ زمن أبعد، إذ جرى بناء أحدها في عشرينات القرن الماضي في برلين ـ فيلمرسدورف. وبنيت للطلاب الذين قدموا من الدول الإسلامية بعد تلك الفترة للدراسة في جامعات هامبورغ وميونيخ وآخن مساجد أيضا. ويعتبر المسجد مكانا مقدسا للجماعة الإسلامية، فإلى جانب كونها مكان لممارسة الطقوس الدينية، تُستخدم المساجد أيضا كمراكز للتعليم الديني والنقاشات وكملتقى أيضا للحياة الاجتماعية.

 وحسب معلومات الأرشيف الإسلامي في زوست بشمال الراين وستفاليا يوجد في ألمانيا 240 مسجدا تقليديا، أي بقبَّة ومأذنة، ونحو 2600 مكان للصلاة. وفي خريف 2008 تم تدشين أكبر مسجد في ألمانيا في ديسبورغ ـ ماركسلوه. وكان يخضع الأمر في كل مرة لنقاش وجدل عامَّين في البلاد يبدآ بالتساؤل إن كان الضجيج سيزيد أو أن أمكنة صفِّ السيارات ستختفي بسب البناء. وعلى خلفية القلق والتململ الناتجين عن ذلك تنطلق مبادرات من مواطنين بهدف منع بناء مساجد. وخلال مرحلة بناء المساجد في كل من كولونيا وفرانكفورت وبرلين تظهر على السطح انفعالات شديدة، ويشعر العديد من المواطنين بأن المآذن تسبب لهم استفزازا شخصيا. هذا ما يدفع البعض إلى المطالبة بألا يتجاوز علو مأذنة جامع كولونيا الـ  55 مترا بعد الاعتراض على علوها في خطط البناء الموضوعة.

والمأذنة ليست فرضا بالضرورة في العرف الإسلامي. فقد تمَّ بناء أول برج للمؤذِّن بعد موت الرسول محمد عام 632، وعلى الأرجح في سوريا في مطلع القرن الثامن. وعلى ما يبدو تم استيحاء المأذنة من أبراج الكنائس المنتشرة في تلك المنطقة التي كانت لا تزال تتمتع إلى حدِّ كبير بطابع مسيحي. وفي مصر كما في المساجد القديمة في المدينة بنيت منصة عالية للمؤذِّن تطورت إلى برج لاحقا لكي يسمع المؤمنون بصورة أفضل الصلاة. ومع ذلك لا توجد تعليمات دينية لبناء المأذنة. وفي المناطق المسيحية الممتدة من بيزنطية إلى سوريا حيث دخل الإسلام وتوسَّع فيها لاحقا شكَّلت هندسة الكنائس فيها، خصوصا البيزنطية، نموذجا يحتذى به لبناء المساجد.

وفي المعاهدة المعروفة باسم "معاهدة عمر"، وفي التشريعات التي صدرت في القرون الوسطى لا يسمح لما يعرف بـ "ذوي الذمة"ـ أي للمسيحيين واليهود ـ ببناء بيوت صلاة أعلى من بيوت صلاة المسلمين. وفي ألمانيا أيضا من غير المسموح للمآذن بأن تعلو أبراج الكنائس. ولا يرى العديد من خبراء الإسلام في المآذن رمزا سلطويا، وإنما إشارة وجود وتماثل.

 ومن جانب آخر وصلت ارتدادات موضوع حظر بناء المآذن في سويسرا إلى ألمانيا، فرغم أن تكرار السيناريو السويسري يبقى أمرا مستبعدا لاعتبارات قانونية ودستورية تضمن مساواة جميع أفراد المجتمع وحرية اعتقادهم، إلا أن إشكالية العلاقة بين الإسلام والهجرة والحريات الدينية تظل قائمة في ألمانيا كما في باقي الدول الغربية. وعلى خلفية هذا الجدل قال وزير داخلية ولاية هيسن فولكر بوفير، بأن "من الطبيعي أن يكون للمسلمين في ألمانيا الحق في بناء المساجد، بيد أنه ينبغي عليهم أن يراعوا عدم استخدام ذلك في تكليف المواطنين الألمان أكثر مما يحتملون".

من جهة أخرى اعتبر وزراء داخلية الولايات الألمانية في اجتماع تحتضنه مدينة بريمن أن من حق المسلمين بناء المساجد إلا أنهم دعوهم إلى مراعاة مشاعر المواطنين الألمان في ممارستهم لهذا الحق. كما دعا الوزراء إلى تكثيف الحوار مع المسلمين في ألمانيا، كما اعتبر بوفير مؤتمر الاسلام الذي أطلقه وزير الداخلية الألماني السابق، فولفغانغ شويبله عام 2006 ، " نموذجا للنجاح في الحوار، ويجب أن يتواصل، وأن يتسع قدر الإمكان". إذ  بهذا فقط يمكن إزالة المخاوف والمشاكل.

التديّن لا يعني التطرف

وعلى هامش الجدل حول بناء المآذن، أظهرت دراسة نشرتها مؤسسة" بيرتلسمان" الألمانية أن 90 % من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا متدينون بدرجة كبيرة، ولكنهم ليسوا متزمتين ولا متطرفين. كما تقول الدراسة بأن هذا التدين القوي لدى المسلمين يصاحبه قبول بتعدد الأديان والتسامح إزاءها. واستندت الدراسة التي تحمل عنوان "التدين الإسلامي في ألمانيا" على نتائج استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان صيف عام 2008 وشمل أكثر من ألفين من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، تزيد أعمارهم عن ثمانية عشر عاما.

ووفقا لنتائج هذا الاستطلاع يؤيد 86 % من المسلمين في ألمانيا أن يكون المسلم منفتحا على الأديان الأخرى، بينما يرفض ذلك ستة في المائة فقط منهم. كما أظهر الاستطلاع أن أكثر من نصف المسلمين في ألمانيا يرون أنه ليس للتدين أي تأثير، أو له تأثير ضعيف على قراراتهم السياسية.

كرة القدم وإشكالية اندماج المسلمين

ومن مظاهر تدين المسلمين في ألمانيا محافظة غالبيتهم على صيام رمضان. ومن بين هؤلاء معظم لاعبي كرة القدم المحترفين المسلمين لدى النوادي الألمانية، ومن بينها نادي فرانكفورت المشارك في دوري الدرجة الثانية لكرة القدم، والذي وجه إنذارا إلى كل من لاعبيه المسلمين الثلاثة، إسماعيل كوليبالي، وبا سايكو كوجابي، ووليد المختاري، لأنهم صاموا في رمضان الماضي بدون إبلاغ النادي بذلك. وفي هذا الشأن التقى مسؤولون من النادي وممثلون عن المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا الأربعاء (02/12/ 2009) لحل المشكلة. وفي هذا اللقاء الذي جرى في فرانكفورت بواسطة رابطة الدوري الألماني لكرة القدم تم الاتفاق على أنه بعد مراعاة وجهات نظر المختصين في الطب والدين والقانون سيجري وضع توصيات ملموسة للتعامل بين النوادي الرياضية مع اللاعبين المعنيين. وقال الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، أيمن مزيك، بأن "المحادثات التي جرت في اللقاء كانت جيدة وساهمت في التفاهم بين الجانبين".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/شباط/2010 - 24/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م