العراق ولعبة مصر الاخ الاكبر

محمد الوادي

بدون مقدمات طويلة نزلت الى الساحة العراقية الاعلامية والسياسية " لعبة مصر الاخ الاكبر " وهذه اللعبة تحمل من المخاطر الكثير والكبير في الوضع العراقي على وجه الخصوص بسبب التنوع القومي والمذهبي والديني في بلدنا.

وحتى اذا افترضنا ان هذا التنوع لايكون مانع بوجه هذا الاخ الكبير المزعوم فان بلد بثقل العراق التاريخي وحتى في حاضره المتوقد والمؤثر بالجميع لايصلح على الاطلاق ان يكون الاخ الاصغر !!

مثل هكذا تصور هو ثلم كبير بحق العراق ومكانة العراقيين، واذا كان ممكن تفهم ان تحكم اقلية وتغتصب كل شيء فتلوذ " بالقومجية " لتغطي عيوبها الصارخة المتمثلة بالتفرد والاقصاء والاستحواذ، فان نفس هذه الاسباب لم تعد موجبة لان عراق نيسان 2003 دخل عصر ديمقراطي دستوري جديد يكون فيه الحسم لصناديق الانتخابات ونتائجها الدستورية بعيدا عن " البلطجة " و سياسات التوريث وهذا مايفتقده على وجه الخصوص الاخ المصري الاكبر المزعوم.

ان السياسي العراقي الذي يروج لسوق ولعبة الاخ الاكبر اما ان يكون سياسي مرتجف مرعوب ولايعرف ثقل العراق كبلد وقيمة العراقيين كشعب او ان يكون فاقد الثقة بنفسه ويحاول ان يستمد عناصر قوته من الاخرين وفي الحالتين الافضل له ان يجلس في بيته وان لايخدش اسماعنا بمثل هكذا تصريحات بائسة وخائبة، لان العراق اكبر بكثير من ان يكون " صبي " تحت يد المعلم والعراق اكبر بكثير من ان يلوذ بالاخرين.

ان مصر الرسمية لها مواقف معلنة من الوضع العراقي الجديد وهي واضحة وبعض التصريحات الرسمية قد حفرت في الذاكرة العراقية الحية، وان مصر الرسمية استفادت مثل بقية الدول العربية من حروب وحصار وازمات العراق الطويلة. وان مصر الدولة ليس عندها مايفتقده العراق من خبرات مميزة او جودة انتاج يشار لها بالترحيب في الشارع والسوق العراقي. بل مازال العراقيون يذكرون جيدا الصابون والمنظفات والبضاعة الكاسدة التي كان يستوردها نظام الصنم من مصر كدعم للبطاقة التمونية وكنوع من الاستنجاد بالحكومة المصرية حينها.

 اما مسالة اصرار وزير الدفاع العراقي على استيراد اسلحة مصرية فهي قضية بحاجة الى اكثر من تأمل واكثر من بحث عراقي مخلص !!

اما اخطر تصريح فهو ماجاء على لسان امين لجنة الاعلام في الحزب الوطني الحاكم في مصر علي الدين هلال عندما قال " نحن بشأن محادثات بين الولايات المتحدة ومصر لاحلال قوات مصرية وتركية بدعم مالي سعودي بدلا عن القوات الامريكية ". ان مثل هكذا تصورات هي النار نفسها وهي الانفجار الاكبر الذي سيحرق كل المنطقة ان صدقت التصريحات هذه.

وان الداعين من السياسيين العراقيين مصر لاملاء الفراغ بعد القوات الامريكية كما صدرت بعض التصريحات العلنية من البعض فمثل هولاء اما " مراهقين في السياسة " واما يبحثون عن المناصب وليكن بعدها الطوفان !! لان اي قوات من دول الجوار العربي والاقليمي ستدخل العراق بعد القوات الامريكية ستكون قوات احتلال يجب استهدافها والعمل الجاد والقوي على طردها من العراق ويجب ان يشمل هذا حتى الموجات البشرية تحت خانة عمال وفلاحين من هذا البلد العربي او ذاك وفي واقع الامر هذه لعبة خطيرة لتغير الواقع السكاني في العراق، ان العراق ليس ضيعة او حارة منسية وان احلام التلاعب بعقارب الساعة وارجاعها الى الوراء الطائفي المقيت لم تكون ولن تكون الا تحت شعار " كان هنا العراق ".

ان العراق يملك الخبرات والثروة ومصر لاتملك سوى بعض الخبرات المحلية التي لاتضيف جديد الى العراق، لذلك علينا التوجه الى التجربة العلمية الغربية الرائدة والاخذ منها والتفاعل معها، فمن لايستطيع ان يحل مشاكله الدينية والاجتماعية المحلية لايمكن ان يكون عامل مساعد للعراقيين، وان من ينظر الى العراق كفرصة لكسب المليارات مقابل بضاعة كاسدة ومواقف سياسية ليس لها ثقل دولي او حتى اقليمي يجب التعامل معه بندية واستقلال واضح، اما من يريد ان يجعل من نفسه قزم في الساحة العراقية فليبحث عن اخ كبير وليس ببعيد قد يبحث عن ولي أمر للعراق.

وهذه في واقع الامر فئة من السياسيين توضع في خانة " علل الزمان " التي تمر على العراقيين. والذين لايستوعبون ان العراق ليس صغير. بل هو اكبر بكثير مما يتصور الخائبون المرتجفون.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/كانون الثاني/2010 - 10/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م