هو السيد مصطفى بن جعفر بن عناية الله، من عشيرة آل حسن، ولُقبت
أسرة السيد مصطفى بـ (آل جمال الدين) نسبة إلى جدهم الأعلى السيد
(محمد) الذي كان يلقب بـ (جمال الدين) لتبحره في العلوم الدينية.
وتعتبر أسرة جمال الدين من الأسر العلمية الدينية المعروفة التي تخرّج
منها الكثير من العلماء والأدباء.
ويتصل نسبها بالإمام علي (عليه السلام) عن طريق السيد موسى المبرقع
ابن الإمام محمد الجواد (عليه السلام).
ولد السيد مصطفى عام 1927 في قرية المؤمنين، وهي إحدى قرى مدينة سوق
الشيوخ، التابعة لمدينة الناصرية في محافظة ذي قار (جنوب العراق).
درس السيد جمال الدين في كتاتيب قرية المؤمنين، ثم انتقل إلى ناحية
كرمة بني سعيد لمواصلة الدراسة الابتدائية، فأكمل منها مرحلة الصف
الرابع الابتدائي،ثم هاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية،
فأكمل مرحلتي المقدمات والسطوح.
ثم انتقل بعد ذلك إلى مرحلة البحث الخارج
(المرحلة التحضيرية للإجتهاد)، وأخذ يحضر حلقات آية الله العظمى السيد
أبي القاسم الخوئي. فعرف بين زملائه بالنبوغ المبكر والذكاء الحاد، حيث
كتب تقريرات أستاذه في الفقه والأصول.
ثم إنه عُيِّن معيداً في كلية الفقه في النجف الأشرف والتي اسهم في
تأسيسها هي ومجلة النجف مع لفيف من الشباب تحت إشراف الفقيه المجدد آية
الله محمد رضا المظفر حيث تم تعيين شاعرنا معيداً فيها لحيازته على
المركز الأعلى بين طلبتها الناجحين، وذلك في سنة (1962 م).
ثم سجَّل في مرحلة الماجستير بجامعة بغداد سنة (1969 م)، وبعد
ثلاث سنوات من البحث والدراسة حاز على شهادة الماجستير بدرجة جيد جداً.
وبعد عام (1972 م) عُيّن أستاذاً في كلية الآداب بجامعة بغداد،
فذاع صيته وأصبح معروفاً على مستوى العراق والعالم العربي. وبعد ذلك
حاز على شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد تحت اشرافالناقد المعاصر
الدكتور مهدي المخزومي بدرجة (ممتاز) من قسم اللغة العربية، وذلك في
عام 1974 م.
نشاطاته الأدبية:
- شارك في مهرجان مؤتمر الأدباء الكبير ببغداد سنة (1965 م)، وشارك
فيه لمرَّته الأولى.
- شارك في مهرجان مؤتمر الأدباء الكبير أيضاً ببغداد سنة (1967 م)
للمَرَّة الثانية.
- شارك أيضاً في نفس المهرجان سنة (1969
م)، وللمَرَّة الثالثة. فألقى قصيدته الرائعة حول نكسة حزيران"للثأر
وللفداء"، والتي مطلعها:
َلمْلِم جِراحَكَ واعْصِفْ أَيَّهَا الثَّارُ َأبَعدَ عَارِ
حُزَيْرَانٍ لَنا عَارُ ؟
وخَلِّ عنك هديرَ الحقِّ في أُذُنٍماعادَ فيها سوى(النابالِ)هَدّارُ
وخُضْ لهيبَ وغىً لا بدّ جاحِمُهايوماً، فإنّ بريقِ السلمِ غرّارُ
إنْ تُحرِقِ البغيَ..تَجلوذلَّ موقفِنا أو تحترقْ.. فطريقُ الجنةِ
النارُ
عشرين عاماً رَكِبْنا ظلَّ قادتِنانطوي المنيّةَ ونسري حيثما سروا
إن غرّبوا فمَهَبُّ الخيرِ غايتُناأو شرّقوا فمَدَبُّ الشمسِ مضمارُ
حتى إذا اشتدَّ عصفُ الريحِ واختلجتْ رؤى السفينِ، وغامتْ فيه أقدارُ
لم تدرِ كيف تُداري النَّوْءَ (صاريةٌ) وكيف يَدْرأُ عسفَ الريحِ (بحّارُ)؟!...
وقد هاجر من العراق عام (1981 م) إلى الكويت بسبب ضغط النظام
الحاكم في العراق. ومن الكويت سافر إلى لندن، ثم عاد إلى الكويت مرة
أخرى. واعتقل في عام (1984 م) من قِبل السلطات الكويتية، وأُودع في
السجن.
وبسبب مساندة الكويت لنظام صدام آنذاک، وتأييدها له في حربه
ضد إيران، وتخوفها من كل متعاطف مع إيران، قامت بإخراجه، وخيَّرتْه بين
الإقامة في قبرص أو سورية فاختار الأخيرة.
آثاره
نذكر منها ما يلي:
- القياس حقيقته وحجيته ـ رسالة ماجستير.
– البحث النحوي عند الأصوليين ـ رسالة دكتوراه.
– الانتفاع بالعين المرهونة ـ بحث فقهي.
- الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة.
- ديوان شعر كبير ومطبوع ضم دواوينه الثلاثة: "عيناك واللحن
القديم"،"الحان الغربة"، قصائد عشتها".
- الإستحسان؛حقيقته ومعناه
- الإنتفاع بالعين المرهونة (بحوث فقهية وأصولية ونحوية وفلسفية –
نشر عام 2007م)
- رأي في الشعر الحر، وهو تعقيب على كتاب "قضايا في الشعر المعاصر"
لنازك الملائكة.
وافاه الأجل المحتوم في سورية عام 1995 إثر مرض عضال أَلمَّ به،،
ودفن في عاصمتها دمشق، في مقبرة السيدة زينب (عليها السلام).
شاعريته
كان السيد جمال الدين شاعراً مطبوعاً، تعلَّم في أحضان أسرة دينية
معروفة، وكتب شعره منذ أن كان في مرحلة الدراسة المتوسطة، وعندما دخل
الجامعة كانت القصيدة تنطلق منه بسهولة.
إلا أن دراسته الحوزوية مع شغفه بالشعر دفعا به للتعرف على شعراء
العراق المعاصرين، أمثال: السيَّاب، والسباتي، والجواهري،ونازك
الملائكة، لكنه كان للجواهري أقرب.
عرف عن السيد جمال الدين بأنه ينتمي الى المدرسة الكلاسيكية في
الشعر وقد امتاز اسلوبه الشعري بالمزج بين الشعور الوطني والغزل العفيف
الرقيق الذي تميز به ومنه قوله:
تقولُ ليلى وقد زرتُهافي هدأةِ الليلِ أناغيها
صِفْني فإني امرأةٌ كلُّهاشوقٌ لإعجابِ مُحبّيها
وقوله مازجاً بين رمز المرأة والوطن:
يا أنتِ يا وطناً حملتُ ربوعَه في غربتي، وجمعتُهبِشَتاتي
عيناكِ منبعُ رافديهِ،وملتقى فرعيكِ خُضْرُ مروجِه النضراتِ
وإذا نَطَقتْ سمعتُ عذبَ لحونِه بخريرِ ساقيةٍ، وعزفِ رعاةِ
وأكادُ –إنْ هَوّمتِ- أحضنُ قريتي التَعبى، وقد غرقتْ بليلِ سُباتِ
فإذا صحوتِ صحتْ مدارجُ صبيةٍ وثُغاءُ ماشيةٍ،ولهو لِدَاتِ
ونحن نلاحظ في ديوانه قلة القصائد التي نظمها في المدح
والمناسبات والرثاء، وقد علل هو نفسه ذلك بقوله في المقدمة التي استهل
بها ديوانه قائلاً:
"...وقد عاصرتُ ملوك العراق،ورؤساءه،وحكّامه،والمتنفذين فيه،فلم
أمدح أحداً منهم،حتى مراجع الدين،ليس لأنه لا يوجد فيهم من يستحق
المدح،بل لأني كنت أتجنب مزالق التهم،ولذلك وقفت تكريمي لمن أحترم من
هؤلاء الزعماء،ورجال الدين على الرثاء فقط،وستجدون في هذا الديوان
قصائد الرثاء، ولكنكم لن تجدوا المدائح والتبريكات"
وقد عرفالسيد جمال الدين بتفاعله مع الأحداث المحيطة به
وصياغة هذه الأحداث والتعبير عن وجهة نظره حولها شعراً.
الروافد والمؤثرات
ومن أبرز الروافد التي شكلت شاعرية جمال الدين البيئة النجفية
المحتفية بالشعر ويرجع ذلك إلى القراءات المتنوعة فيها بصفتها منفتحة
على نتاج الأمة العربية وكونها مدينة الوافدين العلمية التي يقصدها
الكثيرون من الطلبة لغرض الدراسة الدينية الحوزوية،حيث تخصص الشاعر في
دراسة العلوم الدينية واللغة العربية لما لها من أهمية بارزة في هذا
الحقل من العلوم مما يزيد من اهتمامات الطالب بالشأن الأدبي. وشكل
الجذر التراثي- بما يعطيه من استلهام الأحداث التاريخية والرمزية- أثراً
كبيراً في شعر جمال الدين، كما كان للأفكار السياسية السائدة في عصره
من وطنية وقومية واسلامية تأثير على شعره الذي اصطبغ بالمواقف السياسية
والتعبير عن رأيه في الأحداث.
المضامين والأغراض
المضامين المستخلصة من شعر مصطفى جمال الدين كثيرة ومنها: شعر
المناسبات لكون النجف بيئة للمناسبات الدينية وكل مناسبة تصطبغ بالحالة
الدينية وتركزت مواضيعها على المحافظة والتجديد في الأدب، ونقد الحوزة
العلمية، والمواقف السياسية، كما أن من المضامين المستخلصة القضايا
الوطنية والقومية، وكذلك الإغتراب وتناول هذا الموضوع من خلال الإغتراب
المكاني فتجد جمال الدين يحن لكل الأشياء الموجودة في وطنه، وإذا قارن
بين أشياء وطنه وأشياء الآخرين يغلب دائماً الوطن، كقوله متفائلاً
لبغداد بالقيام من نكستها بعد الظروف العصيبة التي مرت بها وماتزال:
بغدادُ ما اشتبكتْ عليك الأعصرُإلا ذوتْ ووريقُ عمرِك أخضرُ
مرّتْ بك الدنيا وصبحُكِ مشمِسٌودَجَتْ عليك ووجهُ ليلِك مقمرُ
للهِأنتفأيُّسرٍخالدٍ أن تسمَني وغذاءُ روحِكيضمرُ
أن تشبعي جوعاً وصدرُك ناهدٌأو تُظلِميأفْقاًوفكرُكنيّرُ !
والإغتراب الزماني فجمال الدين رجل دين معمّم يرى الزمان يتجاوز
أبناء أمة العروبة والإسلام بعدما كانوا يصنعون تقدمه، كما تنوعت
تشكلات صورة المرأة في شعر جمال الدين بين المرأة الحب، والمرأة المثال
والمرأة الوطن.
المختار من شعره
بغداد في الليل
حَدَّثي بَغدادُ عن ذِكرى هَواناكُلما ضَمَتْ شواطيكِ الحِسانا
حَدثيهنَّ وقـُولي: إنهــا ليلة ٌ حَمراءُ.. فاضَتْ أُرجُوانا
حَدّثي فالحُبٌ أشهى ما يَرى أن تقولي: ههنا كانتْ.. وكانا
ههنا (نجدٌ) أفاقتْ من كرىليلةٍ, طالتْ على الحُبِّ أزمانا
أطبقتْ أجفانها في ساعة أطبقَ التُربُ على (قيسٍ) مُهانا
وأفاقتْ بـَعــدَ ألفٍ فإذابالثرى يَعبَقُ حُباً وحَنانــا
وإذا (قيسُ وليـلى) نِبتَةٌتُثمِرُ الحبَّ الذي تَجني يَدانا
حَدَّثي بغدادُ عن ليلِي إذاضاقَ بالغيدِ (النُوَاسيُّ) مَكانا
وإذا ألهبَ أهلِيــهِ الهوىفاستحال السَمرُ الحُلوُ دُخانا
وإذا مَرّتْ عليهم ساعــةًيَعجَزُ الحبَّ بها عن أنْ يُصانا
ويَحارُ الصَمْتُ:هل رنـَّت به قـُبلة ٌ؟!.. هل غَدَرَ الحبُّ فخانا؟!
ليلة ٌ خيرٌ من (الالفِ) التي أغـْفَلتْ عن (شهرزادَ) السيفَ آنا
لم يكُ (المهديٌ) من فِتيانهاغَيرَ صَبَّ يترضى (الخيْزُرانا)
و (ابنُ هاني) سَادرٌ في غِيدِها لم تكن بُغيتـُهُ إلا (جِنانا)
كم بها من أذنٍ أسعَدهــاأنْ وَعَدتْ نجوى الحبيبين ِ بيانا
وثغورٍ ذهَلتْ عن نفسِــها وكراسيٌ-بلا قَصدٍ- تدانـى...
إيهِ بغدادُ وحسبي أنها ليلةٌ ينحطُّ عنها الدهرُشانا
كلُّ ما فيها بقايا سامرٍوُلِدَ النجمُ عليه وتفانى
وعبيرٌ في حنايا المَرْجِ مِن أثرِالغيدِطعمُشَذانا
ومناديلُ أضاعتْهاالمَهافي الشواطي.. وتَبَنّتْها يدانا
تتملّاها.. وفي أطرافِهاأثرُ الخيبةِوالحرمانِبانا
حدّثي بغدادُ عن ذكرى هواناكلّما ضمّتْ شواطيكِ الحِسانا
« على ضفاف الغدير»
أنشد الشاعر هذه القصيدة في افتتاح(مهرجان الإمام علي(ع)) في
لندن بمناسبة مرور اربعة عشر قرناً على عيد الغدير وذلك في 18 ذي الحجة
1410هـ:
ظمئ الشعر أم جفاك الشعورُكيف يظما من فيه يجري الغديرُ
كيف تعنو للجدبِ أغراسُ فكرٍ لعليٍّبهاتمَّتِالجذور
نبتت-بين (نهجِه)وربيعٍ من بَنيه غَمْرِ العطاءِ - البذورُ
وسقاها نبعُ النبيِّ وهل بعــد َ نميرِ القرآنِ يحلو نمير؟
فزهتْ واحةٌ ورفَّتْ غصونٌ ونما برعمٌ ونمتْ عطور
وأعدَّتْ سلالَها للقطافِ الـغضِّ مِنّا قرائحٌ وثغور
هكذا يزدهي ربيعُ عليٍّ وتغنّي على هواهُ الطيور
شربتْ حبَّه قلوبُ القوافي فانتشتْ أحرفٌ وجُنَّتْ شطور
وتلاقى بها خيالٌ طروبٌورؤىً غضّةٌ ولفظٌ نضير
*** ***
ظامئَ الشعرِ ههنا يولدُ الشعـ ـرُ وتنمو نسورُه وتطيرُ
ههنا تنشرُالبلاغةُفرعيــها فتستافُ من شذاها الدهور
(هَدَرَتْ) حوله بكوفانَ يوماً (ثم قرّتْ).. وما يزالُ الهدير
وسيبقى يهزُّ سمعَ اللياليمنبرٌمنبيانِهمسحور
تتلاقى الأفهامُ من حولهِ شتــىّ:ففهمُ عادٍ وفهمٌ نصير
وَيَعودن.. لا العدوُّ قليلُ الـ ـزادِ منه ولا الصديقُ فقير
ظامئَ الشعرِ ههنا: الشعرُ والفنُّ وصوتٌ سمحُ البيانِ جهير
بدعةُ الشعرِ أن تشوبَ الغديرَالــعذبَ في أكؤسِ القصيدِ البحور
وعلى إشراقةِ الحبِّ لو شِيبَبسودِ الأحقادِ كادتْ تنيرُ...
سيّدي أيها الضميرُ المُصفّى والصراطُ الذي عليه نسيرُ
لك مهوى قلوبِنا، وعلى زا دِك نُرْبي عقولَنا، ونميرُ
وإذا هزّتِ المخاوفُ روحاً وارتمى خافقٌ بهامذعورُ
قَرَّبّتْنا إلى جراحِكنارٌ وهدانا إلى ثباتِكنورُ
نحن عشّاقُك المُلحّون في العـ ـشقِ.. وإنْ هامَ في هواك الكثيرُ
باعَدَتْنا عن(قومِنا) لغةُ الحــبِّ فظنّوا: أنّ اللبابَ قشورُ
بعضُ ما يُبْتلى به الحبُّ همسٌ مِن ظنونٍ..وبعضُه تشهير
نحن نهواك، لا لشيءٍ،سوى أنّــك من احمدٍأخٌووزيرُ
وحسامٌ يحمي، وروحٌ تُفدِّي ولسانٌ يدعو، وعقلٌ يشيرُ
ومفاتيحُ من علومٍ، حَباهالك، إذ أنت المَنارُ وهو المُنيرُ
وإذا الشمسُ آذنتْ بمغيبٍغطّتِ الكونَ من سناها البدورُ
saadiomran@yahoo.com
..........................................
المصادر:
- الديوان، مصطفى جمال الدين، دار المؤرخ
العربي،بيروت،الطبعة الأولى،1415هـ-1995م.
مواقع ووصلات وردت فيها بعض المعلومات عن الشاعر:
- قراءة في شعر مصطفى جمال الدين - منتدى
الثلاثاء الثقافيhttp://www.thulatha.com
- مصطفى جمال الدين - ويكيبيديا، الموسوعة
الحرة
-جريدة الصباح - مهرجان استذكاري للعلامة و
الشاعر مصطفى جمال الدين http://www.alsabaah.com
http://www.aboutus.org/Jamalaldeen.com
http://dir.sptechs.com/ |