الشيعة في مصر: ضغوط أمنية وسياسية تمنع الشعائر وتقيّد الفكر

 

شبكة النبأ: أعلن سيد مفتاح المحامي ووكيل مؤسسي جمعية الشيعة، عن قرار تأجيل المؤسسين لفكرة إنشاء الجمعية بمصر فى الوقت الحالى، مشيراً إلى أن المجموعة المؤسسة للجمعية أحجمت عن التقدُّم بأسماء أعضاء مجلس الإدارة، والجمعية العمومية لوزارة التضامن الاجتماعي حتى يصفو الجو العام حسب تعبيره مشيراً الى الخشية من خلط الأوراق الذي تتعمده الدولة مع الشيعة المصريين. بحسب صحيفة اليوم السابع المصرية.

من جهته دعا الدكتور احمد راسم النفيس المسئولين بوزارة الداخلية المصرية إلى التوقف عمّا وصفه بالانتقام من شيعة مصر بسبب الخلافات السياسية بين مصر وإيران. وقال إذا كانت لديهم خلافات مع إيران فليحاولوا ضرب مفاعلها النووي بدلاً من اضطهاد الشيعة بلا مبرر.

وقال النفيس الكاتب الشيعى والأستاذ بطب المنصورة، إن هناك تعجلاً فى الإعلان عن تأسيس الجمعية الشيعية المصرية، وإنه يخشى أن يتعرض الأشخاص المشاركون فى تأسيسها لضغوط أمنية حال تم تقديم أسمائهم للوزارة. وأضاف "الأشخاص موجودون، والأوراق جاهزة، لكن لا نرى أنه من الصائب السير فى الإجراءات فى الوقت الحالى".

وكانت مجموعة من الشيعة المصريين قد أعربت عن نيتها تأسيس جمعية شيعية، وتقدمت بعشرة أسماء مقترحة لوزارة التضامن الإجتماعى لتختار من بينها اسماً لجمعيتهم أبرزها "شيعة مصر" و"محبى آل البيت" و"محبى الحسين"، إلا أن مؤسسى الجمعية قرروا تأجيل الفكرة، وعدم استكمال أوراق التسجيل.

أسباب أمنية وسياسية وراء اختفاء الشيعة فى عاشوراء

«عظم الله أجركم فى مصاب الإسلام الحسين» هكذا يتناقل المسلمون على المذهب الشيعي التحايا مع بعضهم البعض مع اقتراب ذكرى مقتل الإمام الحسين بن على حفيد النبى محمد، والتى يبدأ إحياؤها مع أوائل شهر المحرم، وحتى ليلة العاشر منه، لكن مرقد الإمام بالقاهرة خلا فى ليلتي التاسع والعاشر من المحرم هذا العام من أي مظهر من مظاهر إحياء الذكرى، حتى إن عدد زوار المقام كان أقل من الأيام العادية على عكس الحال فى السنوات الماضية حين كانت ساحة المشهد الحسينى تضج بالزوار من مصر، والعراق، والهند، والكويت، وغيرها، تسري بينهم همساً خفيفاً وسريعاً فى آن عبارات «عظم الله أجركم».

فلماذا مر التاسع والعاشر من المحرم 1431 هجرى على سماء المشهد الحسينى بلا إحياء لذكرى الإمام الشهيد؟ هل هى عودة العراقيين إلى بلادهم، أم أنها الظلال الكثيفة لاعتقال حسن شحاتة ومن معه، أم هى تحذيرات القرضاوى من المد الشيعى، والعلاقات المتوترة مع ايران، أم أنها التقية يحتمى بها شيعة مصر.

الصحفى العراقى حازم العبيدى رصد من خلال صحيفة اليوم السابع المصرية اختفاء شيعة العراق من ساحة الحسين فى القاهرة هذا العام، فيما يتوافد الملايين منهم نحو مرقده فى النجف، مُرجِعاً تقلُّص أعداد العراقيين فى مصر، فبعضهم أُعيد توطينه فى أوروبا وأمريكا، أما بعضهم الآخر فقلَّ ماله، وتدهورت أحواله، وضيقت عليه السلطات المصرية فى الحصول على إقامة فقرر العودة باعتبار أن «موت هناك كموت هنا».

ويقول العبيدى إنه خلال التواجد الكثيف للعراقيين بالقاهرة لم تكن هناك قيود أمنية على زيارتهم للمشهد الحسينى، لكن كان هناك الكثير من التهويل فى وسائل الإعلام، مثلاً لم يحدث أن كانت هناك «مجالس عزاء حسينية» فى بيوت الشيعة العراقيين إذ إنها مكلفة بشكل لا يتناسب مع أوضاعهم فى مصر.

أما عن استبدال الشيعة المصريين الإحياء العلنى للذكرى بمجالس عزاء فى منازلهم، فيؤكد المستشار الدمرداش العقالى الكاتب الشيعى أن تلك الطقوس ليست من صلب العقيدة، فالإنسان يستطيع أن يكون شيعياً مخلصاً دون ممارستها، صحيح أن الحقوق العامة توجب حرية الاحتفال بالمناسبات الدينية، لكن إذا كانت زيارة مرقد الحسين ستقودك إلى ما وراء الشمس فلا داعى منها، مشيرا إلى أن حركة الاعتقالات الواسعة خلال الشهور الماضية والتحريض الذى يمارسه الوهابيون على الفضائيات وعلى رأسها تحذيرات القرضاوى من المد الشيعى، رفع من الهواجس الأمنية لدى السلطة، خاصة فى ظل توتر العلاقات المصرية الإيرانية. ويذكر المستشار الدمرداش العقالى بمركز علوم آل البيت للدراسات الإسلامية بالدقى، إنه ما كاد أن ينظم مجلس عزاء حسينى فى عاشوراء إلا وتم إغلاقه، واعتقال معظم مؤسسيه.

فهل يمارس شيعة مصر مبدأ «التقية» فى إحياء عاشوراء، يقول الدكتور أحمد راسم النفيس، الكاتب الشيعى والأستاذ بطب المنصورة، إن الانكماش الذى يمارسه الشيعة فى مصر بشكل عام هو نتيجة لخوفهم من ضياع مستقبل الشباب الذى اعتنق المذهب الشيعى دون أن يكون له ميل سياسى أو انتماء حزبى ثم يفاجأ بنفسه فى المعتقل بلا جريمة ارتكبها سوى أنه شيعى، ويقول إن أغلب القضايا التى تم تلفيقها لشيعة مصريين كانت نتيجة تسريب أسمائهم إلى الأجهزة الأمنية.

من جهته يؤكد النفيس أن الطائفة الشيعية في مصر لا تستطيع إقامة مجالس للعزاء بمناسبة يوم عاشوراء الذي شهد استشهاد الإمام الحسين وعدد من آل بيت النبي عليه السلام علي يد الأمويين في كربلاء لأن هذه الخطوة ستكون بمثابة مخاطرة أمنية خاصة أن الأمن لن يوفر أي حماية لمجالس العزاء في الوقت الذي يمكن أن يشن المتطرفون من أتباع الوهابيين والسلفيين هجمات تفجيرية تحصد عشرات الأرواح في ظل حملات التكفير التي يقوم بها مشايخ السلفيين والوهابيين الذين يكفرون الشيعة كل يوم على المنابر..

النفيس يطالب مصر بالكف عن قمع الشيعة

ودعا النفيس المسئولين بوزارة الداخلية إلى التوقف عمّا وصفه بالانتقام من شيعة مصر بسبب الخلافات السياسية بين مصر وإيران. وقال "إذا كانت لديهم خلافات مع إيران فليحاولوا ضرب مفاعلها النووى بدلاً من اضطهاد الشيعة بلا مبرر".

وتأتي تصريحات النفيس على خلفية توقيفه فى مطار القاهرة إثر عودته من طهران لمدة خمس ساعات، وتعرضه للتفتيش الدقيق مرتين ومصادرة أسطوانة مدمجة ودليل تليفونات كان معه، وقال "فتحوا علب الشيكولاتة والهدايا التى اشتريتها من السوق الحر، وفتشوا حتى الجيوب الداخلية للملابس التى كانت فى حقائبى".

وأعرب النفيس عن دهشته من تعرضه لإجراءات وصفها بحرب الأعصاب والإهانة المتعمدة خلال الذهاب والعودة فى مطار القاهرة، فيما لا يتم تنفيذ قرارات المنع من السفر التى يصدرها النائب العام بشأن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. مشيراً إلى أن المسئولين بالمطار يبررون المعاملة السيئة التى يتعرض لها بأنها "أوامر من جهات عليا".

وكان النفيس فى زيارة لطهران لحضور مؤتمر أكاديمى عن "الشهيدين" الشيخ محمد ابن مكى العراقى صاحب كتاب "اللمعة الدمشقية" والشيخ زين الدين العاملى صاحب كتاب "الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية" واللذين قتلا بسبب انتمائهما للمذهب الشيعى، حسبما ذكر النفيس.

من جانب آخر رفض النفيس فكرة التبشير، مؤكداً أنه لم يولد شيعياً، ولكن انخرط فى المذهب الشيعى بتفكيره وعن اقتناع دون أن يجبره أحد على ذلك، ولافتا إلى أن مهاجمة الشيعة أمر مرتبط بالنظام الوهابى فى السعودية.

وقال النفيس، الذين يتحدثون عن التشيع فى مصر، هم مجرد رجع صدى لما يريده النظام الوهابى فى السعودية خدمة للمشروع الوهابى، فمن العيب أن نعتقد بوجود عداء بين السنة والشيعة، لأن هناك عشرات الكتب السنية المطموسة، التى لو اطلع عليها أهل السنة لاختلفت معاييرهم فى الحكم على الشيعة، لو قرأوا مثلاً كتاب «خصائص الإمام على» للنسائى وهو أحد الستة الصحاح، والذى قتل بسببه، لفهموا حقيقة الطمس المتعمد للتاريخ الشيعى فى العالم العربى، أنا سنى سابق وأعرف جيداً من يكذب ومن يدجل، ولم أولد شيعياً.

الإفراج عن شيعة محتجَزين

من ناحية اخرى قال مصدر في مصلحة السجون المصرية ان وزارة الداخلية أمرت بالافراج عن 11 شيعياً احتجزوا قبل سبعة أشهر بعد عقدهم اجتماعات لطائفتهم.

وتقول منظمات لمراقبة حقوق الانسان ان الشيعة في مصر التي يغلب على سكانها (77 مليون نسمة) السنة يتعرضون لمضايقات من الشرطة يبدو أن دافعها ازدراء معتقداتهم والاشتباه بأن لهم صلات مع ايران. ويمثل الشيعة ما يقل عن واحد في المئة من السكان في مصر.

وأضاف المصدر أن من بين من تقرر الافراج عنهم الشيخ حسن شحاتة الذي كان واعظا في مسجد سني كبير في مدينة الجيزة المجاورة للقاهرة واستضاف برنامجا حواريا تلفزيونيا في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات.

وتقول منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ان شحاتة ألقي القبض عليه عام 1996 واحتجز لمدة عام مع 56 شيعيا اخر فيما يتصل بتهمة التامر لقلب نظام الحكم والترويج للافكار الايرانية في مصر.

وقال حسام بهجت رئيس المنظمة "نحن نرى أن هذه القضية نمط متكرر يقوم ضباط مباحث أمن الدولة فيه باستخدام السلطات المخولة لهم بموجب قانون الطواريء ومواد غامضة ومطاطة في قانون العقوبات تختص بازدراء الاديان لملاحقة الشيعة بسبب معتقداتهم الدينية."

وقال بهجت انه يعتقد أن 13 شيعيا سيفرج عنهم لكن المصدر في مصلحة السجون قال ان العدد 11.

واحتجزت قوت الامن في السابق نشطا شيعيا لمدة شهرين عام 2007 لانه بدأ حملة للمطالبة بمزيد من الحقوق للطائفة الشيعية. واحتجز النشط وهو محمد الدريني أيضا لمدة 15 شهرا عام 2004 بتهم تشمل ازدراء الدين وتشويه سمعة السجون المصرية.

وقال بهجت الذي كثيرا ما تتابع منظمته قضايا التمييز الديني ان قانون العقوبات المصري قدم رخصة لا مبرر لها لاجهزة الامن لاحتجاز أشخاص لاسباب دينية لكن معظم القضايا لا يحال المتهمون فيها للمحاكمة.

ندوة الفتنة الكبرى تتحول لمبارزة شيعية سنية

وفي سياق متصل تحولت ندوة "الفتنة الكبرى فى العراق" إلى مبارزة بين أنصار السنة والشيعة، بعد أن انصبت الندوة على الدور الإيرانى فى تعميق الفتنة داخل المجتمع العراقى ما بين الشيعة والسنة، وهو ما أثار غضب عدد من متابعى الندوة من الشيعة، فقام أحدهم وقال إن"السعودية أعطتكم فلوسا للهجوم على إيران"، فيما اتهم د. أحمد راسم النفيس النظام العراقى السابق بتعميق الفتنة الطائفية، متهماً فى الوقت ذاته الدكتاتور صدام حسين بأنه أعطى أوامره لرجال نظامه بقتل العلماء الشيعة.

المبارزة فى الندوة التى عقدت مؤخراً لم تقتصر على أنصار السنة والشيعة وإنما امتدت إلى مناصري النظام العراقى السابق برئاسة صدام حسين، والمعارضين لهذا النظام، ففى حين قال الكاتب العراقى صلاح نصراوى إن الواقع فى العراق أكثر كارثية ومأساوية، مشيراً إلى أن القضية الأساسية فى الوقت الحالى تتطلب التركيز على إعادة بناء الدولة التى تم تدميرها من جانب النظام العراقى الاستبدادى السابق قبل الغزو الامريكى، أعلن عدد من الحضور غضبهم على هجوم نصراوى على نظام صدام حسين، وانطلقت صيحات البعض "يعيش المرحوم صدام حسين"، مما دفع نصراوى إلى ترك المنصة وإنهاء الجلسة الثانية من الندوة، من جانب د. على الدين هلال أمين الاعلامى بالحزب الوطنى الديمقراطى.

الندوة التى نظمها مركز الاهرام للنشر والترجمة والتوزيع بمناسبة صدور "الفتنة الكبرى الجديدة" للزميل محمد الأنور الذى أنهى مهمته مؤخراً كمراسل للأهرام فى العراق، أكدت أن هناك دورا إيرانيا فيما يحدث بالعراق فى الوقت الحالى، متهمة فى الوقت نفسه الأنظمة العربية بأنها أعطت الفرصة لإيران بعد أن أخلت الساحة لها.

الدكتور نورى عبد الرازق رئيس منظمة التضامن الأفريقى الآسيوى، انتقد عدم الفهم أو الإدراك العربى لطبيعة الرغبة الإيرانية تجاه العراق، وقال "إن إيران لها دور فاعل فى العراق لأنها تاريخيًّا لها خلافات مع العراق منذ النظام الملكى، وكانت من الدول المرحبة بإسقاط صدام، بعد أن ساهموا مع أمريكا فى إسقاط طالبان فى أفغانستان، وهو ما يوضح أن هناك استراتيجية إيرانية واضحة للسيطرة على العراق، وهو مالم تأحذه الدول العربية بعين الاعتبار".

شيخ الأزهر يصف الخلاف بين السنة والشيعة بالسياسى

من جانب آخر أكد الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف وسطية واعتدال الدين الإسلامى واستمرار دور الأزهر لخدمة قضايا الأمة وتقديم خدماته لكل المسلمين كجامع وجامعة.

كما أكد شيخ الأزهر ـ خلال لقائه بمشيخة الأزهر مع الشيخ محمد الحاج حسن رئيس التيار الشيعى الحر فى لبنان ـ أن المسلمين سنة وشيعة يعملون يدا واحدة لخدمة دينهم وأمتهم وحل قضاياهم، فى إطار من التعاون والتفاهم، وأن المسلم مهما كان سنة أو شيعة يحترم أصحاب رسول الله (عليه الصلاة والسلام).

وأوضح الدكتور طنطاوى أن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف سياسى وليس مذهبى، وأن على الجميع التمسك بتعاليم الإسلام السمحة التى تنبذ العنف والكراهية وتدعو إلى التسامح.

من جانبه، أشاد رئيس التيار الشيعى فى لبنان بدور الأزهر فى نشر الدين الوسطى المعتدل.. معربا عن أسفه بأن يكون العمل السياسى تحت عباءة الدين فى الوقت الذى يجب أن تكون المرجعية الإسلامية للأزهر بمنهجه المعتدل. وقال إن ما يحدث فى بعض الدول من وجود تيارات متعصبة يضر بالمسلمين ويضعف قضيتهم الأساسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/كانون الثاني/2010 - 2/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م