الإنسان القديم... طبائع بشرية أم غرائز حيوانية

في أوربا أكلوا لحوم البشر وفي مصر بنوا الأهرامات

 

شبكة النبأ: كشفت بعثات التنقيب مؤخرا عن العديد من الاكتشافات الأثرية المهمة التي تفضي الى توضيح الكثير من الأمور الملتبسة حول حياة الإنسان في العهود السحيقة.

حيث يعول العلماء على تلك الاكتشافات فتح العديد من الملفات التاريخية التي يكتنفها الغموض، سيما في ما يتعلق بالأمور والانجازات الخارقة للإنسان القديم، مثل الأهرامات وغيرها، بالإضافة الى الطموح في معرفة أسرار غير مكتشفة تشرح طبيعة الممارسات الفردية والاجتماعية للإنسان القديم.

موقع اتابويركا الأثري

حيث يجثم عشرات الباحثين على الارض ويعملون ببطء ومثابرة في موقع اتابويركا الاثري في اسبانيا، في حفريات سمحت العام 2007 باكتشاف تاريخي لبقايا احفورية تعد الى "الاوروبي الاول".

ويعتمر هؤلاء وهم في معظمهم متطوعين خوذة صفراء ويتسلحون بفرشاة للمشاركة في "موسم 2009" للحفريات الذي يستمر حتى نهاية تموز/يوليو.

بين المشاركين حملة دكتوراه في علم الاثار والجيولوجيا وعلم الاحاثة وطلاب، يحلمون جميعا بتحقيق اكتشاف كبير على غرار الاكتشافات السابقة التي اعطت هذا الموقع القريب من مدينة بورغوس شهرته الواسعة والذي يعتبر من الاهم في اوروبا.

ومنذ فترة قريبة احتفل موقع اتابويركا بعيده الثلاثين وقد ادرجته اليونيسكو في العام 2000 على لائحة التراث العالمي. بحسب فرانس برس.

ويتذكر خوسيه ماريا برموديث دي كاسترو واودالد كاربونيل اللذان يشاركان مع آخرين في ادارة هذا المشروع، المراحل المهمة لهذا الموقع الغني جدا الذي عثر فيه على اكتشافات مهمة، اعطت فكرة عن نمط حياة انسان ما قبل التاريخ.

ولفت هذان الباحثان الى ان سكان اتابويركا الاوائل الذين استقروا قبل اكثر من مليون سنة في هذه المنطقة الواقعة في شمال اسبانيا والممتدة على مساحة 13 كلم2، لم يختاروها صدفة.

لقد افادوا من "موقع مهم" يحوي مغاور ويتمتع بمناخ جيد وبيئة غنية بالنبتات والحيوانات ويقع عند ملتقى نهرين.

ويعود اول اكتشاف لوجود مغاور في اتابويركا الى نهاية القرن التاسع عشر اثناء حفر نفق لسكة حديد في جبل.

واشار كاربونيل في تصريح لوكالة فرانس برس الى انه "لم يكن هناك معرفة علمية كافية للشروع في الابحاث، في تلك الحقبة في اسبانيا".

ومن جهة اخرى قال دي كاسترو ان الحفريات الاولى تعود الى العام 1978، تلتها في "العام 1984 حفريات اخرى نتج عنها العثر على 150 بقايا بشرية صغيرة. النتيحة كانت جيدة وكان لها قيمة عاطفية اكثر منها علمية الامر الذي شجعنا لمتابعة ابحاثنا". وتابع "في العام 1992 عثرنا على بقايا كاملة سليمة من بينها الجمجمة الاكمل الوحيدة التي لم يعثر على مثلها لبشري من قبل وعمرها اكثر من 300 الف سنة".

بعد سنتين اكتشف علماء الاثار بقايا عمرها 800 الف سنة وتعود الى الاوروبيين الاوائل وقد اطلق عليهم اسم "اومو انتيسيسور".

واكتشف الباحثون العام 2007 في الموقع المعروف باسم "هوة الفيل" فكا يعود تاريخه الى 1,2 مليون سنة، وهو اقدم اثر بشري في اوروبا.

وتصدر هذا الاكتشاف غلاف المجلة العلمية الاميركية "نيتشر" مع عنوان "الاوروبي الاول؟". وفي الاجمال، تم اكتشاف نحو سبعة الاف احفورة بشرية في هذا الموقع الذي يتألف من 450 ورشة تنقيب.

وتخضع هذه الاكتشافات عند انتهاء كل موسم تنقيب الى دراسات في مختبرات طوال السنة ينتج عنها معلومات مهمة.

وأشار دي كاسترو "نعلم مثلا ان "اومو انتيسيسور" كان من اكلي لحوم البشر" وتابع "كبينة جسدية كان اقصر منا بقليل غير ان لديه شكلا خاصا مع قسمات وجه قديمة وعصرية في الوقت عينه.

وقد تم العثور في هذا الموقع ايضا على بقايا "اومو سابيانس" (الانسان العاقل) وبقايا اقدم منها تعرف باسم "اومو هايدلبرغنسيس (عمرها اكثر من 500 الف سنة) ويعتبر هذان النوعان تطورا لنوع اومو انتيسيسور.

وقال كاربونيل "نأمل في العثور هذه السنة على بقايا تعود الى 130 الف سنة واقل فنملك بذلك بقايا تمثل كل تطور الانسان منذ 1,3 مليون سنة الى اليوم".

واكد ان العمل لا يتوقف عند هذا الحد موضحا "حاليا نحفر من اجل العثور على بقايا من انسان +نياندرتال+ (بين 300 الف و30 الف سنة).

أقدم حضارة في تايوان

من جهتهم اكتشف باحثون في تايوان ما يعتقدون انها أقدم حضارة في الجزيرة تعود الي حوالي 20 ألف عام وتنتمي الى شعب يشبه الاقزام جاء من الصين أو من جنوب شرق اسيا او ما وراء ذلك.

وقال تسانج شين هوا رئيس فريق الباحثين ان اكاديمية سينيكا التي تديرها حكومة تايوان والتي اكتشفت أكثر من 200 أداة حجرية في موقع التنقيب في كهف با هسين على الساحل الشرقي للجزيرة ستعود في العام المقبل للبحث عن أدلة قد تشير الى من كانوا يعيشون هناك.

وقال تسانج ان الحضارة كانت على الارجح لاناس لهم بشرة داكنة مماثلة لشعوب نجريتو التي تضم عدة مجموعات عرقية قصيرة القامة في اجزاء معزولة في جنوب شرق اسيا. ومازال الغموض يكتنف نشأهم ومسار هجرتهم في آسيا. بحسب رويترز.

وقال تسانج "من اين جاءوا ..هذا سؤال جيد. نقترح القول انهم من شعوب نجريتو لكننا لم نعثر على اي جمجمة بشرية حتى الان... نرغب في العودة لنرى هل جاءوا من الصين او من شبه الجزيرة الهند الصينية."

ويقول بعض العلماء ان شعب نجريتو في تايوان الذين بلغ عددهم ذات يوم حوالي 90 ألفا -وان كانوا قد انقرضوا الان- ربما وصلوا الى تايوان من مدغشقر عبر جزر جنوب شرق اسيا.

ويعتقد اخرون انهم جاءوا عبر الصين على بعد 160 كيلومترا على الجانب الاخر من مضيق تايوان. وغالبية سكان تايوان حاليا ينتمون للعرقية الصينية.

وقال تسانج ان فريق اكاديمية سينيكا الذي يضم 11 شخصا والذي تموله ادارات حكومية مركزية ومحلية قضى 10 أشهر في اعمال التنقيب. وسيواصلون البحث في العام القادم.

أكل جماعي للحوم البشر

الى ذلك نشرت مجلة "أنتيكويتي" تقريرا يفيد بأن علماء الآثار قد عثروا على أدلة تشير إلى وجود "أكل جماعي للحوم البشر" في مقبرة جنوب غربي ألمانيا عمرها 7000 عام.

بعض بقايا الجثث، التي كان قد جرى بترها وتشويهها بشكل متعمَّد، تعود لأطفال وحتى أجنة لم يكونوا قد وُلدوا بعد.

وقال معدِّو التقرير إن النتائج التي توصلوا إليها تقدم دليلا نادرا على وجود ظاهرة أكل لحوم البشر في أوروبا أوائل فترة العصر الحجري الحديث.

وأضافوا قائلين إنه تم العثور على بقايا تعود لحوالي 500 شخص في مقبرة تقع بالقرب من قرية "هيركسيم" الواقعة جنوب غربي ألمانيا.

كما عبَّر الباحثون عن اعتقادهم بأنه كان قد جرى التهام جثث أولئك الأشخاص بشكل جماعي قبل أن تُدفن بقاياها في المكان المذكور.

وذكروا أن بعض بقايا الجثث، التي كان قد جرى بترها وتشويهها بشكل متعمَّد، تعود لأطفال وحتى أجنة لم يكونوا قد وُلدوا بعد.

يُشار إلى أن الموقع المذكور الذي اكتُشفت فيه الجثث كان قد جرى التنقيب فيه للمرة الأولى في عام 1996، ومن ثم أُعيد اكتشافه للمرة الثانية بين عامي 2005 و2008.

وقال الدكتور برونو بوليستين، رئيس فريق الباحثين التابع لجامعة بوردو بفرنسا، إنه وزملاءه في الفريق وجدوا في الموقع بقايا عظام بشرية كان قد جرى تقطيعها وتهشيمها بشكل متعمَّد، الأمر الذي يشير إلى حدوث عملية أكل للحوم البشر.

وقال الدكتور بوليستين: "نحن نرى علامات على عظام حيوانات تشير إلى أنه كان قد تم شيًّها على النار. كما رأينا بعضا من تلك العلامات على عظام بشرية في هذا الموقع."

وأكد الدكتور بوليستين أنه من الصعب إثبات أنه كان قد جرى طهي تلك العظام بشكل متعمَّد.

إلاَّ أن بعض العلماء قد رفض نظرية أكل لحوم البشر هذه، مشيرين إلى أن عملية إزالة اللحم عن العظم ربما كانت جزءا من طقوس الدفن التي كانت سائدة في تلك الحقبة.

لكن الدكتور بوليستين قال إن البقايا البشرية التي عُثر عليها في المكان "جرى تقطيعها وتهشيمها بشكل متعمَّد"، وأنه كان هنالك ثمة دليل على حودث قضم ومضغ (لوك) للعديد منها قبل دفنها.

يُذكر أن فترة أوائل العصر الحجري الحديث هي الحقبة التي انتشرت فيها أنماط الزراعة للمرة الأولى وسط أوروبا.

ويعتقد فريق الباحثين أنه كان من المحتمل أن يكون أكل لحوم البشر في القارة خلال تلك الفترة أمرا استثنائيا، إذ يمكن أن يكون قد جرى ذلك خلال فترات المجاعات.

مقابر عمال الاهرام

من جهة أخرى أعلن وزير الثقافة المصري فاروق حسني إن بعثة آثار مصرية حققت اكتشافات أثرية هامة بعثورها على مقابر عمال بناة هرم خوفو والتي أكدت إن عمالا أحرارا بنو اكبر أهرامات الجيزة الثلاثة.

وقال حسني ان البعثة برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار زاهي حواس "عثرت على مجموعة مقابر جديدة ترجع الى الأسرة الرابعة (2649- 2513 قبل الميلاد) وهي خاصة بالعمال الذين بنو الهرم الأكبر وهذه أول مرة يتم فيها الكشف عن مقابر خاصة بالملكين خوفو (2609-2584 قبل الميلاد) وخفرع (2576-2551 قبل الميلاد)". بحسب فرانس برس.

وأضاف إن "مئات المقابر الأخرى التي عثر عليها سابقا كانت ترجع الى أواخر الأسرتين الرابعة والخامسة (2649-2374 قبل الميلاد)".

واكتشفت مقابر العمال الأولى عام 1990 اثر سقوط سائحة عن ظهر جوادها جنوب شرق تمثال ابو الهول.

من جهته اعتبر حواس ان "الكشف عن مقابر العمال يعتبر من اهم الاكتشافات الأثرية في القرنين العشرين والواحد والعشرين لأنها تلقي الضوء على الفترة المبكرة للأسرة الرابعة وتؤكد سقوط فكرة قيام العبيد ببناء الأهرام وذلك لان هذه المقابر تقع مباشرة الي جوار الهرم بل وتطل عليه، ولو كانوا عبيدا لما استطاعوا بناء مقابرهم في هذه المنطقة".

وكشف حواس ان "من اهم مقابر العمال مقبرة تخص شخصا يدعو +ايدو+ وهي عبارة عن بناء مستطيل الشكل بها العديد من ابار الدفن التي كسيت من الحجر الجيري المحلي الموجود بالهضبة كما كسيت جدران المقابر من الخارج بطبقة من الطوب اللبن وطليت بالملاط الأبيض بالإضافة الى وجود كوات تواجه كل وحدة منها بئر للدفن لتسهيل دخول وخروج الروح من المتوفى القابع في هذه البئر".

وصرح المشرف على العمل في البعثة عادل عكاشة بان "السطح العلوي لمقبرة ايدو يمثل الشكل المقبي او المنحني ويشبه شكل الكومة التي ترمز الى التل الأزلي الذي بدأت منه الخليقة طبقا لمذهب مدينة منف لتفسير الوجود".

وتابع "من الادلة التي تثبت أن هذه المقبرة ترجع الى عصر الاسرة الرابعة هو التشابه بين هذه المقبرة والمقابر الواقعة شرق هرم سنفرو الأحمر الشمالي بدهشور الذي يرجع الى الاسرة الرابعة اي قبل 4500 سنة وهو من أوائل من حاول بناء الأهرامات في الحضارة الفرعونية القديمة".

وقد كشف عن مجموعة من المقابر والرفات التي تحيط بالمقبرة الرئيسية من جهة الغرب وهي عادة للمصريين القدماء فى التبرك والتيمن بالدفن حول الأهرامات وهي مقابر صغيرة وبسيطة فى تصميمها وزخرفتها المعمارية.

كما تم الكشف عن مقبرة اخرى تقع الى الجنوب الغربي من مقبرة ايدو. وبنيت جدران المقبرة من الطوب اللبن وهى مستطيلة بها ابار للدفن وعثر داخل كل بئر على هيكل عظمى فى وضع القرفصاء بالإضافة إلى كسرات الفخار التى ترجع للاسرة الرابعة.

ويرى حواس ان هذا الكشف "يعطينا فكرة واضحة عن الحياة الدينية للعمال الذين اشتركوا فى بناء الهرم وهذه المنطقة هى بداية الجبانة الضخمة التى تنتشر على مسافة كيلو متر باتجاه الجنوب".

وأضاف "تفيد أدلة عثر عليها ان العائلات الكبيرة المنتشرة فى الصعيد والدلتا كانت ترسل يوميا حوالى احد عشر عجلا وثلاثة وعشرين خروفا وذلك لإعاشة العمال وفي المقابل كانوا لا يدفعون الضرائب للدولة وهذا يثبت ان الهرم كان المشروع القومي لمصر كلها وان الشعب كله كان يشترك فى بنائه".

واكد حواس ان "عدد العمال الذين اشتركوا فى بناء الهرم الاكبر بالذات لا يزيد عن 10 الاف عامل عكس ما قاله هيرودوت أن عدد العمال كان يصل إلى 100 الف عامل".

وقال حواس ان الكشف يؤكد ان "هؤلاء العمال جاءوا من العائلات الكبيرة والذين دفنوا بالجبانة هم العمال الذين ماتوا فقط اثناء بناء الاهرامات".

الإنسان البدائي استخدم  الماكياج

في سياق متصل قال علماء انهم اكتشفوا اول دلائل مقنعة على ان الانسان البدائي كان يحمل ويستخدم اوعية لطلاء الجسد وذلك منذ 50 الف عام.

وذكر تقرير فريق البحث والذي نشر في دورية الاكاديمية الوطنية للعلوم ان انسان نياندرتال كان يحمل قواقع تحتوي على مخلفات اصباغ كانت بمثابة حاويات المكياج للانسان البدائي.

وعثر العلماء على قوقعتين في المواقع الأثرية في مقاطعة مورسيا في جنوب اسبانيا. ويقول العلماء ان كشفهم يدحض الصورة التقليدية المؤخوذة عن البشر البدائيين بانهم يتسمون بالبله، حيث تظهر الدراسة انهم كانوا قادرين على التفكير الرمزي.  بحسب بي بي سي.

وقال عالم الاثار جواو زيلهاو من جامعة بريستول في المملكة المتحدة، وقائد فريق الدراسة، إنه وفريقه قد فحصوا قواقع استخدمت كحاويات لخلط وتخزين الأصباغ.

وكانت العصي السود من اصباغ المنجنيز، والتي قد تكون قد استخدمت من قبل البشر البدائيين لتجميل الجسم، قد سبق اكتشافها من قبل في أفريقيا.

لكن هذا هو اول دليل قوي على استخدامها في مستحضرات التجميل كما ذكر زيلهاو. مشيرا الى ان" استخدام هذه الوصفات المعقدة امر جديد. إنها أكثر من طلاء للجسم".

وعثر العلماء على كتل من صبغة صفراء، يقولون انها يمكن ان تكون قد استخدمت كأساس للمكياج. كما عثروا على مسحوق أحمر مختلط ببقع لمعدن اسود براق.

كما ارتدى الانسان البدائي بعض القواقع المنحوتة وذات الالوان الزاهية كمجوهرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 23/كانون الثاني/2010 - 7/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م