جشع لامهارة

حيدر الجراح

التجارة شطارة، في الماثور للكثير من الناطقين بالضاد، وفي التجارة تسعة اعشار الرزق، في المنقول الديني على السنة الناس..

والتجارة قامت عليها وتقوم مصالح الافراد والدول..وعرف عن الاسلام الآسيوي انه انتشر في تلك الاماكن بواسطة التجار المسلمين بسبب من امانتهم وصدقهم في التعامل مع سكان تلك المناطق...

ومن الطرائف التي سجلها لنا تاريخ الاستشراق الاوربي ان المستشرق الهولندي (( رينهارت دوزي )) صاحب العمل الموسوعي الضخم (( تكملة المعاجم العربية )) قد ألّف رسالة عملية لتجار هولندا ذكر فيها الكثير من قواعد التعامل مع التجار المسلمين..

وقد قدم ابو حامد الغزالي في كتابه (( احياء علوم الدين )) قراءة للاحرف التي تتألف منها كلمة تاجر..فالتاء من التقوى، والالف من أمين، والجيم : جريء، والراء : رؤوف..

للتجارة قوانينها واخلاقياتها.. هكذا كانت في كان ياماكان في قديم الزمان..ولكنها الان جشع لايشبع ولايريد ان ينتهي...

اخبرني احد التجار، في بداية الغزو الصيني السلعي بعد العام 2003، ان البضائع الصينية لها اكثر من سعر في المعمل الذي ينتجها..وكل سعر له مواصفات معينة تخضع لرغبة المشتري ومتطلبات السوق في دولته... وضرب لي مثلا لاحدى الساعات التي كانت تباع على ارصفتنا بخمسائة دينار، نفس الساعة بمواصفات عالية سعرها سبعة دولارات للساعة الواحدة من بلد المنشأ، يطلبها تجار من شمال افريقيا واوربا...

لماذا لايقدم التاجر العراقي على استيرادها.. او غيرها من السلع ذات المواصفات العالية ؟ لايريد ذلك لان ارباحها التي ستدخل جيبه ستكون قليلة مقارنة بارباح الساعة الاولى بمواصفاتها المتدنية...مثل الساعة ينسحب على جميع السلع التي يستوردها تجارنا من الصين وغيرها من المناشيء العالمية الاخرى..

سبب اخر غير الجشع فيما آلت اليه اخلاق وضوابط التجارة واخلاق التجار عندنا..

قبل غزو الكويت كانت التجارة تخصصا في مجال واحد من البضائع..فهناك التاجر المتخصص بالاقمشة وآخر بالاجهزة الكهربائية، وغيره بالسلع الغذائية.. ومعروف ان التخصص يصنع الابداع..وكانت مواصفات السلع المستوردة تخضع لمراقبة السيطرة النوعية وشروطها.. بعد غزو الكويت إضمحلّت تلك المسافات بين التخصصات، وانكمشت رقابة السيطرة النوعية، وظهرت طبقة اخرى بين التجار، طبقة استفادت من عملية الغزو ومن سنوات الحصار، واصبحت تتاجر بكل شيء يراكم ارباحها..هذه الطبقة من التجار ورغم انها طارئة الا انها تسيدت الشارع التجاري العراقي في جميع مفاصله..وهي طبقة شبعت حدّ التخمة بعد جوع فشحّ فيها الخير.. لاتقارن بطبقة التجار الاولى التي جاعت بعد شبع نبيل...تبدلت الادوار وبالتالي تبدلت جودة السلع..

اخبرني احد التجار وهو المحمود لاستيراد العطور والهدايا، وهو في تخصصه هذا منذ اربعة عقود، ان مانراه من بضائع رديئة في السوق العراقي هي الافراز الابرز لهذا الجشع لتجار ليس لهم ذمة ولاضمير، اضافة لغياب السيطرة النوعية..

كنت مع احد الاخوة – وله الفضل في هذا العنوان – عند احدى الشركات المتخصصة ببيع الاثاث.. ساومنا البائع وساومناه، واستقرت الصفقة على سعر محدد، الا انه اضاف بان تركيب الاثاث سيخضع لاضافة جديدة على السعر وهو ماأسماه بالاكرامية..اخبره الصديق بان التجارة في بلدان اخرى لاتخضع لمثل هذه الاضافات والزوائد.. ففي كثير من الدول اصبحت عمليات البيع والشراء تتم عبر الهاتف او الانترنت وتصل البضاعة الى حيث تريد دون اضافات على السعر المعلن لها.. وضرب له لبنان مثلا..واضاف لها سورية ايضا والتي تعتمد اقتصادياتها، وهي الدولة الفقيرة مقارنة بالعراق، على مهارة تجارها  وعلى خضوع مايستوردونه لمقاييس السيطرة النوعية.. وتستطيع ان تلمس هذا الفرق لو انك اشتريت أي سلعة صينية من سورية وقارنتها بنفس السلعة في العراق لوجدت فرقا ليس بالهين....

اذا كان التاجر العربي المسلم قديما ساهم بنشر الاسلام بصدقه واخلاصه، فان تجار العراق اليوم نقلوا الى الصين والى تركيا والى سوريا والاردن وجميع مناشيء الاستيراد الاخرى مساويء جشعهم الذي لايشبع ولاينتهي...

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/كانون الثاني/2010 - 12/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م