شبكة النبأ: تسعى الكونغرس الأمريكي
من خلال سن قوانين تعاقب المحطات الفضائية العربية والإسلامية التي
تحرض على العنف باعتبارها تثير مشاعر الكراهية والعداء المتنامي في
المجتمعات المسلمة.
من جهتها واجهت بعض الأوساط الرسمية والشعبية في البلدان العربية
تلك القرارات بالتنديد والاستخفاف باعتبارها تدخل في شؤون الدول
السيادية. فيما يجزم العديد من المحللين أسباب رفض تلك الإجراءات
الأميركية من قبل بعض الحكومات العربية لارتباط تلك القنوات بأجندتها
السياسية، فضلا عن كونها واجهة مبطنة تعمل لصالح تلك السلطات.
معاقبة وسائل إعلام عربية
حيث مرر مجلس النواب الأمريكي مؤخراً، مشروع قانون يطالب الرئيس
باراك أوباما بتقديم تقرير عن المحطات التلفزيونية التي تبث من المنطقة
العربية، وتحرض على الإرهاب والعنف ضد الأمريكيين، بهدف اتخاذ إجراءات
عقابية ضدها.
غير أن مشروع القانون الأمريكي الذي حصل على أغلبية 395 صوتا مقابل
3 أصوات معارضة في الكونغرس نهاية 2009، أثار استياء إعلاميين عرب، إذ
وصفه البعض بـالتدخل السافر في الشؤون العربية، وبلا مبرر، وأضافوا أن
الولايات المتحدة "باتت تتعامل مع العالم وكأنه ضيعة تابعة لها، على
اعتبار أنها وحدها صارت صاحبة النفوذ والصولجان.
استياء من تهديدات أمريكية
وأبدى إعلاميون ومراقبون وأساتذة في القانون الدولي عرب استياءهم،
من مشروع القانون الذي ينتظر مصادقة الرئيس أوباما أو رفضه، مؤكدين أن
المحطات الفضائية التي تبث من منطقة الشرق الأوسط "تعد أموراً من صميم
سيادة دول المنطقة"، هذا إذا ما حاولت الولايات المتحدة فرض عقوبات على
ملاك الأقمار الصناعية، وفق مشروع القانون الأمريكي الجديد.
وكان مجلس النواب الأمريكي "الكونغرس" مرر مشروع قانون (بأغلبية
الأصوات) نهاية العام الماضي، يطالب بفرض "إجراءات عقابية على ملاك
الأقمار الصناعية التي تسمح ببث محطات تلفزيونية تروج لأفكار إرهابية"،
مشيراً في ذلك إلى قمر "نايل سات" الذي تشرف عليه الحكومة المصرية،
و"عرب سات" الذي يعمل بإشراف جامعة الدول العربية. بحسب CNN.
ومن بين القنوات الفضائية التي اعتبرها المشروع محرضًا أساسيًا على
العنف قناة "الأقصى" التابعة لحركة "حماس"، و"المنار" التابعة لـ"حزب
الله" اللبناني، و"الرافدين" العراقية، في حين حدد المشروع نطاق الدول
التي لابد من تطبيق مشروع القانون عليها، التي شملت كلا من مصر
والسعودية والإمارات العربية والجزائر وتونس والمغرب والعراق والبحرين
وإيران وإسرائيل والضفة الغربية وغزة والأردن وعمان وقطر وسوريا واليمن.
واعتبر مراقبون أن الولايات المتحدة تستهدف بمثل هذا القانون "تبييض
الوجه الأمريكي" أمام المجتمع العربي، ومن ثم إخفاء سلبياتها، بدليل
إطلاقها لعدد من المحطات التلفزيونية والإذاعة والمجلات باللغة العربية
أخيراً.
وحول هذا الأمر، قال رئيس لجنة الحريات الأسبق في اتحاد الصحفيين
العرب، سيف الشريف، "نأمل أن يتدخل الرئيس أوباما ويرفض هذا التوجه
النيابي، كونه شخصاً ليبرالياً، أو على الأقل يضعه في إطار الحد الأدنى
للتنفيذ."
واعتبر الشريف، الذي شغل أيضاً منصب نقيب الصحفيين الأردنيين الأسبق،
أن هذا القانون "يعد تدخلاً سافراً في الشأن العربي، كما أنه بلا مبرر
منطقي"، لافتاً إلى أن "القانون يشكل مؤشراً خطيراً في التعدي على حرية
الإعلام، خصوصاً من دولة تضع نصباً للحرية على أراضيها،"، في إشارة إلى
تمثال الحرية في نيويورك.
من جانبه، اعتبر خبير العلاقات السياسية الدولية في مؤسسة الأهرام
الصحفية المصرية، الدكتور سعيد اللاوندي، أن "الولايات المتحدة باتت
تتعامل مع العالم وكأنه ضيعة تابعة لها، فحرية الرأي مكفولة لأمريكا
فقط، بينما الدول الأخرى عليها أن تحصل على كلمة مرور أمريكية
لسلوكياتها، ولا يعقل أبداً أن تمتد السطوة الأمريكية إلى الإعلام."
وأشار إلى قرارات مشابهة بحجب قنوات فضائية على غرار "المنار"
ومنعها من البث على الأقمار الصناعية في أوروبا، و"العالم" التي منعت
من البث على قمر "نايل سات" المصري، محذراً من مغبة أن يمتد هذا المنع
أو التدخل إلى وسائل إعلام عربية مسموعة ومقروءة في وقت لاحق.
وأضاف اللاوندي قائلا: "الولايات المتحدة ترغب في تبييض وجهها أمام
العالم العربي، بإطلاق عدد من القنوات التلفزيونية مثل (الحرة)
والإذاعية مثل (راديو سوا) ومجلة "هاي"، إضافة إلى دعم عدد من الصحف
الصغيرة التي ظهرت مؤخراً، مستغلة مئات الملايين من الدولارات من الدعم
الأمريكي في المنطقة، وكل ذلك بهدف إعطاء صورة براقة للولايات المتحدة
للتأثير على جيل عربي معاصر."
من جانب آخر، رأى نائب مدير مركز الأهرام للدراسات والبحوث
الإستراتيجية، ضياء رشوان، أن الأوضاع الأمريكية في التعاطي مع
المجتمعات العربية "مستقرة مسبقاً ومحددة، بينما يضاف إليها حجج جديدة"،
لافتاً إلى أن الرئيس أوباما "لم يستطع تجاوز هذه الأوضاع الاستباقية."
وأضاف: "لا يوجد مبرر لكل ذلك، وليس من حق الولايات المتحدة
الأمريكية أن تفرض هذه العقوبات، وإلا فمن حق المجتمع العربي أن
يعاملها بالمثل، من حيث المطالبة بفرض عقوبات على محطات تلفزيونية
ووسائل إعلام أمريكية تعارض العرب وتجامل إسرائيل مثلاً، وتصف المجتمع
العربي بما ليس فيه."
وتساءل رشوان: "لماذا لم تتحرك الأيادي الأمريكية باتجاه أوروبا
مثلا في النمسا أو فرنسا في أمور مشابهة؟ فهناك أحزاب يمينية متطرفة
تشبه النازية القديمة وتهدد الأمن الأوروبي فعلاً، لماذا لم نسمع عن
قرارات أمريكية مشابهة لمعاقبة هذه الأحزاب التي ما زالت موجودة في
المجتمع، كما أن هذه النازية راح ضحيتها 70 مليون قتيل، إذا ما قورن
هذا العدد بضحايا الإرهاب مثلاً."
إلى ذلك، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، الدكتور أحمد
أبو الوفا، إن سيناريوهين في انتظار بدء تطبيق مشروع القانون الأمريكي
الجديد، كأن يقتصر نطاق تطبيقه داخل حدود الولايات، بينما لن يكون له
أثر خارج أمريكا،" مشيراً في ذلك إلى قاعدة قانونية دولية مستقرة تقضي
بعدم جواز فرض تشريع وطني من قبل أي دولة على دول أخرى.
وأضاف، إن السيناريو الثاني في حال تنفيذ القانون فعلياً، فإنه (القانون)
سيتعارض مع مبادئ حرية الإعلام والصحافة والإذاعة والتلفزيون، ومن ثم
فإن تطبيقه سيشوبه كثير من الشك، خصوصاً وأنه ليس قانون عام، بل أريد
به أن يطبق على قنوات معينة ودول معينة."
غير أن مصدراً إعلامياً عربياً مسؤولاً في الجامعة العربية، قلل من
أهمية مشروع القانون الجديد، "على اعتبار أنه غير ملزم للرئيس الأمريكي"،
مؤكداً أن الأقمار الصناعية مجرد "ناقل وليست مسؤولة عن المضمون الذي
تقدمه القنوات،"، حسب ما ورد في موقع "أخبار مصر" التابع لاتحاد
الإذاعة والتليفزيون المصري.
وفي ردة فعل معاكسة، اعتبرت اللجنة الدائمة للإعلام العربي التي
شارك فيها وكلاء وزارات الإعلام العربية، مشروع القانون "تدخلا في
الشؤون الداخلية للدول العربية التي تعالج قضاياها الإعلامية وفقا
لتشريعاتها الوطنية، فيما أوصت بالتحرك العربي في الولايات المتحدة
لإظهار الأثر السلبي الذي يمكن أن يحدث في حال صدور مثل هذا القانون."
ومازال مشروع القانون الأمريكي قيد مصادقة أو رفض الرئيس أوباما حتى
الآن، في حين أعرب إعلاميون ومراقبون عن أملهم في "أن يعيد الرئيس
الأمريكي النظر في "هذا التشريع التحكمي، الذي يخلف آثاراً سلبية لدى
الشعوب العربية أكثر بكثير من إيجابية حظر أو منع بث قناة تلفزيونية،"
على حد قولهم.
قلق مراسلون بلا حدود
من جهتها أعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" المدافعة عن حرية التعبير
عن قلقها ازاء مشروع "مفوضية الفضائيات العربية" الذي قالت انه بمثابة
"هيئة للشرطة" من شأنها ان تمارس الرقابة على وسائل الاعلام التي توجه
انتقادات للحكومات العربية.
وقالت المنظمة ومقرها باريس ان المشروع الذي سيجتمع وزراء الاعلام
العرب ابتداء من لمناقشته في القاهرة بناء على اقتراح مصر والسعودية، "مثير
للقلق لأن الخطر كل الخطر يكمن في أن تتحول هيئة الشرطة هذه إلى أداة
لفرض الرقابة على القنوات التي تنتقد الأنظمة القائمة. وبهذا، قد
تستحيل سلاحا فتاكا في وجه حرية التعبير".
واعتبرت المنظمة ان هذا المشروع يستهدف على وجه الخصوص وبشكل مباشر
قناة الجزيرة الفضائية القطرية وتلفزيون الاقصى التابع لحركة حماس في
غزة، وتلفزيون المنار التابع لحزب الله اللبناني. بحسب فرانس برس.
ورات المنظمة ان "مفوضية الفضائيات العربية هذه ستعنى بفرض خط
توجيهي على الفضائيات العربية لتضمن تماشيها مع المعايير الأخلاقية
السائدة في المجتمع العربي وامتناعها عن أداء دور الحواجز الواقية" لمن
تعتبرهم السلطات "ارهابيين" وعن "ايصال صوتهم إلى الرأي العام".
واوضحت "مراسلون بلا حدود" ان مشروع انشاء هذه المفوضية ياتي في
اعقاب "مشروع قرار مجلس النواب الأميركي الخاص بالفضائيات المصنفة
أميركيا في خانة الإرهاب"، والذي يتيح تصنيف مدراء ومسؤولي هذه
الفضائيات باعتبارهم يديرون "منظمات ارهابية".
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أطلق هذا المشروع
في شباط/فبراير 2008، واعادت القاهرة والرياض طرحه علما بانهما تملكان
وتسيطران تباعا على اقمار الاتصالات عربسات ونايلسات.
قالت "مراسلون بلا حدود" ان المشروع لا يلقى اجماعا بين الاعضاء
الاثنين والعشرين لجامعة الدول العربية، وان دولتي قطر ولبنان على راس
معارضيه.
واضافت المنظمة في بيانها "يخشى الكثيرون أن تقوم هذه المفوضية ايضا
بالتحكم بمحتوى وسائل الإعلام الخاصة، ما يستدعي طرح مسألة فقدان
استقلاليتها".
تدخلا في الشؤون الداخلية
من جهة أخرى اعتبر وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماع استثنائي
عقدوه في القاهرة ان مشروع قرار مجلس النواب الاميركي الذي يدعو الى
فرض عقوبات على مشغلي الاقمار الصناعية التي تبث قنوات تلفزيونية مصنفة
ارهابية، هو "تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية".
وقال الوزراء في قرار اصدروه بعد اجتماع دام اكثر من ست ساعات ان "مشروع
القرار (الاميركي) يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للدول العربية التي
تعالج قضاياها الاعلامية وفق تشريعاتها الوطنية".
ودعا الوزراء الى "ضرورة التمييز بين الارهاب وحق الشعب الفلسطيني
في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي"، واكدوا تمسكهم "بحرية الاعلام ورفض
محاولات التضييق عليها".
وشدد الوزراء في الوقت ذاته على "مواصلة الدول العربية جهودها
لمكافحة التطرف والعنف والطائفية والارهاب والتحريض عليه".
وكان مجلس النواب الاميركي اقر في الثامن من كانون الاول/ديسمبر (اكرر
الثامن من كانون الاول/ديسمبر) مشروع قرار يدعو الى فرض عقوبات على
مشغلى الاقمار الصناعية في حالة تعاقدهم مع قنوات فضائية مصنفة كمنظمات
ارهابية.
واذا ما تمت الموافقة بشكل نهائي على مشروع القرار الذي وافق عليه
مجلس النواب الاميركي، فانه يمكن ان يطبق على القمرين الصناعيين
الرئيسيين عرب سات ونايل سات اللذين يبثان خصوصا قناة المنار التابعة
لحزب الله المصنف كمنظمة ارهابية من قبل الولايات المتحدة.
وطلب وزراء الاعلام من وزراء الخارجية العرب "القيام بتحرك في
الولايات المتحدة لاظهار الاثر السلبي الذي يمكن ان يحدث في حالة صدور
قرار بفرض عقوبات على مشغلي القنوات الفضائية العربية".
وقرر وزراء الاعلام العرب احالة مشروع انشاء مفوضية عربية للاعلام
والذي كان الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى اقترحه، الى لجنة من
الخبراء الاعلاميين والقانونيين "لمناقشة الملاحظات الواردة عليه من
الدول العربية".
وكان وزراء اعلام عرب انتقدوا خلال الجلسة الافتتاحية لهذا الاجتماع
الاستثنائي مشروع القرار الذي وافق عليه مجلس النواب الاميركي.
وقال وزير الاعلام المغربي خالد الناصري ان "التعامل العربي مع قرار
مجلس النواب الاميركي ينطلق من عدم القبول بالتدخل من قبل الاخرين في
اعلامنا العربي" الذي يخضع للتشريعات العربية.
واضاف ان "التعامل العربي يرفض كذلك لجوء الفضائيات العربية للتحريض
على العنف والارهاب".
وتابع الوزير المغربي انه "انطلاقا من هذه الثنائية، فاننا نعول على
جهود بعثة الجامعة العربية ومجلس السفراء العرب في واشنطن لاحتواء اي
تصعيد مع التأكيد على ثوابت الموقف العربي".
وقال وزير الاعلام اللبناني طارق متري الذي تعتبر بلاده معنية
بالدرجة الاولى بقرار مجلس النواب الاميركي، ان "الحريات تحتل في لبنان
مكانة كبيرة في حياتنا الوطنية ويتصف اتساع الحريات الاعلامية بالتنوع
ما ادى الى تعلقنا بها في القوانين وفي الممارسة ايا كانت الشكاوى من
انتهاك اخلاقيات المهنة".
وتابع "نعلن تمسكنا بالحريات الاعلامية ورفضنا التضييق عليها بصوت
مجلس الوزراء وعن طريق مخاطبة المسؤولين في الولايات المتحدة (..)
وابدينا قلقنا واعتراضنا على القرارت التي تقيد حرية الاعلام لا سيما
قرار مجلس النواب الاميركي".
وقال انه "بالاضافة الى الاعتراض، اكدنا (للولايات المتحدة) ان
القوانين اللبنانية لا تسمح بالتحريض على الكراهية او العنف كما شددنا
على حقنا وواجبنا بالسهر على حسن تطبيق هذه القوانين".
لن نخضع
من جهته أكد وزير الإعلام اللبناني طارق متري، أن لبنان "لن يخضع
لإملاء من أية حكومات أخرى، ولسنا في وارد الرضوخ لأي ضغط خارجي يقيد
من حرية الإعلام في لبنان، لأن من حق القوى السياسية التعبير عن نفسها
كما تشاء."
وأضاف متري يقول، قبيل مشاركته في الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء
الإعلام العرب الذي يعقد في القاهرة، وسط ردود فعل عنيفة تتردد في
لبنان والعالم العربي حول هذا القرار، "لدينا قوانيننا في لبنان، ويجب
أن نكون أكثر صدقية وجدية في تطبيقها، رغم أن ممارسة الحريات تتجاوز
أحيانا حدودها، ففي ميزاني بين تجاوزات ممارسة الحرية، وحرصي على حرية
الإعلام، فالحرص هو الذي يغلب، وإن كان المطلوب بذل جهد أكبر لاحترام
القوانين وأصول المهنة."
وعن الإجتماع الإستثنائي، أوضح انه كان في الأساس مخصصا لبحث إنشاء
مفوضية للإعلام العربي، " لكن صدور مشروع القانون الأمريكي وردود الفعل
التي تسبب بها جعل من المناسب أن يبحث مجلس وزراء الإعلام العرب هذا
الأمر أيضا." بحسب CNN.
والى أي مدى يرى أن لبنان معني بشكل مباشر بهذا القانون، قال "هذا
أمر نسبي، بمعنى أن القانون لم يقر بعد من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي،
ولم يصبح ساريا، وفيه التباسات."
وشدد متري على أنه " في كل الأحوال فان لبنان عبر عن موقفه الرسمي
بما لا يحتمل اللبس، وهو تمسك لبنان بالحريات الإعلامية ودفاعه عنها."
وعن التحرك الرسمي في التعبير عن موقف الدولة اللبنانية، أوضح أن
التعبير يتم "عن طريق القنوات الدبلوماسية، أي عن طريق سفارتنا في
واشنطن، وكذلك نقلناه بشكل مباشر للشخصيات الامريكية الكثيرة التي زارت
لبنان في الأسبوعين الأخيرين."
وحول سبب اعتماد اتخاذ مواقف شفهية حتى الآن وعدم إرسال رسائل رسمية
إلى الإدارة الأمريكية، لفت متري إلى أن ذلك "من غير الممكن، لأن
القانون لم يقر بعد وهو غير ساري المفعول، ونحن نتخذ الآن الوسائل
الملائمة للتعبير عن موقفنا منه."
وحدد متري الالتباسات في هذا القانون، معتبرا أنه " لا يميز بشكل
واضح بين معارضة السياسة الأمريكية والحض على العنف ضد الأمريكيين، حيث
أن معظم منتقدي السياسة الأمريكية يميزون بين الشعب والإدارة، في
أمريكا، بين القيم الأمريكية والسياسة الأمريكية، ويبدو لي أن هذا
القانون يخلط بين كل هذا، ويتحدث عن التحريض على العنف ضد أمريكا، وهو
ما أراه التباسا."
ويضيف: "الالتباس الآخر هو الحديث عن إجراءات عقابية من دون توضيح
الحالات التي يتم فيها تطبيق هذه الإجراءات، ومن دون وضع نظام للتحقق
من صحة الاتهامات التي تتخذ على أساسها الإجراءات، سوى انه يعطي الرئيس
الأمريكي فترة ستة أشهر ليرسل تقريرا عن محطات التلفزة التي تدعم
الإرهاب أو تحض على العنف ضد الأمريكيين."
وفيما إذا كان وزير الإعلام اللبناني يرى أن هناك إعلاما عربيا يحض
على العنف بشكل أو بآخر بالفعل، أجاب: "دعيني أتحدث عن لبنان، القانون
اللبناني للمرئي والمسموح يمنع الحض على العنف والترويج للكراهية
للجماعات الدينية والثقافية والعرقية، بصرف النظر عما إذا كان هذا
القانون يطبق فعليا. واعتقد أنه في مكان ما يصعب التمييز بين ما هو
معارضة للسياسات (الأمريكية) وعداء (لأمريكا)."
وشرح موقفه قائلا: "أعطيك مثالا، شعار "الموت لأمريكا" فهل المقصود
به المطالبة بقتل الأمريكيين؟ أم أنه لما تمثل أمريكا من طغيان القوى
ومعارضة لسياستها؟"
وأضاف: "هناك أيضا ما قد تنقله التلفزيونات من كلام ومواقف، فإذا
مثلا نقلت محطة ما كلاما عن بن لادن (أسامة) فيه حض على الإرهاب، فهل
هذا يعني أن المحطة تتبنى الحض البن لادني؟ هذه مسألة تحمل أخذا وردا."
ويسأل وزير الإعلام اللبناني: "ماذا عن مسألة التمييز بين مقاومة
الاحتلال والإرهاب؟ فنحن اللبنانيون والعرب عموما حريصون على هذا
التمييز، فمقررات الجامعة العربية تميز بين المقاومة والإرهاب. فإذا
مجدت التلفزيونات العربية بالمقاومين للاحتلال الفلسطيني يعني أنها
تروج للإرهاب؟ ربما بنظر البعض نعم، أما في نظرنا فلا، وهذا ليس ترويجا
للإرهاب."
ويعبر وزير الإعلام اللبناني عن "خشية مشروعة" من تطبيق هذا القانون،
شارحا ذلك بقوله: "لأن التمييز في هذه المساحة غير سهل، أخشى أن يصار
إلى تفسير كل ما يقوله الخصم السياسي بطريقة استنسابية."
ولدى سؤاله عن الذي يتوسله العرب اليوم للرد على هذا القانون، وربما
وقفه قبل إقراره، قال متري: "حججنا في معركتنا الدبلوماسية تتجاوز
الموضوع بمعناه الضيق إلى ما هو أوسع. فالرئيس أوباما (باراك) حاول منذ
انتخابه أن يصالح الولايات المتحدة مع العالم، حيث أن صورة أمريكا في
العالم العربي والإسلامي خصوصا لم تكن مشرقة! وكانت استطلاعات الرأي
الأمريكية تبين أن نسبة الذين ينظرون إلى أمريكا نظرة سلبية وعدائية
مرتفعة جدا."
ويضيف: "الرئيس أوباما انتهج سياسة تحاول تغيير هذا الواقع، ولعل
الحدث الأكثر رمزية الذي عبر فيه عن هذه الرغبة هو خطابه في القاهرة
بحزيران الماضي، الذي تلقاه العالم العربي بارتياح."
ويستدرك متري قائلا: "ما أخشاه، واعتقد انه لدى أمريكيين كثر الخشية
نفسها، أن قانونا كهذا إذا ما شق طريقه للتنفيذ، وفي ظل الاستنتساب
السياسي الذي يتحكم بتطبيقه، سيؤدي إلى نتيجة معاكسة لسياسة اوباما.
فبحجة محاربة الدعوة لكراهية أمريكا والعنف ضدها، تكون النتيجة ازدياد
هذه الكراهية والدعوة للعنف."
ولفت إلى أنه لمس خلال اجتماعاته مع عدد من الأمريكيين، وعند تعبيره
عن هذا الرأي، تفهما لمخاوفه تلك وتحفظا حول القانون.
وعما إذا كان يعتقد انه يحق للأمريكيين محاولة منع الوسائل
الإعلامية الناطقة باللغة العربية من الاستمرار بعمليات "غسل دماغ"
للأمريكيين العرب، يعتقدون أنها تحصل عبر بعض وسائل الإعلام، قال متري:
"برأيي انه سؤال مشروع، لكنني اعتقد أن المنع بهذه الطريقة لا يخدم
الغرض. فأنا كنت أدرس في الولايات المتحدة في فترة التحضير للحرب على
العراق، وكنت أرى أشكالا مريعة من الترويج الإعلامي في وسائل الإعلام
الأمريكية."
ويختم وزير الإعلام اللبناني بالقول: "أختصر الجدل، بأنه ليس من
السهل وضع ضوابط على الحرية، وخصوصا عندما يأتي الكلام من ثقافة أخرى
وبلغة أخرى.. فهذا سيفسح مجالا لمزيد من سوء الفهم." |