هل أنت سعيد في وطنك؟

محمد خليل كيطان

حقاَ..هل أنت سعيد في وطنك؟ لا تتسرع في الاجابة .. فكر مليا قبل ان تجيب بـ نعم أو بـ لا.. وكما قيل ويقال لتلاميذ المدارس "فهم السؤال نصف الجواب؟".. ولكن لماذا يرسب التلاميذ إذن، ما دامت امامهم فرصة للتحديق في ورقة الاسئلة والحصول على نصف الدرجة؟ هل هم عاجزون عن فهم الاسئلة أم ربما ان اغلبهم يعجزون عن القراءة اصلا؟

عليك ان تتأمل مفردات السؤال واحدة تلو الاخرى ( هل انت سعيد في وطنك؟).. فـ (هل) اداة استفهام تفتقد الاجابة وتبقي كل شيء رهن الظنون، نحو هل تحب زوجتك؟ هل انت راض عن وزنك؟ هل تكره عملك؟ هل تعتقد انك عائد اليوم الى بيتك؟ هل انت متورط بجريمة في حق الآخرين؟ هل أنت مع أو ضد قرارات استبعاد بعض السياسيين من التنافس في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ وهل اعجبك اداء الحكومة والبرلمان الحاليين؟ وهل سيعجبك اداء المقبلين؟ هل ستعلو مفاهيم المواطنة فوق مفردات الطائفة والحزب والقومية ، اخيرا هل يبقى العراق موحدا؟

اما (انت) فمعروف انه ضمير مرة يأتي مستترا ومرة يأتي متصلا بحسب مقتضيات الوضع الامني للمدينة التي تسكن وبحسب وضعك المالي ان كنت دائنا متمكنا او مديونا مفلسا ، ويقال عليك تجنب قول الضمير "أنت" قدر الإمكان عندما تريد ان تخاطب شخصاً بأدب وكياسة كأن يكون مسؤولا كبيرا ومخيفا في ذات الوقت، أما إذا كنت تحادث مسؤولا كبيرا فقط ليس لديه حماية شداد غلاظ او يستحكم على قوة عسكرية او شرطوية او مليشيوية فيمكن لك ان تصرخ به من دون أدب وتستخدم سلسلة من الضمائر غير المهذبة اهونها قولك (انت فاشل)، ..

ولا تنسى ايضا يمكن لك استخدام الضمير "أنت" مع أصدقائك المقربين ممن سقطت الكلفة بينك وبينهم كقولنا (عند الاصحاب تسقط الآداب).

اما (سعيد) فهو اسم يدل على ان صاحبه يتمتع بفيض من السعادة أي انه مبتهج،فرحان، وافر السعد والسعود من فرط ما يلاقيه في حياته من اخبار سارة تبشره بتضاعف الاعمال الارهابية في المرحلة التي تسبق موعد التصويت، ثم التهديد بقطع الحصة التموينة والتلويح برميه واسرته في الشارع مع الارتفاع المهول لبدلات ايجار العقارات.. وقد يسمي بعض الآباء أبنائهم أسماء معينة أملا بتغيير وتبديل حضوهم كقولهم (عادل) سعيا لنيلهم العدل والانصاف في حياتهم التعسة او قولهم (شريف) املا بتولي امرهم من يقدس صفات الأمانة والشرف لا الفساد وتبديد الثروات ،وهكذا قولهم في أسماء صادق وأمين وسلام وأمل وسعادة وأخوها (سعيد) الذي يعد اسما جامعا للكثير من الفضائل والحسنات من بينها الدوام على الابتسام والضحك والقهقهة وان كان من فرط الجنون وذهاب العقل في بعض الأحيان.

أما (في) فعلى الرغم من انه حرف جر بسيط الا ان اثره يمكن ان يزحزح جبال او يجفف انهار وبحيرات عمرها الاف من السنين او (يشحط) مسؤولين في يوم في شهر في سنة ويرميهم في مزابل التاريخ ويجعل منهم اضحوكة في المجالس الليلية وبعض برامج الفضائيات التافهة التي أمست اليوم مدارس رقص وهز أشهر من مدارس (ففي عبده).

اما (وطنك) فهو ليس لك وحدك.. ولا لأبناء جلدتك.. فقد يكون فيه حصة كبرى لجارك او عدوك وقد يكون قبرك.. لك ولجميع اهلك.. وربما كان وطنك هو الذي تهرب اليه لا الذي تهرب منه الذي يشبع بطنك لا الذي يتركك تتضور جوعا وحسرة وألما..أن وطنك هو حضن أمك وعقال أباك وذكرى جدك الذين ماتوا يحلمون بيوم سعدك.

هل فهمت السؤال؟ واستوعبت المقال؟ اجب الان:هل انت سعيد في وطنك؟ أم ما زلت تعيسا يا سعيد؟.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/كانون الثاني/2010 - 1/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م