تعتبر المرجعيات بمختلف أشكالها وألوانها ركنا أساسيا لتنظيم حياة
الأمة والسير بها نحو التقدم والرقي إذا التزمت بمبادئ الرسالات
السماوية والقيم التي توافق الإنسان على سموها وفضيلتها على مر الأزمان
والدهور، وأخذت على عاتقها مهمة البناء والتطوير والعمل على معالجة
المشاكل التي تحيط بالأمة كأفراد أو كجماعات، والتصدي أمام كل ما من
شأنه المس من كرامة الأمة ومكانتها ودينها ومبادئها.
وبهذا المعنى يمكن لنا أن نفهم معنى الحديث الشريف ﴿اثنان من أمتي
إن صلحا صلحا الناس وإن فسدا فسدا الناس﴾ باعتبارهما يمثلان القمة في
المرجعية لأية أمة ولأي مجتمع، فصلاحهما يعني التزامهما بتحمل
المسئولية تجاه الأمة بأمانة وإخلاص، وما عدا ذلك يعد نقطة انحدار
وتراجع في مسيرة الأمة.
وفق هذا المفهوم يمكن لنا أن نلحظ مواطن القوة والضعف أو على حد
تعبير الحديث الشريف (الصلاح والفساد) في مرجعيات الأمة ذات الطابع
الجمعي كمنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، أو المرجعيات ذات
الطابع التخصصي كالمرجعيات السياسية أو الاقتصادية أو الدينية.
فالأولى يلحظ فيها عدم الفاعلية في واقع الأمة وهذا يكشف عن عمق
الهوة بين السادة الأعضاء في هاتين المنظمتين ويبرز حالة الفردية
المسيطرة في الواقع السياسي للأمة وعدم اطمئنان الأشقاء إلى بعضهم
البعض، وسيستمر الحال على ما هو عليه ما لم يقرر المعنيون بالواقع
السياسي تجاوزها.
وليس غريبا ما نرى من عجز هاتين المجموعتين من التصدي للقضايا
الحقيرة كالخلافات الحدودية بين الأشقاء، والخطيرة كالقضية الفلسطينية
وما يتبعها من اعتداءات على أبناء الأمة في كل من فلسطين ولبنان،
وكمشكلة الإرهاب ومسبباتها من الفكر التكفيري والنهج الأحادي.
والحال في المرجعيات السياسية ذات الطابع التخصصي ليس أحسن حالا من
سابقتها بل يضاف عليها حالات الظلم والقهر والاستبداد في العديد من
الدول الإسلامية، والاستئثار بثروات وخيرات الشعوب.
والمرجعيات الاقتصادية تسير في نفس الفلك فالمهم هو توفير المناخ
المناسب لحماية أصحاب المصالح بالقوانين والتسهيلات التي تهيئ لهم
الربح الوفير وتمكنهم من الاستفادة من التقنيات الحديثة وغيرها لكسب
الزبون ودفعة نحو الشراء بغض النظر عن مصالح الأمة العامة.
والمرجعيات الدينية ونتيجة للضربات المتلاحقة التي صبها أعداء الأمة
ذهبت بعيدا لتدور في هامش الأمة بدلا من قضايا الأمة الأساسية
باعتبارها تمثل قطب الأمة ومحورها بل أساسها أعني الدين، ولعل الأعداء
نجحوا إلى حد غير قليل في هذا المجال إلا أن الصحوة التي قادها جمع من
العلماء والمصلحين كالإمام الخميني والإمام الشيرازي (رضوان الله
عليهما) وغيرهم قرب الكثيرين إلى ساحات العمل الحقيقية المرتبطة بالأمة
والتصدي لمختلف قضاياها. إلا أن البعض ولقلة الخبرة أو انعدامها راح
يبحث عن المفرقعات التي لا طائل منها بدلا من أن يتوجه إلى الأعمال
الحقيقية.
والنتيجة لا سبيل إلا بتجاوز الأنا والذات حتى تكون المرجعيات
مرجعيات الأمة بدلا من مرجعيات التفرد. |