انشغلت وسائل الإعلام الغربية والأمريكية، على وجه الخصوص،
وكالعادة، بقيام هيئة المساءلة والعدالة في العراق باستبعاد أكثر من
500 مرشح من خوض الانتخابات البرلمانية في السابع من شهر آذار المقبل
لأسباب تتعلق بالانتماء لحزب البعث والأجهزة الأمنية والمخابراتية
للنظام السابق، بالإضافة إلى تهم جنائية أخرى تتعلق ببعض المرشحين لهذه
الانتخابات القادمة التي ينظر لها المراقبون على أنها ستكون لها
تداعيات ونتائج مهمة وخطيرة على مستقبل العراق والمنطقة من جهة،
ومستقبل وجود القوات الأمريكية في العراق من جهة أخرى.
ومن اللافت للنظر إن التغطية الإعلامية لقضية الاستبعاد، وطريقة
كتابة خبر هذا الموضوع والتحليل الذي تبعه بعد ذلك، والقراءة السياسية
لمضامينه، كانت غير موضوعية، وتفتقر للدقة والرصانة، وتفوح منها رائحة
الطائفية على نحو مثير للانتباه والغرابة في نفس الآن.حيث من المفترض،
ومن الناحية النظرية، أن تلتزم هذه الصحف بالحياد لحين استجلاء الحقيقة
ومعرفة حقيقة المستبعدين والأسباب الكامنة وراء ذلك، لا أن تطبل وتصفق
بصورة طائفية " بغيضة "، عازفة على أوتار اشمئز منها الشعب العراقي
وطلقها طلاقا بائنا لا رجعة فيه.
العزف الطائفي من قبل الصحف الأمريكية والبريطانية، خلال الأيام
المنصرمة، على هذه القضية تم على مستويين، الأول على مستوى العناوين
التي تحدثت عن قضية الاستبعاد، حيث جاء في هذه العناوين ما يمكن أن
يثير عدة أسئلة حول صياغته على هذا النحو الطائفي غير الموضوعي ولا
النزيه.
حيث نقرا، مثلا، العناوين التالية:
Could a Ban on Sunni Candidates Imperil Iraq's Election? (TIME,
Andrew Lee Butters, Jan. 19)
Sunni Iraqis fear disenfranchisement after hundreds of candidates
banned (Washington Post, Leila Fadel and Ernesto Londoño, Jan. 19;
A07)
وأما من ناحية المضمون، فنرى مثلا أن مجلة ال فورن بوليسي الأمريكية
تقول، وعلى لسان سكوت كاربنتر وميشيل نايت، " انه تم استبعاد 500 مرشح
اغلبهم سنة من الدخول في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في آذار من
عام 2010"، كما وصفت لز سلاي من صحيفة لوس أنجلس تايمز المبعدين بان"
اغلبهم من السنة "، أما وول ستريت جورنال فإنها، بعد أن قالت بأنه تم
استبعاد قيادات سنية من الانتخابات، بينت بان هذا الأمر " يمكن أن يشعل
فتيل حرب طائفية من جديدة قبل الانتخابات".
وارى أن هذه التحليلات بعيدة عن الواقع والقراءة الصحيحة لطبيعة
الصراعات والمجتمع العراقي، حيث انه من المستحيل بمكان أن تنزلق البلاد
ثانية،كما تعتقد هذه الصحف بواسطة محلليها وكتّابها، نحو الطائفية أو
تأجيج أوار حرب جديدة بين السنة والشيعة كالتي أحرقت العراق في سنة
2006 و 2007، حينما تقاتلت المليشيات الشيعية مع تنظيمات سنية متطرفة
ونتج عن هذه الحرب مئات الأرواح البريئة.
هذا التحليل والنتيجة التي يتخوف منها هؤلاء الكتّاب تستند إلى
مقدمة غير صحيحة بُنيت عليها، وبالتالي لا يمكن أن تكون نتيجة أية
مقدمة خاطئة إلا خاطئة أيضا، كما تصور ذلك لنا قواعد المنطق المعروفة
في الاستدلال، فالمبعدين من الاجتثاث ليسوا سنة فقط بل هم شيعة أيضا،
ناهيك عن أن الاستبعاد لم يكن مبني على أسس طائفية أو مذهبية، خصوصا
أذا علمنا أن اغلب المستبعدين هم من الأحزاب العلمانية التي يكون نعتها
بالسنية أو الشيعية أمر مغلوطا وبعيد عن الحقيقة، هذا إذا ما قلنا بأنه
ينطوي على فهم خاطئ لمعنى كلمة العلمانية.
ثم إن هنالك أمر غاية في الأهمية لم أجد أحدا يركز عليه ولا حتى
يشير إليه من قريب أو بعيد، وهو أذا افترضنا جدلا أن المستبعدين محصور
بعينة من السنة في العراق، وهو افتراض خاطئ وغير مقبول كما قلنا، فهل
أن هؤلاء المستبعدين يمثلون السنة ويحتكرون قراراتهم ويجسدون تطلعاتهم
في العراق لوحدهم ؟ فضلا عن سؤال أخر يولد من رحم الجواب على السؤال
الأول، وهو.. هل توجد شخصيات سنية أخرى في العراق لم تقم هيئة المساءلة
والعدالة باستبعادها ؟.
الإجابة على السؤال الأول أضحت واضحة، فلا احد يزعم في العراق بما
فيهم القيادات السياسية الشيعية أنهم يمثلون مكونهم الطائفي شيعة كانوا
أم سنة، ولا يمكن مطلقا تحت أي مبرر أو مسوغ أن يزعم احد انه يمثل
السنة أو الشيعة في العراق... وهذا ما يجعلنا ننتقل إلى جواب السؤال
الثاني الذي ولد من نظيره الأول، حيث أن هنالك قيادات سنية كبرى لم
تطالها أيدي المساءلة ولا تجرأت على المساس بها.
والأمثلة لدينا كثير وجليه ولعل أهمها الحزب الإسلامي العراقي،
والشيخ احمد عبد الغفور السامرائي وهو رئيس ديوان الوقف السني والأمين
العام لتجمع الميثاق العراقي، والشيخ خالد الملا رئيس جماعة علماء
العراق فرع الجنوب، وجماعة صحوة العراق برئاسة الشيخ ابو ريشة، وتجمع
المستقبل الوطني للسيد رافع العيساوي، ومجلس إنقاذ الانبار برئاسة حميد
الهايس، والحزب الوطني الديمقراطي برئاسة نصير الجادرجي، وحاجم الحسني
وعدنان الباججي، وعلي بابان، وتجمع أهل العراق بزعامة الشيخ خالد البرع،
والحركة الدستورية وراعيها الشريف علي بن الحسين بن علي، وعبد مطلك
الجبوري، والشيخ على حاتم السليمان الأمين العام لتحالف بيارق العراق،
وحزب العدالة التركماني بزعامة أنور حميد غني، وتجمع عشائر العراق
بزعامة عمر الهيجل.
ونتيجة لهذه الحقيقة التي يبدو أنها تم تجاهلها من قبل الإعلام
الأمريكي، يصبح من الخطأ بل الخطيئة اعتبار المستبعدين من الانتخابات
منتمين إلى الطائفة السنية في العراق، فالأمر لا يتعلق بالطائفة ولا
المذهب كما وضحنا آنفا في طرحنا أعلاه المبني على تحليل منهجي واقعي
يصعب إنكاره تحت أي مبرر أو تفسير.
alsemawee@gmail.com |