تضخم بؤر التوتر في مجتمعاتنا

أسباب ونتائج وحلول

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لا يبذل المراقبون جهدا كبيرا في تأشير ظاهرة التوتر في البلدان العربية التي تؤدي الى خلق التشاحن واثارة النزاعات والانشقاقات الاجتماعية، فهي واضحة ولا تحتاج الى كثير من العناء لتثبيت مواقعها وتحديد بؤرها التي ما تلبث أن تتزايد بدلا من أن تضمحل لا سيما أننا نعيش عصر الانفتاح والعولمة التي من المفترض أن تسهم بطريقة أو أخرى في القضاء او الحد من ظاهرة التوتر سواء في العلاقات المجتمعية او الفردية وفي طرق الحوار وما شابه.

لقد انتفت الحدود العلاقاتية بين المجتمعات من خلال تطور وسائل الاتصال في العصر الراهن وهذا ما تؤكده عولمة اليوم التي لم تدّخر جهدا في محاولة دمج البشرية ووضعها في بوتقة واحدة او في غرفة عالمية واحدة تسيرها محركات ونوايا عالمية لها مصلحة في تذويب الآخرين بثقافاتها ورؤاها وتصوراتها لعالم جديد يتوحد تحت معطف ثقافة عالمية واحدة، ربما هي ثقافة الغرب لا غيرها، بيد أن الخلل في هذا المجال يبدو واضحا، من خلال انتشار بؤر التوتر في العديد من مناطق العالم لأسباب معروفة لا مجال للخوض فيها هنا.

ولعل المناطق الاكثر سخونة وتوترا على كوكبنا هي بلداننا العربية والاسلامية حيث سرعان ما يتحول الحوار الى توتر ثم الى صراع واقتتال يتشكل على هيئة حروب خارجية او أهلية وما شابه، ناهيك عن الصراعات السياسية الحزبية والفردية نزولا الى السلوك الذي يطبع الفرد في مجتمعاتنا حيث درجة التوتر تصل في بناء شخصياتنا الى أبعد المديات، ولعل تركيبة الشخصية العربية والاسلامية على وجه العموم تتمثل على نحو واضح بسرعة التوتر والغضب وسرعة الاستفزاز والتحول في لحظات من حالة الهدوء والثبات الى حالة الاهتياج والانفجار والغضب وثمة شواهد راهنة وسابقة كثيرة تثبت هذا القول.

ولقد أسهمت العديد من العوامل في صنع وتشكيل هذه الشخصية التي أنتجت بؤرا دائمة للتوتر والصراع بمختلف انواعه، ولعل السبب الأكبر في صنع مثل هذه التوترات هو أننا (لا نعرف كيف نختلف) نعم إننا نجهل تماما أهمية الاختلاف ولهذا السبب فإننا جهلة من طراز خاص في هذا الجانب، حيث نعدّ (الاختلاف) بمثابة (خلاف) في معظم حالات حدوثه سواء بين الجماعات او الافراد، بمعنى ان سوء الفهم لحالة الاختلاف  صارت تشكل سمة من طبائعنا وألوان حياتنا وأنشطتنا، فترى الفرد منا متعصبا لرأيه ولذاته الى أقصى حد ممكن، وهو ما يقود بالنتيجة والتراكم الى صناعة بؤر التوتر على مستوى المجتمعات.

ولذا من الجدير أن نذكر بأن الاختلاف هو نوع من انواع الثقافة التي لم نخض فحواها كما ينبغي ولم تتجذر بعد في تربتنا، ولعلنا لم نفهم او لم نؤمن الى الآن بأن الاختلاف بحد ذاته ظاهرة جيدة تصب في تدعيم السمات الراقية للمجتمع وتُسهم في إنعاشه بتعدد الرؤى والافكار والمنافذ والحلول وما شابه، ولعل القول الشهير الذي يقول (كلما اختلفت الآراء صحت) يصلح أن يكون دليلا قاطعا على صحة ظاهرة الاختلاف ومفعولها الساحر في رقي وتطور المجتمعات.

بيد أن المشكلة التي نعاني منها (أفرادا ومجتمعات) أننا سرعان ما نحوّل دفة الاختلاف الى (الخلاف) مما يقود الى التوتر ثم الصراع السلبي الذي يقود بدوره الى تأثيث المناطق الرخوة من مجتمعاتنا ببؤر التطرف والتوتر التي تكون جاهزة للإنفجار على الدوام، ولهذا نجد في الغالب غيابا ملحوظا للرأي المعارض في مجتمعاتنا، حيث يسود القمع السياسي والعقائدي والفكري لصالح السلطة بكل أشكالها.

كما أننا نفتقد على نحو ملحوظ للحوار الموضوعي، لأننا حتى الآن لم نتعلم قواعد الحوار المجدي الذي يتسم بالهدوء وعمق الهدف ووضوح الجدوى وصولا الى النتائج الطيبة التي ينبغي أن يتمخض عنها مثل هذا الحوار، وبهذا فإننا نفتقد أيضا الى ثقافة الحوار البنّاء، الامر الذي يسحبنا الى منطقة أخرى من التردي ممثلة بسوء الظن بالآخر، ومن ثم الانتقاص منه والعمل على إلغائه كليا او تحجيم دوره وهو خطأ فادح نرتكبه بحق أنفسنا، لذا فإننا مطالبون ببعض الحلول التي لابد أن تسهم بتقليل ظاهرة التوتر وتحويل مساراتها من كونها حالة سلبية الى حالة إيجابية من خلال استثمار الاختلاف وتحويلة الى خانة الخلاف الخلاّق الذي يصب في صالحنا قطعا، ويمكننا اعتماد بعض الحلول للمعالجة منها:

- مجاراة الرأي الآخر، ولا يعني بالضرورة القبول به، بل السماح به ومعرفة أهدافه وهي نتيجة تصب في صالح جميع الاطراف بسبب إنتفاء الاهداف الخفية، التي قد تستفحل في حالة محاربة الرأي وتشكل خطرا على الجميع.

- الدفع باتجاه فتح منافذ الحوار البنّاء من لدن الجميع ومع الجميع في آن واحد، وإشاعة ثقافة الحوار الهادئ المجدي والهادف في آن.

- تحريم العنف واعتبار جميع أشكاله (خط أحمر) لا يجوز الاقتراب منه تحت شتى الاسباب والتبريرات .

- مقارعة كل أشكال السلطة الأحادية التي تهدف وتعمل على قمع الرأي الآخر.

- نشر ثقافة المعارضة بين السياسيين وغيرهم، بل جعلها سمة علاقاتية تنمو باضطراد بين الأسر والافراد والجماعات بمختلف أنواعها وتوجهاتها.

- العمل الممنهج والجاد على تجفيف بؤر التوتر بالحوار بعيدا عن العنف الذي سيزيد من حدتها كما وعددا.

وهكذا تبدو المسؤولية هنا جماعية لا تستثني أحدا او جماعة، بل هو جهد يخص الجميع، لأن الجميع من سيقطف ثمار الجهود المشتركة في امتصاص التوتر وإشاعة الهدوء والسلام وآليات الحوار الخلاّق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/كانون الثاني/2010 - 9/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م