في المقال السابق «من أين لك هذا؟.. بداية الإصلاح» سلطنا الضوء على
نقطة مهمة في عملية الإصلاح، وهي أهمية سن قوانين المحاسبة والشفافية،
ومنها قانون من أين لك هذا؟ لكل مسؤول في الدولة الكبير قبل الصغير،
بالإضافة إلى أهمية دور البرلمان المنتخب من قبل الشعب في المراقبة
والمحاسبة.
والإصلاح والتغيير في أي مجتمع أو امة أو دولة لا يمكن أن يتحقق إلا
عندما تتحقق إرادة التغيير لدى عامة الناس، وبتحمل المسؤولية؛ والبداية
تنطلق من الدائرة الأصغر فالأكبر - النفس، العائلة، المجتمع، الأمة -
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). ومن الأعمال المهمة
في سبيل التغيير والإصلاح كسر حاجز السكوت والصمت الناتج بسبب الخوف
والرعب وضعف الوعي وغياب روح تحمل المسؤولية.
ومن أهم أسباب انتشار الفساد الاجتماعي والإداري والسياسي، يعود إلى
مشاركة الناس بطريقة غير مباشرة لبعض المسؤولين في عملية الفساد، بسبب
صمتهم عما يحدث. وهذا مخالف للحديث عن الرسول الأكرم محمد (ص) « الساكت
عن الحق شيطان اخرس».
الصمت الاجتماعي السلبي وعدم المطالبة بالحقوق: تعبير يلجأ إليه بعض
الضحايا لشعورهم بالخوف والرعب الناتج عن فقدان الامان، وعدم الثقة
بالنفس، والضعف وعدم القدرة على البوح والشكوى، وغياب الاستعداد النفسي
لمواجهة النتائج المترتبة على الشكوى والبوح، وهناك من يلجأ للصمت
السلبي لتحقيق مصالح خاصة.
ومجتمعاتنا بشكل عام مجتمع قائم على العادات والتقاليد الاجتماعية
الموروثة، مجتمع يؤمن بالقبلية، والعائلة الكبيرة، وبمكانة الشيخ أو
الرئيس أو كبير العائلة ودور الوالد، وعلى الصغير احترام الكبير، وعدم
الكلام والنقاش والانتقاد والمطالبة في حضوره؛ كما أن أفراد المجتمع من
الجنسين يعشقون الاستقرار ولو كان استقراراً يؤدي إلى الجمود والكسل
وضياع الحقوق وعلى حساب المصالح الكبرى، كما تنتشر في أوساط المجتمع
حالة المجاملة في التعامل وعدم الصراحة والشفافية، والازدواجية في
الشخصية داخل المنزل وخارجه، وداخل الوطن وخارجه!.
وبلا شك ان السكوت عن الظلم والصمت تجاه الفساد والاعتداء والتطاول،
هو احد أسباب تخلف مجتمعاتنا علميا وفكريا واقتصاديا، وعدم بناء دولة
قوية قائمة على أصول ديمقراطية مؤسساتية؛ وما الفساد الإداري والفقر،
والتشدد الديني والفكري والعصبية والمذهبية والقبلية، وضياع الحقوق،
وشيوع حالات السرقات والاعتداءات والاغتصاب، وعدم احترام القوانين،
وزيادة معدلات الانتحار.. إلا نتائج لهذا الصمت الاجتماعي.
الصمت والسكوت مرض خطير على الفرد والمجتمع والأمة، يحتاج إلى
الكثير من الجهد والعمل للقضاء عليه، والعلاج مسؤولية مشتركة بين
الحكومة والمواطنين، يبدأ أولا بمعالجة الأسباب التي ساهمت في نشوء
ثقافة الصمت السلبي؛ انطلاقا من المنزل والمجتمع والمدرسة بكسر حاجز
الخوف والرهبة، وتنمية روح الثقة والمطالبة والمشاركة والصراحة
والشفافية والمبادرة، وتعميم حالة المساواة والعدالة والأمان،
والتعددية المذهبية والفكرية، والتعامل مع المواطن بناء على المواطنة
لا على المناطقية والقبلية والمذهبية، والوعي بالحقوق الوطنية، وتقنين
عادات العيب غير الصحيحة والسليمة، وتفعيل ممارسة الديمقراطية الحقيقية
من خلال مؤسسات المجتمع المدني، ومنها لجان حقوق الإنسان الأهلية،
وتطبيق العمليات الانتخابية، والحريات الإعلامية، والمحاسبة من خلال
مجلس نواب له صلاحيات واسعة، ومن المهم جدا اعطاء فئة الشباب من
الجنسين مساحة واسعة من التعبير والمشاركة والنقد فهم مستقبل أي امة،
وذلك بعد إعطاء المرأة حقها من المشاركة الوطنية الحقيقية.
لا يمكن أن يتحقق الإصلاح في مجتمعاتنا بدون أن يتم كسر حاجز الخوف
وحاجز الصمت والسكوت عما هو غير صحيح، الذي ساهم في صناعة مجتمع سلبي
فاقد للوعي والحيوية، ولا خيار أمام أفراد المجتمع سوى كسر قيود الصمت
والجمود، والتحرك بوعي ووطنية للمطالبة بحقوقهم ومحاربة الفساد. (إن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). |