ظاهرة التسقيط والتشهير بين أوساط الكتّاب

علي حسين عبيد/النبأ

 

شبكة النبأ: في ظاهرة آخذة بالتوسع والرسوخ في الاوساط الكتابية والادبية وغيرها، يلاحظ المتتبع شيوع أساليب التهجم في كثير من الكتابات، وقد لا نخطئ عندما نقول بأن الهدف من مثل هذه الكتابات غالبا ما ينزع الى التشهير بالآخر ومحاولة تشويه سمعته وسيرته لغرض تسقيطه بنظر الآخرين، لذا سيكون مثل هذا الإسلوب هجوميا مفتقرا الى الموضوعية وصحة القول في الغالب.

وإذا كان انتشار مثل هذه الكتابات محدودا في المطبوعات الورقية، فإن دخول الانترنيت وفنونه ومواقعه المتنوعة لحقل الاعلام يزيد الطين بلّة، حيث صار بمقدور الكاتب أن ينضّد موضوعه وما عليه إلاّ أن يدفعه عبر البريد الأكتروني لهذا الموقع او ذاك حتى يجده منشورا ومحققا لغايته بأقصى سرعة ممكنة، على العكس مما يحدث في التعامل مع المطبوع الورقي الذي لا يساعد على انتشار أساليب كهذه بسبب ضيق المجال وحدة الرقابة والخوف من المقاضاة وما شابه.

كما أن رغبة بعض القائمين على المواقع الالكترونية بذيوع الصيت من خلال نشر الغسيل وما شابه لا سيما بين الكتاب أنفسهم أسهم بضراوة هذه الظاهرة ونموها على نحو واسع، ولعل الركن الأسوأ في هذا المجال هو استخدام الاسماء المستعارة من لدن بعض الكتاب (ونقصد في مجال النهج التهجمي حصرا) ومن ثم انطلاقهم في موجات التشهير والقذف والتعميم، من أجل التسقيط لهذا او ذاك بسبب تضارب المصالح او التصارع على الفرص وما شابه.

على أننا لا نشمل بقولنا هذا، تلك التأشيرات الموضوعية الدامغة التي تهدف بلغتها الهادئة والصادقة الى تقويم هذا الخطأ او ذاك، ونؤكد هنا أن لغة الهدوء وهدوء اللغة هما من سمات الكتبة الواثقين من أنفسهم، كونهم عندما يؤشرون هذا الخلل او ذاك إنما يهدفون من وراء ذلك الى تقويم يصب في الصالح العام وليس ثمة هدف شخصي يدفعهم الى ذلك.

ولعل مثل هؤلاء الكتاب يضعون كرامة الانسان فوق أي إعتبار، حتى العدو، هنالك حدود لا تسمح بالتجاوز على حرمته وهتكها بأية طريقة كانت، كونه يتساوى معك بالانسانية، فهو كما قال الامام علي بن ابي طالب (ع) أما أخ لك في الدين او في نظير لك في الخَلْق، بمعنى أن إنسانيته وإنسانيتك تفرضان عليك إلتزام الموضوعية حتى مع عدوك.

تُرى لماذا ينسى بعضنا مثل هذه المبادئ والقيم التي تحتم عليه التعامل بصدق ونزاهة في كتاباته وفي تناوله لهذا الموضوع او ذاك؟. ثم لماذا تنمو ظاهرة التهجم على الآخر باضطراد في وسطنا الأدبي او الثقافي عموما مع أننا النماذج المحتذى بها في السلوك والفكر الهادئ السليم؟

 ثم كيف يسمح هذا الكاتب او ذاك لذاته بأن تتجاوز على كرامة الآخرين وتعرّيهم وتركّز على نواقصهم وهفواتهم، في وقت يمكنه أن يصل الى أهدافه هذه بطرق أخرى أكثر إنسانية وتحضّرا؟.

فحتى لو صح ما يقوله عن هذا الكاتب او ذاك المثقف او الشخص الفلاني، فإنه في حقيقة الامر يمكن أن يقوله بطريقة أخرى أكثر لياقة وكياسة، كما انه يمكنه إيصال رسائله الى المعني بطرق كثيرة لا تستدعي التجاوز قط، ثم هل نسينا كما قيل عن أحد حكمائنا المعروفين من أبناء جلدتنا وأقصد الأدباء (بأن الإناء ينضح بما فيه) وأن الكلام صفة المتكلم كما يُقال، وهل يتوقع مثل هؤلاء المتجاوزون المتهجمون بأن الآخرين سيُعجبون بهم ويثنون عليهم  أو يعضدون كلامهم وتوجهاتهم؟ كلا بطبيعة الحال بل هم محط تندرهم وتذمرهم في آن، إلاّ إذا كانوا معهم في القارب او التوجه نفسه، بمعنى اذا كانت تربطهم ثمة مصالح او ما شابه ذلك، هنا سيختلف الامر طبعا.

وعلى العموم طالما أننا ننتمي الى الوسط المثقف، فحري بنا أن ننهج الاسلوب الذي يليق بنا كقادة للمجتمع في أدق مفصل من مفاصل الحياة، ولعلنا لا نغالي إذا قلنا بأن الناس ينظرون الى المثقف على أنه صاحب مقام وشأن أعلى منهم، ويمكننا أن نتلمس ذلك من خلال معاملة الآخرين لنا سواء كان ذلك في الحافلة او المقهى او منطقة السكن او حتى الشارع العام على سبيل المثال، وهذا وحده دليل على ان المثقفين هم نماذج محتذاة من لدن الآخرين، لذا لا يصحّ أن ننسى هذه الصفة التي يُسبغها علينا الناس البسطاء في وقت ينهش بعضنا الآخر بكتابات التشهير والسب ونشر الغسيل من دون أن نتنبّه الى موقعنا الحقيقي بين الآخرين!!.

لذلك يُفضّل أن نبحث في أسباب هذه الظاهرة التي أقل ما يمكن أن يُقال فيها، أنها مخجلة ومعيبة حقا، لا سيما بعد أن توضّحت نتائجها وأفرزت إسلوبا ونمطا مؤسفا من الكتابات بيننا نحن الكتاب العراقيين، ولعلنا من المفيد أن نكرر هنا بأن مكافحة هذا النوع من الكتابات لا يعني قط الكف عن تأشير السلبيات في هذا المجال او ذاك، ولكن تبقى (كرامة) الانسان فوق أي اعتبار آخر.

وتبقى مسؤولية نشر وتطوير نوع كتابي مجدٍ وهادف وهادئ مثبتة على عاتقنا حصرا، ليس من أجل الكتابة لذاتها، بل من أجل خلق وإشاعة أنواع راقية من أساليب التحاور والنقاش والتعارض والاختلاف، تؤدي بالنتيجة الى خلق مجتمع متحضّر يعرف ما يريد والى أين يسير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/كانون الثاني/2010 - 11/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م